بلغ عدد ضحايا العنف العرقي والطائفي الذي تشهده كراتشي 1800 قتيل العام الماضي. وتجاوز حاجز الپ800 قتيل منذ مطلع 1995، من دون ان يلوح في الأفق ما ينبئ بقرب انفراج الأزمة. وعلى رغم الدماء والتوتر الشديد، فما يزال المهاجرون في كراتشي يتحمسون للالتفاف في حلقات للاستماع الى الخطب النارية التي يوجهها اليهم زعيمهم ألطف حسين من مقره في شمال لندن عبر شبكات الهاتف النقال الخليوي. يقيم حسين منذ اكثر من سنتين في العاصمة البريطانية. ويقول انه غادر بلاده بطلب من مؤيديه الذين قال انهم يريدون زعامته ويريدون له الابتعاد عن محاولات الاغتيال التي قد يكون هدفاً لها في كراتشي. "الوسط" التقته في منزله في شمال لندن، ودار هذا الحوار: هل من سبيل لوقف دورة العنف في كراتشي؟ - ان ما يحدث في كراتشي ليس نتيجة حادث وقع أخيراً، لكنه نتيجة معاناة المهاجرين الذين يعيشون في كراتشي وغيرها من المدن والأرياف الواقعة في مقاطعة السند. ان المهاجرين الذين لجأوا الى باكستان بعد تقسيم الهند العام 1947، ضحوا بمليوني شهيد من أجل تأسيس باكستان، لكن، لسوء الحظ، لم يمنحهم الحكم الباكستاني أي حقوق. وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لوضع حد لهذه الحرب الأهلية؟ - أناشد العرب والمسلمين التعرف على الأزمة وأسبابها من الاطراف الأساسية فيها. لأنه للأسف لا يمكن الركون الى ما تبثه الحكومة الباكستانية عن هذا الموضوع. ان ارسال لجان لتقصي الحقائق الى كراتشي، أو حيدر آباد، أو غيرهما، كفيل باعطاء الباحث عن الحقيقة صورة وافية عما يجري. يتعرض المهاجرون للتعذيب والاعتقال والتميز ضدهم، ولا يحصلون على الحد الادنى من الحقوق التي يتمتع بها المواطن الباكستاني العادي. نحن سنستمر في نضالنا السلمي، لكن الحكومة هي التي تستعمل العنف ضد 22 مليون مهاجر، تحاول اقصاءهم عن دورة الحياة السياسية والاقتصادية. هل هي حرب للمشاركة في السلطة؟ - للمهاجرين حقوق، وعلى الحكومة الباكستانية ان تقدم الينا ما يتناسب مع حجم وجودنا. لقد وجهنا رسائل عدة الى الرئيس الباكستاني والمسؤولين، وقلنا أننا لا نطالب بشيء سوى المعاملة بالمثل، والمشاركة، والتمثيل في الحياة السياسية. نطالب بأن نعامل كباكستانيين. انهم يعاملوننا باعتبارنا مواطنين من الدرجة الثالثة، ويعاملوننا كمحتلين، أو أسرى حرب. هل ارتكبنا خطأ عندما حاربنا من اجل قيام دولة باكستان. لماذا قاطعتم الانتخابات الاخيرة؟ - تعد حركة مهاجر قومي ثالث أكبر حزب سياسي في باكستان، وثاني أكبر حزب في مقاطعة السند. وقد حققنا فوزاً ساحقاً في الانتخابات المحلية التي اجريت العام 1987 وفي الانتخابات العامة التي اجريت العام 1988. وفي 1990 فزنا بپ15 مقعداً في الجمعية الوطنية البرلمان المركزي و28 مقعداً في البرلمان الاقليمي. وعندما اجريت انتخابات العام 1993 قاطعنا بسبب الاجراءات التي اتخذها الجيش الباكستاني ضدنا. اذ منعنا من المشاركة، ومنع تحرك مرشحينا في خطوة لاقصائنا عن الحياة السياسية العامة. لماذا سمحوا لكم بالمشاركة في السابق، وعادوا ليغيروا موقفهم من مشاركتهم؟ - بدأوا حملتهم العسكرية ضدنا العام 1992. وقالت الحكومة ان تلك الحملة تهدف الى وضع حد لنشاط المجرمين ومهربي المخدرات والمطلوبين. لكن الحملة كانت عملياً ضد كل المهاجرين، اذ قُتل من أنصارنا مئات في هذه الحملة. وصورونا امام الرأي العام الدولي باعتبارنا حركة ارهابية. هل تعاونت مع نواز شريف عندما كان رئيساً للحكومة؟ - عملنا مع شريف من خلال اشتراكنا في الجمعية الوطنية، وفي البرلمان الاقليمي. وقد أبلغنا شريف ان الجنرال عاصف نواز رئيس أركان الجيش السابق تصرف بشكل خاطئ معنا، وأنه حاول منعه من القيام بأي عمل عسكري ضد المهاجرين، لكن رئيس الاركان السابق أكد لرئيس الحكومة ان الحملة العسكرية لن تطاول أي حزب سياسي، او حركة المهاجرين، وقال انها موجهة ضد المجرمين واللصوص والمهربين والمطلوبين. لكنها طاولتنا بشكل أساسي. وخطأ شريف انه لم يكن إبان حكمه قادراً على وقف تلك الحملة ضدنا. فاستقال نوابنا على الأثر من الجمعية الوطنية، وتركنا تحالفنا مع شريف احتجاجاً على ذلك. وهل اتصلت بنواز شريف في الآونة الأخيرة؟ - نعم، انه يعتقد ان ما تقوم به الحكومة حالياً ضد مصلحة باكستان، وان بنازير بوتو تقود البلاد الى التقسيم في خطوة تهدف الى تنصيبها حاكمة فردية على اقليم السند. لكن المهاجرين في باكستان اقوياء كالصخرة وسيعارضون مثل هذه المشاريع خصوصاً في السند. ألا تعتقد أن استمرار العنف والمواجهات قد يقود الى خلق اجواء مشابهة لتلك التي أدت الى انفصال بنغلاديش؟ - اذا لم يلبِّ الحكام والسلطات في باكستان حاجات السكان، خصوصاً المهاجرين، فإن مستقبل البلاد سيكون في خطر، وعلى وجه الخصوص امنها. نحن نعتقد ان الوقت الآن مناسب لتأكيد بقاء باكستان بحدودها الحالية. هل هناك جهود للوساطة بينكم وبين السلطات الباكستانية؟ - لا يوجد شيء جدّي حتى الآن. نحن على وشك الدخول في مفاوضات، لكن لا أعتقد ان بنازير بوتو مهتمة بهذا الأمر، وباحراز تقدم فيه. لننتظر ونرى ماذا سيحصل. لكنها اشترطت ان تعلنوا ادانتكم للارهاب، وتسليمها المطلوبين للعدالة؟ - نددتُ بالارهاب مراراً، لأن حركة مهاجر قومي حركة مسالمة، لا تؤمن بالعنف بكل اشكاله. وليس في فلسفة حركتنا ان نحقق أهدافنا السياسية بممارسة العنف. لا نملك أسلحة وماذا عن الأسلحة التي بحوزتكم؟ - لا نملك أسلحة. والسؤال الذي يجب ان يُسأل: كم شخصاً يقتلون يومياً من أنصارنا؟ فلو كانت لدينا الاسلحة ألا تعتقد انهم سيمنون بخسائر مشابهة؟ لكن هناك من يقول انكم اشتريتم اسلحة وصواريخ من المجاهدين الافغان؟... - عندما بدأ الجيش الباكستاني حملته ضدنا العام 1992 صادر حتى الأسلحة المرخص بها من كل المهاجرين. وماذا اذن عن تعرض طائرة حكومية باكستانية لصاروخ أطلقه أنصار حركتكم أخيراً؟ - عندما تدفع جهة ما الى مكان ضيق، وتحرمها من كل شيء، وتعاملها كأن أفرادها حيوانات وأعداء، فماذا تتوقع ان يكون رد فعلها؟ ان مثل هذه الاجواء من اليأس والاحباط قد تدفع أفراد الى تأسيس مجموعات تحاول الدفاع عن نفسها، وعما تمثل، وتحاول حتى فرض القانون وتطبيقه بنفسها. حدِّثنا عن الحرب الطائفية بين السنّة والشيعة في كراتشي... - الجهة التي تقوم بإشعال هذه الفتنة هي "جماعة حقيقي" التي تدعمها اجهزة الأمن الباكستانية، وليست حركة مهاجر قومي. وكل شخص في كراتشي يعرف هذا الأمر ومسؤولية "جماعة حقيقي" عن تلك الحوادث. ومن هم "جماعة حقيقي"؟ - انهم مجموعة من المجرمين يمولهم ويدرّبهم الجيش الباكستاني، ويعطيهم صلاحيات مطلقة سواء لجهة القتل أو الاعتقال. وقد بعثت أخيراً رسائل الى الرئيس فاروق ليغاري شرحت له فيها تفاصيل ما يقع من حوادث، والاطراف التي تقوم بها. أي نوع من أنواع الدعم تتلقاه حركتك من الهند؟ - بدأت بنازير بوتو تصاب بالجنون ولهذا فهي تطلق الاتهامات ضدنا، وكلها اتهامات بلا أساس. وهي تقول انها تعرضت لاتهامات من قبيل تلقيها مساعدات من جهات اجنبية عندما كانت في المعارضة. والحقيقة ان ثمة صحة في هذه الاتهامات، لأنها كانت وراء حركة إرهابية تولت اختطاف الطائرات، وقتل الابرياء، وقصف المؤسسات. لكن بنازير نفت أن تكون على علاقة مع التنظيم الذي أشرف عليه شقيقها مرتضى بوتو... - كانوا كلهم ضمن تنظيم ذو الفقار. وكانوا متحدين عندما كانوا في المعارضة. وكانوا يتلقون مساعدات من جهات اجنبية. ونحن نحصل على المساعدات من انصارنا فحسب، وليس من أي جهة اجنبية. ما الذي يمكن ان يحققه الجيش الباكستاني الآن اذا طلب منه السيطرة على الوضع في كراتشي وإعادة الهدوء اليها؟ - مزيد من العنف والقتل. 22 مليوناً يؤيدونني ما هو حجم نفوذك في صفوف المهاجرين؟ - الحمدلله ان شعبي يحبني. وهم على اتصال بي. وإذا أردت ان تعرف حجم تأثيري فما عليك الا زيارة كراتشي، ولا أبالغ اذا قلت انني استمد قوتي ودعمي من 22 مليون مهاجر يعيشون في باكستان. ما هو مستقبل كراتشي اذا استمر العنف بالوتيرة الحالية؟ - اذا استمرت الحكومة في القيام بالعمليات نفسها في المدينة، فإن الاحباط سيستمر وسينجم عنه ما يدمر سمعة كراتشي باعتبارها العاصمة الاقتصادية لباكستان. ونعتقد ان حصول المهاجرين على حقوقهم، وتمثيلهم بشكل عادل في مؤسسات الدولة، كفيلان بحل الازمة لما فيه خير باكستان وتقدمها. كنت على علاقة جيدة في السابق مع المؤسسة العسكرية في باكستان. ما الذي تغير الآن؟ - هناك بعض العناصر في باكستان يعتقد ان المهاجرين سيسيطرون على السلطة اذا عوملوا على قدم المساواة مع بقية ابناء الشعب الباكستاني خصوصاً ان نسبة مرتفعة من المهاجرين اكتسبت ثقافة وتعليماً. ماذا عن العلاقة الخاصة التي كانت تربط حركة مهاجر قومي بنظام الجنرال محمد ضياء الحق؟ - كانت معاملته لنا افضل من المعاملة التي يلقاها المهاجرون على يد الحكام والعسكريين الحاليين. اذا لم تلبّّ الحكومة طلباتك ماذا سيحدث؟ - سنستمر في نضالنا، وسنسعى الى حض المجتمع الدولي على القيام بخطوات فاعلة للضغط على الحكومة الباكستانية. وآمل ان تقوم حكومات الدول الاسلامية والعربية بدور فاعل لوضع حد لهذا الصراع الدامي. لكن بنازير بوتو، تقول ان الهند تدعمكم رداً على دعم باكستان لثوار كشمير؟ - هذه اتهامات غير صحيحة، الغرض منها صرف الانظار عن الواقع الذي تعيشه البلاد. ليست لنا اي صلة بالهند.