لا يخفي قاضي حسين أحمد زعيم "الجماعة الاسلامية" في باكستان اغتباطه عندما يسمع ان جماعته ستلعب دوراً بارزاً في الحياة السياسية الباكستانية بعد الانتخابات التي ستجري الشهر المقبل. ويبتسم عند سؤاله عن سر اهتمام بنازير بوتو زعيمة حزب الشعب ونواز شريف رئيس حزب الرابطة الاسلامية به، ومحاولاتهما التقرب منه. لكن من يسمع شروطه يدرك على الفور انه يساوم للحصول على أقصى ما يمكن من المطالب، خصوصاً انه يصف بوتو وشريف بأنهما "وجهان لعملة واحدة"، ولا يمكن التحالف معهما. "الوسط" التقت في اسلام آباد زعيم "الجماعة الاسلامية" الباكستانية وحاورته: تنوون خوض الانتخابات العامة المقبلة وتعارضون التحالف مع حزب عوامي الوطني ونواز شريف، لماذا؟ - عدم وجود تعاون وثقة بين رئيس الوزراء السابق نواز شريف ورئيس الدولة السابق غلام اسحق خان وبين حزب الشعب ورئيسته بنازير بوتو، أدى الى أزمة سياسية. ان بنازير ونواز لا يستطيعان التقارب او الاتفاق على السير في الاطار الديموقراطي. ونحن نخشى ألا يتمكنا من اخراج البلاد من الازمة التي تعيشها إذا عادا الى السلطة في المستقبل، ولهذا نطالب الشعب باستبعادهما عن الحكم واختيار شخصيات من تيار الوسط. لقد حاولنا التوسط بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء وبنازير بوتو لحل الازمة، لكن مشكلتهم انهم لا يعترفون بعضهم بحقوق بعض في النظام الديموقراطي، اضافة الى عدم وجود فرق جوهري، في نظري، بين حكم نواز شريف او حكم بنازير بوتو، لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الخارجية. لكن السيد ابو الاعلى مودودي تعاون في الماضي مع حزب عوامي ونواز شريف مرات عدة، فلماذا لا تتعاونون انتم ايضاً؟ - لقد أنشأ مولانا سيد ابو الأعلى رحمه الله "الجماعة الاسلامية" لاقامة حكم الله، وليس للتعاون مع نواز شريف أو غيره. في السابق كانت سياستنا التعاون مع أهون الشرّين، ولكن حسب التجربة ليس فيهم أهون. هل لهذه الاسباب تصفون نواز شريف وبنازير بوتو بأنهما وجهان لعملة واحدة؟ - لأننا نعرف انهما ينفذان السياسة نفسها، ويعتقدان أن الغرب هو المنقذ لهذا العالم، ويؤمنان بأن الدولة الفلانية او تلك هي الجبارة او المنقذة ويعتقدان بالنظام العالمي الجديد، ونحن لا نعترف بهذا، فلقد شهدنا في السنوات الماضية غياب بريطانيا بعدما كانت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، والآن لا تشرق فيها الشمس، كما رأينا اختفاء الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى، ومن يدري ربما رأينا قريباً انهيار الولاياتالمتحدة وتراجع دورها كقوة عظمى. الخلاف على أميركا وكشمير ما هي مآخذكم على سياسة بوتو وشريف على الصعيدين الداخلي والخارجي؟ - تتعرض باكستان لضغوط من الدول الغربية للتخلي عن برنامجها النووي الذي هو للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً ان دولاً مثل الهند واسرائيل وحتى جنوب افريقيا تملك اسلحة نووية ولم تتعرض أي منها لحملات مشابهة، ويجب ألا ننسى ان باكستان تعرضت، طوال السنوات الماضية لثلاثة اعتداءات هندية، لذلك فأنا من المؤيدين لامتلاك باكستان رادعاً قوياً. هل تعتزمون في هذا المجال ان يكون الحفاظ على البرنامج النووي الباكستاني من شروط التحالف مع اي من القوى السياسية الفاعلة؟ - هذا احد اسباب خلافي مع كل من نواز شريف وبنازير بوتو. انهما يريدان ان نسير في الخط الاميركي، وهما مستعدان للتراجع عن سياستنا النووية. والشيء الثاني المهم بالنسبة الينا هو موضوع كشمير، حيث الترابط الجغرافي والديموغرافي والتاريخ له بصماته الواضحة. ويقيني ان الحكومة الباكستانية والسياسيين التقليديين يتعرضون لضغوط من الولاياتالمتحدة للتفريط بكشمير التي تبلغ نسبة سكانها من المسلمين 90 في المئة. هناك اجماع على الاستمرار في السياسة الاقتصادية التي بدأها نواز شريف. هل انتم موافقون؟ - لا يبدو ان هناك اي اتفاق بين بنازير ونواز في هذا الشأن، لا في مجال التخصيص ولا في أي مجال آخر. نحن نريد ان تكون للطبقة العاملة حقوقها، ونرفض ان تباع مقدرات البلاد لجهات اجنبية، واذا كنا مع تشجيع الاستثمار في باكستان، الا اننا ضد بيع قطاعات اساسية كالخطوط الجوية الباكستانية او الكهرباء او المعادن او الهاتف لجهات اجنبية، الامر الذي يساعدها على التحكم بمقدراتنا وثرواتنا الاساسية. لا تحالف مع الاثنين لماذا تصرّون على خوض الانتخابات كتطرف مستقل للمرة الاولى، ألا تعتقدون ان من شأن ذلك ان يفسح المجال لبنازير بوتو للفوز بالغالبية؟ - نحن نعتبر انفسنا المعارضين الاساسيين لحكم بنازير بوتو وليس لنواز شريف الذي جاء بمحض الصدفة الى الحكم، ونحرص على مواجهة هؤلاء العلمانيين ونقف بصلابة ضد سياسة التدخل الخارجي في شؤوننا، ولهذا نعتبر ان قاعدة الاسلاميين ستتسع اكثر في المستقبل. هل كلامكم عن نواز شريف يعني تشكيكاً في قدرته على القيادة؟ - بنازير ونواز لا يمتلكان مواصفات القيادة. ما هي شروطكم للتحالف مع بوتو او شريف؟ - لا نريد ان نتحالف مع أي منهم. وماذا عن المستقبل؟ - لا ارى ان هناك مجالاً لذلك في المستقبل، قد يكون ممكناً التفاهم مع نواز او بنازير على قضايا محددة. هل تعترضون على قيادة امرأة لحزب الشعب الباكستاني؟ - نحن نعترض على الفساد، سواء كان رمزه امرأة او رجل. تحالفتم في السابق مع والدها علي بوتو، لماذا لا تكررون التجربة مرة اخرى؟ - هذا الكلام غير دقيق. لم يكن تحالفاً. ألا تعتقدون ان خوضكم الانتخابات ككتلة مستقلة سيقسم أصوات اليمين؟ - لا نرى فرقاً بين اليمين واليسار، في باكستان لا معنى لهذا الكلام. لا يخفي بعض الاوساط ارتباط بعض حلفائكم من الجماعات الاسلامية بجهات خارجية، الى اي مدى يؤثر هذا في استقلال قراركم؟ - نحن ليست لنا أية علاقة مع أية دولة اجنبية، نحن نرفض الارتباط بالاجنبي ونرفض الرضوخ للضغوط. قراراتنا نابعة من مصلحة شعبنا. ولكن هناك من يتحدث عن ارقام وتحويلات؟ - الدعم والاموال تأتي من اعضاء "الجبهة" و"الجماعة الاسلامية" داخل باكستان. نحن نعتمد على أنفسنا، ولذلك كانت مواقفنا صريحة وواضحة حيال عدد من القضايا الاسلامية. تصرّون على تطبيق الشريعة الاسلامية، ألا تعتقدون ان ذلك يهدد بانقسامات او حرب اهلية في بلد تزيد فيه المذاهب والطوائف عن السبعين؟ - نحن جمعنا كل الجهات في "الجبهة الاسلامية" حيث تجد السني والشيعي والسلفي والحنفي وجميع المذاهب والمدارس الدينية، وكان ذلك بمثابة تحد لنا. كيف يمكن أن تنجح باكستان في فرض نظام منع الربا وهي تعتمد اعتماداً كبيراً على المساعدات الاجنبية والمصارف الغربية لتمويل الكثير من نشاطاتها؟ - نحن لا نحتاج الى المساعدات الخارجية، ولدينا برنامج للاكتفاء الذاتي لا يعتمد على الربا. بل لدينا خطط للمشاركة والتعاون مع الآخرين برأس المال والارباح والموازنة وما شابه ذلك. لا تطرف في باكستان الجماعات الاسلامية في كل من مصر والجزائر تعيش أزمة مع النظام، ما هي طبيعة تحالفكم معها، وهل تطمحون الى اقامة جمهورية اسلامية في باكستان؟ - لا يمكن ان يحدث في باكستان ما يحدث في مصر أو في الجزائر، فالمجتمع الباكستاني لا يعرف التطرف، وحتى خلال حكم الجيش للبلاد لم يكن هناك تطرف او مواجهات على النحو الذي تعيشه الجزائر او حتى مصر. هل يعني هذا انكم تدينون العنف؟ - نعم، نحن لا نؤيد العنف. هل تؤمنون بالعنف وسيلة للوصول الى السلطة؟ - لا، نحن مع الوصول الى الحكم بالتشاور وعبر الطرق الديموقراطية. ما هي طبيعة علاقتكم بحركة "حماس" الفلسطينية والشيخ عمر عبدالرحمن؟ - "حماس" جزء من حركة "الاخوان المسلمين"، اما عمر عبدالرحمن فليست لنا أي علاقة رسمية معه، باستثناء اننا نؤيد كل الحركات التي تؤيد فرض حكم الله على الارض. حتى لو تم فرض هذا الحكم بواسطة العنف؟ - ان الضغوط التي يتعرض لها المسلمون في فلسطين وكشمير وبعض مناطق العالم تجبر المسلمين على الدفاع عن انفسهم وعقيدتهم. نحن في باكستان لم نقم بأي عمل عنف، اخواننا في كشمير استشهد كثيرون منهم. سياستنا هي ان نصل الى الحكم بمساعدة الشعب. كيف تقوّمون تدخل الجيش في باكستان لحل الازمة السياسية التي نشبت بسبب الصراع بين نواز شريف واسحق خان وبنازير بوتو؟ - اذا لم ينجح السياسيون في حل الازمة فلا مانع من مساعدتهم لتخطي العقبات، ولكن بصراحة نحن ضد تدخل الجيش في السياسة، ان التعاون جيد. هل من خوف على باكستان من عودة الحكم العسكري؟ - ان استمرار الاحزاب السياسية في التناحر سيعطي الجيش الفرصة للتدخل، وانا اعتبر ذلك مؤامرة لجر الجيش الى التدخل في الصراعات السياسية. أي موقع تحتل كشمير في سياستكم، وهل تعتقدون أن العمل العسكري هو البديل من النشاط السياسي والتحركات الدولية اذا فشلت الجهود لحل ازمتها؟ - ان سكان كشمير يريدون حق تقرير المصير، ولا اعتقد أن المجاهدين في كشمير ينتظرون القوى الكبرى لحل قضيتهم. هل تتوقعون تحالفاً في اللحظة الاخيرة مع شريف؟ - لا يمكن التحالف مع شريف، يمكن ان يتم اتفاق على مواضيع محددة. مع من تفضلون التعاون، اذا لم يحصل كل من شريف وبنازير على غالبية مطلقة؟ - التعاون مفتوح. على اي اساس؟ - على اساس تلبية مطالبنا الشعبية والدينية. بوتو ترفض شروطكم وتقول انها سترفضها؟ - لكنها قالت لي لماذا لا نتحالف ما دمت مستعداً للتحالف مع نواز شريف. وماذا كان ردك؟ - رفضت التحالف، وقلت اننا يمكن ان نتفاهم على عدد من القضايا التي تلبي مطالب "الجماعة الاسلامية". لقد قالت انها تؤمن بالقرآن والسنة كأساس وقد حضر اللقاء الامين العام لحزب الشعب فاروق ليغاري.