إعصار قوي جديد يضرب الفلبين هو السادس في خلال شهر    شرطة الدمام تقبض على يمني قتل آخر حرقاً بالأسيد وطعنه بسكين    إحباط تهريب 590 كجم «قات» بمنطقتي عسير وجازان    حسن آل الشيخ يعطّر «قيصرية الكتاب» بإنجازاته الوطنيّة    12 اتحادا تختار إداراتها الجديدة    المواصفات السعودية تنظم غدا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    الليث يتزعم بطولتي جازان    الهدى يسيطر على بطولة المبارزة    برامج تثقيفية وتوعوية بمناسبة اليوم العالمي للسكري    إعلان أسماء 60 مشاركاً من 18 دولة في احتفال "نور الرياض 2024"    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    بيان سعودي فرنسي عن الاجتماع الثاني بشأن العُلا    الأربعاء المقبل.. أدبي جازان يدشن المرحلة الأولى من أمسيات الشتاء    وزير التجارة: منع الاستخدام التجاري لرموز وشعارات الدول والرموز والشعارات الدينية والطائفية    السيطرة على قريتين .. تقدم روسي شرق أوكرانيا    التواصل الحضاري ينظم ملتقى التسامح السنوي "    «الداخلية»: ضبط 20124 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    ضيف الرأي: الفنانة التشكيلية مروة النجار    إطلاق مركز (Learning Hub) للتعامل مع التهديدات الصحية المعقدة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    رونالدو يقود البرتغال للفوز على بولندا والتأهل لدور الثمانية بدوري الأمم    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    في أي مرتبة أنتم؟    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمير جعجع : "الحكيم" الحاكم والمحكموم . قصة صعود الخائف سقوط المخيف
نشر في الحياة يوم 26 - 06 - 1995

صدور الحكم على الدكتور سمير جعجع قائد "القوات اللبنانية" المحظورة في قضية اغتيال المهندس داني شمعون رئيس حزب الوطنيين الاحرار وزوجته وولديه، في موعده المفترض في 24 حزيران يونيو، لن يوقف بالتأكيد الاسئلة التي تتزاحم في اذهان بعض اللبنانيين، فالقضية التي كانت المدخل الى توقيف جعجع وحل "القوات"، وهي تفجير كنيسة الزوق، أرجيء القضاء فيها الى اجل غير مسمى. وثمة من يعتقد بأنها "غير مقنعة" ولا تبرر الاجراءات التي اتخذت استناداً اليها. وفي قضية شمعون نفسها يتحدث محامون عن "ثغرات" و"حلقات مفقودة" وعن "غياب القرائن والادلة الكافية لاصدار حكم"، اضافة طبعاً الى اسئلة اخرى كثيرة بينها: لماذا لم يغادر جعجع البلاد قبل توقيفه؟ ولماذا لم يحاول "اغراق الجميع" خلال حديثه امام المحكمة؟ وماذا ستفعل "الجمهورية الثانية" بسجين وزّرته مرتين؟ فضلاً عن ان موضوع العفو قد يطرح بعد صدور الحكم في القضيتين على الاقل من قبل الفريق المعني بمصير جعجع.
قبل أيام من الموعد المقرر لاصدار الحكم قال وكيل جعجع المحامي أسعد أبي رعد ل "الوسط" انه مرتاح الى المسائل المتعلقة بالجانب القضائي ويأمل بأن يكون الحكم دليلاً على نزاهة القضاء واستقلاله لأن في ذلك ضماناً لأي لبناني. وأعرب عن اعتقاده بعدم وجود قرائن وأدلة كافية للحكم بالادانة، فالقرائن التي ربما كانت كافية للظن ليست كافية للحكم بالادانة.
وقال انه في حالة كالحالة التي نحن في صددها يمكن المجلس العدلي ان يصدر حكماً بالادانة او البراءة كما يمكن ان يصدر باسم الشعب اللبناني أيضاً قراراً اعدادياً يقضي بفتح المحاكمة في انتظار توضيح بعض النقاط. ورفض التكهن بما سيعلنه المجلس العدلي في الموعد المحدد لنطق الحكم، مشيراً الى ان مداولات المجلس سرية.
كيف انتظر الحكم؟
وسئل كيف كان جعجع ينتظر موعد صدور الحكم فأجاب: "في مثل هذه الحال يفعل المرء ما عليه ويتكل على الله وسمير جعجع مؤمن. بدا واثقاً من الجانب القضائي لكنه مقتنع بما قاله امام المحكمة انه دخل السجن بقرار سياسي وان خروجه منه مرهون بقرار سياسي أيضاً". قال حين التقتيه "ان المعاملة معقولة لكنه بدا ناحلاً بعض الشيء عما كان عليه من قبل".
واضاف: "يسمح لجعجع باستقبال محاميه أيام الاثنين والاربعاء والجمعة، ومدة الزيارة ربع ساعة. ونحن نخاطبه من وراء زجاج مثقوب وعن بعد مترين، اي بصوت مرتفع نسبياً. ويسمح لجعجع باستقبال اهله الثلثاء والخميس لمدة ربع ساعة. والقانون يقول ان اللقاء يجب ان يكون تحت نظر الرقيب الحارس وليس تحت سمعه".
وكيف يمضي جعجع اوقاته؟ اجاب: "ينام في التاسعة مساء ويستيقظ حوالى الخامسة صباحاً. يسمح له بالمشي ساعة في النهار ويقضي معظم وقته في القراءة".
ماذا يقرأ في سجنه؟
وعن الكتب التي يقرأ، قال: "تهمه الكتب التاريخية والدينية والمذكرات. قرأ كتاباً للعلامة السيد محمد حسين فضل الله وكتاب "صفحات من تاريخ الأسد" وكتاب "حياة القديس شربل" ومذكرات نابوليون وروزفلت. الصحف ممنوعة وكذلك المجلات السياسية. يعتبر جعجع ان المعاملة حالياً معقولة ومقبولة، لكنه لا يزال يعتبر انه كان يجب نقله الى سجن آخر فهو وزير سابق، ويرى ان قضيته سياسية".
ورفض ابي رعد الرد على سؤال هل تعرض جعجع للتعذيب أو الاهانة. وأشار الى ان موكله رفض قبل توقيفه نصائح بمغادرة البلاد، وكان على علم سابق بأن قضية اغتيال شمعون ستثار. وهل هناك اتصالات للبحث في امكان اصدار عفو عن جعجع؟ اجاب: "نحن ننتظر الموعد الذي حدده المجلس العدلي ونحن متفائلون، ونأمل ان يكون الحكم لمصلحة موكلنا".
وعن الغرفة التي يقيم فيها جعجع، قال انه لم يرها لكنه سمع ان مساحتها هي أربعة أمتار مربعة.
"صفحة العمل العسكري الطويل"
قبل أربعة أشهر من حادث الانفجار في كنيسة الزوق استقبل جعجع في مقر اقامته في غدراس زائراً حمل اليه كتاباً بالفرنسية عن الرئيس الكوبي فيديل كاسترو عنوانه "نهاية حقبة". سأل جعجع الزائر الوافد من عاصمة اوروبية عن سبب اختياره هذا الكتاب بالذات فرد مشيراً الى اعتقاده بأنها نهاية مرحلة. ابتسم جعجع وقال: "مرت مراحل أشد صعوبة. لقد اعتدنا على الصعوبات".
بعدها دار بين جعجع والزائر الحوار الآتي:
كيف ترى الأوضاع حالياً؟
- ليست هناك تطورات داخلية مهمة وليست هناك حركة سياسية بالمعنى المعروف. حالة الدولة معروفة وهي غير قادرة على اتخاذ أي قرار. هناك اصرار صريح على الاستمرار في الاخلال بالتوازن. لقد دعمنا الرئيس الياس الهراوي لكنه لم يفعل شيئاً او انه لم يستطع شيئاً. والامر نفسه بالنسبة الى الرئيس الحريري. وكما ترى، الرؤساء يختلفون ويتصالحون ومقاليد الامور ليست في يدهم. المهم هو ما يجري في المنطقة على صعيد عملية السلام.
هل تعتقد بأن عملية السلام تتقدم؟
- من انخرط في عملية مدريد لن يخرج منها اذ ليس هناك خيار آخر.
هل يعني ذلك انك تراهن على عملية السلام لإضعاف سورية في لبنان؟
- لا نحن لا نراهن لكن السلام سيخفف التوترات في المنطقة وقد يدفع الى سياسات واقعية، وربما أعطي لبنان فرصة تدريجية لاستعادة حياته السياسية.
ثمة من يعتقد بأنك تنتظر هذه الاجواء للقيام بانتفاضة جديدة؟
- لا. من غير المسموح إعادة لبنان الى مناخات المواجهة. لا أحد يستطيع اعادة لبنان الى الحرب فلا القوى الاقليمية تسمح ولا الولايات المتحدة تقبل.
انت كيف تستعد اذاً؟
- اننا نقوم بتأهيل عناصر حزب "القوات" سياسياً وفكرياً وثقافياً. النتائج الاولى مشجعة.
هل نفهم ان صفحة العمل العسكري طويت؟
- نعم طويت فالحرب لا تندلع لأن الناس يمتلكون البنادق. المرحلة المقبلة ستكون مرحلة صراع سياسي.
"لن أغادر"
وما هي اوضاعكم حالياً؟
- نتعرض لضغوط متزايدة. يمسكون شاباً يحمل مسدساً فيوسعونه ضرباً ويعتقلون رفاقه. بعض الاجهزة الامنية مكلف ممارسة مضايقات لعناصر من "القوات": حواجز تتولى تفتيشهم على نحو استفزازي.
لماذا يغادر بعض شباب "القوات" الى الخارج؟
- بعضهم من اجل اللقمة اذ لم تعد هناك رواتب، وبعضهم لتحاشي الاعتقال او الاهانة. هناك في السلطة من يريد تصفية حساب مع "القوات".
كيف تفسر الضغوط عليكم؟
- ربما لأننا القوة الوحيدة التي لا يزال قرارها مستقلاً.
وما هو الهدف من الضغوط؟
- تخويف عناصر حزب "القوات" ومنعنا من التحول قوة سياسية متماسكة. والهدف الآخر دفعي الى مغادرة البلاد.
ومتى ستغادر البلاد؟
- هذا غير وارد.
مهما حدث؟
- نعم مهما حدث.
حتى ولو أدى ذلك الى الذهاب الى امام المحكمة؟
- نذهب الى المحكمة ولا نذهب الى الخارج. انا لا استطيع ان ادير ظهري وأمشي، لو كنت ابحث عن سلامتي وحصتي لكنت الآن وزيراً وربما رئيساً لكتلة نيابية.
لماذا لم تسفر الاتصالات مع سورية عن تقدم؟
- لأنني لا أستطيع ان اكون ايلي حبيقة آخر.
هل كانت لحظة حل "القوات" مؤلمة؟
- طبعاً كان هناك جانب عاطفي. فهؤلاء الشبان تركوا جامعاتهم ووظائفهم والتحقوا ب "القوات" وعليهم الآن ان يعتادوا على الحياة المدنية في ظل الضائقة الاقتصادية الحالية.
هل تتوقع دوراً لحزب "القوات"؟
- بالتأكيد، سنكون الحزب الاكثر تنظيماً.
هل ذهب السلاح؟
- نعم ذهب. صار وجوده عبئاً. تخلصنا منه لعلمنا اننا أول طرف مستهدف.
والاوضاع المالية؟
- سيئة جداً. كل مدخرات "القوات" ذهبت في ا لمواجهة مع عون.
هل انتهت المتابعة الامنية بينك وبين حبيقة؟
- نعم ومنذ وقت، لم يحاول ولم نحاول، وقد تحدثنا في هذا الموضوع خلال لقائنا في منزل الحريري.
خلو الرئاسة واغتيال معوض
وسألت "الوسط" أحد "الخبراء" بسمير جعجع ومسيرته عن الاسباب التي اوصلته الى ما وصل اليه، فأجاب: "دعنا نترك للقضاء المسائل التي ينظر فيها حتى وان كان عزلها الكامل عن السياسة متعذراً. انا استطيع ان اجيبك عن الاسباب التي جعلت سمير مكشوفاً. لقد ارتكب سلسلة اخطاء ولم يكن محظوظاً في بعض المحطات. الخطأ الاول حين فضّل خلو مركز رئاسة الجمهورية في 1988 على انتخاب رئيس مؤيد لسورية. والواقع ان مخايل الضاهر ما كان ليستطيع، في حال انتخابه، تجاهل كون "القوات اللبنانية" الطرف الاقوى في المنطقة الشرقية، وبهذا المعنى كان سمير جعجع رجلاً لا يمكن تجاهله. كان من شأن انتخاب الضاهر او شخص مشابه ان يحول دون الفراغ وقيام حكومة العسكريين واندلاع الحرب بين الجيش و"القوات" وهي كانت قاتلة بالنسبة الى سمير الذي ستتحكم بمسيرته لاحقاً عقدة ان العماد ميشال عون هو اكثر شعبية منه.
ثم ان سمير خسر باغتيال الرئيس رينيه معوض رجلاً شديد التمسك بالتوازن داخل التركيبة اللبنانية. وكان معوض بدأ فور انتخابه جهوداً مشجعة لاجراء مصالحة بين جعجع وآل فرنجية تؤدي الى اشراك سمير وسليمان طوني فرنجية في الحكومة الاولى أو الثانية. يضاف الى ذلك ان جعجع اعتقد بأن على الدولة التي قامت بعد اتفاق الطائف ان تقدر حجم الدور الذي لعبه في توفير غطاء مسيحي للاتفاق وان تعترف به بوصفه اقوى الزعماء المسيحيين. وفي هذا السياق لم يقدر سمير تماماً الحقائق التي اوجدتها حرب الخليج الثانية، وهو خطأ ارتكبه عون نفسه ولكن بدرجة أكبر. لم يستطع جعجع فتح صفحة جديدة مع سورية على رغم فتح قنوات الاتصال، لم يقبل بما عُرض عليه ولم يقبلوا بالحد الادنى الذي يعتبره ضرورياً لمشاركته في الحكم. وقد حاول الرئيسان الياس الهراوس ورفيق الحريري المساعدة في حل هذه العقدة ولكن سرعان ما بدا ان الملف أكثر تعقيداً. عقدة ذيول الاصطدام مع عون دفعت جعجع الى جعل علاقته بدولة الطائف تقوم على الشكل الآتي: رفض الزواج الكامل والسعي الى اجتناب الطلاق الكامل. وكانت هذه العقدة من اسباب مقاطعته الانتخابات النيابية. فضلاً عن ان محاولته تزعم حزب الكتائب اوحت بأنه يسعى الى التحول عقدة مسيحية امام الجمهورية الثانية. وهذا غير مسموح. والمخاوف ذاتها أثارتها محاولته القيام بعملية تأهيل سريعة لحزب القوات".
وأضاف: "حسابات الولايات المتحدة بعد مدريد تتخطى بكثير اللاعبين المحليين مثل جعجع. لهذا لم تضغط واشنطن من أجل حل مشكلته مع "الجمهورية الثانية" فهي غير مستعدة لاغاظة سورية أو لدفع ثمن في ملف من هذا النوع. لا بل ا ن واشنطن اعتبرت انه يجب طمأنة سورية تماماً الى مستقبل دورها في لبنان او علاقتها معه قبل مطالبتها بسحب قواتها منه. اما اسرائيل فان جعجع لم يكن بين اولوياتها في لبنان، خصوصاً انه كان دخل بعد توليه قيادة "القوات" في علاقات مع العراق ومنظمة التحرير الفلسطينية أثارت غضب المسؤولين الاسرائيليين. هكذا وجد جعجع نفسه بلا مظلة داخلية أو خارجية وصار من الممكن شطبه أو معاقبته. ويمكن الاعتقاد بأنه لم يكن ليصل الى هذا الوضع لو شارك في الحكومة والانتخابات النيابية".
هل يعني ذلك ان سمير جعجع انتهى؟ اجاب: "غالب الظن انه شطب من المعادلة لكن المسألة لا تتعلق بشخصه فاذا لم يعالج الوضع المسيحي الحالي فإننا قد نشهد قيام سمير جعجع آخر. يمكن شطب جعجع اذا كان هناك توازن او شبه توازن كأن يشرك في الحكومة حزب الكتائب وحزب الكتلة الوطنية وحزب الاحرار، اي القوى التقليدية في الشارع المسيحي. انظر الى الحكومة الحالية فإن سمير جعجع، على رغم كل شيء، اكثر شعبية من كل المسيحيين المشاركين فيها".
اسلوبه فردي
وعن اسلوب جعجع خلال قيادته "القوات" قال: "يشبه اسلوب معظم الحكّام فهو يقوم على التفرد حتى ولو تظاهر بالتشاور. لم يقبل حتى بواجهة ديموقراطية انتخابية في قيادة "القوات". في اسلوبه قدر غير قليل من التسلط نابع من حذره من الآخرين وشعوره بأنهم قد يقبلون بتسويات تعتبر غير مقبولة بالنسبة اليه. اسلوبه فردي يقوم على جمع السلطات في شخص وتفضيل التعامل مع مسؤولين من الدرجة الثانية من اصحاب الولاء الكامل. طبعاً يجب الاعتراف له بالجدية والمثابرة والقدرة الفائقة على التنظيم. مقومات الزعامة موجودة لديه وضعفه الكبير ان عدد الذين يخافونه كان دائماً اكبر من عدد الذين يراهنون عليه".
قصة الخائف
وتابع: "قصة سمير جعجع ولد في 1952 هي قصة الخوف قبل كل شيء. قصة الخائف الذي امتلك الكثير من القوة وصار مخيفاً. والخوف هنا يعني القلق مشفوعاً بالحذر العميق. لا أقصد التشكيك في شجاعته فهو يمتلك شجاعة جسدية لا تجارى. حين يتخذ قراره يشبه رصاصة انطلقت ولا مجال لاستردادها. ربما كان الوحيد بين قادة الميليشيات الذي قاد المعارك شخصياً وجلس على المتراس الاول.
كان سمير في السادسة عندما سمع من والده الرقيب في الجيش ان البلاد في حالة انقسام بسبب الثورة 1958. وكان في مطلع شبابه حين راحت سلطة الدولة اللبنانية تتقلص لمصلحة نفوذ المنظمات الفلسطينية. وراوده باكراً قلق ابناء الاقليات التي يتعاظم خوفها على مصيرها حين تشعر بسقوط ما كانت تعتبره ضمانات. وهكذا بين المنزل الشديد التواضع في عين الرمانة واجازات الصيف في بشري كان سمير الميال الى التأمل وشيء من الانطواء يحاول العثور على اجابات عن اسئلة الخوف التي تزايدت لدى المسيحيين آنذاك. وقوف فريق من اللبنانيين الى جانب المنظمات الفلسطينية، "الغريبة" في نظره، ترك آثاره في نفسه، تماماً كرفض الدول العربية آنذاك الوقوف الى جانب الدولة اللبنانية في محاولتها ضبط التجاوزات الفلسطينية. هذا الشرخ في العلاقات اللبنانية - اللبنانية وفي العلاقات بين فريق من اللبنانيين والعرب وضع سمير على خط التماس. وعجز الجيش اللبناني عن المحافظة على السيادة وهيبة الدولة دفعه كما الكثيرين الى الرهان على القوة البديلة التي هي الميليشيات".
ويقول: "كان سمير جعجع ضائعاً يبحث عن يقين. فقر عائلته ولّد لديه شعوراً بالظلم وتوقاً الى العدالة الاجتماعية، لكن وقوف الاحزاب اليسارية الى جانب المقاومة الفلسطينية أبقاه في المعسكر الآخر. كان للطقوس الدينية وقعها عليه: بهجة الميلاد واحزان اسبوع الآلام. وكان يفتش حوله وفي الكتب عن مخلص، وراودته لبعض الوقت فكرة ان يكون راهباً يعيش في دير بعيد منعزل. ثم اعجبته مسيرة تشي غيفارا. ومنذ البداية كان متبرماً بالتركيبة العشائرية والزعامة المسيطرة في الشمال.
في حزب الكتائب
في "ثانوية سعيد" في فرن الشباك رأى سمير ان خلية الطلاب الكتائب هي المجموعة الوحيدة المنظمة التي تقف في وجه الطلاب الشيوعيين والقوميين. وكان حزب الكتائب آنذاك يتحدث عن العدالة الاجتماعية ورفض الاقطاع، فانتسب الى الخلية. لم يختر آنذاك ان يكون محارباً "متفرغاً" وكان حلمه ان يصبح طبيباً وان يعثر على دواء للسرطان. هكذا دخل كلية الطب في الجامعة الاميركية في رأس بيروت في اجواء داخلية مشحونة. كانت سيطرة ياسر عرفات على المنطقة الغربية في تصاعد خصوصاً بعد احداث 1973 بين المنظمات الفلسطينية والجيش اللبناني.
وقبيل الحرب لم يتردد جعجع في تهريب مسدس وبضع قنابل الى غرفة نومه في الجامعة لاستخدامها اذا ما جاء الفلسطينيون لخطفه. وعندما اندلعت حرب السنتين حمل السلاح كآلاف الكتائبيين وأسس في بلدته بشري وحدة كوماندوس قادها في معارك الكورة ضد القوميين السوريين والاحزاب والمنظمات الحليفة. وبخلاف الكتائبين الآخرين لم يشعر بالارتياح الى دخول القوات السورية لبنان وعارض دخولها بلدته بشري، وكاد ان يتسبب في مواجهات دفعت بيار الجميل زعيم حزب الكتائب ومؤسسه الى سؤال ذلك الشاب البشراوي ذات يوم من هو رئيس الكتائب أنا أم أنت؟".
عقدة اهدن
ويروي الرجل الذي رافق جعجع منذ الرصاصة الاولى حتى التسعينات حين افترقت خياراتهما: "كانت احداث اهدن التي قتل فيها الوزير طوني سليمان فرنجية منعطفاً خطيراً في حياة الموارنة وحياة الشمال وحياة جعجع نفسه. قرار العملية التأديبية اتخذته القيادة الكتائبية، وبشير الجميل ألح على سمير للمشاركة فيها. وشارك في الحملة عدد من الذين تولوا لاحقاً قيادة القوات او أبرز المواقع فيها. كان سمير جعجع يقود مجموعات ميدانية لكن غرفة العمليات كانت بقيادة غيره. أصيب قبل اقتحام القصر ونقل الى المستشفى.
ومنذ تلك اللحظة ستبدأ في حياة سمير مرحلة جديدة من الخوف والتمرد. المقاتلون الشماليون الذين كانوا معه انسحبوا الى جرود البترون وجبيل واقام معهم هناك. لم يعد في مقدوره العودة الى الحياة المدنية. كان رأسه مطلوباً وصار عليه ان يحتفظ ببندقيته وثيابه الخضراء مع خيبة من القيادة الكتائبية التي سعت الى تحميله مسؤولية الحادث لتبرئ نفسها. وهكذا شعر بأن ضمانه الوحيد هو بناء قوة عسكرية شبه مستقلة داخل "القوات اللبنانية" التي اتكأ عليها بشير في صعوده الى رئاسة الجمهورية".
ادخلت عملية اهدن جعجع في سلسلة مواجهات أولها مع الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي كان حليفاً بارزاً لدمشق، وثانيها مع القوات السورية المنتشرة في الشمال وادخلته في أزمة ثقة عميقة مع القيادة الكتائبية التي صارت تنظر اليه كعبء. ومنذ تلك الايام تعلم الحذر الشديد لاحساسه بأن صفقة قد تبرم على حسابه فيقتل في مكمن او حادث غامض كمقدمة لطي صفحة اهدن.
وفي ميفوق والقطارة حيث اقام مقر قيادته كان جعجع موزعاً بين التدريبات العسكرية وعمليات التثقيف للمقاتلين وضائعاً بين القراءات السياسية والفلسفية واللاهوتية. احبه المقاتلون الشماليون لحرصه على العيش كأي واحد منهم. وصار "الشيف سمير" صاحب سلطة ولا يعترض احد حين يأمر الحكيم".
المنفذ والصورة
وتابع: "اخطاء سمير جعجع ستظهر لاحقاً، أما في تلك المرحلة فلم يكن شريكاً في القرارات الخطرة التي اتخذت. لم يكن شريكاً إلا في التنفيذ، غير ان التهم الكبرى ألصقت به. هكذا اعتبر المسؤول الاول عن عملية اهدن. على انه كان احد المنفذين. واعتبر رمزاً لمأساة المسيحيين في الجبل، علماً انه كان من معارضي الصعود الى الجبل، ورمزاً للتهجير من شرق صيدا علماً انه كان من دعاة الانسحاب من المنطقة.
أُرسل الى معارك خطرة وخاسرة ومكلفة وافتقر الى الذكاء السياسي. ولهذا احس لاحقاً كأنه كان الضحية. وراحت تراوده رغبة في الثأر وفي مصادرة القرار. خذ مثلاً على ذلك: اعتبر سمير جعجع رمزاً للحالة الاسرائيلية علماً ان العلاقات مع اسرائيل بدأت على يد غيره. وحين تسلم قيادة "القوات" كانت اسرائيل نفضت يدها الى حد ما من "القوات" وحروبها. واذا كان جعجع تابع دورة أركان في اسرائيل فإنه فعل كغيره من قادة "القوات"، ولم يكن يوماً رجل اسرائيل الأول على غرار ما كان بشير الجميل و...".
سيء الحظ
قبل خمسة اعوام وبعد المواجهة بين "القوات" والجيش اللبناني سألت جعجع هل يعتبر نفسه رجلاً سيء الحظ، فأجاب: "لا يراودني شعور بأنني رجل سيء الحظ. على العكس تماماً. ربما كانت المرحلة هي مرحلة سوء الحظ العام. انها اجواء عسكرية وعنيفة. اجواء تفتيت وتقاتل. البلاد بأسرها غرقت في هذا المناخ الذي يفرض مستلزمات معينة على العاملين في الحقل العام. كلنا نعيش في هذا الاطار وما من احد يستطيع التصرف كأن الحرب لم تقع او كأنها غير موجودة. وحدهم الذين استقالوا من مصير الوطن ومصير الناس يمكنهم القول انهم يعيشون خارج هذه الدورة العنيفة، ولكن ماذا يفعل هؤلاء وماذا في استطاعتهم ان يقدموا. مجرد عرض بسيط للاسماء التي طرحت على الساحة اللبنانية على مدى 15 عاماً تظهر تماماً ان كل اسم اقترن بحدث عسكري أو بعنف معين أو بأحداث دولية باستثناء الذين لم يفعلوا شيئاً. والامثال كثيرة في هذا السياق. من كمال جنبلاط الى سليمان فرنجية ومن كميل شمعون الى بيار الجميل. صحيح انني بدوت كرجل عسكري واقترن اسمي بأحداث عسكرية. لكن كميل شمعون كان رجلاً عسكرياً وبيار الجميل ايضاً وسليمان فرنجية. واكثر من ذلك ثمة مؤسسات دينية ارتبط اسمها خلال الاحداث باعمال عسكرية وعنيفة وحتى اسماء شخصيات فكرية وادبية ارتبطت بمثل هذه الاحداث.
في حرب كهذه الحرب الطويلة تحدد نتائجها مصير دولة ومصير شعب لا تستطيع الوقوف على الشرفة والتحديق الى بلادك وهي تحترق. وليس من حقك بالتأكيد ان تتابع من بعيد عبر المنظار. ربما من السهل ان تتغطى بشعار انك ضد الحرب، ولكن هل تقبل بأن يصنع المحاربون لك وطناً لا يشبه المواصفات التي لا بد من توافرها في الوطن والدولة.
مجرد وجودك على هذه الارض يجعلك جزءاً من هذا الصراع. وهذا الاطار العنفي لا يترك لك خيارات كثيرة. ولكي تنهي الحرب يجب ان تكون قوياً، ولئلا يكون السلام ضدك يجب ان تكون مشاركاً في صنعه". وفي اللقاء نفسه روى لي "الحكيم" ان والده العسكري لم يكن مرتاحاً الى نشاطاته الحزبية يوم كان في أول العشرينات، وانه قال له: "ماذا سيأتيك من الاحزاب فغداً تموت في الحرب".
... لم يمت جعجع في الحرب. كان السلام أشد وطأة عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.