التجربة العربية ومراكز التكنولوجيا دخول الدول العربية عصر التكنولوجيا الحديثة لن يتحقق الا من خلال زيادة المراكز التقنية وكسب الخبرات العالمية عبر المشاريع المشتركة أو انشاء مدن تكنولوجية تجمع الصناعات الحديثة ومراكز البحث العلمي، على غرار مشروع "وادي السيليكون" في كاليفورنيا، والمجمعات التكنولوجية في اليابان والهند وايطاليا وفرنسا والمانيا وبريطانيا، وكذلك العمل لانشاء وكالات ومراكز لنقل التكنولوجيا وتطوير القدرة التكنولوجية الذاتية كما هي الحال في الصينكوريا الجنوبية والبرازيل، واكثر من 300 مدينة تكنولوجية اخرى في العالم. وتعد الحكومة المصرية الآن مشروع "وادي التكنولوجيا" لاستيعاب معظم المشاريع التكنولوجية مثل صناعة الالكترونيات والبرمجيات والهندسة الطبية الكهربائية والميكانيكية والزراعة، وغيرها من التقنيات الحيوية. ويأمل الدكتور علي الحفناوي مدير برنامج التنمية التكنولوجية في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، ان يكون المشروع المصري نموذجاً ناجحاً كتجربة "وادي السيليكون" وان يمثل نقطة انطلاق في العالم العربي لدخول عصر الصناعات المتطورة بحيث يحقق التنمية التكنولوجية ويدعم التنمية الاقتصادية. وخصصت مصر نحو مليار دولار كحد أدنى للاستثمار في مجال البحث العلمي ضمن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعام 1994 - 1995. وأشار الدكتور علي حبيش رئيس اكاديمية في دعم البحث العلمي وتطبيق التكنولوجيا الحديثة. وأكد ان المجهود الاساسي للبحث العلمي في مجال الصناعة يتركز على الصناعات الرئيسية المهمة في البلاد في صورة ترفع كفاءة الاداء وتحسين الانتاج كماً ونوعاً، اذ نجحت الاكاديمية في مشروع اعادة استخدام مخلفات الصناعة الفلورية في صناعة الالومنيوم، وحققت وفراً سنوياً للدولة يتراوح بين 6 و9 ملايين دولار. وأشرفت ايضاً على انتاج الزيوت المتعددة الدرجة لتحسين معامل لزوجة الزيوت المحلية. وتعامل الباحثون مع مشكلة تكوين الرواسب في مستودعات الزيت الخام بأسلوب حقق وفراً سنوياً بلغ مليون دولار، فضلاً عن العائد البيئي. وأوضح حبيش ان السياسة التكنولوجية لمصر وضعت في عام 1984 في وثيقة محددة الملامح تعتبر برنامجاً تنفيذياً شمل برامج التكنولوجيا المستحدثة وبرنامج انشاء وحدات للتكنولوجيا الجديدة في مراكز البحث العلمي ومعاهده وبرنامج الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. وذكر ان الاكاديمية ترتبط ب25 اتفاقاً وبروتوكولاً للتعاون العلمي مع الهيئات الاجنبية المماثلة، امكن بفضلها تبادل الخبرات بين اكثر من 3000 عالم مصري وأجنبي في مجالات العلوم، وتقديم 250 منحة دكتوراه، و850 منحة تدريبية من 33 دولة ومؤسسة أجنبية. وتحدث الدكتور نبيل ابو العينين رئيس "المركز القومي للبحوث" الذي يعتبر من اكبر مراكز البحوث المتعددة الاغراض والتخصصات في الشرق الاوسط والقارة الافريقية، عن نشاطات المركز التي تغطي 8 برامج رئيسية تشمل التنمية الريفية والغذاء والزراعة والصحة والبيئة ونقل التكنولوجيا والثروات الطبيعية والطاقة والهندسة الوراثية والكومبيوتر. وقال ان المركز الذي يضم 1088 باحثاً 2124 معاوناً و1956 فنياً استحدث مجموعة من وحدات الخدمات العلمية والفنية لتقديم المساعدة لقطاعات الدولة. الطاقة الذرية اما مجال الطاقة الذرية فأدركت مصر اهميته وأثره العميق في ميادين الحياة منذ منتصف الخمسينات، فأنشأت لجنة الطاقة الذرية التي اصبحت تعرف عام 1977 ب"هيئة الطاقة الذرية". وتحددت اهدافها باستغلال الطاقة في الاغراض السلمية العلمية والطبية والزراعية والصناعية. واوضح الدكتور هشام فؤاد رئيس الهيئة انها تضم 4 مراكز للبحوث النووية وتكنولوجيا الاشعاع والمعامل الحارة والسلامة النووية، وان هذه المراكز ساهمت في تخريج مئات من العلماء في تخصصات العلوم النووية وتطبيقاتها، وساعدت في تطبيقات التكنولوجيا الاشعاعية الصناعية والطبية، وفي معالجة مشكلة النفايات المشعة وتحقيق مبدأ السلامة للمنشآت النووية. وفي مصر ايضاً صرح تكنولوجي مهم هو الدكتور ياقوت العرش مصطفى مجاهد مدير "المركز العربي للنظائر المشعة" المركز العربي الوحيد من نوعه في الشرق الاوسط. بأنه يضم مجموعة كبيرة من الدول العربية مثل الاردن وسورية ولبنان وفلسطين والسعودية والامارات والكويت وسلطنة عمان والعراق واليمن ومصر والسودان وتونس والمغرب والجزائر وليبيا. وقال ان المركز نظم برامج تدريبية في استخدامات النظائر المشعة وتطبيقاتها في النصاعة والزراعة والطب، وهو يضم وحدة للتدريب ووحدات بحوث متخصصة في الهيدرولوجيا والطب والزراعة. وفي المملكة العربية السعودية التي تتميز بصناعاتها النفطية المتطورة وقعت شركة الالكترونيات المتقدمة ثلاثة عقود مهمة جداً مع ثلاث شركات لتصنيع معدات تكنولوجية والكترونية متطورة تستخدمها القوات الجوية السعودية. ووقع العقد الاول مع شركة "ماكدونيل دوغلاس" الاميركية لانتاج 3 انواع من المعدات الالكترونية لطائرات "أف - 15 أس"، بينما وقع العقد الثاني مع شركة "لوكهيد" لتصميع وحدات الكترونية رقمية خاصة بطائرات "أف - 13 فالكون". وابرم العقد الثالث مع شركة "هيوز" لتصنيع وحدات الامداد بالطاقة المخفضة للرادار لتثبت في اجهزة رادار ستزود بها مقاتلات "اف - 15 اس" التي تعاقدت الحكومة السعودية على شرائها. وأشاد المهندس عبدالعزيز الصغير الرئيس التنفيذي لشركة الالكترونيات المتقدمة بهذه العقود التي تعزز الثقة بالقدرة المتنامية للشركة على تصنيع الاجزاء المتقدمة للأنظمة المعقدة، ما يساهم في ايجاد قاعدة صلبة لاستخدام التكنولوجيا المنقولة وتطويرها ورفع كفاءة العاملين فيها، بحيث يتمكن التقنيون السعوديون من تكييف الاجهزة المعقدة لخدمة القوات الجوية السعوية. ومن المراكز التقنية المهمة في السعودية مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وهي هيئة علمية مستقلة ملحق ادارياً برئيس مجلس الوزراء، مكلفة مهمات عدة كانشاء معاهد البحوث العلمية في المجالات المتعلقة بقطاعات التنمية في السعودية، ومنح براءات الاختراع والعمل على حمايتها. وانشئت لها ادارة عامة لتسجيل البراءات وفحصها واصدارها وتصديقها واعلانها. وتقدم الادارة المشورة للمخترعين من مواطني السعودية وتشجعهم على تسجيل اختراعاتهم. ويقول شائع الشائع، الباحث في الادارة العامة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ان هذه المدينة تعد البيت العلمي الأول والرائد في المملكة. اذ تضم ادارة متخصصة مهمتها دعم البحث العلمي وتحديد اولويات برامج البحوث واختيار البحوث المناسبة لتمويلها ونشرها ومتابعة نتائجها. ويوضح الشائع ان هناك اكثر من 2500 طلب تسجيل براءة اختراع من دول مختلفة تمثل الشركات نسبة كبيرة منها، ومعظمها شركات عالمية لديها مراكز بحث وتسوق منتجاتها داخل المملكة. ويتميز معهد الكويت للبحوث العلمية KISR بالعديد من النشاطات العلمية والتكنولوجية المتقدمة، ويشجع الباحثين والعلماء العرب واعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت والمعاهد التقنية والتطبيقية على متابعة بحوثهم وتطويرها، ويقدم لهم المساعدة المادية والتقنية لتأمين احتياجاتهم. كما تشجع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي KFAS العلماء والمفكرين والباحثين العرب والمسلمين على تقديم بحوث جديدة تخدم القضايا العربية والاسلامية والانسانية. وتقدم المؤسسات جوائز مهمة لتشجيعهم. وتوجد في دول اخرى عربية مراكز بحوث داخل الجامعات وخارجها، تنفذ مشاريع علمية وتكنولوجية في حدود ضيقة. والخلاصة من هذا العرض السريع ان الفجوة التكنولوجية بين العرب واسرائيل، وبين دول العالم الثالث والدول الصناعية عموماً اكبر من ان تردم. اما التبعية التكنولوجية فهي في رأي الدكتور عبدالحميد القضاة، مدير الشركة العربية لانتاج الكاشفات الطبية في الاردن، لن تساعد ابداً على ايجاد تكنولوجيا وطنية ولن تقلص الفجوة، بل على العكس قد تعطل الجهود الذاتية للبلدان التي تعتمد على التكنولوجيا المستوردة فتحرمها من الابداع والابتكار اللذين يمكن تحقيقهما من خلال التطوير والتدريب والبحث. وهذا يفرض بالتالي العمل لتأسيس القاعدة التكنولوجية الصلبة خاصة ان لدى العرب عدداً هائلاً من الكفاءات العلمية والتقنية التي لا تحتاج الا للمناخ العلمي المناسب ومراكز البحوث وبعض التشجيع.