تمكنت اللجنة الفنية المكلفة اعداد قوائم السلع للتعرفة الجمركية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي من تصنيف نحو 50 في المئة من سلع النظام المنسق الذي يحوي 1300 بند رئيسي للسلع تضم بمجملها أكثر من خمسة آلاف سلعة، واستطاعت اللجنة في اجتماعها الرابع الذي عقد في المملكة العربية السعودية من 12 الى 14 آذار مارس 1995 التغلب على صعوبة تصنيف 600 بند من بنود النظام التي تحوي نحو ثلاثة آلاف سلعة، تمهيداً لإقرار التعرفة الموحدة والمناسبة بين دول الخليج. وقسمت اللجنة الفنية السلع الى ثلاث قوائم رئيسية: الاولى، تشمل السلع المعفاة من الرسوم الجمركية نظراً الى أنها قائمة أساسية وضرورية للمواطن وتندرج تحتها اللحوم والحيوانات الحية والارز والسكر والمواد الغذائية. الثانية، تضم السلع الاساسية وتندرج تحتها المواد الغذائية من الدرجة الثانية كالمثلجات والمجمدات والايسكريم والعسل والفواكه المجففة والثمار المحفوظة ومختلف انواع البذور من الصويا والكتان وكذلك النخالة والكراميل وكل ما يتعلق بالمختبرات والمعدات والمواد الخاصة بها وبالصحة العامة. اما القائمة الثالثة، فهي القائمة العامة التي تندرج ضمنها اللدائن وأغطية الارضيات والبلاستيك والسجاد والملابس والقفازات وأجهزة الطباعة والمكاتب واعمدة نقل الحركة والمايكرويفات والاجهزة الكهربائية وغيرها. وتبرز أهمية إعتماد تعرفة جمركية خليجية موحدة، من خلال خطورة "التبعية" التجارية التي تعتبر من أخطر أنواع التبعيات في العلاقات الدولية، كون التجارة من اهم الاقنية لتدفق الاموال بين الدول المتعاملة، لذلك تبرز اهمية "الحروب التجارية" بين التكتلات الدولية وتتضاءل معها الفرص لخلق نظام تجاري دولي تتدفق عبره السلع والخدمات من دون عائق او حاجز، وتتساوى فيه الفرص لفائدة الجميع. واذا كانت التجارة المدخل الاساسي للعمل العربي الاقتصادي المشترك، فإن تنمية التجارة الخارجية تحتل مكان الصدارة بين قضايا التنمية التي تشغل بال القيادات السياسية والاقتصادية في الوطن العربي، خصوصاً بعدما اتجه معظم الدول العربية نحو دعم القطاع الخاص واعتماد اقتصاد السوق، فضلاً عن التركيز على تخفيف القيود التجارية ودعم القدرة الانتاجية والتصديرية، لا سيما في مجال "التجارة البينية" التي لا تزال منخفضة حيث تبلغ نسبة الصادرات 8 في المئة من مجمل الصادرات العربية، والواردات 9 في المئة من مجمل الواردات العربية. وفي هذا المجال تبرز حصة دول مجلس التعاون الخليجي في التجارة العربية، وتشير البيانات المتاحة الى ارتفاع نسبة الصادرات والواردات الخليجية الى اجمالي الصادرات والواردات العربية البينية، وتصل الى 59 في المئة بالنسبة الى الصادرات و80 في المئة بالنسبة الى الواردات، ولكن الدول الصناعية تستأثر بحوالي 70 في المئة من الصادرات الخليجية، وتستورد دول مجلس التعاون الخليجي 79 في المئة من اجمالي وارداتها من هذه الدول. وذكرت دراسة صادرة عن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية ان الارتفاع النسبي لنصيب دول المجلس من الصادرات والواردات العربية البينية وميله الى الاستقرار، يعود الى ثبات العلاقات السياسية والتجارية بينها، وتطورها باستمرار نحو الافضل، وميل نظم التجارة فيها نحو الانفتاح، وخلوها من التعقيد لأن أكثر ما يعوق نمو التجارة العربية البينية عدم استقرار العلاقات السياسية، وتعقيد نظم التجارة. وقالت الدراسة ان تطوير القاعدة الانتاجية في دول المجلس، وبشكل خاص قاعدة التصنيع هو السبيل الرئيسي لتطوير العلاقات التجارية، وايجاد تكامل اقتصادي حقيقي بين اقتصادياتها، على رغم ان التجارة البينية الخليجية تواجه بعض الصعاب بسبب تشابه المنتجات الصناعية والزراعية، ما أدى الى تنافس ضار. ثلاثة خيارات وتعود محدودية التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الى مجموعة أسباب او معوقات، من أهمها غياب التعرفة الجمركية الموحدة مع العالم الخارجي، لذلك وقعت الدول الخليجية الست بعد تأسيس مجلس التعاون على الاتفاقية الاقتصادية الخليجية الموحدة، ووافقت في أيلول سبتمبر 1983 على تبني تعرفة جمركية مع العالم الخارجي حدها الادنى 4 في المئة وحدها الاقصى 20 في المئة. وكان من المقرر ان يتم توحيد هذه التعرفة مع نهاية 1988 الاّ أن هذا الامر لم يتحقق، بل ان هذه التعرفة نفسها ذات الحدين، الاعلى والادنى، لم يتم الالتزام بها كلياً لأن بعض دول المجلس تقل عنها او تتخطاها. وفي العام 1984 اتفقت دول المجلس على قائمة البضائع التي تستثنى من التعرفة الجمركية على الواردات الاّ أن بعض هذه الدول عاد وقلص هذه القائمة. مع العلم أن عدم توحيد هذه التعرفة من شأنه أن يضعف سيرة التكامل الاقتصادي بين دول المجلس ولا يساعد على زيادة التبادل التجاري بينها، لذلك لا بد لدول المنطقة من توحيد تعرفتها الجمركية مع العالم الخارجي كأن تتفق مثلاً على أن تكون هذه التعرفة الجمركية الموحدة عبارة عن متوسط التعرفات الجمركية السائدة حالياً في الدول الاعضاء اضافة الى إيجاد صيغة لتوزيع ايرادات هذه التعرفة الموحدة بين الاعضاء. وتواجه اللجنة الفنية المنبثقة عن لجنة التعاون المالي والاقتصادي في مجلس التعاون على مستوى وزراء المال والاقتصاد في الدول الست، صعوبات عدة، وهي تدرس حالياً ثلاثة خيارات او بدائل لتوحيد التعرفة الجمركية. الاول، فرض حد أدنى من الرسم الموحد على جميع السلع من دون استثناء او تمييز وقدره 4 في المئة وهو الامر الذي رفضته كل من المملكة العربية السعودية والبحرين لأنه سيلحق الضرر بها نظراً لأن التعرفة الجمركية الحالية تبدأ من 12 في المئة في السعودية و5 في المئة في البحرين كما ان تعرفة جمركية من هذا النوع سوف لن تقدم اي جديد لبقية دول المجلس التي تبلغ تعرفتها الجمركية الحالية 4 في المئة. الثاني، وهو يتبع اسلوب المتوسط الحسابي البسيط بين دول الخليج الذي قدر بنسبة 6 في المئة الى 7 في المئة على مجمل البضائع.. وهي النسبة التي وجدتها بعض الدول قليلة ولا تناسب سياساتها الجمركية. أما الخيار الثالث والاخير، فهو يقوم على اقتراح فئات للتعرفة الجمركية بين سلع معفية وأخرى ذات رسم بحد أدنى من 4 في المئة الى 5 في المئة وأخرى ذات رسم بحد أعلى بنسبة 10 في المئة فما فوق. ولكن يبدو ان اعتماد أي من هذه الخيارات لا بد أن يضعف الموقف التفاوضي لدول الخليج تجاه العالم الخارجي بسبب انخفاض معدلاتها. وفي ظل كل هذه التطورات يبقى السؤال المطروح: ما هو مصير التعرفة الجمركية في كل دولة من دول الخليج الست؟... لا شك في أن آثاراً متعددة ومتفاوتة ستنتج عن تطبيق اجراءات توحيد التعرفة، اذ ان دولة ما يمكن ان تخسر جزءاً من ايراداتها، بينما تزداد ايرادات دولة أخرى في حين تزدهر الصناعات الناشئة في دولة ثالثة على حساب صناعات دولة اخرى في المجلس. ولكن في الوقت نفسه يمكن الاشارة الى تجارب التكتلات الاقتصادية التي تؤكد ان نجاح التكامل الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري بين اعضائه يعتمد على قدرة هؤلاء الاعضاء على معالجة الآثار المترتبة على قيام هذا التكامل وايجاد صيغة لتوزيع التكاليف والعائدات. ويبقى السؤال الاخير: ما هو مصير التعرفة الجمركية الموحدة في حال قررت دول الخليج الست الانضمام الى اتفاقية "الغات" الدولية؟... الجواب مع اللجنة الفنية التي تدرس حالياً هذا الموضوع وتضعه في مقدمة اولوياتها أو ربما اتخذت موقفاً منه في اجتماعها المقبل، وهو الخامس في سلسلة اجتماعاتها المتواصلة.