طالب السيد فاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية والرجل الثاني في حركة "فتح" بالغاء اتفاق اوسلو ووقف عملية التفاوض مع اسرائيل. وقال ابو اللطف الذي قاطع اجتماع اللجنة التنفيذية الذي انعقد في القاهرة يوم الثلثاء الماضي، ان السلطة الفلسطينية لا تؤدي عملها بشكل حسن، بل يمارس الكثير من العاملين فيها عملهم بشكل "عفوي وارتجالي ويخدمون مصالحهم الفردية". واتهم ابو اللطف المفاوض الفلسطيني بأنه لا يملك الحس السياسي الكافي لمعرفة النيات الاسرائيلية. وشكك بوجود محاولة لاغتيال الرئيس ياسر عرفات اخيراً، وقال "هذا وهم"، واستبعد حصول انشقاق داخل حركة "فتح" على رغم الخلاف في التوجه السياسي لمعالجة الازمة. وهنا نص الحوار: لماذا رفضت المشاركة في الاجتماع الأخير للجنة التنفيذية في القاهرة؟ - المفروض قبل كل شيء ان يجري اعداد لأي اجتماع، والتخلي عن هذا الأسلوب القديم، فالاجتماعات يجب الا تكون ردة فعل او غطاء لاجتماعات اخرى لا تحقق هدفها الحقيقي، فالأمر يحتاج الى دراسة واتصالات فلسطينية وعربية، اذ يجب جمع كلمة الفلسطينيين واستقطاب الاهتمام العربي الذي فقدناه بعد توقيع اتفاق اوسلو. كما يحتاج الى شرح وافٍ للمجموعة الدولية، حتى تتحمل اسرائيل نتائج ما تقوم به من اعمال منافية للمسيرة السلمية تعقد الحل وتجر المنطقة الى اضطرابات جديدة. ثم حث راعيي المؤتمر على تفعيل دورهما، خصوصاً ان الولاياتالمتحدة فترت جهودها ولا تنوي في هذه الفترة القيام بدور ايجابي وفعّال. كما أنها خضعت للمؤثرات والضغوط الاسرائيلية التي تقود الى تصعيد التوتر في المنطقة بسبب محاولة اسرائيل فرض أوضاع تخل بتوازن المصالح في المنطقة. وهذا يثير قلق المجموعة الدولية بأكملها. هل مقاطعتكم لاجتماع القاهرة تمهد لانشقاق أو شرخ داخل حركة "فتح"؟ - السبب الأساسي كان من المفروض ان تجتمع اللجنة المركزية العليا لحركة "فتح" لدراسة الامر كالمعتاد، لنذهب بتوجهات محددة من قيادة الحركة التي تولت مسؤولية التسوية كي تتحمل مسؤولياتها على أكمل وجه، وقيادة "فتح" لديها رؤية واضحة لمعالجة هذه المسائل، بعد ان قمنا باتصالات واسعة مع القوى والفصائل الفلسطينية، واستمعنا وناقشنا معها ضرورة القيام بعمل مشترك يحافظ على حسن سير المسيرة السلمية ويضمن التمسك بالثوابت السياسية، ويعود في النهاية الى التنسيق العربي والتعاون بين الاطراف العربية المعنية لتقوية اوراق تفاوضنا. وماذا كان رد أبو عمار؟ - وافق على ذلك، لكنه أصرّ على الاجتماع الطارئ. وما الذي كان يريده من هذا الاجتماع؟ - لم تتوافر لديّ القناعة مطلقاً بضرورة عقد هذا الاجتماع المتسرع، انها علامة اعلامية ان الفلسطينيين سيقومون بعمل معين، وسيواجهون هذه المشكلة، ولكن مع الأسف لم يكن هناك اعداد كاف لمثل هذا الاجتماع. احتمالات الانشقاق بكلام أدق، هل حركة "فتح" على أبواب انشقاق بسبب الموقف من التسوية مع اسرائيل؟ - هناك خلاف في التوجه السياسي لمعالجة الازمة المتفاقمة. فقد حان الوقت لاتخاذ اجراءات صارمة وحاسمة تؤكد وحدة العمل الفلسطيني بمشاركة كل الفصائل الوطنية بعيداً عن الانفرادية والعفوية في العمل الوطني اليومي. لوحظ في الآونة الاخيرة صدور بيانات فتحاوية من تونس تختلف في مضمونها عن لغة سلطة الحكم الذاتي، بماذا تفسرون ذلك؟ - لا شك اننا ميقنون من ان السلطة الفلسطينية لا تؤدي عملها بشكل حسن، بل ان الكثيرين من المسؤولين فيها يمارسون عملهم بشكل عفوي وارتجالي ويخدمون مصالحهم الفردية بعيداً عن المصلحة العامة، كما ان المفاوضات تدور في حلقة مفرغة ويقوم بها أناس لا يملكون الحس السياسي الكافي لمعرفة النيات الاسرائيلية الخبيثة التي تحاول كسب الوقت، وابتزاز المفاوض الفلسطيني، وفرض وقائع جديدة والضغط على السلطة الوطنية للقبول بها وكأنها مسلمات، كالاستمرار في مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات من دون رادع دولي أو احساس برفض حازم من السلطة. وهل أثرت موضوع المفاوضين وقدراتهم مع الرئيس ياسر عرفات؟ وماذا كان جوابه؟ - نقول ان اسلوب التفاوض ومتى يجب ان يكون أو لا يكون كان مدار بحث بين الاوساط الفلسطينية، وكان المطلب الاجماعي تقريباً وقف هذه المفاوضات غير المفيدة والمعطلة لإرادة التغيير في مسار التسوية. خيارات عرفات ما هي الخيارات التي يملكها عرفات حالياً؟ - لا بد من وقف المفاوضات، ترك حرية الحركة للجماهير. فنصوص الاتفاق تقول ان مسؤولية الامن حتى بالنسبة الى الافراد الاسرائيليين في كل اماكن تواجدهم هي مسؤولية اسرائيلية، وهذا يعني ان نبرئ انفسنا والسلطة من مسؤولية الأمن، ما دامت اسرائيل تتمسك بهذه المسؤولية، فخروج قواتها من الأراضي الفلسطينية هو الذي يخلق الظروف المواتية لأمن شامل، ويسرع في احراز تقدم على المسارات العربية الاخرى. كما لا بد من تعزيز الاتصالات والتنسيق والتعاون العربي، بعدما أقلعت السفن الفلسطينية المفاوضة من المراسي العربية مع الأسف، وظن البعض منا أننا قادرون وحدنا على انتزاع حقوقنا من دون دعم عربي ومناصرة دولية. وهل أبو عمار على استعداد لوقف هذه المفاوضات؟ - حتى الآن يبدو ان في ذهنه أشياء كثيرة، لم يستقر رأيه أو قراره حولها، وهو في حاجة الى أن يستمع الى اصوات فلسطينية من اجل اقناعه بوقف هذه المفاوضات، وحتى الآن لم يقتنع بوقفها. مستقبل "فتح" لوحظ في الفترة الاخيرة عزم هاني الحسن على تشكيل حزب سياسي، ما هو مستقبل "فتح" في وقت تصر فيه انت وأبو مازن على مقاطعة اجتماع اللجنة التنفيذية؟ - اللجنة المركزية لحركة "فتح" متماسكة كل التماسك، وعلى رغم المبادرات التي يقوم بها بعض افرادها لتحريك الوسط الفلسطيني بهدف اثارة الاهتمام بين الجماهير الفلسطينية للقيام بمبادرة جديدة، تخلصنا من هذا الارباك والتخبط الذي يسود الساحة الفلسطينية ويبعث المزيد من القلق في الاوساط العربية بقرب فشل المسيرة السلمية، ويثير اهتمام المجموعة الدولية كما بدا في زيارة الترويكا الأوروبية برئاسة آلن جوبيه وزير الخارجية الفرنسي الذي أعلن قلقه من هذه البوادر التي تنذر بتدمير المسار السلمي في المنطقة. ولا بد للفلسطينيين ان يستعدوا لاتخاذ قرار حاسم يثبت للمجموعة الدولية جدية القيادة الفلسطينية في التعامل مع هذه المستجدات التي خلقها الموقف الاسرائيلي المتعنت. عندما تدعو الى اتخاذ قرار حاسم، في أي اتجاه تقصد؟ - باعلان الغاء اتفاق اوسلو، بعد ثبوت فشل هذه التجربة بسبب السلوك الاسرائيلي الذي يحتاج الى معالجة دولية وعربية ووطنية، وإلا استمر في سرقة الأرض واستيعابها. هل هي دعوة للعودة الى الانتفاضة من جديد؟ - الانتفاضة لا بد ان تستمر، فهذا هو الطريق الذي يضمن هذه الحقوق، ولا بد من عودة التنسيق العربي وتفعيل دور رعاة المسيرة السلمية ودفعهم بقوة للتدخل للحد من الشطط الاسرائيلي. وهل هذا الموقف يلقى تجاوباً في أوساط "فتح" داخل الأرض المحتلة؟ - الغالبية العظمى من "فتح" تطالبنا كقيادة فلسطينية باتخاذ هذا الاجراء بأسرع ما يمكن، كما ان القوى الوطنية وفصائل المقاومة تدفع في هذا الاتجاه منذ زمن بعيد. تعرض تنظيم "فتح" في الداخل لتغييرات في بنيته، ألا يؤثر هذا على نفوذكم؟ - في اعتقادي ان كل هذه التغييرات التي يتحدثون عنها ليست تغييرات جوهرية، بل على العكس ان الكادر الفلسطيني الفتحاوي يزداد عزماً لاجراء تغييرات جذرية في الوضع داخل الأراضي المحتلة. هل تتلقى شخصياً او كلجنة مركزية اتصالات من فتحاويين في هذا الاطار؟ - نحن على اتصال مباشر وحي مع قوى "فتح" في الداخل، ويكاد هذا الاتصال يكون يومياً. بالنسبة الى الفصائل الاخرى، ما هو حجم تنسيقكم معها؟ - خلال جولات الاتصالات المباشرة وغير المباشرة التي قمنا بها في الماضي ومع كل القوى الوطنية ومع اخواننا في "حماس"، لا بد ان تكون وجهة النظر عامة ويتفق عليها الجميع من حيث الحفاظ على الأهداف الوطنية الفلسطينية والتمسك بالثوابت السياسية على رغم الاختلاف في الأساليب والأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة وكيف يمكن لنا أن نعالجها. استمرار المقاومة وما هي الارضية المشتركة التي التقيتم على أساسها كلجنة مركزية وحركة "فتح" من جهة والفصائل الاخرى و"حماس" من جهة اخرى؟ - الاستمرار في مقاومة الاحتلال وتوحيد العمل ضمن اطار واحد، اضافة الى اتفاقنا على اقامة دولة فلسطينية مستقلة وزوال الاحتلال، كما ان المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ولكن مثل هذا الموقف يقودكم الى مواجهة مع الرئيس عرفات الذي يصر على التمسك باتفاق اوسلو... - على رغم اصرار ابو عمار على التمسك بالاتفاق، هناك حقيقة اساسية وهي ان الاداء غير صالح، وتخلله الكثير من الشوائب التي أفقدت السلطة الدعم الجماهيري. ولا بد ان نبدأ بأنفسنا أولاً، وفي المجال الدولي ان نحدد هذه الاهداف السياسية التي ارتكزت على مبدأ الأرض في مقابل السلام، وانسحاب اسرائيل من الأراضي العربية بما فيها القدس وإيجاد حل لمسألة اللاجئين. وهذه هي الشروط الاميركية التي قامت عليها مبادرة الرئيس السابق جورج بوش، ولا يمكن ان نتجاوزها. اذا أصرّ ابو عمار على موقفه، هل يعني ذلك الطلاق معه؟ - عندما تتوضح الأمور للجميع، أعتقد بأنه سيسعى الى حل يرضي الجميع. ما هي طبيعة الاتصالات التي تجرونها مع قيادة "حماس"؟ - اتصالات يقوم بها الاخوان على أساس عدم المساس بحماس، وهي فصيل وطني. وهناك أيضاً تنسيق مستمر في المسائل الوطنية والأساسية التي تهدف الى خلق روح الكفاح داخل الاوساط الشعبية. نحن في نظرنا لا نملك سلطة، بل نملك فقط مسؤولية الحفاظ على الأمن، وهذه ليست سلطة. بكلام أدق عندما تكون لنا سيادة على الأرض نستطيع أن نقول لدينا سلطة، لذلك كانت كل نشراتنا لتوعية الشباب تؤكد اننا لسنا سلطة وإنما الهدف مقاومة الاحتلال بمظهريه. وهل الاجواء العربية مهيأة لاستيعاب التيار الذي تدعون اليه؟ - مثل هذا النهج يلقى ارتياحاً لدى الكثير من الاوساط العربية وفي دول مثل مصر وسورية ولبنان، وأيضاً في دول المغرب العربي ومنطقة الخليج، والدليل الى ذلك الاجتماعات التي تعقد سواء في القاهرة أو غيرها، والتي رفضت رفع المقاطعة قبل ان تحقق التسوية اشياء ملموسة على الأرض. وهل زعماء الفصائل الفلسطينية الرافضة لاتفاق اوسلو مستعدون للمشاركة في اجتماع مجلس مركزي أو لجنة تنفيذية، وما هي شروطهم؟ - القضية ليست قضية شروط، انهم يشعرون بوجود ازمة، وان "فتح" هي التي تولت هذه التسوية، وعليها ان تمهد الطريق أولاً وتزيل الكثير من الشوائب التي علقت بالعمل العام نتيجة اتفاق اوسلو والأداء الذي نُفّذ فيه، وهو اداء لم يكن في المستوى المطلوب فلسطينياً. المنظمة في تونس عندما انعقدت اللجنة المركزية اخيراً في تونس، كان الهدف درس قضايا تنظيمية وادارية، على ان تعقد اجتماعات لاحقة في القاهرة او العريش... - أولاً يجب ان يكون واضحاً اننا نرفض عقد اللجنة المركزية لا في القاهرة ولا في العريش، لأن مقر المنظمة وحركة "فتح" في تونس الشقيقة، ولا يجوز بالفعل أن ننتقل الى امكنة اخرى، خصوصاً ان الملفات المطلوب الرجوع اليها موجودة لدينا، كما اننا نعيش هنا، والتكاليف أقل، والمكان معروف للجميع وللدول الأوروبية بشكل خاص. وماذا عن صعوباتكم المالية، خصوصاً مشاكل مكاتبكم في الخارج؟ - الأزمة المالية مستمرة على رغم قيامنا باتصالات مع دول شقيقة وصديقة شرحنا لها الموقف المالي والسياسي للمنظمة. ولقد تلقينا مواقف ايجابية من بعض الاصدقاء وليس من الاشقاء، ولهذا نسيّر اعمالنا في الدائرة السياسية في حدود ما تلقيناه من دعم، ونأمل بأن نتلقى اجوبة ايجابية من بعض الفعاليات الفلسطينية والاشقاء لأن لكل حادث حديث. ومن هي القوى الفلسطينية التي طلبتم منها مساعدات؟ - القادرة على دعم منظمة التحرير والدائرة السياسية بشكل خاص. لأن السلطة الوطنية حسب "اتفاق اوسلو" لا تملك حق اقامة علاقات خارجية. من الأسئلة التي طرحت في الأيام الماضية موضوع القيادة على الساحة الفلسطينية، خصوصاً بعد الكشف عن محاولة لاغتيال الرئيس ياسر عرفات... - انا لا أتصور ان هذا القول دقيق، فليست هناك محاولة، ولا اعتقد بأن يكون في الأوساط الفلسطينية بشكل خاص اتجاه لعمل مثل هذا. حتى من قبل جماعة أبو نضال؟ - في تصوري الآن ليست هناك جماعات لأبو نضال. ولماذا يتحدث مسؤولون في سلطة الحكم الذاتي عن تقديم اشخاص للمحاكمة في هذه القضية؟ - في تصوري هذا وهم.