تنعكس التحولات او التطورات في السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي، لا سيما منذ استهلال الرئاسة الدورية لفرنسا في مطلع العام الجاري، على الممارسات وعلى رسم اولويات لم تكن محددة مسبقاً بالوضوح ذاته. ولئن كانت الرئاسة الفرنسية تشكل استمراراً للرئاسة الألمانية السابقة، خصوصاً ان الاوضاع الداخلية الفرنسية المرتبطة بانتخابات رئاسة الجمهورية لا تشكل بالضرورة وضعاً مناسباً لاتخاذ المبادرات الجديدة، فان هناك مؤشرات للتركيز على "الجنوب" من دون ان يعني ذلك اي تراجع بالنسبة الى سياسة الانفتاح على الشرق والاعداد التدريجي لعملية انخراط دول اوروبا الشرقية الوسطى في عضوية الاتحاد الاوروبي. من هذه الزاوية، يمكن تفهم "وحدة" التصور الفرنسي لثلاثة ملفات رئيسية: التوصل الشهر المقبل الى التوقيع على اتفاق "الاتحاد الجمركي" مع تركيا في مقابل التزام بدء مفاوضات حول انخراط قبرص في عضوية الاتحاد بعد مرور ستة اشهر على ختام المؤتمر الحكومي لعام 1996 لمراجعة معاهدة ماستريخت، وبذل اقصى ما يمكن من الجهد الديبلوماسي لحلحلة مسألة تمويل الاتحاد الاوروبي لمجموعة "افريقيا - الكاراييب - الباسفيك" ثم ترؤس وزير الخارجية الفرنسي الن جوبيه لمهمة ترويكا تضم وزيري الدولة للخارجية في كل من المانياواسبانيا ونائب رئيس المفوضية مانويل مارين، من اجل مساهمة اوروبية اكثر فعالية في عملية السلام في الشرق الاوسط. ويرى البعض في هذا التوجه "الجنوبي" مساهمة طبيعية من قبل فرنسا، لا تهدف بالضرورة الى "احتواء" الصعود الالماني او مواجهة انتقال مركز الثقل الاوروبي نحو الشمال، بعد عملية التوسيع الاخيرة نحو الشرق، على حساب حوض التوسط، والى حد ما على حساب فرنسا التي كانت تشكل، نسبياً، نقطة توازن داخل الاتحاد الاوروبي نفسه. ان دول الجنوب تدعم فرنسا في هذا التوجه، ويأتي ترؤس اسبانيا للاتحاد في النصف الثاني من العام الحالي ثم دور ايطاليا في العام المقبل ليبلور هذه الصورة. لكن هذا لا يعني، في اي حال، التحدث عن سياسة "فرنسية" بالمعنى التقليدي للكلمة. واذا كان هناك من اجماع، داخل التحالف الفرنسي الحاكم والمعارضة الاشتراكية، فهو ان اي سياسة فرنسية بالمعنى العملي هي سياسة اوروبية.