فيما غدت المنظمات "الارهابية" الالمانية والايطالية جزءاً من الماضي، وتوقف الصراع "القومي" المسلح نهائياً او يكاد في ايرلندا الشمالية ويوغسلافيا سابقاً، ها هي القنابل تنفجر في شوارع مدريد بين فترة وأخرى مذكرة العالم بأن المنظمة الانفصالية "ايتا" التي لم تكف منذ الستينات عن المطالبة باستقلال "بلاد الباسك" عن اسبانيا، لم تزل على عهدها. وانفجار السيارة المفخخة اخيراً الذي أدى الى قتل وجرح 24 شخصاً، جاء في وقت بالغ الخطورة، فحكومة فيليبي غونزاليس لم تكن في حاجة الى هذا القدر من المنغصات عشية انعقاد القمة الاوروبية في مدريد، خصوصاً ان الائتلاف الاشتراكي - الكاتالاني الحاكم يكاد يتهالك تحت وطأة "الفضائح" التي طاولت عدداً من كبار المقربين من رئيس الحكومة الاشتراكي وبعض قادة اجهزة الأمن والشرطة. والمنظمة الانفصالية التي نفذت عملية تفجير أودت بحياة رئيس الحكومة الاسبانية في الستينات، لا تزال تتشبث بسياستها الهادفة الى غتيال الشخصيات السياسية البارزة. فهي حاولت قبل نحو 7 أشهر اغتيال خوزيه ماريا آزنار رئيس "الحزب الشعبي" المحافظ، كما قالت مصادر أمنية رفيعة ان "مؤامرة ارهابية" تستهدف الملك خوان كارلوس تم اجهاضها اخيراً. ولئن نجا العاهل الاسباني وزعيم المعارضة فقد أدت عمليات "ايتا" الى سقوط عدد من الضحايا في منطقة الباسك وفي مدريد خلال العام الحالي، بعد فشل محاولات - يعتقد انها لم تكن الأولى من نوعها - للبدء بمفاوضات "سلام" بين مدريد والمنظمة التي تطالبها بالخروج من اقليم الباسك الذي يعتبره الاسبان جزءاً لا يتجزأ من شمال البلاد. والارجح ان النزاع سيدخل مراحل أشد تعقيداً ما قد يؤدي الى تصاعد اعمال العنف، فالمنظمة الانفصالية نجحت في الحفاظ على نفسها مع ان عدداً من قادتها سقطوا في "حرب" غير معلنة شنتها ضدهم فرقة اغتيالات خاصة اتهم جهاز الأمن الاسباني بانشائها بمباركة رئيس الحكومة غونزاليس. وهي لم تنج فحسب، بل عززت "مواقعها" في مدريد، اذ نُسب الى أوساط أمنية مطلعة اعترافها بالعجز عن اختراق الحلقات القيادية التي تدير نشاط "ايتا" المسلح في العاصمة الاسبانية. ولعل شراسة الهجمات التي تعرضت اليها على مدى سنوات حرجة دفعت المنظمة الى مزيد من التصلب الذي يدل اليه تسارع وتيرة عمليات العنف اخيراً، وانتخاب اشخاص معروفين بتشددهم لقيادة جناحها السياسي، حزب "هيري باتاسونا" الذي رفع شعار "الانتقال من مرحلة المقاومة الى مرحلة الهجوم". ومن جهة اخرى، يبدو ان الاوساط السياسية الاسبانية قررت ان ترد بالمثل على تصلب المنظمة الانفصالية بجناحيها العسكري والسياسي، اذ انهالت الاتهامات ب "ارتكاب عمل اجرامي" على رئيس شرطة اقليم الباسك السابق مع تسرب أنباء مفادها انه حاول الاتصال ب "ايتا" لعرض مشروع وقف اطلاق النار. وفيما يغلب الظن ان الوقت ادرك الاشتراكيين وان غونزاليس يستعد للرحيل عن السلطة في انتخابات آذار مارس المقبل، يعتقد ان امساك "الحزب الشعبي" بمقاليد الحكم - وهو السيناريو الأشد احتمالاً - سيؤدي الى تدهور الأمور، ذلك ان بين "الحزب الشعبي" ومنظمة "ايتا" ثأراً قديماً متجدداً، فهي اغتالت اخيراً رئيس فرع هذا الحزب المحافظ في اقليم الباسك. واذا كان غونزاليس عجز عن عقد اتفاق سلام مع "ايتا" كان من شأنه ان يطيل في عمر عهده بعد حوالي 15 سنة في السلطة، فكيف ينجح المتصلب "آزنار" في اسكات بنادق "ايتا" المتشددة أكثر مما مضى؟