كاسترو وعرفات ماذا تذكر عن لقاءاتك مع كاسترو؟ - التقيت كاسترو ثلاث مرات واستقبلني بحفاوة واحترام ينمان عن عمق احترامه لقضية الشعب الفلسطيني وتضامنه مع هذه القضية التي يعتبرها قضية عادلة تستحق كل الدعم والتأييد. وكانت لفيدل كاسترو صورة واضحة عني، واعتقد بأنها ايجابية. لذلك عندما احتج أبو عمار لدى مندوب كوبا في اجتماع دول عدم الانحياز على استقبال كاسترو لي، كان الجواب أن لا أبو عمار ولا غيره يملك الحق في التدخل في الشؤون الداخلية لكوبا، ولا يستطيع أن يحدد لرئيسها من يستقبل أو لا يستقبل. لقد أخبرني بهذه الحادثة الرفيق كاسترو عندما التقيته في احدى المرات وأصابني خجل شديد من تصرف ابو عمار هذا، وجعلني أقارن بألم بين القائد الذي يصنع تاريخاً مجيداً لشعبه، والقائد الذي يوظف كل تاريخ شعبه ونضاله ليصنع لنفسه تاريخاً. تاريخياً كنت متعلقاً بالمثال الجزائري، ماذا تحمل في ذاكرتك عن الرئيس الراحل هواري بومدين؟ - الجزائر وثورة الجزائر مثلتا لي نموذجاً في انتصار الثورات وبالذات النموذج السياسي المتمثل في جبهة التحرير الجزائرية التي استطاع الشعب الجزائري من خلالها حشد كل طاقاته في معركة التحرير. وبعد انتصار الثورة وقفت الجزائر الى جانب الثورة الفلسطينية وهي من الدول القلائل التي رعت العمل الفلسطيني بصدق وتجرد، وعملت دوماً على توفير المناخات الوحدوية الفلسطينية. أما الرئيس الراحل بومدين فتعرفت إليه متأخراً بعض الشيء، ذلك أن الجزائر لم تكن تقيم علاقات معنا كجبهة شعبية، وكان لها موقف من الجبهة. وهذا ما أخبرني به الراحل بومدين في احدى لقاءاتنا اذ قال لي انه طلب من أبو عمار ذبح جورج حبش لأنه كان يعتقد بأن موقفنا الرافض سياسة أبو عمار يعمق الانقسام في الساحة الفلسطينية ويضرب وحدة النضال الفلسطيني، ولكن عندما أطلع على موقفنا بشكل واضح ومتكامل غير موقفه منا. وما أخبرني به بومدين كان جزءاً من شخصيته وشجاعته وجرأته اللامتناهية وهذا ما لمسته في اجتماعات جبهة الصمود والتصدي التي تأسست بعد كامب ديفيد. كما أذكر موقفه أثناء حرب تشرين والزيارة التي قام بها لموسكو وطالب فيها القيادة السوفياتية بتقديم كل الدعم الممكن إلى العرب وبالذات إلى الجيش المصري. تحدثتم طويلاً عن علاقتكم بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ماذا تحملون في ذاكرتكم ووجدانكم عن عبدالناصر؟ - كان الرئيس عبدالناصر بالنسبة إلي امتداداً لتاريخ مصر وثورات مصر الحديثة والمعاصرة. من ثورة عرابي الى ثورة سعد زغلول وصولاً الى ثورة يوليو. ومكانة عبدالناصر تتمثل في وجداني بمكانة زعماء مصر وقادتها السياسيين أمثال عرابي وسعد زغلول، وربما تعداهم في دوره على الصعيد القومي، متخطياً حدود مصر الجغرافية ليطاول بفكره ووعيه الأمة العربية كلها. وهذا ما جسده عبدالناصر حين أحدث تغيرات كبيرة في الوطن العربي، ففي ظل قيادته القومية لمصر والعالم العربي، انتصرت ثورة الجزائر واليمن وليبيا وتحققت أول وحدة عربية معاصرة. وهذا ما جعل الدوائر المعادية تفقد صوابها، وتندفع لاستنفار حلفائها المحليين لضرب الوحدة. عندما أتحدث عن عبدالناصر لا استطيع الا أن أذكر دوره على الصعيد العالمي في تأسيس حركة عدم الانحياز التي عملت على بلورة هوية العالم الثالث في مرحلة ما بعد الاستقلال. ولعبدالناصر في وجداني موقع خاص في وقفته التاريخية بعد هزيمة حزيران حين انتصب هذا الرجل متحدياً نتائج الهزيمة، عبر إعادته بناء الجيش المصري وخوضه حرب الاستنزاف التي أعادت إلى المواطن المصري والعربي ثقته بنفسه. وأنا أعتقد بأن المجد الذي حاول الرئيس السادات أن ينسبه إلى نفسه من خلال حرب تشرين، يعود في الأساس إلى جهود عبدالناصر وليس إلى جهوده. فعبدالناصر هو الذي بنى الجيش المصري بعد هزيمة حزيران، ولولا وفاته المفاجئة لشهدت المنطقة تغيرات كبيرة وواسعة على صعيد المشروع العربي القومي والصراع العربي - الصهيوني. أما على الصعيد الشخصي فقد كان الرئيس عبدالناصر يحفظ لي مكانة خاصة وأذكر أنه بعد احد اللقاءات دعاني إلى العشاء في منزله، كما وجه إلي وإلى الرفيق هاني الهندي دعوة إلى حضور حفلة زفاف ابنته، وكانت هذه لفتة كريمة من رجل كبير. كيف دخل وديع حداد قلب جورج حبش؟ ولماذا كل هذا الاجلال لوديع بالذات؟ - الرفيق وديع رفيق درب طويل عرفته منذ أن دخلت معترك العمل السياسي في الجامعة الأميركية، له من الخصائص والسجايا ما لم أرها مجتمعة في شخص واحد، ما جعله موضع تقدير واحترام كل من عرفه وتعامل معه، فصدقية وديع عالية جداً جداً، وعمق انتمائه وارتباطه بالقضية لا حدود لهما، فهو مندمج كلياً في قضية ويسخر لها ما تيسر له من قدرات وطاقات وامكانات، لدفعها على طريق النصر. من عرف الرفيق وديع يعرف عمق الألم الذي يعيشه هذا الانسان الذي اقتلعته الصهيونية من فلسطين، وشردت شعبه. كان انساناً ديناميكياً في عمله، صلباً في ارادته، جباراً في متابعته مهماته. ولا مكان للخوف في نفسه. لا يعرف ليله من نهاره، يعمل طوال الوقت من دون كلل أو ملل. كان بحق مبدعاً في قضايا التكتيك السياسي، ولديه دوماً القدرة على اجتراح الخطوات التكتيكية لسياسة الجبهة، ومتابعة تنفيذ هذا التكتيك. وكنت أتمنى فعلاً لو أن كل الذين اتهموا الرفيق وديع حداد بالارهاب، عرفوه عن قرب إذ لأدركوا كم هو انسان رائع حنون، صادق ملتزم. وأنا أتحدث عن الرفيق وديع الانسان والمناضل تدهمني حملات الظلم والافتراء التي تعرض لها رفيقي وديع والكفاح الفلسطيني كله من قبل الدوائر الغربية التي عملت دوماً على تصدير مفاهيمها الخاصة بالارهاب وتحويلها سلاحاً مسلطاً على رقاب كل من يعمل على دحر الظلم عن شعبه. فالغرب الذي لم يوفر وسيلة ولا حيلة الا واستخدمها لخدمة مصالحه، جوع الشعب واحترف صناعة الانقلابات وحمى الديكتاتوريات الحاكمة. ومع ذلك لا تزال ماكينته الاعلامية تعمل ليل نهار لتصوغ كل أفعاله، وتظهرها بالمظهر الحضاري والانساني. أما عندما يفكر الانسان المقهور في رفع الظلم عن نفسه وشعبه فإن سيل المفاهيم الغربية المسبقة الصنع تنهال عليه والنعوت تطوق عنقه من كل حد وصوب بالارهاب والتطرف والعدوانية. أسأل هنا الغرب وصناع السياسة فيه كم طائرة خطفتها اسرائيل؟ وكم طائرة مدنية أسقطتها وقتلت كل ركابها؟ كم طفلاً تقتل اسرائيل مطلع كل صباح في الأرض المحتلة ومخيمات الشتات والجنوب اللبناني؟ وكم وكم؟ ومع ذلك فإن مفاهيم الغرب ونظرياته تبرر لاسرائيل كل أفعالها الفاشية والعدوانية. هذه الازدواجية والاختلاط المفاهيمي يثيران لدي ألماً فظيعاً ويدعواني الى التساؤل هل كان وديع فعلاً ارهابياً؟ كلا لم يكن وديع ارهابياً كان رجلاً يدافع عن وطنه وشعبه بإرادة صلبة ليحقق العدالة لشعب ظلم. خبرت وديع حداد طويلاً، هل يحمل الرجل لغزاً؟ - ببساطة لغز وديع في عقله، وطاقته التي لا حدود لها، وروحه الفاعلة والمتحفزة دوماً للعمل. وديع كان يهتم بكل التفاصيل ولا يترك شاردة أو واردة الا ويتحقق منها ليتأكد من حسن سير عمله. ومع ذلك كان عقلاً كلياً وشمولياً في رؤيته للصراع. كان يقول: لدى العدو أسلحة فتاكة ومتطورة والمواجهة معه ليست سهلة، ما نريد أن نعرفه هو كيف نؤذيه، نريد أن نختار طريقة معينة، بمعنى أين نضرب وكيف نضرب، ومتى نضرب وفي أي اتجاه نضرب. هذه هي عقلية وديع التي اكتشفت باكراً أهمية سلاح النفط في مواجهة الغرب وضرورة توظيفه في المعركة القومية الشاملة ضد العدو. وفي هذا السياق قام الرفيق وديع حداد بعملية ناقلة النفط العملاقة الكورال سي في مضيق البوسفور ليلفت نظر العرب إلى أهمية سلاح النفط، ويؤكد للغرب أن الثورة الفلسطينية قادرة على ضرب المصالح الغربية إذا استمر في موقفه المعادي للشعب الفلسطيني. تسألني عن وديع اللغز أقول لك اذهب واسأل جماهير المخيمات في لبنان والأردن، إسأل جماهير مخيمي الوحدات والبقعة، إسأل زنازين معتقل الجفر الاردني، إسأل سجانيه عن وديع وصلابته، إسأل رفاق وديع الذين جازفوا بحياتهم ومصالحهم وذهبوا الى بغداد ليودعوه في جنازته المهيبة. انه وديع حداد الذي ترك في القلب دمعة وبارقة أمل ورجاء لا ينكسر انه المثال الحي لكل مناضل يريد أن يواصل طريق الكفاح للوصول الى شواطئ الحرية. منعطف مدريد مدريد كانت المحطة الأكثر حسماً في تاريخ قضيتكم الفلسطينية، اعترضتم بقوة على هذه المحطة، لكن قطار السلام لا يزال مندفعاً، كيف تنظرون الى محطة اوسلو وما هي برامجكم في واجهة خط "السلام الأميركي" الذي ترفضونه؟ - ان الأحداث النوعية التي شهدتها الساحتان الفلسطينية والعربية، اثر مؤتمر مدريد، وما انتجه المسار من اتفاقات على الصعيدين الفلسطيني والقومي دفع النضال الوطني الفلسطيني الى قلب مرحلة نوعية جديدة، ما بات يفرض الوقوف العميق والجدي امام مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وقراءة التجربة بكل عناوينها الأساسية، قراءة علمية ونقدية، لتتم الاجابة الصريحة عن الأسئلة الكبرى التي تواجهها كل الحركة الوطنية الفلسطينية، وكل مفكر فلسطيني. بمعنى، لماذا حصل ما حصل؟ وما هي المتغيرات التي ستفرزها الأحداث العاصفة التي نعيشها؟ وكيف يمكن مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية...؟ وغير ذلك من الأسئلة المحورية والعميقة. ان هذه الأسئلة تحتاج الى معالجة خاصة، لتحديد المقدمات والأسباب التي اوصلتنا الى ما نحن فيه. المهم ان نضالنا الوطني دخل فعلاً مرحلة نوعية جديدة، إثر توقيع اتفاق اوسلو، وتبادل الاعتراف مع الكيان الصهيوني، والمرحلة كما هو واضح حبلى بالأحداث والنتائج والافرازات. لقد سقطت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية وتخلت عن البرنامج الوطني التحرري متمثلاً بحق العودة وتقرير المصير والدولة، وحصل انقسام عمودي وأفقي على صعيد الشارع الفلسطيني، فتحالف الجناح البيروقراطي المتنفذ مع الكمبرادور الفلسطيني في الخارج وفي داخل الوطن المحتل، وصل الى لحظة القطع التي بات يرى فيها أنه لم يعد في الامكان مواصلة التمسك براية منظمة التحرير بما تعنيه من ميثاق وبرنامج تحرري، وحالة صراع متنامية ضد العدو الغاصب، وصولاً الى اجباره على التسليم بالحد الأدنى من حقوقنا الوطنية التي يجمع عليها شعبنا في داخل الوطن وخارجه. امام هذا الواقع اصبح ملحاً التوقف امام واقع الحركة الوطنية الفلسطينية بهدف اعادة بنائها على أسس جديدة وبما يستجيب للتحدي القائم وطنياً وقومياً. ان طبيعة ومضامين التحولات والسمات النوعية والتناقضات التي اخذت تعبر عنها المرحلة الجديدة باتت تفرض خطة للمواجهة تنسجم مع عمق وشمول التحديات والمخاطر التي حملتها التحولات الحالية. بمعنى ان المواجهة هي عملية متنامية ومركبة، انها صيرورة نضالية واجتماعية عميقة، تحمل بعداً نافياً للأساليب والطرائق واشكال التنظيم والعمل التي باتت غير ملائمة او عاجزة أو خاطئة. هذا من جانب ومن جانب آخر فانها تحمل بعداً بنائياً، اي الانطلاق نحو اساليب وطرائق وبنى ومناهج وممارسة جديدة، وديناميات قادرة على التطور والتواصل، والقدرة على الجذب الجماهيري وطنياً وقومياً. وبهذا المعنى، فان من التنبه لاعطاء المواجهة بعداً مجتمعياً شمولياً، وليس فصائلياً فقط، فنحن نواجه عدواً يتصدى لنا برؤية مجتمعية شاملة، يضاف الى ذلك ضرورة الامساك بحلقة عامل الزمن، وعدم التعامل القسري الارادي مع الاحداث، من تراكم مظاهر ازمات وعجز لا يمكن ازالته وتخطيه بفرمانات وقرارات وإنما بخلق ديناميات لاحداث حالة من النهوض العام وطنياً وقومياً. ولتحقيق هذين التوجهين، يصبح ضرورياً ايجاد الترابط الفعال والعميق بين البرنامج السياسي التحرري، والبرنامج الاجتماعي الديموقراطي. فبقدر ما ان النضال ضد الاحتلال يكتسي بعداً وطنياً تحررياً، فانه يجب ان يكون مسنوداً ببعد اجتماعي ديموقراطي بنائي، بما يشمل كل مجالات حياة الشعب الفلسطيني وفق خصوصيته وواقع كل تجمعات شعبنا الفلسطيني المكافح. وفي سياق تصدينا للمرحلة تتحدد الأهداف الوطنية راهناً، بالتشبث بالبرنامج الوطني التحرري، اي برنامج حق العودة وتقرير المصير والدولة، وعاصمتها القدس، والحفاظ على منظمة التحرير كبرنامج وميثاق وطني، واعادة بناء مؤسساتها على اساس ديموقراطي. هذا أولاً، وثانياً: التصدي لمخططات التصفية متمثلة بمشروع الحكم الاداري الذاتي الهزيل، بهدف دحره تمهيداً لاسقاطه ولانجاز هذه الأهداف الأساسية، تصبح الحركة الوطنية الفلسطينية امام مهمات كبرى يمكن تكثيفها بالعناوين الآتية: 1 - كسب الجماهير لمصلحة الخط والمواقف الكفاحية، ولعزل اصحاب اتفاقات اوسلو - القاهرة، وهذه العملية كسب الجماهير هي عملية نضالية تراكمية وتمثل التحدي الأبرز لاثبات جدارة القوى المناهضة للتصفية. ونقصد بالجماهير كل جماهيرنا في الداخل والخارج، وهذا يستدعي التوجه الى كل تجمع منها بشعارات محددة وملائمة ومنسجمة مع واقعه السياسي والاجتماعي. إننا هنا لا نستهين بالقوى الدافعة لانجاح اتفاقات الذل، وبالتالي فالصراع لكسب شرعية الجماهير يشكل مفصلاً حاسماً من مفاصل المواجهة. 2 - التصدي للاحتلال الصهيوني، كعدو رئيسي وأساسي، وترجمة هذا التصدي عبر برنامج محدد ومتصاعد بما يشمل ادامة المواجهة وتصعيد العنف المسلح ضد العدو بكل الوسائل والأساليب والتمسك بعروبة القدس والدفاع عنها وإبقاء قضية المستوطنات عنواناً دائماً للصراع وبناء اقتصاد تنموي وصمودي، ومواجهة سياسات الاحتلال الالحاقية وتشكيل لجان العودة، ولجان الحرية والاستقلال، ولجان رفض التوطين والتطبيع. 3 - التصدي لسلطة الحكم الاداري الذاتي عبر نضال سياسي - ديموقراطي طبقي، وربط ذلك بالنضال ضد الاحتلال ومظاهر وجوده وسلطته، وعدم الدخول في لعبة الانتخابات التي يرتب لها لخلق تغطية ديموقراطية لمشروعه التصفوي، والانخراط الفاعل في البنى التحتية للمجتمع الفلسطيني، والاندماج في النسيج الاجتماعي، ومواجهة سياسة الافساد والهيمنة والاستغلال، التنبه الى خطر الاقتتال الداخلي الذي يروج له الاحتلال، والحفاظ على لحمة شعبنا ووحدته الوطنية. 4 - الارتقاء بواقع التحالف الوطني الفلسطيني وبما يستجيب تحديات المرحلة. 5 - السير الجدي والثابت على طريق وحدة القوى الديموقراطية الفلسطينية وبلورتها كبديل ديموقراطي رافع وحامل لراية البرنامج الوطني التحرري، وإرساء هذه الوحدة على اسس ديموقراطية ثابتة وواضحة وتلبية شروطها. 6 - تعزيز التقاليد والقيم الديموقراطية وتعميقها في اوساط الحركة الوطنية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني. 7 - تطوير البعد القومي في الصراع كمرتكز اساسي واستراتيجي من مرتكزات المواجهة، والوقوف امام أزمة حركة التحرر العربي، وتنشيط عوامل الاشتباك ضد المشروع الامبريالي - الصهيوني، وتعميق الديموقراطية. الموقف من أوسلو هل انتم على استعداد للتعامل مع نتائج الاتفاق ميدانياً من خلال المشاركة في مؤسسات الحكم الذاتي؟ - نحن في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أعلنا منذ توقيع اتفاق اوسلو - القاهرة موقفاً واضحاً وصريحاً من هذا الاتفاق، وهو رفضه ورفض كل مترتباته السياسية باعتباره اتفاقاً تصفوياً لا يلبي الحد الأدنى المطلوب وطنياً. وانطلاقاً مع هذه الرؤية وهذا التشخيص وإنسجاماً معهما، فالوضع المنطقي هو رفض المشاركة في اجهزة السلطة وبخاصة الأمنية والتنفيذية التي ترتبط بلجان تنسيق وإرتباط مع سلطات الاحتلال. وفي الممارسة ظهر جلياً ان هذه اللجان تحرص على تطبيق وجهة النظر الاسرائيلية بحذافيرها بما يؤكد التبعية المطلقة لهذه اللجان والاجهزة للاحتلال وإملاءاته. هذا في العام، وفي التفاصيل، ميزنا في الموقف والممارسة بين مستويين: مستوى اول اشرت اليه اعلاه وهو سياسي تنفيذي لا مشاركة فيه، ورفضنا إياه قاطع وغير قابل للبحث، ومستوى ثان ميداني حياتي مرتبط ببنية المجتمع والمؤسسات المدنية والاجتماعية القائمة. وهذا المستوى نحن مع المشاركة والانخراط فيه بكل قوة، لأننا ببساطة جزء من المجتمع ونسيجه الاجتماعي العام. وميادين الفعل والنشاط المجتمعي تتجلى عبر الوجود في هذه المؤسسات التي تقوم على خدمة المجتمع في شتى المجالات والميادين، والابتعاد او الانفصال عن هذه البنية يعني بلا جدال الانعزال عن الجماهير ونحن متنبهون الى هذا وحريصون على عدم الوقوع فيه. وانخراطنا في هذه المؤسسات يأتي في اطار توجه وبرنامج هادف الى دفع هذه المؤسسات لكي تأخذ دورها الفعلي في خدمة شعبنا على اكمل وجه، وتفعيلها والحفاظ على شخصيتها المستقلة وتعميق توجهاتها الديموقراطية، بما يحصن هذه المؤسسات ويحد من التدخلات البيروقراطية والفوقية لسلطة الحكم الذاتي التي ستسعى ضمن منهج عملها وتفكيرها، الى التدخل الفظ في شؤون هذه المؤسسات بهدف احتوائها وتسييرها وفق مصالحها، على حساب برامجها وتوجهاتها الأساسية. وهذه المسألة ليست توقعات بل مستمدة من التجربة الطويلة مع هذه القيادة وما فعلته بمؤسسات منظمة التحرير من تجويف وشلل وتخريب لا يحتاج الى براهين وأدلة. والتوجه الآنف الذكر لتفعيل المؤسسات المدنية والاجتماعية ودمقرطتها والحفاظ على استقلاليتها جزء من برنامجنا الاجتماعي الديموقراطي الهادف الى ايجاد بنية مؤسساتية ناظمها الأساسي المبدأ الديموقراطي كمنهج شامل في العمل والتوجهات والبنيان بما يؤسس لبنية مجتمعية قادرة على دفع المجتمع الفلسطيني الى التطور والارتقاء وتحقيق نمو متوازن ومستقل على الصعد الثقافية والاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية. وهذه الأسس، في حال توافرها وتوافر الآليات الهادفة الى تحقيقها نكون قد وضعنا المجتمع الفلسطيني على سكة الطريق السليم الذي يضمن تقدمه وإزالة التشوهات المنهجية التي خلفها الاحتلال وطاولت كل بنيان المجتمع. ماذا عن الانتخابات التي تدعو اليها السلطة هل ستشاركون فيها أم ستدعون الى مقاطعتها؟ - دعني اوضح لك في البداية موقفنا من الانتخابات كمبدأ عام وليس ارتباطاً بسلطة الحكم الذاتي حيث نعتبر هذا الموضوع اساسياً جداً جداً، لأنه من أبرز تجليات العملية الديموقراطية التي ندفع بكل قوة لكي تشكل مظهراً رئيساً في تشكيل البنية المؤسساتية بما فيها طبعاً المؤسسة السياسية والحزبية. وبالتالي لن نختلف معك حول أهمية الانتخابات كمفهوم وكقيمة وكسلوك لدى الأحزاب والقوى والفعاليات الوطنية والاجتماعية. لكن ما نحن بصدده مختلف تماماً، ويتعارض مع الديموقراطية تعارضاً كاملاً، ورفضنا هذه الانتخابات ليس مزاجياً او من باب المناكفة، بل يستند الى مبررات اساسية وجوهرية سأسوقها باختصار وبتكثيف: 1 - نحن مع انتخابات حرة ديموقراطية نزيهة تتم تحت اشراف وحماية دوليين وليس تحت حراب الاحتلال وليست مرتبطة بسلطة الحكم الذاتي او مجلس الحكم الذاتي. 2 - نحن مع انتخابات على قاعدة ان شعبنا الفلسطيني ليس فقط في الضفة والقطاع، فشعبنا الفلسطيني موجود بأكثريته في الشتات، وفي قضية تخص مصيره من الطبيعي ان يشارك كل شعبنا في الداخل والخارج. 3 - وفقاً للأصول الديموقراطية، وكما درجت عليه العادة عند كل الشعوب، من الطبيعي ان تأخذ الحكومة او السلطة التنفيذية القائمة، قبل اقدامها على التقرير في موضوع مصيري، موافقة شعبها أو مؤسساته التمثيلية على قرار كهذا. لكن ما هو حاصل ان سلطة الحكم الذاتي قررت ووقعت وتسلمت السلطة وفعلت كل ما فعلته من دون ان تأخذ رأي شعبنا أو مؤسساته التمثيلية، فما هي القيمة الحقيقية للانتخابات إذن؟ وهل الانتخابات فقط للمصادقة على ما قررته القيادة على رغم جسامته وخطورته؟ 4 - اذا كانت السلطة المزعومة جادة في الانتخابات فلماذا نراها تعطل انتخابات البلديات والمجالس القروية، وتصر على سياسة التعيين التي دأبت على اتباعها كسياسة ومنهج عام في المنظمة وفي المؤسسات المختلفة؟ ولماذا نراها تعطل الحياة الديموقراطية في الاتحادات الشعبية والمهنية وتصر على إبقاء شخصيات وهيئات تنفيذية انتهت مدتها القانونية والشرعية منذ زمن بعيد؟ ثم كيف تستوي دعواتها المجوفة الى الديموقراطية وهي تقيم كل بنيانها وسياساتها على اساس امني مخابراتي؟ نحن على استعداد لانتخابات حرة نزيهة تشمل كل الشعب بعيداً عن الاحتلال وسنلتزم نتيجة هذه الانتخابات مسبقاً باعتبارها قرار الأكثرية من شعبنا. ولكن يا ترى هل ستقبل السلطة بهذه الأسس؟ أتمنى ذلك على رغم معرفتي ان السلطة ليست في وارد ذلك بل هي تسعى الى تفصيل الانتخابات على مقاسها السياسي. كيف تفسرون تقديمكم قوائم بكادراتكم لكي تعود عبر منظمة التحرير وأنتم ترفضون اوسلو وترفضون التعامل مع السلطة؟ - تفسيري لهذا الموضوع كالآتي: نحن في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كنا ولا نزال جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية، وجزء من كادراتنا كان ولا يزال على ملاك مؤسسات المنظمة، وحق العودة الى الوطن حق مشروع لكل انسان فلسطيني بغض النظر عن انتمائه السياسي أو العقائدي، وضمن هذا الفهم قدمنا قوائم العودة، ولا نزال مع عودة كل من يحق له العودة مع التأكيد اننا في مقابل هذا الحق لن نساوم على موقفنا السياسي المعلن من الاتفاق وأصحابه. وفي كل الاحوال ان قوائم العودة عبر مؤسسات منظمة التحرير ليست الطريقة الوحيدة التي نسعى من خلالها الى اعادة رفاقنا وكوادرنا، بل نعمل ونسلك كل الطرق الممكنة كلم الشمل وتجديد التصاريح... بمعنى آخر فاننا لا نحصر انفسنا بطريق السلطة والسلطة فقط، لكننا لا نوفر هذا الطريق ما دام يوصل بنا الى فلسطين، مع الاشارة الى اننا لسنا مع هذا الخط بأي ثمن، بل ضمن الحدود والضوابط السياسية التي حددتها هيئاتنا المركزية. الحلقة الرابعة: الاسبوع المقبل