قبل دخول مبنى بلدية القبة، وسط العاصمة الجزائرية، يفاجأ الزائر بمشهد يبدو غريباً للوهلة الأولى: واجهة المبنى الصقت عليها 16 صورة من الحجم المتوسط للمرشح الاسلامي محفوظ نحناح، وصورتان من الحجم الكبير للرئيس المرشح اليمين زروال. لكن لا أثر لصور المرشحَيْن سعيد سعدي ونور الدين بو كروح. في القاعة الكبيرة في الطابق الأول من المبنى، احتشد جمهور غفير في صفين: صف السائلين عن بطاقاتهم وصف الباحثين عن اسمائهم في القوائم الانتخابية. احد المنتظرين كان سيء الحظ، اذ امضى اكثر من ساعة في الصفين معاً من دون ان يعثر لا على بطاقته ولا على اسمه، مع انه شخصية محلية معروفة، تقدم في نيسان ابريل الماضي بطلب تثبيت اسمه في قائمة البلدية، لكن المصلحة المعنية لم تفعل شيئاً، على رغم الحملة الاعلانية المكثفة على شاشة التلفزيون التي تحث المواطنين على التقدم من البلديات للتسجيل او المراجعة. ولم تتوقف المفاجآت، فشخصية محلية ثانية، تبوأت منصب أول رئيس مجلس ولائي في العاصمة 1969 - 1973 لم تجد بطاقتها ايضاً. وللتذكير فان "مراجعة وتصحيح القوائم الانتخابية" ظلت "موضوع الساعة" - في الاعلام المحلي - على مدى اكثر من ثلاث سنوات. بلدية القبة في قلب العاصمة وان كانت لا تبدو نموذجاً مثالياً في تحضير الانتخابات الرئاسية، فانها مع ذلك تشكل عينة وسطية، لا تختلف عن الكثير من بلديات المدن الكبرى وضواحيها حيث العراقيل الادارية لم تثن المواطنين عن التمسك بحقهم الانتخابي وبالبطاقات التي تسمح لهم بممارسة هذا الحق. وتعكس الصور الملصقة على واجهة مبنى بلدية القبة ظاهرة عامة هي ان انصار نحناح اكثر نشاطاً في ميدان الملصقات من انصار منافسيه! واذا كان "الحضور بالصور" يميز المرشح الاسلامي نحناح، فان "الحضور بالاعلان" الصحفي يميز المرشح البربري سعدي من دون منازع، يليه نحناح في المرتبة الثانية ثم بوكروح، فزروال في المرتبة الأخيرة، ما دفع بعض المراقبين الى التساؤل عن سر تقشف الرئيس المرشح، وهل مرد ذلك الرفق بالأموال العامة؟ ام الرغبة في الظهور كمرشح مستقل لا علاقة له بالاوضاع الراهنة والنظام القائم؟! والغريب ان "المرشح المستقل" يأتي في اسفل الترتيب ايضاً من حيث التغطية الاعلامية على صفحات أبرز الصحف المحلية التي تبدي ميلاً واضحاً لسعدي يليه بوكروح فنحناح الذي لا تتحرج الصحف نفسها من الامعان في نقد برنامجه والتهويل من شأنه. وتحتمل هذه الظاهرة تفسيرين على الأقل: هيمنة الحركة القبائلية على أبرز الصحف من جهة وعدم ارتياح "الجهاز" لترشيح زروال من جهة ثانية. ومن ناحية الشعارات التي ترددت اثناء الحملة ظهر تفوق واضح لنحناح، ربما لثقافته العربية! من هذه الشعارات: "الحل اليوم قبل الغد"، "الجزائر وطننا… نحناح رئيسنا"، "خذوا المفتاح - وصوتوا على نحناح". واكتفى أنصار زروال بترديد شعار قديم من العهد البومديني وهو: "جيش شعب... معك يا زروال". وقرن بوكروح اسمه "بالتجديد" الذي هو عنوان حزبه، اما المرشح البربري فقد اكتفى بالشعار الآتي: "سعدي... معكم"، ربما من اجل التغيير. واذا نظرنا الى محاولة المرشحين الأربعة "الحضور بالنقد"، فوجئنا بأن "الرئيس المرشح" كان اشد قسوة على النظام القائم يليه منافسه "الجدي" نحناح. فقد صرح زروال في اول مهرجان له في تلمسان قائلاً: "ان التعفن تجاوز الجهاز الاداري والمؤسسات الاقتصادية الى عمق مراكز القرار ذاتها"! وقال نحناح في السياق نفسه ان عدم الاستقرار السائد في بلادنا سببه تصفية حسابات بين اشخاص في الدوائر العليا للسلطة". وتكشف المهرجانات والتجمعات التي قام المرشحون بتنشيطها ان الرئيس زروال كان أوفرهم حظاً من حيث كثافة الحضور الجماهيري، يليه نحناح بفضل شبكات الدعم التي نجح في نسجها اعتماداً على حزبه ومجموعة من الجمعيات الخيرية تنشط باسم "الارشاد والاصلاح"، فضلاً عن حركة شبابية قوية لها امتداد حقيقي وفاعل في الحركة الكشفية والحركة الطلابية في الجامعات. وتتميز حركة سعدي بطابعها القبائلي المرتكز اساساً على منطقة تيزي وزو وبجاية، اضافة الى جزء مهم من المهاجرين الجزائريين في فرنسا. اما حركة بوكروح فهي حركة نخبوية لم تنجح بعد في فتح قلوب الفئات الواسعة من المواطنين. ويمكن الاستنتاج ان المواجهة الرئيسية تجري بين زروال ونحناح. ويتخوف انصار "الرئيس المرشح" من احتمال تصويت نسبة من قاعدة جبهة الانقاذ لمصلحة نحناح، ويبدو ان السلطة كانت تراهن على مقاطعة هؤلاء للانتخابات. لكن المعلومات الأخيرة تفيد ان هناك اهتماماً خاصاً من قاعدة الانقاذ بالحصول على بطاقات الانتخاب، ما يوحي بأنها تفضل المشاركة على المقاطعة. وتبقى "مجاهيل" الانتخابات التي تجري الخميس المقبل محصورة في نسبة المشاركة، ورد فعل قاعدة الانقاذ وربما قاعدة جبهة التحرير ايضاً، وحظوظ الشيخ نحناح التي قد تفرض على زروال خوض غمار الدورة الثانية.