من فجر طائرة "بانام" الرقم 103 فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية في 21 كانون الأول ديسمبر 1988... ليبيا أم ايران أم جهة اخرى؟ هذا السؤال برز مجدداً بعدما ذكرت صحيفة "ذي ديلي ريكورد" الاسكتلندية ان وثائق صادرة عن اجهزة الاستخبارات الجوية الاميركية تؤكد ان ايران هي المسؤولة عن تفجير الطائرة وليست ليبيا، كما اكدت الرواية الاميركية الرسمية السابقة. ووفق هذه "الوثائق"، فإن مسؤولاً ايرانياً كبيراً هو آية الله محتشمي، وزير الداخلية السابق، دفع عشرة ملايين دولار نقداً وبالذهب الى منظمة "أبو نضال" ومنظمات اخرى للقيام باعتداءات تستهدف بلداناً غربية من بينها عملية لوكربي. وجاء في "الوثائق" ان طهران ارادت الانتقام رداً على اسقاط طائرة مدنية ايرانية فوق مياه الخليج دمرها في تموز يوليو 1988 صاروخ اطلقه الطراد الاميركي "يو. أس. أس. فنسن" عن طريق الخطأ حسب الرواية الاميركية. نظريات متعددة الواقع ان التحقيقات في هذه الكارثة التي اودت بحياة 270 شخصاً لم تتوصل الى نتيجة ثابتة وحاسمة وانما الى نظريات وافتراضات وتحقيقات لم يبت القضاء فيها. بعض التقارير الغربية وزع الاتهامات يميناً وشمالاً على ارهابيين من هذا البلد وذاك. وبعضها أفاد ان العملية استهدفت لجنة حكومة من جنوب افريقيا كانت مسافرة الى واشنطن. وفي تقارير اخرى ان الهدف مسؤولون من المخابرات المركزية الاميركية، كانوا عائدين من مهمة في بيروت لانقاذ المخطوفين الغربيين... وبعد اكثر من ست سنوات على تجميع قطع الطائرة المحطمة لم يصدر دليل مقنع على الجهة التي نفذت العملية. استطاع المسؤولون عن التحقيق التوصل الى بعض الادلة، وتتلخص بالآتي: وضعت حقيبة "سامسونايت" بنية اللون في متن طائرة "بان اميركان" في مطار فرانكفورت في 21 كانون الأول ديسمبر 1988، وهي تحتوي على متفجرة موضوعة في آلة تسجيل من نوع "توشيبا". والمتفجرة حوالى 250 غراماً من مادة "سامتكس". وغادرت طائرة "البوينغ - 727" المانيا الى مطار هيثرو قرب لندن، حيث حولت الحقيبة الى طائرة "جامبو" تابعة ل "بان اميركان". في الرحلة الرقم 103 المتوجهة الى نيويورك. وانفجرت العبوة عندما وصلت "الجامبو" الى ارتفاع 31 ألف قدم، ودمرت الطائرة التي كانت تسير بسرعة 500 قدم في الثانية، وتفتت قطعاً انتشرت على مسافة 200 ميل مربع. على اساس هذه الادلة اطلق القضاءان الاميركي والبريطاني اتهامات، وسادت فرضيتان او نظريتان: الاولى، وهي "النظرية الرسمية" التي اتهمت العقيد معمر القذافي وحمّلته مسؤولية اعطاء الاوامر بتفجير الطائرة رداً على الغارات الاميركية على طرابلس الغرب وبنغازي في نيسان ابريل 1986. ونفذ هذه الاوامر عميلان ليبيان هما عبدالباسط المقراحي وخليفة فحيمة. والادلة التي استند اليها الادعاء الاميركي قطعة من جهاز التوقيت عثر عليها فريق التفتيش في مكان الحادث، اذ كشفت تفاصيل التحليل انها تعود الى جهاز من صنع الشركة السويسرية "ميبو". وما لبث المحققون ان اكتشفوا اثر استجوابهم صاحب الشركة ادوين بولييه ان الجهاز كان واحداً من مجموعة مماثلة قد تكون "ميبو" باعتها لليبيا. وكان عثر على هذه القطعة في ثوب كشف التحليل انه يعود الى محل في مالطا يدعى "ماريز هاوس". وفي التحقيق مع صاحبه طوني غوسي افاد ان ليبياً زار محله في العام 1988 واشترى ثوباً مماثلاً للذي وجده المحققون، اضافة الى البسة واشياء اخرى بما فيها "جاكيت" وبزة اطفال ومظلة. بعد عامين من التحقيق، استطاع غوسي، كما جاء في التحقيق، التعرف الى صورة الليبي عبدالباسط علي المقراحي الذي كان يعمل فعلاً في مالطا في مكتب شركة الخطوط الجوية الليبية. وكان يسافر دائماً عبر مطار جزيرة لوقا حيث يعمل أمين خليفة فحيمة مديراً لمحطة شركة الطيران الليبية. وأفاد ليبي - طلب اللجوء السياسي الى الولاياتالمتحدة ويدعى جيكا - المحققين بأن المقراحي وضع في 21 كانون الأول ديسمبر 1988 حقيبة من دون مرافق على متن طائرة تابعة للخطوط المالطية في رحلة رقمها "180 KM" كانت تستعد للانطلاق من لوكا الى فرنكفورت. وتشير السجلات الالمانية الى ان الحقيبة حولت في مطار فرنكفورت الى طائرة البان اميركان الرقم 103 A. أهل الضحايا اما النظرية الثانية فأطلقها أهل الضحايا وبعض اعضاء مجلس العموم البريطاني وعدد من المحامين والصحافيين الذين اتهموا ايران بتفجير الطائرة وشككوا في التقرير الرسمي، واكدوا ان العملية كانت ثأراً من اسقاط الطائرة الايرانية في تموز يوليو 1988 في الخليج العربي، ومقتل 290 راكباً كانوا على متنها. ويزعم هؤلاء ان ايران طلبت - بعد اسقاط الطراد الاميركي طائرتها - من فصيل فلسطيني الثأر لمقتل مواطنيها بمهاجمة طائرة مدنية اميركية. ويزعمون أيضاً من دون اي دليل، ان اميركا وبريطانيا تعرفان ان ايران وسورية كانتا وراء عملية لوكربي لكنهما فضلتا عدم اعلان ذلك واتفقتا على اتهام ليبيا لحماية المصالح الاستراتيجية الغربية بعد اجتياح العراق الكويت، خصوصاً ان طرابلس لم تقف مع التحالف الدولي ضد بغداد، في حين فعلت ذلك سورية والتزمت ايران القرارات الدولية. ويتابع هؤلاء رواية تقول: في ربيع 1988، توقف الزعيم الليبي عن دعمه المالي ل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" بعدما رفض امينها العام السيد أحمد جبريل التعاون مع منظمات عربية اخرى تدعمها طرابلس. وبعد ساعات على اسقاط الطائرة الايرانية، بعث جبريل برسالة الى طهران التقطها بعض اجهزة المخابرات الغربية يقدم فيها تعازيه الحارة، ويعرب عن دعمه الحكومة الايرانية. في 8 تموز يوليو شاهد عملاء لثلاث وكالات مخابرات اجنبية اليد اليمنى لجبريل، حافظ حسين الدلقموني في طهران برفقة علي اكبر محتشمي، وزير الداخلية الايراني المتشدد آنذاك. بعد شهر، انذرت الاستخبارات الاسرائيلية الموساد السلطات الالمانية بأن "مجموعة ارهابية" تخطط لهجوم في منطقة فرنكفورت. واطلقت الشرطة الالمانية على الفور في ايلول سبتمبر وتشرين الاول اكتوبر 1988 عملية مراقبة لشقة في نوس في فرنكفورت حيث شوهد الدلقموني ودعيت "عملية اوراق الخريف". وفي 27 تشرين الاول اكتوبر 1988، انتهت العملية بالقبض على 17 شخصاً في نوس وثلاث مدن اخرى. وذهل رجال الشرطة اثر القبض على الدلقموني ومروان خريصات اذ عثروا على متفجرة داخل راديو كاسيت "توشيبا" وضعت في قعر سيارة "فورد". وعثر بعد ستة أشهر على هذه العملية على ثلاث قنابل في شقة في فرنكفورت. وعلى رغم العثور على قنابل "توشيبا"، لم يستطع المحققون مع الدلقموني والمتهمين الآخرين من الوصول الى نتيجة وربط اي منهم بحادثة لوكربي. لذا افرج القاضي الفيديرالي الالماني في فرنكفورت عن خريصات الذي طار مباشرة الى الأردن. ولم يتهم احد من الموقوفين بأية علاقة بتفجير طائرة "بان اميركان" فوق لوكربي. والسؤال المطروح مجدداً: هل هناك من جديد في ملف حادثة لوكربي؟ وما مدى صحة ما روته صحيفة "ذي ريكورد" الاسبوع الماضي؟ تصر مصادر الاستخبارات الأميركية والمصادر الديبلوماسية في واشنطن على ان "ليس هناك أي جديد" في ملف لوكربي. وتقول في معرض تعليقها على ما نشرته صحيفة "ذي ديلي ريكورد" وما اذاعه بعض الاذاعات الاميركية نقلاً عن وثائق الاستخبارات العسكرية الاميركية، انه لم يكن هناك أي شك اطلاقاً في ان تفجير طائرة "بان أميركان" كان انتقاماً لاسقاط السفن الحربية الاميركية طائرة ركاب ايرانية في الخليج ابان الحرب العراقية - الايرانية. لكن مصادر رسمية اميركية لا تزال تصر على ان المواطنين الليبيْين هما اللذان وضعا حقيبة المتفجرات في الطائرة المالطية التي أقلعت من مطار فاليتا الى فرنكفورت قبل نقل تلك الحقيبة الى طائرة "بان أميركان" في فرنكفورت. ويقول ديبلوماسي أوروبي ان معلومات الاستخبارات التي تربط الليبيْين بالانفجار جاءت أصلاً من "الموساد" الاسرائيلي الذي قال عنه "انه كثيراً ما يُلفق القصص لاثارة اعجاب الاميركيين به". شرك لايران واثر الهجوم الذي شنه وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر على ايران في الفترة الاخيرة ووصفه إياها بأنها واجهة للارهاب وأنها تسعى الى امتلاك الاسلحة النووية، تردد في اوساط الدوائر الديبلوماسية في واشنطن ان الولاياتالمتحدة "تنصب شركاً لايران". ومن الواضح ان الولاياتالمتحدة تجد نفسها الآن على طرفي نقيض مع كل من فرنسا وألمانيا اللتين ترغبان في استئناف علاقات تجارية نشطة مع ايران. ويلاحظ المراقبون ان التركيز الحالي على الجمهورية الاسلامية وهو موقف يتبناه اللوبي الاسرائيلي، وبخاصة وسائل الاعلام، سيزيد المصاعب التي تواجه وزير الخارجية السابق الجنرال الكسندر هيغ في محاولته تأمين الأموال اللازمة لمشروع ضخم تشترك فيه ايران. اذ ان شركة هيغ تريد تأمين أموال اميركية خاصة لاستثمارها في مشروع بناء خط أنابيب النفط والغاز الذي يربط تركمانستان بتركيا عبر الأراضي الايرانية. في هذه الاثناء قال مايكل ماكوري الناطق باسم البيت الأبيض ان هناك "حسابيْن ايرانيْين" بين الحسابات المصرفية التي أمر الرئيس كلينتون بتجميدها بدعوى انها تخص "اثنتي عشرة منظمة ارهابية من الشرق الأوسط". وعلق أحد الديبلوماسيين الاوروبيين على هذا القرار بقوله: "ربما أثار هذا الأمر اعجاب اسرائيل لكنه قرار سخيف جداً لأنه سيحرم الاستخبارات الاميركية من امكان مراقبة وصول الأموال الى تلك الحسابات وسحبها منها ومعرفة المصادر التي تصل منها والجهات التي تسحبها". ويقول مصدر في المخابرات الاميركية: "اننا لا نعرف ما اذا كان المواطنان الليبيان مذنبين أم لا لانهما لم يحاكما حتى الآن. فهما الشخصان الوحيدان المشتبه بهما مما يعني انهما ربما كانا مذنبين. ولكن استعدادهما للمثول أمام أي محكمة في مالطا أو لاهاي يشير في الوقت نفسه الى انهما على ثقة من براءتهما". "موت عذراء" ويعتقد هذا المصدر، وهو محلل محترف للمعلومات الاستخبارية ان السبب الذي جعل قضية لوكربي تعود الى صدارة الاخبار الآن ليس اطلاق قدنفة قبل شهرين أو الافراج عن الدلقموني، وانما هو الفيلم الاميركي الجديد "موت عذراء" الذي يستند الى رواية للكاتب الاميركي الجنوبي أريل دورفمان. اذ يحكي الفيلم والرواية الذي تدور احداثه في احدى دول أميركا اللاتينية - وهي على الأرجح تشيلي - قصة فتاة شيوعية سابقة تعرضت للتعذيب وهي معصوبة في عهد النظام اليميني السابق، لكنها تتعرف الى الشخص الذي تولى تعذيبها من خلال صوته بعد خمس عشرة سنة. واثر ذلك تهدده بمسدس وتتوعده بالقتل ما لم يسجل اعترافاً بجرمه ويعرب عن ندمه على ما فعل، وهو ما يحدث لأنه يريد الابقاء على حياته. وهكذا ينتهي الفيلم من دون ان يعرف الجمهور هل كان "الاعتراف" صادقاً أم لا. من جهة ثانية اعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية محمود محمدي ان ايران لا "دخل لها" في تفجير الطائرة التابعة لشركة "بان أميركان" الاميركية فوق لوكربي. واعتبر ان ما قالته "ذي ديلي ريكورد" لا اساس له من الصحة، واصفاً هذه الادعاءات ب "الدعاية الصهيونية الهادفة الى المس بسمعة الجمهورية الاسلامية". وكذلك أكد مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية ان لا صحة لادعاءات الصحيفة الاسكتلندية، وان لا ادلة تثبتها. وهذه ليست المرة الاولى التي توجه فيها اتهامات الى ايران، ففي العام 1993 ادعى مسؤول سابق في الاستخبارات المركزية الاميركية ليستر كولمن ان عملية تهريب مخدرات من لبنان الى الولاياتالمتحدة عبر قبرص وفرنكفورت ولندن اخترقتها عناصر من الارهابيين. واستخدمت الاستخبارات الاميركية العملية لعلها تهتدي الى المهربين الكبار في الولاياتالمتحدة. ويبدو ان عناصر ارهابية في المانيا تدعمها ايران علمت بالعملية فاستبدلت بالحقيبة التي كانت محملة بالمخدرات حقيبة اخرى "متفجرة" دمرت الطائرة. لوكربي ...مرة اخرى انفجرت طائرة "بان أميركان" فوق لوكربي الاسكتلندية في 21 كانون الاول ديسمبر 1988 ماأدى الى مقتل 270 شخصاً، وحملت السلطات الرسمية الاميركية والبريطانية ليبيا وحدها مسؤولية الحادث الذي تسبب فيه انفجار عبوة ناسفة زرعها "ارهابيون" في الطائرة. لكن هناك من يزعم ان طهران مولت العملية التي يعيش منفذوها في سورية، وهو جاء انتقاماً لاسقاط طائرة ركاب الايرانية بصواريخ اميركية في تموز يوليو 1988. ويُعتقد ان من اهداف العملية كان التخلص من بعض كبار موظفي مكافحة المخدرات في وكالة الاستخبارات الاميركية اضافة الى اعضاء في الفريق المكلف انقاذ الرهائن الاميركيين من خاطفيهم في لبنان. المتهم العقيد معمرالقذافي اتهمه الغرب بأنه كان وراء تفجير لوكربي. وتردد ان الولاياتالمتحدة وبريطانيا تجنبتا ازعاج سورية وايران في وقت احتاجت الدولتان الى المساعدة لاطلاق الرهائن الغربيين في لبنان. العقل المدبر تتهم تقاريرالامين العام ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة" احمد جبريل بانه وراء العملية. وتقول ان الشرطة الالمانية عثرت قبل ثمانية اسابيع من الحادث على عبوة ناسفة من الطراز الذي سبب تفجير الطائرة فوق لوكربي، في بيت قرب فرانكفورت اتخذه بعض عناصر منظمته مخبأً سرياً لهم. الفرضية الرسمية وتزعم هذه التقارير من دون ادلة حسية مقنعة ان دهم الشرطة المخبأ الالماني اضطر جبريل الى التماس مساعدة ليبيا. فسافر اثنان من عناصر الاستخبارات الليبية الى مالطا، حيث وضعا عبوة ناسفة في امتعة راكب لاوجود له بين المسافرين الى الولاياتالمتحدة عن طريق فرانكفورت. وتخطت حقيبة الامتعة الملغومة اجهزة كشف متطورة في المطار ولم يفتضح امرها ووجدت طريقها الى طائرة بان اميركان. انفجرت الطائرة ماادى الى مقتل 259 راكباً كانوا على متنها، و11 شخصاً آخرين في بلدة لوكربي. مكافحة المخدرات عملاء من وكالة الاستخبارات الاميركية سي.آي.إي. ووكالة مكافحة المخدرات دي.إي.آي. اخترقوا كارتيل المخدرات في الشرق الاوسط في سياق عملية مشتركة تهدف الى تحرير الرهائن. وتم ايصال كميات من الهيروين الى اميركا بمساعدة ال"سي.آي.إي." بقصد حصول وكالة الاستخبارات على ادلة تساعدها في اطلاق الرهائن. توجه شخص مكلف حمل المخدرات وخمسة من كبار اعضاء فريق مكافحة الارهاب الى فرانكفورت حيث انضموا الى ركاب الرحلة 103 على متن طائرة بان اميركان التي انفجرت فوق لوكربي. الدليل عثر على بقايا جهاز توقيت الكتروني اعتقد ان مصدره ليبيا، وعلى قطعة قماش متفحمة قيل انها جزء من قميص بيع في مالطا. العميل بعدما نبه عميل مزدوج الارهابيين الى عملية مكافحة المخدرات ومحاولة تحرير الرهائن الوشيكة وضعوا القنبلة في حقيبة امتعة الشخص المكلف نقل المخدرات.