لا تكتسب بالزواج.. تعديلات جديدة في قانون الجنسية الكويتية    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    يونس محمود ينتقد ترشيح المنتخب السعودي للقب كأس الخليج    الشرقية تستضيف النسخة الثالثة من ملتقى هيئات تطوير المناطق    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير القادم    سلمان بن سلطان يدشن "بوابة المدينة" ويستقبل قنصل الهند    افتتاح إسعاف «مربة» في تهامة عسير    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارلوس : اعترافاته آخر القنابل ؟ . معلومات ليبية وصفقة فرنسية - سودانية سهلت وقوع "ابن آوى" في الفخ تعاون استخباراتي وهموم جزائرية والترابي تسلم الطلب الفرنسي

"مثل حبة الكرز فوق قالب الحلوى"، هذا هو القول الشعبي الذي تذكره الفرنسيون وهم يستمعون الى الخبر المفاجئ: وصل كارلوس مخفوراً الى باريس وكأنه "طرد بريدي". ما أن شاع النبأ حتى أصبح طاغياً فضاعت، معه، تفاصيل الاحتفال بالذكرى الخمسين للانزال عند شواطئ الجنوب اللازوردي. ومع أن الفرنسيين أدركوا ان "ضربة المعلم" هذه هي من صنع وزير داخليتهم شارل باسكوا فإن هذا الأخير لم يشأ اضاعة الفرصة. منذ ظهر الاثنين 15 آب اغسطس وهو "مالئ الدنيا وشاغل الناس". لا ينتهي من مؤتمر صحافي حتى يسرع الى مبنى التلفزيون بعد أن يكون مر، في طريقه، على اذاعة وتحدث الى وكالة أنباء، كشف عن براعة اعلامية مذهلة فتراجع النقد الخجول الذي كان موجهاً الى تدابيره الأمنية والى تصريحاته حول السياسة الفرنسية في الجزائر. لا بل تحول سلوكه الى قالب حلوى جاء كارلوس، مثل حبة الكرز، كي يزيّنه ويضفي عليه جاذبية اضافية.
وجد شارل باسكوا في ايليتش راميرز سانشيز الخصم الذي يليق به. ارتفع معه وبواسطته الى سوية دولية. كان يتصرف، في سياسته حيال الجزائر والأوساط الأصولية المؤيدة لاسلامييها في فرنسا وكأنه "الحاكم الاداري" للبلاد فبات، وكارلوس في قبضته، وزير داخلية "العالم الحر" كله لا يعرف كيف يرد التهاني: لقد نجح حيث فشل الجميع وألقى القبض على الرجل الذي دوّخ الكرة الأرضية كلها وكان رأس حربة الارهاب الذي هدد، طوال عقدين، الديموقراطيات الغربية. ضاعت، في غمرة الاحتفال، التفاصيل من نوع ان كارلوس خسر قواعده الخلفية كلها، وان هناك من وشى بوجوده في الخرطوم، وان جهات فلسطينية على الأرجح ساعدت في تحديد موقعه، وان حكومة السودان قررت الخلاص منه، وان رجال الأمن الفرنسيين لم يفعلوا سوى مواكبته في "رحلة الذهاب" الى فيلا كوبلي. ضاعت هذه "التفاصيل" فبقي قرار الوزير وعناده واصراره وجرأة ضباط المخابرات وتضامنهم وتفانيهم ودور رجال الظل ونجاحهم في الثأر لاقدام كارلوس على اغتيال اثنين من زملائهم عام 1975. وجرى تقديم رأس المعتقل على طبق من فضة الى ذوي الضحايا في ظل اعلان الوزير ان هذه عبرة لمن يعتبر وان على الجميع أن يفهموا "ان الاعتداء على فرنسي، على فرنسا. لا يمر من دون عقاب" حتى ولو مر الزمن.
الخرطوم وباريس
لاحظ الكثيرون ان الاطار العام للحدث غريب بعض الشيء. لقد تزعم شارل باسكوا في فرنسا، التيار الداعي الى خوض مواجهة عنيفة مع الاسلاميين الجزائريين تبدأ في بلادهم ولا تنتهي في باريس، ونجحت أجهزته في تفكيك شبكات تضم أتراكاً وتونسيين ومغاربة تعمل على تهريب الأسلحة، وجرى اعتقال العشرات ووضعهم في الاقامة الجبرية بانتظار ترحيلهم، ومنعت صحف من التوزيع، وخاض الوزير، اياه، سجالات عنيفة مع البريطانيين والألمان والأميركيين بعد أن اتهمهم بالتساهل مع "الارهاب الأصولي" واقترح عليهم، في هذا المجال، سياسة معينة، سياسته. وفي غضون ذلك قرر باسكوا بأنه من التخريف البحث عن الفرق بين "اسلاميين" معتدلين و"اسلاميين" متطرفين وبأن الخطر كامن في وصولهم الى السلطة في الجزائر بما يعني ان الواجب دعم الحكم العسكري الذي يواجههم... في مثل هذه الأجواء "المشحونة" يتضح ان العلاقة بينه وبين الحكم العسكري - الأصولي في السودان هي على أفضل ما يكون فيكيل المدح لحكام الخرطوم متجاهلاً ان اسلاميي الجزائر، في حال حكموا، لن يفعلوا شيئاً غير ما هو مطبق في السودان حالياً وان "شيخ" السودان، حسن الترابي، هو أحد أساتذتهم لا بل أن بينهم من هو أشد اعتدالاً منه!
علاقات الأجهزة
مرت هذه "المفارقة" بسلام. لا بل تحمل أحد كبار المسؤولين عن السياسة الافريقية لفرنسا من غير أن يود الافصاح عن اسمه، أمر تحمل تبعاتها. قال، في خصوص العلاقات الفرنسية - السودانية، كل ما يأخذه شارل باسكوا على علاقات الحوار التي تقيمها الولايات المتحدة الأميركية مع أطراف في "الجبهة الاسلامية للانقاذ". ففي رأي هذا المسؤول ان علاقات بلاده بالسودان جيدة و"ان الأميركيين مخطئون تماماً في استعداء حكومة الفريق عمر البشير. فالسودان محكوم من قبل نظام عاقل، هادئ، موزون، غير معني بتصدير الثورة، مستقر، لا يخيف، يمكن التعاطي معه. صحيح انه اسلامي ولكن منذ متى كانت هذه الصفة تهمة؟". هذا الرأي الذي يخالف وجهة التعاطي مع اسلاميي الجزائر ترافقه معلومات متداولة في باريس حول أوجه تعاون عديدة مع السودان. لقد بات معروفاً ان أجهزة المخابرات، في البلدين، تحتفظ بعلاقات جيدة مع بعضها وان وفداً مخابراتياً سودانياً زار فرنسا قبل أسابيع ونظمت له جولات تفقدية في مناطق حساسة. والرجل الضابط للعلاقة بين الطرفين هو الكولونيل جان كلود فانتيون الذي أمضى عقداً من الزمن في افريقيا الوسطى والذي لعب دوراً، كما يبدو، في اقناع بلاده بالسماح للجيش السوداني باستخدام ممر آمن في افريقيا الوسطى من أجل مفاجأة "الجيش الشعبي لتحرير جنوب السودان" من الخلف وذلك بعد تزويد السودانيين صوراً جوية عن مواقع خصومهم التقطتها الأقمار الصناعية. وقد قام الكولونيل المذكور بترتيب لقاءات مع مسؤولين في المخابرات السودانية بينهم من لعب دوراً بارزاً في قضية "الفالاشا" قبل أن يضطر الى خدمة النظام الحالي.
رد على واشنطن
وتكتسب هذه المعطيات أهميتها من أن هناك من ينسب الى شارل باسكوا، عدا الهموم الافريقية الخاصة والحرص على دعم التيار الفرنسي الذي يرفضها الاقتحام الأميركي للقارة. وفي رأي هذا التيار ان أوغندا قاعدة أميركية تقريباً وأنها منطلق دعم "الجبهة الوطنية الرواندية" التي وجهت ضربة قاسية للنفوذ الفرنسي في انتظار ما سيحصل في زائير وانها أيضاً المعبر لدعم قوات جون قرنق بأسلحة وامدادات أميركية. ويمثل الخلاف الأميركي - الفرنسي حول الجزائر موقعه في هذا التنافس: حققت واشنطن نقطة في رواندا وتريد فرنسا تحقيق نقطة في السودان وتبقى الجزائر حلبة المواجهة الرئيسية.
ويقول المسؤول الفرنسي المشار اليه، ساخراً، ان حسن الترابي نشر مقالاً في مجلة أميركية فأعيد نشره مترجماً الى الفرنسية ولكن يبدو أن الترجمة، وحدها، هي التي أثارت الانتباه. ففي هذا المقال يتبرأ الزعيم السوداني من الفتوى الخمينية ضد سلمان رشدي ويقدم الصحوة الاسلامية بصفتها رداً على الاشتراكية والنزعة الوطنية العربية المعادية للغرب. لقد كانت هذه رسالة مهمة، يضيف المسؤول "غير أنهم، في واشنطن يتحدثون عن الاسلام المعتدل ويرفضون الاستماع اليه عندما يتوجه اليهم مباشرة".
زيارة الترابي السرية
لقد كشفت قضية كارلوس لا عن وجود علاقات فرنسية - سودانية بل عن عمق هذه العلاقات. وينسب معلقون فرنسيون الى الخرطوم أنها شاءت، من وراء هذه الخطوة، ضرب عصافير عدة بحجر واحد. فهي ترد الجميل لفرنسا أولا وتغازل الولايات المتحدة ثانياً على أمل شطب اسمها من لائحة الدول الداعمة للارهاب. وهي تنوي ايجاد اجواء تسمح بتليين موقف البنك الدولي منها وصولاً الى الحصول على مساعدات اقتصادية وغض نظر سياسي عن التطورات في جنوب البلاد. الى ذلك فانها تراهن على تدخل لدى مصر لحل الاشكالات المتعلقة بموضوع حلايب. وهناك من يذهب أبعد فيقول ان الخرطوم تحجز لنفسها مقعداً في العلاقات الفرنسية - الجزائرية واحتمال تطورها. فمقال الترابي المعتدل لا يستدعي نسيان تصريحه المتصلب حول "اجتياح الصحوة الاسلامية شمال افريقيا" وهذا بدوره لا يصلح تكذيباً للنبأ الذي تردد قبل أسابيع حول زيارة سرية قام بها الى فرنسا وبحث مع المسؤولين فيها، بين أمور أخرى، في احتمال التوسط بين السلطات الفرنسية وقادة "الجبهة الاسلامية للانقاذ". وإذا كانت مواضيع البحث موضع شك فإن "الوسط" يمكنها ان تؤكد حصول الزيارة باعتبار ان أحد الموجودين على متن الطائرة التي أقلت الترابي تحادث اليه مطولاً فلم ينف هذا لا وجهته ولا مقصده!
من المحسوم به ان تسليم كارلوس الى فرنسا هو قمة جبل الجليد. وبالرغم من تأكيد وزير الداخلية شارل باسكوا ان الأمر تم "من دون مقابل" فإن رائحة الصفقة تزكم الأنوف ولو أنه من المبكر الحديث عن بنودها وتفاصيلها.
اعتقال أم خطف
ان الرواية السودانية لما جرى لا تصلح لأن تشكل موضوعاً لقصة بوليسية من النوع السيئ: يدخل كارلوس الخرطوم مع مجموعة سراً، يقيم في فندق ثم في منزل خاص تنتبه اليه أجهزة الأمن، تراقب تحركاته ومن معه، تخشى أن يكون مدسوساً عليها للقيام بأعمال تلصق بها. تتلقى طلباً فرنسياً فتتجاوب معه. لقد تولى شارل باسكوا، نفسه، أمر تفنيد هذه الرواية. قال ان ايليتش راميرز سانشيز موجود في السودان منذ مطلع العام على الأقل، وانه أمكن رصده، وان فرنسا طلبته غير مرة من الخرطوم فوعدت خيراً ثم أحبطت. وانه وجه رسالة مطلع الشهر الجاري الى نظيره السوداني بعد نجاح الجنرال فيليب رونور، المكلف بملف كارلوس منذ سنوات مديدة، في تصويره في أحد شوارع الخرطوم، وان الطلب الفرنسي بتسليمه استجيب بعد طول امتناع. تناقض هذه الرواية الحديث الرسمي السوداني. كما تناقضها ايضاً تلك التي نقلها محاميا كارلوس عنه من أنه كان ضيفاً رسمياً على الحكومة السودانية، وانها وضعت حراسة حول بيته، وان الحراس أنفسهم هم الذين اعتقلوه وخدروه وكبلوه وسلموه الى الأمن الفرنسي وان رجال المخابرات لم يكونوا يملكون "طلباً دولياً" لاسترداده مما يعني أنه اختطف، عملياً، من السودان وتبلغ أمر الاعتقال عندما حط في فرنسا!
كل يوم يمر سيحمل جديداً في هذه القضية سواء لجهة تنفيذ العملية أم لجهة الصفقة الكامنة وراءها أم لجهة العلاقات الفرنسية - السودانية. وقد باشر الوزير باسكوا ضرب ستار الغموض على ما حصل شاهراً سلاحه المفضل رداً على كل سؤال محرج: "لا جواب، هذا سر من أسرار الدولة". ربما كان الوزير يهوى الصمت ولكن جاك فيرجيس أحد محاميي كارلوس معروف بعشقه للثرثرة.. يمكن الاتكال عليه!
أقامت فرنسا علاقات وثيقة مع نظام الفريق عمر حسن البشير منذ العام 1990. وبدا ان التعاون بين الجانبين أضحى عميقاً ووطيداً عندما أعلن أن بنك الاعتماد الزراعي الفرنسي قرر تمويل بيع السودان طائرات من طراز "اير باص" لصالح شركة الخطوط الجوية السودانية التي تملك غالبية أسهمها وزارة المال السودانية. وبلغ عدد تلك الطائرات حتى مستهل العام الحالي أربع طائرات. ويعتقد ان الترتيبات الخاصة بنقل ملكيتها الى الخرطوم تتضمن صفقة مقايضة ضخمة.
وعندما كانت فرق مديري وفنيي الخطوط الجوية السودانية وبنك الاعتماد الزراعي الفرنسي تتنقل بين باريس والخرطوم، كانت فرق امنية سودانية - فرنسية تتبادل زيارات سرية لبحث التعاون الأمني بين البلدين. وكان يقود الفريق السوداني هاشم أبا سعيد مدير الأمن الخارجي في جهاز الأمن العام السوداني، وهو ضابط أمن محترف لا ينتمي الى الجبهة الاسلامية القومية.
وعندما كشفت "نشرة المحيط الهندي" الفرنسية القريبة من دوائر الاستخبارات في باريس محادثات أبا سعيد في العاصمة الفرنسية في آذار مارس الماضي، فقد تم ذلك بضغط من الجناح المتشدد ضد السودان في وزارة الخارجية الفرنسية الذي كان يسعى لاحباط مخططات جهاز الأمن الذي يشرف عليه الوزير باسكوا.
ويقول اكاديميون سودانيون مقيمون في فرنسا ان المتنفذين في وزارة الخارجية لا يريدون تقارباً بين باريس والخرطوم، وانهم جهدوا في تقديم مساعدات الى "الجيش الشعبي لتحرير السودان" الذي يتزعمه العقيد جون قرنق، أهمها محطة إذاعة متنقلة. وبلغ التنافس ذروته بين جماعة وزارة الخارجية وجماعة باسكوا عندما نجحت الأولى في الحصول على موافقة مجلس الوزراء على ايفاد وزير العمل الانساني السابق برنار كوشنير الى جنوب السودان دون الحصول على إذن من الخرطوم التي قدمت احتجاجاً شديد اللهجة في هذا الشأن.
وتحول الصراع بين الجناحين لينصب على التقارير التي يبعثها سفير فرنسا لدى الخرطوم الى حكومة بلاده. ورأى مسؤولو وزارة الخارجية ان السفير خضع "لسحر" جماعة الدكتور حسن الترابي، وان تقاريره مطعمة بالتماسات تقديم المساعدة الى السودان، بينما بقي باسكوا ومساعدوه يستخدمون نفوذهم كله لاحباط اي محاولة لنقل السفير او عزله.
وقال ضابط أمن سوداني متقاعد يقيم في لندن ان ما لم يكن مسؤولو وزارة الخارجية الفرنسية على علم به هو ان السفير كان منذ العام 1990 على اطلاع بأن الارهابي كارلوس "ابن آوى" يقيم في الخرطوم. ولم يكن مساعدو باسكوا على استعداد للتضحية بسرية اتصالاتهم في هذا الجانب حتى لكبار مساعدي وزير خارجية بلادهم.
توصية ليبية؟
ويقول هذا الضابط الأمني المتقاعد ان كارلوس وصل الى السودان العام 1990 بتوصية من الاستخبارات الليبية التي زودته جواز سفر ديبلوماسياً بقي يحمله حتى اعتقاله الأسبوع الماضي في العاصمة السودانية. والأرجح ان ضابط أمن ليبياً يشغل منصباً ديبلوماسياً في احدى الدول العربية هو الذي أبلغ فرنسا بانتقال كارلوس الى السودان.
وعندما سرب المناوئون لباسكوا نبأ زيارة مدير الأمن الخارجي السوداني لباريس، كانت المحادثات بين السودان وفرنسا بلغت طوراً رفيعاً، وكان تقرر ان تجرى الاتصالات المقبلة على مستوى رئيسي الاستخبارات في البلدين. ولهذا السبب طار الدكتور نافع عثمان نافع مدير جهاز الأمن العام الى باريس في نهاية آذار 1994، وقام بزيارة سرية اخرى لباريس في نيسان ابريل الماضي وكان يرافقه الدكتور غازي صلاح الدين العتباني وزير الدولة للشؤون السياسية في رئاسة الجمهورية السودانية.
بيزاني والترابي
وانضم اليهما في باريس الدكتور علي الحاج محمد وزير ديوان الحكم الاتحادي. والمعروف ان ثلاثتهم يعتبرون أقوى رجال الجبهة الاسلامية والحكم الراهن في السودان.
وفي المعلومات ان ترفيع مستوى المحادثات الأمنية السودانية الفرنسية أتى في أعقاب اتخاذ حكومة الرئيس فرنسوا ميتران قراراً بأن تطلب رسمياً من الخرطوم تسليمها كارلوس. وكلفت فرنسا ادغار بيزاني مدير معهد العالم العربي في باريس، وهو من المقربين الى ميتران، نقل طلبها الى الدكتور الترابي شخصياً. ونفذ بيزاني المهمة في شباط فبراير 1994.
ولكن كيف نجح باسكوا في اقناع مجلس الوزراء الفرنسي بتأييد سياسة الاجهزة الأمنية التابعة لوزارته حتى مرحلة الطلب رسمياً من السودان تسليم الارهابي الشهير؟
عملية فرنسية في السودان
في المعلومات ان مصدراً ديبلوماسياً عربياً - يرجح انه ليبي - هو الذي أحاط باريس بتفاصيل جواز السفر الذي يحمله كارلوس، ومكان اقامته في احد احياء العاصمة السودانية. بعد حصول عملاء الأمن الفرنسي على تلك المعلومات نقلها باسكوا رسمياً الى مجلس الوزراء طالباً موافقته على تنفيذ عملية سرية في السودان للتحقق من تلك المعلومات.
وحصل باسكوا على موافقة خطية من رئيس الوزراء ادوارد بالادور في مستهل العام الحالي، فأصدر بدوره موافقته لمساعديه الأمنيين على ارسال فريق من عملاء الاستخبارات الى الخرطوم من دون احاطة حكومة الفريق عمر البشير علماً بذلك.
ونجح الفريق في غضون شهر في تحديد موقع منزل كارلوس، بل تمكن العملاء الفرنسيون من التقاط عدد من الصور له داخل المنزل وخارجه. ويعتقد ان الفرنسيين تمكنوا من رشوة ضباط الأمن السوداني المكلفين حراسة كارلوس على مدار ساعات اليوم. وبعدما عرضت صور كارلوس في الخرطوم على أعضاء مجلس الوزراء الفرنسي وافق الأخير على تقديم الطلب الرسمي لتسليمه.
وكان السودان يتهرب ويتشبث بذرائع واهية طوال تلك السنوات. وكانت العلاقات تشهد حالات صعود وهبوط تبعاً لتطور المفاوضات الأمنية بين الجانبين.
وعندما فوجئ الدكتور نافع والدكتور غازي صلاح الدين والفريق البشير بزعيمهم الترابي يحيطهم علماً بالطلب الفرنسي الذي حمله اليه بيزاني، وما قد يكون دار بينهما في شأن ما يحدث في المغرب العربي - خصوصاً الجزائر، قرروا الرد بأن حكومة السودان درست الطلب الفرنسي الذي أرفقت به صور كارلوس وعنوان منزله، لكنها خلصت الى ان كارلوس دخل البلاد بطريقة غير مشروعة، وبجواز سفر مزور.
وعندما زار نافع وصلاح الدين باريس في نيسان الماضي أبلغا الفرنسيين بأن كارلوس يخطط لمهاجمة اهداف غربية في بلادهما. وجددت باريس طلب تسليمها الارهابي الخطير. غير ان المسؤولين السودانيين لم يردا على الطلب وعادا الى الخرطوم ليلتزما الصمت ايضاً.
وقبل ثلاثة أسابيع فقط تلقت فرنسا عبر سفارتها في الخرطوم برقية باستعداد الحكومة السودانية لتلبية طلبها في شأن كارلوس.
ولم يحدث شيء حتى الأحد الماضي 14 آب عندما اتصل مسؤول سوداني بالحكومة الفرنسية اتصالاً هاتفياً مباشراً من القصر الجمهوري في الخرطوم ليبلغها بأن كارلوس "جاهز للتسليم"!
واضح ان كارلوس سقط ضحية صفقة. لقد باعوه، والسؤال هو: هل يرد ببيع ما يعرفه من الأسرار على رغم قول محاميه انه لن يخون الحكومات والمنظمات التي ساعدته؟!
رواية الخرطوم
في الوقت نفسه كانت الخرطوم تنفي وجود صفقة في ما يتعلق بتسليم كارلوس. وحرص أكثر من مسؤول سوداني على اعتبار عملية التسليم جزءاً من رفض السودان للارهاب على رغم الاتهامات التي تلصق به.
وزير العدل السوداني عبدالعزيز شدو أكد ل "الوسط" ان كارلوس دخل الخرطوم في كانون الأول ديسمبر 1993 بجواز سفر مزور من دولة عربية وانه لم يمارس أي نشاط يكشف عن هويته.
وردد أكثر من مسؤول رفيع ان كارلوس "دفع دفعاً الى طائرة متجهة الى الخرطوم وذلك بغرض الكيد للسودان واتهامه بدعم الارهاب".
ونفى ديبلوماسي بارز في وزارة الخارجية السودانية أن تكون ليبيا هي الدولة المجاورة التي "دفعت" كارلوس الى الطائرة.
وانتقد الدكتور غازي صلاح الدين الوزير برئاسة الجمهورية السودانية تركيز وسائل الاعلام الدولية على الدور الفرنسي في قضية كارلوس و"تهميش" الدور السوداني وكأن الأجهزة الفرنسية هي التي اعتقلته.
واعترف مسؤول سوداني ب "اننا لم نستفد من الحدث كما يجب وكان الفرنسيون أشطر منا في هذا الجانب". ونفى وجود صفقة تتعلق بالجزائر ووساطة سودانية محتملة هناك.
وعلى رغم ذلك يبقى أن شهر العسل الفرنسي - السوداني لم يعد سراً وكذلك زيارة الترابي لباريس.
جاك فيرجيس محامي القضايا الخاسرة
عندما قرر المحامي جاك فيرجيس الدفاع عن كارلوس، لم يكن لهذا القرار وقع "الصاعقة" على الرأي العام الفرنسي وربما الخارجي. ذلك أن فيرجيس درج على الدفاع أمام القضاء الفرنسي عن "ارهابيين" وثوار ونازيين من ذوي القضايا الخاسرة والمعروفة نتائجها سلفاً، فصار لقبه "محامي الدعاوى الفاشلة".
في سجل فيرجيس العدلي أسماء ومشاهير وأحكام قضائية قصوى اعدام أو مؤبد أو أكثر من عشرين سنة سجناً على الأقل: كلاوس باربي قائد الغستابو السابق في مدينة ليون الفرنسية وجورج ابراهيم عبدالله رئيس "الألوية الثورية اللبنانية"، وعمر رداد الجنيناتي المتهم بقتل مخدومته وجماعة "بادر مانيهوف" وآخرين مثلهم.
ولعب فرجيس، لشدة تعلقه بالدفاع عن "الارهابيين" المشهورين، دور محامي الدفاع روبسبيير الشهير في الثورة الفرنسية، في مسرحية قضائية أعدت لمناسبة المئوية الثانية لثورة العام 1789 في باريس.
ولد فيرجيس قبل 70 عاماً في أسرة تعيش في جزر الأنتيل وانخرط في المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي في سنوات شبابه الأولى. وبدأ حياته المهنية مدافعاً أمام المحاكم عن ثوار جبهة التحرير الوطني الجزائرية وفي طليعتهم جميلة بوحيرد.
تزوج من موكلته بوحيرد في العام 1963، وعلى الأثر اختفى من المسرح القضائي لمدة 8 سنوات لم يعرف أحد حتى الآن ماذا فعل خلالها. ثم اعتنق الاسلام وحمل اسم "منصور". وكما دخل القضاء من باب القضايا الساخنة والخاسرة، فإنه استأنف حياته المهنية من الباب نفسه مدافعاً عن ماغدالينا كوب زوجة كارلوس الحالية التي كانت تنتمي الى جماعة "بادر" الألمانية ثم جماعة "العمل المباشر" الفرنسية وصولاً الى كلاوس باربي... وأخيراً كارلوس.
فيرجيس الذي يعشق السيجار الكوبي تعرض مراراً للتهديد، وكان هدفاً دائماً للشتائم ولردود الفعل السلبية بسبب القضايا غير الشعبية التي يدافع عنها، لكن ذلك لم يثنه يوماً عن سلوك المعابر القضائية الخاسرة، والسبب ليس محل اجماع، فثمة من يعتقد بأنه فوضوي، وبعضهم يرى أنه مثالي، وآخرون يؤكدون ان وجوده ضروري للحفاظ على توازن العدالة، لكن الأمر الثابت هو أن فيرجيس مهووس بعناوين الصحف العريضة، خصوصاً إذا ترافقت مع صورته على صفحاتها الأولى.
جان لوي بروغيير القاضي المدرع
جان لوي بروغيير قاضي التحقيق الفرنسي المعيّن للنظر في ملف كارلوس ليس نكرة فهو يحب تصدر نشرات وسائل الاعلام والصفحات الأولى للصحف، شأنه شأن جاك فيرجيس، ولعله يشترك معه في التعاطي مع زبائن القضاء أنفسهم.
بخلاف فيرجيس لا يتحدث بروغيير الى وسائل الاعلام إلا نادراً. وعندما يفعل ذلك يشترط أن تكون الصحيفة "من الدرجة الأولى عالمياً" كما أكدت سكرتيرته ذات يوم ل "الوسط". لكنه يفعل كل ما من شأنه أن يسلط عليه الأضواء، والدليل توليه قضايا الارهاب البارزة التي تحظى باهتمام اعلامي واسع.
اشتهر جان لوي بروغيير 51 عاماً من كورسيكا من خلال ملف قضائي أثار الرعب في فرنسا في السبعينات. فكان قاضي التحقيق في قضية ذلك الياباني الذي قطّع صديقته الفرنسية إرباً ثم التهمها على دفعات. يومذاك ذهب بروغيير الى اليابان للتعرف الى عالم المجرم.
ومن القضايا الجرمية "العادية" الكبيرة انتقل الى القضايا الارهابية الساخنة مثل مجموعة "العمل المباشر" وقضية "شهبور بختيار" رئيس الوزراء الايراني السابق وأخيراً قضية "يوتيا D.C.10" للشقيقة قضية "لوكربي" المتهمة ليبيا بالمسؤولية عنها.
يفضل بروغيير استخدام الوسائل الضخمة في تحقيقاته ولا يتورع عن طلب الاثارة ويتقصد التحريض، فهو ذهب الى ليبيا على ظهر بارجة حربية مزودة مدافع وصواريخ بهدف التعاون مع القضاء الليبي في قضية "يوتيا". وذهب الى زائير في طائرة نقل عسكرية. ويستقل دائماً سيارة مصفحة ويحمل مسدساً أميركياً من طراز "ماغنوم 357" شهره ذات يوم لردع سائق سيارة هدده في مرأب احدى البنايات.
تعرّض بروغيير للتهديد مراراً ونجا مرة من قنبلة مفخخة وضعها ارهابيو "العمل المباشر" على باب منزله، الأمر الذي حمله على طلب حراسة دائمة حيثما ذهب.
يقول عنه زملاؤه انه ذكي كالثعلب ويصفه بعضهم ب "طنجرة الضغط". ويرى آخرون انه العدو الرقم واحد للارهاب والارهابيين، وانه يفضل دائماً الذهاب الى مسرح الجريمة. كان يفكر، قبل اعتقال كارلوس، في الاستقالة من الملفات المتعبة لكن هذه القضية حملته على إعادة النظر في قراراه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.