الى مشكلة تأمين الانفاق الجاري، وتوفير الحد الادنى من الخدمات الاساسية، سيكون على سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني ان تواجه وجود عشرات الآلاف من الشبان الذين يبحثون عن فرص عمل، في ظل تعثر تنفيذ خطط النهوض الاقتصادي، وتأخر تدفق الاستثمارات من الخارج، وهي مسألة ترتبط بثقة الخارج بتطور الوضع الداخلي، وتحسن كفاءة الاجهزة الحكومية واطلاق قوانين حديثة للاستثمار. ويشكل تفاقم أزمة البطالة في المناطق الفلسطينية المحتلة احد أهم التحديات التي تواجه السلطات الجديدة، اذ يصل معدل العاطلين عن العمل في الضفة الغربية الى حوالي 25 في المئة من مجموع القوة العاملة، فيما يرتفع في قطاع غزة الى 40 في المئة، وهي نسبة تعني ان هناك ما يزيد حالياً على 40 الف فلسطيني من دون مورد عيش، ولو بالحد الادنى، من دون احتساب البطالة المقنعة والبطالة الموسمية، اللتين تشملان آلاف الشبان الذين يعملون اساساً في قطاعي الزراعة والبناء. وكان تقرير أعدته منظمة العمل الدولية اخيراً أظهر أن عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة يبلغ حوالي 2.5 مليون نسمة، 50 في المئة منهم تقل اعمارهم عن 15 سنة، فيما يصل عدد العاطلين عن العمل بصورة دائمة الى 310 آلاف شخص، إلاّ أن التقرير يعترف بأنه لم يأخذ في الاعتبار آلاف العائدين الى المناطق الفلسطينية، سواء في ظل اقامة الحكم الذاتي، أم قبلها، وفي اثناء حرب الخليج، عندما اضطر آلاف الفلسطينيين الى البحث عن وظائف جديدة، سواء في الاردن الذي استقبل نسبة كبيرة منهم، أو في المناطق المحتلة. كذلك يعترف التقرير بأن تقديراته لا تشمل حتى الآن آلاف الفلسطينيين الذين يتوقع أن يعودوا من دول عربية أخرى، اضافة الى تحول آلاف المقاتلين الى سوق العمل، لكن من دون ان تكون لديهم أية مهارات مهنية خاصة تساعدهم على التكيف مع الظروف السياسية والاجتماعية الجديدة، اضافة الى حاجة آلاف السجناء السياسيين الذين أفرجت عنهم اسرائيل، ويتوجب على سلطات الحكم الذاتي تدبير انخراطهم في الدورة الانتاجية. ووفق تقديرات متطابقة فإن عدد هؤلاء السجناء، وقد مضى على وجود بعضهم في سجون اسرائيلية ما يزيد على 10 سنوات، يصل الى 12 الف شخص، غالبيتهم لا تملك اية خبرات مهنية تؤهلها للانخراط في اعمال اقتصادية منتجة. وفي الاساس يعزى تفاقم ازمة البطالة في المناطق الفلسطينية المحتلة الى ظروف الاقتصاد في ظل الاحتلال الاسرائيلي، اذ سجل الانتاج الزراعي تدهوراً واسعاً نظراً الى صعوبات التسويق، وقبلها صعوبات الري والنقل والتصدير، فيما فشلت الاستثمارات في القطاع الصناعي، الذي تركز في معظمه على المشاريع الصغيرة التي يقل عدد العمال في المشروع الواحد منها عن 10 أشخاص، نتيجة غياب الاستثمارات الصناعية الكبيرة، والقيود التي فرضتها الحكومة الاسرائيلية على حرية الرساميل والتوظيفات من الخارج. وبحسب تقديرات منظمة العمل الدولية، فإن 95 في المئة من المؤسسات داخل المناطق المحتلة يقل عدد العمال فيها عن عشرة عمال، في حين لم يزد عدد التراخيص التي منحتها اسرائيل في خلال الفترة الممتدة من العام 1980 الى العام 1990 عن 90 ترخيصاً وبشكل انتقائي بحجة حماية الصناعات الاسرائيلية، ما جعل معظم النشاط الصناعي يتركز في مؤسسات حرفية صغيرة، وحتى عائلية. ويعترف مسؤولون فلسطينيون بأن مشكلة البطالة تتصدر اهتمامات سلطات الحكم الذاتي، الاّ أن أية خطط متكاملة لم تظهر بعد، ما يعني ان الازمة مرشحة للاستمرار، ان لم يكن للتفاقم في خلال الفترة القليلة المقبلة، مع تنامي حاجة الشبان الفلسطينيين الى التكيف مع ظروف الحياة الجديدة، والانخراط في الدورة الانتاجية. وفي حين تقول منظمة التحرير ان خطط النهوض الاقتصادي التي تم التوافق عليها مع مؤسسات التمويل الدولية والجهات الخارجية المانحة للمساعدات تشمل في الجزء الاهم منها توفير عشرات آلاف الوظائف، إلاّ أن منظمة العمل الدولية تعطي اولوية لمعالجة الازمة في المدى القصير، أي في خلال السنتين المقبلتين، من دون الحاجة الى الانتظار لفترات متوسطة او طويلة الاجل، نظراً الى ما يمكن ان يشكله تفاقم هذه الازمة من مخاطر على عملية انتقال المسؤولية، ونجاح سلطات الحكم الذاتي في مواجهة آلاف العاطلين عن العمل، في ظل غياب أي نظام لطوارىء العمل يحمي الشباب من مخاطر البقاء خارج الدورة الاقتصادية. وبالفعل تقدر منظمة العمل الدولية حاجة سلطات الحكم الذاتي الى خلق فرص عمل جديدة بما يصل الى 15 ألف فرصة عمل شهرياً على المدى القصير، مشيرة في هذا السياق الى ضرورة تبني سياسة وطنية متكاملة في مجال تشجيع الصناعات الصغيرة من جهة، وخلق الظروف لاجتذاب الاستثمارات من الخارج في المديين المتوسط والطويل، واخراج سوق العمل الفلسطينية من دائرة الاتكال على فرص العمل التي كانت توفرها الشركات الاسرائيلية. المسؤولون الفلسطينيون يعترفون بالاهمية الخاصة لمعالجة أزمة البطالة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، وحتى وطنية وسياسية نظراً الى الظروف التي ترافق عادة عملية انتقال السلطة من جهة، والميل الى مطالبة السلطات الجديدة بحل المشاكل القائمة، من دون اعطائها ما يكفي من الوقت بسبب الضغوط الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها السكان في الاساس، اضافة الى الحاجة الى تسهيل تنفيذ عملية بناء المؤسسات الوطنية الجديدة من دون هزات اجتماعية تعرقلها، الاّ أنهم في الوقت نفسه يؤكدون ضرورة توفير الوقت الكافي لبناء المؤسسات الفلسطينية وتأمين الظروف الملائمة لتشجيع الاستثمارات من الخارج، بالموازاة مع المباشرة بتنفيذ خطط اعادة الاعمار وبناء المرافق الاساسية مثل الطرق والموانىء والمطارات وشبكات الهاتف والكهرباء والمياه وغيرها، ما يعني توسع مجالات العمل لاستيعاب آلاف الشبان. ويقول خبراء فلسطينيون ان العمالة الوطنية لها ما يميزها عن غيرها، نظراً الى المؤهلات التي يملكها الشبان الفلسطينيون، الى جانب الخبرات التي حققها بعضهم في الخارج، في الخليج او في اوروبا والولايات المتحدة، وهي مؤهلات تساعدهم على تفعيل النشاط الانتاجي في البلاد، كما أن لرجال الاعمال الفلسطينيين الذين نجحوا في بناء مؤسسات واستثمارات كبرى في الخارج، من الخبرات والاتصالات ما يساعدهم على تحقيق مشاريع جديدة في المناطق الوطنية بكفاءة عالية. إلاّ أن المشكلة هي في المدى القصير، اذ تقترح منظمة العمل الدولية برنامجاً موقتاً لدعم الشبان العاطلين عن العمل، انطلاقاً من قطاع غزة بسبب حدة الازمة وتوسعها، ثم الضفة الغربية في مرحلة لاحقة.