مشهد يتكرر يومياً قبل السابعة صباحاً في قطاع غزة. جنود اسرائيليون يخضعون العبارين لتدقيق صارم، وعمال فلسطينيون بالآلاف يرغبون بالعبور الى اسرائيل للعمل، ما يعطي صورة واضحة عن المشكلة الاجتماعية في القطاع. وفي الواقع يتفق كثيرون على أن أزمة البطالة التي يعاني منها الفلسطينيون قد تكون القنبلة التي لن يستطيع احد التحكم بها، او تقدير موعد انفجارها. فقد بلغت نسبة البطالة أرقاماً قياسية في المناطق الفلسطينية المحتلة. اذ يقدر معدل البطالة في الضفة الغربية بين 30 و35 في المئة من اجمالي القوى العاملة، في حين يصل هذا المعدل الى ما يتجاوز 40 في المئة في قطاع غزة. وحسب الدراسات التي وضعتها منظمة العمل الدولية، فإن حوالي 50 في المئة من اجمالي سكان الاراضي المحتلة لا تزيد أعمارهم عن 15 سنة، في حين يقدر معدل الذين هم في سنة العمل بما يصل الى 40 في المئة، والباقي ممن تجاوزت أعمارهم 70 عاماً، ما يعني وجود 15 مليون شخص يحتاجون بصورة أو بأخرى إلى إعالة دائمة، على إعتبار ان عدد السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة هو بحدود 2.5 مليون نسمة. غياب الاستثمارات وترتبط البطالة المرتفعة في المناطق المحتلة باعتبارات عدة، من بينها غياب الاستثمارات الخاصة، وتراجع الاداء الاقتصادي للقطاعات المنتجة، خصوصاً في قطاعات الزراعة والصناعة، وسيطرة الاسرائيليين على المؤسسات الرسمية، وغياب قطاع الخدمات، واقتصار النشاط التجاري للفلسطينيين على التجارات الصغيرة والمحدودة، في ظل السيطرة شبه الشاملة للشركات الاسرائيلية على عمليات الاستيراد والتصدير. وكان من المقدر أن تستمر مستويات البطالة عند حدودها السابقة حتى العام 1990، عندما انفجرت حرب الخليج نتيجة الغزو العراقي للكويت، ثم الاتهامات التي وجهت الى منظمة التحرير بتأييد الرئيس العراقي صدام حسين، وما استتبعته هذه الاتهامات من نزوح شبه جماعي للفلسطينيين من الكويت وبعض الدول الخليجية الاخرى، اذ يقدر عدد الذين اضطروا الى الهجرة بحوالي 450 الف شخص. واللافت ان هؤلاء الفلسطينيين، كما يقول احد المسؤولين في منظمة التحرير، لم يجدوا سوى دولتين لاستقبالهم، الاردن واسرائيل التي سمحت للذين كانوا يقيمون في الاراضي التي تحتلها بالعودة اليها. وهكذا، وفي اقل من سنة، تحول هؤلاء الفلسطينيون من مصدر للتحويلات الى ذويهم الى عبء اجتماعي واقتصادي يبحثون عن فرص عمل جديدة. الى ذلك، ساهم قطع المساعدات الخليجية عن منظمة التحرير في تفاقم أزمتها المالية، ما دفع الى إعادة النظر بالمساعدات والمنح الى سكان المناطق المحتلة لدعم الخدمات الاساسية، مثل خدمات الاستشفاء والتعليم، ما أدى الى ارتفاع حدة الازمة الاجتماعية والمعيشية. ويقدر تقرير أعده خبراء البنك الدولي الذين زاروا المناطق المحتلة، ان الاقتصاد الفلسطيني يحتاج الى خلق 12 ألف فرصة عمل سنوية على امتداد السنوات العشر المقبلة، لتنمية النشاطات الانتاجية، خصوصاً النشاطات الصغيرة والمتوسطة، وفتح الباب امام انتعاش القطاعات الاساسية، في البناء والصناعة والزراعة، وهو برنامج لا تقل تكاليفه حسب تقديرات البنك عن 2.8 مليار دولار لخمس سنوات. مخاطر الأزمة وفي حين تعترف منظمة التحرير بالحاجة الى برامج للتنمية الاقتصادية على المديين المتوسط والطويل، إلاّ أن وزير الاقتصاد الفلسطيني أحمد قريع أبو العلاء، يشدد على ضرورة ايجاد الحلول العاجلة للتقليل من خطر انفجار الازمة الاجتماعية. ويقول مسؤولون فلسطينيون انهم حصلوا على وعود اسرائيلية بزيادة عدد العمال الذين سيسمح لهم بالعمل داخل اسرائيل الى 70 ألف عامل، في مقابل 20 ألفاً في الوقت الحاضر، إلاّ أن تنفيذ هذه الوعود ما زال يصطدم بالتعقيدات الامنية والاجراءات التي يخضع لها العابرون، على رغم الحاجة الماسة اليهم في الشركات الاسرائيلية، فيما يبدي مسؤولون فلسطينيون تخوفهم من أن تؤدي التعقيدات الحالية الى إتجاه المؤسسات داخل اسرائيل الى الاتكال على العمالة الآسيوية المستوردة، ومن بعض دول اميركا اللاتينية نظراً الى تدني اجور هؤلاء، ومحدودية المخاطر الامنية على استقدامهم، ما يعني احتمالات اوسع للتخلي عن العمالة الفلسطينية. ويدرك الرئيس الفلسطيني هذه المشاكل، مع مخاطر انفجارها. ويتحرك وزراء سلطة الحكم الذاتي في جميع الاتجاهات. إلاّ أن النتائج التي يمكن ان يحصلوا عليها قد لا تكون في حجم المشكلة، وهو ما ينظر اليه على أنه التحدي الحقيقي الذي سيواجهه عرفات في الاشهر القليلة المقبلة: كيف يستطيع اقناع مواطنيه بعد طول غياب، بالحد الادنى، وليس بالحد الاقصى.