"...للأسف ما يجري في الجزائر يجعلنا نخشى على حقنا في الحياة ذاتها". والرجل الذي قال هذا لپ"الوسط" في آذار مارس الماضي لم يكن يلقي الكلام جزافاً، فقد اعتدت أيد مجهولة على حقه في الحياة صبيحة 18 حزيران يونيو الجاري، في قلب العاصمة الجزائرية عند مدخل مكتبه في ساحة الأمير عبدالقادر. انه يوسف فتح الله رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الانسان، غير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان التي يرأسها المحامي والوزير السابق عبدالنور علي يحيى. هذه الخاتمة المأسوية تبرر تشاؤم الرجل في حديثه لپ"الوسط" حيث قال بصريح العبارة "... إن مجرد التعبير عن وجودنا بواسطة التصريحات والبيانات أصبح شجاعة وعملاً بطولياً". وفتح الله شخصية غنية برصيدها النضالي والسياسي الذي تجاوز اشعاعه المجال القطري الضيق. فانشغاله بحقوق الانسان منذ العام 1987، كان نهاية مشوار طويل بدأ في المشرق العربي ابان ثورة التحرير الجزائرية، حيث استطاع ان يعقد صلات وثيقة بپ"الأوساط التقدمية" لا سيما البعثيين والناصريين. وغداة استقلال الجزائر عمل في حقل الاعلام حتى انقلاب 19 حزيران يونيو 1965 الذي أطاح الرئيس أحمد بن بله وجاء بالرئيس هواري بومدين. وكان فتح الله من المعارضين النشطين لحركة العقيد بومدين. إذ كان من مؤسسي "منظمة المقاومة الشعبية" برفقة الكاتب الجزائري محمد حربي وصديقه المحامي حسين زهوان عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير يومئذ. وبسبب موقفه هذا اضطر إثر القبض على حربي وزهوان، الى الهجرة الى فرنسا ومنها الى العراق حيث أصبح عضو القيادة القومية لحزب البعث. وفي العام 1974 عاد الى الجزائر ليشتغل في المحاماة، ثم ترك المهنة ليعمل في التوثيق كاتب عدل وقبل عامين عين عضواً في لجنة التحقيق باغتيال الرئيس محمد بوضياف. ويشكل اغتيال فتح الله لغزاً للمراقبين، فهو لم يعد ينتمي الى أية تشكيلة سياسية، وان كان يبدو في أفكاره قريباً من عبدالحميد مهري الأمين العام لجبهة التحرير وحسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية. وهو معتدل في دفاعه عن حقوق الانسان من دون أدنى تنازل من الناحية المبدئية، كما ظهر في حديثه لپ"الوسط" الذي كان آخر حديث أدلى به قبل اغتياله. وحسب مصادر مقربة من "الاسلاميين"، فإن الفقيد كان من الشخصيات النادرة التي استقبلت بنوع من الارتياح من طرف المعتقلين خلال زيارة مراكز الحجز الاداري في الصحراء سنة 1992. فهل يكون الاعتدال هو الدافع الى اغتيال الرجل؟ إن الجواب بالتأكيد هنا يجعل أصابع الاتهام تتجه مباشرة الى "أنصار العنف والعنف المضاد". ام ان "دافع الاغتيال ينبغي البحث عنه في ثنايا التحقيق حول اغتيال بوضياف"؟ إن موقف خير الله هنا ايضاً كان في غاية التحفظ، فلم يصدر عنه ما يمكن ان يجلب له الأذى من المتورطين المحتملين في تدبير اغتيال الرئيس بوضياف. لكن هناك أمر لفت المراقبين، فعشية إحياء الذكرى الثانية لاغتيال بوضياف راجت اشاعات مفادها ان بومعرافي المتهم الوحيد في القضية بدأ ينفي تورطه في عملية الاغتيال، مؤكداً انه كلف بقتل قاتل بوضياف. ومثل هذه المستجدات - إذا ثبتت - من شأنها ان تسقط التهمة عن أنصار جبهة الانقاذ.