بين العاشر والتاسع عشر من هذا الشهر يشهد معهد العالم العربي في باريس انعقاد الدورة الثانية لمهرجان السينما العربية. من ناحية مبدئية سيقدم المهرجان عروضاً لبعض أبرز الأفلام العربية التي انتجت خلال العامين السابقين، وهي أفلام سبق لها أن عرضت في العديد من التظاهرات على مدى الفترة السابقة. من ناحية ثانية يتابع المهرجان اقامة ندواته المتواضعة، في الوقت الذي يكرم السينمائي اللبناني الراحل مارون بغدادي، والكاتب المصري سعد الدين وهبة. أما الجوائز شبه السخية فسوف تمنح من قبل لجنة تحكيم يرأسها الكاتب المعروف أمين معلوف. بعد عامين على انعقاد الدورة الأولى ل "مهرجان السينما العربية في باريس"، تنعقد الدورة الثانية لهذا المهرجان في "معهد العالم العربي" بين العاشر والتاسع عشر من شهر حزيران يونيو، ومرة أخرى تحاول هذه التظاهرة التي تبناها المعهد الفرنسي/ العربي، بعدما كان عدد من النقاد والسينمائيين الأفراد أطلقها في العاصمة الفرنسية ليجد الفيلم العربي من خلالها حضوراً ملحوظاً في فرنسا، ان تقدم لجمهور لا يزال النقاش محتدماً حول عدده وطبيعته ومدى فاعليته في المجال السينمائي، بعض الجديد الذي تم انتاجه - في مجال الفيلم الروائي - خلال العامين الفائتين. ولئن كان تقديم هذا الجديد يمثل الهم الأول للمشرفين على المهرجان، فإن التظاهرة لا تخلو من نشاطات أخرى تحاول ان تستعيد شيئاً من تاريخ السينمات العربية، عبر عروض لافلام تنتمي الى هذا التاريخ بحجة من الحجج، أو عبر تكريمات فردية تشكل ذريعة لعرض اعمال سبق عرضها. وإضافة الى هذا تقام على هامش المهرجان سلسلة من الندوات واللقاءات ذات المواضيع المتنوعة، ويصر المسؤولون على اقامتها على رغم الفشل الذي اصاب تجربة الدورة الفائتة حيث من المعروف ان تلك الندوات لم تجذب احدا، وتوصياتها لم تحدث أي تغيير في واقع الحال السينمائي. من كل بلد فيلم وأكثر على أي حال، تظل التظاهرة الأساسية في المهرجان تظاهرة المسابقة الرسمية للأفلام الروائية طويلة كانت أو قصيرة. وفي مسابقة الأفلام الطويلة، وقع الاختيار هذه المرة على أربعة عشر فيلماً يمكن القول انها تكاد تمثل وحدها - وحقاً - أبرز ما في الانتاج العربي الجديد المنتمي الى ما يسمى بالسينما الجديدة، وتنتمي هذه الأفلام الى سبعة بلدان عربية. فمن المغرب يأتي عبدالرحمن التازي بفيلمه "البحث عن زوج لامرأتي" الذي يحقق الآن نجاحاً جماهيرياً ساحقاً خلال عروضه التجارية في المدن المغربية، وهو فيلم يلقي نظرة ناقدة على السلوك الاجتماعي ووضعية المرأة ومؤسسة الزواج، من خلال حكاية طريفة عن ثري يطلق زوجته في لحظة غضب لكنه يسعى لاستردادها بعد ذلك، فاذا بالشريعة تفرض عليها ان تتزوج شخصاً آخر ان هي أرادت العودة الى زوجها الأول، ومن هنا تقوم المفارقات المضحكة والناقدة التي يحفل بها الفيلم. من الجزائر يأتي فيلم "باب الواد.. الحومة" لمرزاق علواش، الذي كان شارك في تظاهرة "نظرة ما" في مهرجان "كان" ونال جائزتين ثانويتين. هذا الفيلم الجريء سياسياً، العادي فنياً، والذي يعجز فيه مرزاق علواش عن الدنو من مستويات كان وصل اليها في أفلامه السابقة، يتناول الأوضاع الساخنة في جزائر اليوم، من خلال علاقات وأحداث تدور في حي باب الواد الذي يعتبر معقل الأصوليين، والفيلم يتحدث عنهم بالتحديد، عبر حكاية شاب فران يقع في هوى شقيقة واحد منهم، ويزعجه مكبر الصوت الذي يستخدمونه فينتزعه من مكانه ويعيش معهم صراعاً يرسم خلفية الصراعات الجزائرية الحالية. من الجزائر كذلك فيلم "توشيا" لرشيد بلحاج الذي كان سبق له أن لفت الأنظار في مهرجانات عديدة. من تونس يعرض المهرجان فيلم "يا سلطان المدينة" للمنصف ذويب، وهو واحد من أبرز الأفلام التي حققت في تونس في الآونة الأخيرة، وتدور أحداثه داخل وكالة متعددة السكان في حي شعبي، ويتمحور من حول العلاقات بين الأشخاص. ومن حول الرغبة الموؤودة لشاب وفتاة بالخروج من ذلك الواقع. يتمثل لبنان في المسابقة الرسمية بفيلمين هما من نتاج الجيل السينمائي التالي لجيل برهان علوية ومارون بغدادي: فيلم لجان كلود قدسي الذي يخوض هنا تجربته السينمائية الروائية الطويلة الأولى في "آن الاوان" وهو فيلم عن الذاكرة والحرب وحرب الذاكرة، بعدما كان ساهم في العديد من الأفلام اللبنانية - خاصة أفلام برهان علوية - كمساعد ومؤلّف. أما الفيلم الثاني فهو "الاعصار" لسمير حبشي، الراوي لقصة شاب لبناني عائد من روسيا بعد سنوات غياب الى لبنان فتطالعه الحرب وتناقضاتها وعنفها ليندمج هو نفسه في العنف. فيلم قاس وعنيف "الاعصار" ويخوض مرة أخرى في شؤون الحرب اللبنانية التي يبدو أنها لن تبارح مخيلة السينمائيين اللبنانيين قبل مرور زمن طويل. مصر: الجيل البديل إذا كانت فلسطين تحضر في المسابقة الرسمية عبر فيلم "حتى إشعار آخر" لرشيد مشهراوي الذي سبق له أن فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان القاهرة، كما فاز بجائزة منظمة اليونسكو خلال مهرجان "كان" الأخير، ولفت على الدوام أنظار متفرجيه من خلال مناخه المسرحي وبريختيته التي وجدها المخرج الشاب خير أسلوب يمكنه من تصوير واقع الحياة والعلاقات في غزة تحت الاحتلال، فإن سورية تتمثل بالفيلمين اللذين كانا أبرز ما حققه سينمائيوها هذا العام: "الليل" لمحمد ملص، الذي يعود فيه المخرج الى مساءلة التاريخ السوري الحديث منظوراً اليه من خلال عيني طفل - هو المخرج نفسه على الأرجح - وهو الفيلم الذي فاز بجوائز كبرى في غير مهرجان، وفي مقدمتها مهرجان قرطاج الأخير. و"كومبارس" لنبيل المالح، الفيلم الذي لفت الأنظار ونال جائز الاخراج في مهرجان القاهرة. وهو الفيلم الذي عادل به نبيل المالح الى السينما السورية بعد غياب سنوات طويلة. من مصر تأتي خمسة أفلام، تمثل في ما بينها معظم توجهات السينما المصرية في الوقت الراهن، حيث تتراوح بين السينما ذات النفس التجاري "الارهابي" لنادر جلال من تمثيل عادل امام، وهو الفيلم الذي يحقق الآن في مصر أكبر ايرادات حققها أي فيلم على الاطلاق والسينما ذات النفس الفني "مرسيدس" ليسري نصرالله، الذي سبق أن عرض بنجاح من على شاشة التلفزة الفرنسية، ولفت الأنظار بلغته السينمائية المبتكرة، ومسّه للعديد من المواضيع الحساسة في الراهن المصري، مروراً بالسينما الجديدة التي يمثلها هنا فيلمان حققا نجاحاً نقدياً وجماهيرياً لا بأس به في مختلف عروضهما: "ثلاثة على الطريق" لمحمد كامل القليوبي و"ليه يا بنفسج؟" لرضوان الكاشف. فيلمان متميزان يفتحان الطريق أمام اندفاعة جديدة للسينما المصرية، ويعدان ببزوغ جيل جديد من المخرجين، يحمل راية السينما الجديدة، بعدما كاد ابناء جيل الواقعية الجديدة السابق محمد خان، خيري بشارة يتخلى عنها. مقابل هذا يأتي عاطف الطيب بفيلمه الجديد "كشف المستور" ليستعيد رونق سينماه هو الذي بات موضع الاتهام بالإكثار من الوجود، وبعدم الدقة في اختيار مواضيعه في الآونة الأخيرة. المسابقة الرسمية ليست مقتصرة على الأفلام الطويلة، بل هناك ايضاً الى جانبها مسابقة للأفلام القصيرة يشارك فيها محمد الأمين بن جمعة ومحمد الارفش وكريم طرايدية وميريام باكير من الجزائر معظمهم في انتاجات مشتركة مع بلدان أوروبية، وعاطف حتاتة من مصر ورشيد بوطونس المغرب وداوود اولاد سيد المغرب وعبدالرحمن سيساكو سورية/ موريتانيا ومحمد زران تونس وهاني أبو أسعد فلسطيني. ومن المتوقع ان تحمل مسابقة الأفلام القصيرة مفاجآت لافتة هذه المرة. أفلام القسم الاعلامي، لا تحمل في المقابل أية مفاجآت، بل يبدو أن هذا القسم بات معتاداً على عرض أفلام ترفض في المسابقة الرسمية، على سبيل التعويض. وهذا القسم يفرض هذه المرة أفلاماً مشتركة بين الجزائروفرنسا، وأفلاماً جزائرية وفيلماً عراقياً عن حياة "الملك غازي" من اخراج محمد شكري جميل، اضافة الى الفيلم المصري "أرض الأحلام" لداود عبدالسيد وهو الفيلم الذي عادت به فاتن حمامة الى الشاشة بعد غياب. ومن المؤسف بالطبع ألا يكون هذان الفيلمان ضمن المسابقة الرسمية، ولا سيما الفيلم العراقي الذي يكاد أن يكون الفيلم التاريخي العربي الوحيد الذي انتج في الآونة الأخيرة. ندوات تبحث عن جمهورها كان هذا بالنسبة الى جديد الانتاج السينمائي العربي. أما قديمه الذي يستعيده المهرجان هذه المرة فيتمثل في ثلاثين فيلماً تعرض تحت عنوان "الاقتباس الأدبي في السينما العربية" ويعني المهرجان بالاقتباس تلك الأفلام المأخوذة عن روايات أو مسرحيات أو قصص قصيرة لم تكتب أصلاً للسينما فاستعارتها السينما لتحقق انطلاقاً منها بعض الأفلام الناجحة. تأتي افلام هذا القسم من شتى البلدان العربية وتكاد أن تكون في الوقت نفسه استعراضاً لجزء لا بأس به من التراث الأدبي والمسرحي العربي، حيث نرى نجيب محفوظ متجاوراً مع ابن حزم، وفاضل العزاوي مع حيدر حيدر، ورشيد بوجدرة مع يوسف فاضل وغسان كنفاني مع اندريه ميكيل، ونكتشف كم ان بعض السينما العربية يدين للأدب العربي ببعض أفضل انتاجاته. هذا الدَّيْن ستتولى الحديث عنه، على أي حال، تلك الندوة التي ستعقد على هامش المهرجان تحت عنوان "الاقتباسات الأدبية في السينما العربية" ويشارك فيها عدد من النقاد والصحافيين ويديرها الزميل وليد شميط. وهي ستكون واحدة من ثلاث ندوات تعقد خلال المهرجان. أما الندوتان الأخريان فهما "اللقاء العربي الأوروبي من أجل الانتاج المشترك السينمائي والسمعي والبصري" تحت ادارة نورالدين صايل، و"كتابة السيناريو" تحت اشراف خميس خياطي. ويأمل منظمو المهرجان بالطبع أن تكون ندوات هذه الدورة ناجحة على عكس ندوات الدورة الفائتة. في مجال التكريمات، يكرم المهرجان في هذه الدورة السينمائي اللبناني الراحل مارون بغدادي، عبر عرض عدد كبير من أفلامه، وخاصة منها فيلمه الروائي الطويل الأول "بيروت يا بيروت" الذي كانت نسخه مفقودة تماماً، ولكن المصادفة وحدها مكّنت من العثور على واحدة منها ستعرض في افتتاح التكريم، رغم بعض التشوه الذي أصابها، سيعرض لمارون بغدادي أيضاً "حروب صغيرة" و"الرجل المحجب" و"لبنان بلد العسل والبخور" و"مارا" و"خارج الحياة" و"فتاة الهواء" اضافة الى بعض أفلامه القصيرة. اما سعد الدين وهبة، الكاتب المعروف ورئيس مهرجان القاهرة، فسوف يكون تكريمه عبر عرض العديد من الأفلام المتميزة التي كتب لها السيناريو وهي "الحرام" لهنري بركات و"مراتي مدير عام" و"أرض النفاق" لفطين عبدالوهاب و"زقاق المدق" لحسن الامام، "وأريد حلا" لسعيد مرزوق و"آه يا بلد" لحسين كمال، واخيراً "الزوجة الثانية" لصلاح ابو سيف. المفاجأة الوحيدة عروض كثيرة ومزدحمة ستكون مشكلتها الاساسية، بالطبع، البحث عن جمهورها، حيث ان أبرز ما لوحظ خلال الدورة السابقة هو عدم توافر عدد من الجمهور يكفي للقول بان المهرجان ناجح، وفي اعتقادنا ان هذا الواقع يعود الى ضعف الاعلام من حول المهرجان ولا سيما في فرنسا، حيث عجز المهرجان، رغم كل نواياه الطيبة وازدحامه بجديد وقديم الانتاج العربي، عن لفت أنظار الصحافة الفرنسية، مكتوبة كانت ام مرئية ومسموعة، ما جعل التظاهرة كلها تمر مرور الكرام. فهل سيمكن لدورة هذا العام ان تحقق نجاحاً أكبر، وخاصة عبر الافادة من الزخم الذي كان في "كان" لثلاثة من الافلام العربية المشاركة فيه، ولا سيما فيلم "صمت القصور" لمفيدة التلاتلي الذي كان من مفاجآت "كان" الجيدة، وسيختتم به مهرجان السينما العربية هذا العام نشاطاته؟ وهل تستطيع دورة هذا العام ان تستفيد من حضور الكاتب أمين معلوف المعروف على نطاق واسع في فرنسا بالطبع ولا سيما بعد نيله جائزة الغونكور أخيراً بصفته رئيساً للجنة التحكيم التي ستتولى توزيع جوائز المهرجان العديدة، علماً بأن هذه اللجنة تضم الى جانب أمين معلوف، كلا من عبدو بن زيان ناقد جزائري، وسمير فريد الناقد المصري المعروف وجلالي فرحاتي المخرج المغربي الذي فاز فيلمه "شاطئ الاطفال الضائعين" بجائزة الدورة السابقة وهيلما ساندرز براهمز مخرجة المانية وبريجيت روان ممثلة ومخرجة فرنسية ودومينيك سانتيل موزع فرنسي. ان كل ما يأمله السينمائيون العرب المشاركون في المسابقة هو ان تكون لجنة التحكيم جدية في توزيعها للجوائز، على عكس ما كان الأمر عليه في الدورة الفائتة. اما السينمائيون العرب الآخرون، غير المشاركين في المسابقة، فإنهم يأملون ان تكون هذه الدورة الثانية للمهرجان فرصة للفت نظر مسؤولي معهد العالم العربي، الى ان سياسة سينمائية حقيقية وفعالة تتعلق بالسينما العربية لا يمكنها من الآن وصاعداً ان تقتصر على كونها مجرد عرض لأفلام سبق عرضها، وفوز بالجوائز لأفلام سبق لها ان فازت، وندوات لا تسمن ولا تغني عن جوع، مثل هذه السياسة يجب ان تنفتح على السينمائي العربي نفسه فتساهم معه في نتاجاته وفي الترويج الحقيقي لمثل هذه النتاجات. وضمن اطار هذا المطلب الذي بات السينمائيون العرب يعتبرونه حقاً لهم، من المتوقع ان تقام على هامش المهرجان، وخارجاً عنه بالتأكيد، طاولة مستديرة بين عدد كبير من السينمائيين العرب، مخرجين ومنتجين ونقادا، همها صياغة مطالب محددة حول سياسة سينمائية حقيقية مختلفة كلياً عن سياسة الاستفادة آحادية الجانب التي يمارسها المعهد حالياً. ومن المتوقع ان تكون هذه الندوة ومواقف السينمائيين العرب خلالها، المفاجأة الوحيدة في مهرجان يبدو من الواضح انه يخلو من أية مفاجآت.