لا إقرار معاهدة الاتحاد الأوروبي ولا الاحتمالات المفتوحة أمام العملة الموحَّدة ولا أزمة البوسنة والهرسك، نجحت في تحويل أنظار الرأي العام الأوروبي الى الاهتمامات الأوروبية في مناسبة الاقتراع الشعبي المباشر لتجديد البرلمان الأوروبي. الانتخابات تتم في إطار وطني وتتمحور حول قضايا داخلية، وهي تأخذ أحياناً طابع المواجهة بين الحكومة والمعارضة في هذا البلد أو ذاك، وأحياناً الطابع نفسه داخل الاتجاه السياسي الواحد. وكم يبدو بعيداً زمن اهتمام الرأي العام بمشروع البناء الأوروبي، قبل سنتين، خلال معركة التصديق على معاهدة ماستريخت. فيومها كانت الفكرة الأوروبية تجتاز حالة من المد العام، ولو بنسب مختلفة، من الدانمارك الى اليونان. وكان هناك محرك اسمه الثنائي ميتران - كول ونظام النقد الأوروبي يتحرك في هوامش ضيقة، وكانت السوق الموحدة تعد بهزيمة الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، فيما بروكسيل تقف في مواجهة واشنطن على مفاوضات الغات. ورياح الحريق اليوغوسلافي لم تمتد الى البوسنة. وساراييفو مدينة مفتوحة. على عكس هذا التفاؤل، تتم الآن الانتخابات الأوروبية. وإذا كانت معاهدة ماستريخت منحت برلمان ستراسبورغ صلاحيات جديدة ليلعب دوراً سياسياً أكثر تقدماً، إلا أن استطلاعات الرأي في دول الاتحاد، تشير الى أن نسبة المتغيبين عن صناديق الاقتراع قد تتجاوز نسبة المتغيبين عن الاقتراع السابق في العام 1989. السياسيون، بشكل عام، يضعون حسابات داخلية من خلال هذا الاقتراع، كما ان الصدفة جعلت انتخاب برلمان ستراسبورغ يجري وسط صراع يخوضه جون ميجور داخل حزب المحافظين، وقبل أشهر من الانتخابات العامة الألمانية، وقبل سنة تقريباً من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وكذلك وسط فضائح تضرب الحكومة الاسبانية وعلى أثر أهم تبديل حكومي جرى في ايطاليا منذ الحرب العالمية الثانية. وتخوض الأحزاب الكبرى في مختلف الدول مثل التيار الاشتراكي والتيار الديموقراطي المسيحي معركتها بشعارات محلية لا بشعارات أوروبية، فيما تحاول الأحزاب الأخرى تسييس المعركة أكثر من ذلك، لكن بدل أن يتم ذلك من خلال تقدم الى الأمام، يتم من خلال عودة الى الوراء، كأنما معركة ماستريخت لم تُحسم بعد. الولاية الدستورية للبرلمان الأوروبي هي خمس سنوات، ومواعيد الاقتراع تتم على مرحلتين، التاسع من حزيران يونيو المقبل في بريطانيا وايرلندا والدانمارك و12 من الشهر نفسه في بقية دول الاتحاد الأوروبي وباستثناء المملكة المتحدة حيث يتم اعتماد الاقتراع الأكثري، فإن القاعدة العامة هي الاقتراع النسبي. ومن المفترض أن يتضخم عدد النواب الأوروبيين مطلع العام المقبل، مع انضمام النمسا وفنلندا والسويد والنروج الى الاتحاد. واللافت ان الرأي العام هناك يخوض معركة أوروبية بالفعل، استعداداً لاستفتاءات تجري الشهر المقبل وتنتهي في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وليس هناك من هيئة تنفيذية أوروبية، مسؤولة حتى الآن، أمام برلمان ستراسبورغ، لكن من المفترض ان تتم هذه الآلية بشكل جزئي بالنسبة الى المفوضية الأوروبية الجديدة، كما ان اسم الرئيس المقبل للمفوضية، سيخضع مسبقاً لموافقة البرلمان بعد تعيينه من جانب رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي.