لا تزال ألمانيا تتطهّر من وجع ضميرها تجاه اليهود. الرئيس الألماني حضر افتتاح "لائحة شندلر" وبارك، في مبادرة متكررة لمسؤول من بلاده، ادانة جرائم النازية التي يبدو أن على كل فنان وأديب يهودي أن ينجز عنها ملحمة واحدة على الأقل ليؤكد حقه في أن يكون يهودياً. الفيلم "ضرب" في اميركا ككل أفلام مخرجه ستيفن سبيلبرغ ورشّح لاثنتي عشرة جائزة اوسكار. والنقاد البريطانيون بهروا بالفيلم قبل عرضه على الجمهور واعتبره إيان جونستون من ملحق الثقافة في "الصانداي تايمز" واحداً من أعظم الافلام في تاريخ السينما. قبل أشهر قليلة كانت زميلته جولي برتشيل، البريطانية المتزوجة من يهودي، قالت في مراجعتها لفيلم "علاء الدين" انه اذا استطاع فيلم ان يجعلها تستلطف روبن وليامز والعرب فلا بد أن يكون جيداً. لماذا تستطيع هذه "الناقدة" وغيرها ان تمارس، براحة وما تراه موضوعية، عنصرية كريهة ضد العرب من دون ان تمانع صحيفتها بذلك ويعجز اي كان عن قول كلمة واحدة بحق اليهود خشية اتهامه باللاسامية وتعرضه للاضطهاد؟ هذا ما نغار ونغضب منه وليس تحول العالم حائط مبكى يضرب فيه الغرب رأسه كلما عنّ ذلك ليهودي شعر انه آن الأوان ليستوحي تلك المأساة الخالدة التي لا تنضب. نحن العرب نبرم بآلامنا في الأمس، ويحق لنا ان نتحدث عن ازدواج المعايير الذي لا يقلق احداً كلما نبش احدهم آلام اجداد اخصامنا منذ نصف قرن. واضح ان لا علاقة للموضوعية بالأمر في صناعة السينما التي يعترف جونستون بأن اليهود يسيطرون عليها ويغفل عن الاشارة الى تأثيرهم في السياسة وهيمنتهم على الاعلام ايضاً. ماذا اذاً عن الاخلاق التي يحلو للمثقفين الايحاء انهم ينطلقون منها في نظرتهم الى قضايا العالم وشعوبه؟ هل تسمح هذه بالركوع امام صورة اليهودي التائه وتجاهل الفلسطيني التائه هو ايضاً والذي حُلّت مأساة اليهود بمأساته؟ ينفر الاميركيون من الافلام التي تتحدث عن اضطهادهم اليابانيين في بلادهم بعد ضرب الطائرات اليابانية بيرل هاربور في اواخر 1941، ولا يبدو ان صدرهم يتسع مثلاً لفيلم عن مجزرة دير ياسين التي قتل فيها خمسمئة قروي أعزل في 1948 وأدت الى فرار مئات ألوف الفلسطينيين خوفاً من المصير نفسه. وماذا عن مقتل الوسيط الدولي الكونت برنادوت الذي شارك فيه اسحق شامير رئيس الحكومة لاحقاً، وعن اغارة الطيران الاسرائيلي على قرى جنوبلبنان وقتلها أهله وتدميرها بيوتهم بحجة تعاونهم مع الارهابيين، والاسرائيليون أدرى بالارهاب منذ الأربعينات حتى اليوم؟ وهل ننسى تلك العائلة اللبنانية في السيارة التي داستها دبابة اسرائيلية اثناء هربها من المعارك لا لشيء الا لأنها كانت على الطريق، وحيدة مستباحة لا يحميها صراخ اميركي ولا وجع ضمير ألماني؟ نعود الى الماضي لنعيشه مجدداً من مشاعره حتى ملابسه كأن في استعادته صحوة أخرى. يعود اليهود الى الماضي ليستثمروه ويجمعوا منه الذهب والمكاسب، فأيّنا الأقوى؟ لا السؤال جديد ولا جوابه.