وجد البابا شنوده، بطريرك الاقباط في مصر، نفسه وسط معركة اعلامية لم تألفها الطائفة من قبل. منشروات قبطية في الداخل والخارج، وحملات صحافية مثيرة ورجال دين يهاجمون قيادتهم الدينية ويتحولون الى نجوم مجتمع تتصدر صورهم صفحات الصحف والمجلات. وحديث عن رقابة مالية على اوضاع الكنيسة القبطية وبناء تنظيم داخلي اكثر ديموقراطية وشفافية، واتهامات بتحويل محاكمات الكهنة الى اداة للبطش. وسط هذه المعمعة وجد البابا شنوده نفسه، وهو الذي برز في الحياة العامة في مصر قبل حوالي ربع قرن ولم يتوقف عن خوض المعارك والتعرض للنفي والابعاد، جامعاً بين الديني والسياسي، حتى انه اتخذ موقفاً صلباً بعدم سفر اقباط مصر الى القدس الا عندما يدخلها اخوانهم المسلمون. في هذا الحديث مع "الوسط" يخوض بطريرك الاقباط معركة الدفاع عن كنيسته. * لماذا تحولت القضايا الداخلية للكنيسة المصرية الى مادة اعلامية، حتى في المسائل العقيدية والتنظيمية؟ - لي في هذه المسؤولية 23 عاماً، لم يحدث خلال العشرين سنة الاولى اي نقاش حول امور كنسية، لكن المشكلة بدأت حين افسحت بعض دور الصحف صفحاتها لقلة من الناس لا يمثلون الكنيسة في شيء، فألقى هؤلاء بمواد لتلك الصحف، التي رأت في نشر مثل هذه المواضيع رواجاً للصحيفة، وانتشاراً للتوزيع، وهنا بدأت المشاكل. * ما هو تقويمكم للجدل الدائر حول ما يطلق عليه قضية الاصلاح في الكنيسة المصرية؟ هل لديكم تحفظات عن اثارة مثل هذا الجدل من حيث المبدأ او عن نقد تصرفات بعض قيادات الكنيسة؟ - عبارة "اصلاح" مبهمة جداً، لم يذكر رافعو لوائها اي شيء من التفاصيل، هم يتكلمون عن الاصلاح من دون ان يذكروا ما هو الشيء الذي يودون اصلاحه، او ما هو المنهج الاصلاحي، او ما هي النقاط التي يوجد فيها خلل يحتاج الى اصلاح. اما عن الكنيسة في مجموعها، فهي، تشعر بأنها سارت خطوات طويلة جداً الى الأمام، وفي نمو يشمل كل نواحيها، ولذلك قوبلت هذه الحملة الصحافية بسخط شديد طوال السنة الماضية، وشعرت - شخصياً - بمدى حزن الاقباط لما ينشر في بعض الصحف، ومدى سخطهم عليه. وفي الاجتماع العام الذي اعقده كل يوم أربعاء، وجدت وفوداً كثيرة تأتي من أبرشيات عدة لتعلن الولاء للكنيسة، بل ان مطران احدى المحافظات جاء ومعه 150 من الآباء الكهنة ليعلنوا سخطهم على كل هذا الذي ينشر في الصحف، وقام جميع المطارنة والأساقفة بإرسال بيانات لرئاسة الدولة وقياداتها يعلنون فيها ولاءهم لرئيس الكنيسة وثقتهم به اضافة الى برقيات لا حصر لها وردت لي شخصياً تحمل معاني المحبة والتأييد. والمعروف ان الكنيسة شهدت نمواً كبيراً خلال العشرين سنة الماضية، في الرهبنة وازدياد عدد الرهبان ونوعيتهم من ناحية الثقافة الروحانية، وكذا زيادة عدد الأديرة، والعمران فيها ونشاطها الذي شهد توسعاً غير مسبوق، وكذلك في الكهنوت، فقد كان الكهنة الذين رسموا في ايامي على درجة عالية من الثقافة والروحانية، فقد قمت برسامة حوالي 380 كاهناً في القاهرةوالاسكندرية والمهجر، اضافة الى 70 اسقفاً، الامر الذي لم يحدث من قبل، الى جوار النهضة التعليمية في الكنيسة التي اهتم بها كثيراً، فقبل ان اكون بطريركاً كنت اسقفاً للتعليم. لقد أصدرنا - حتى الآن - 78 كتاباً في النواحي الروحانية والدعوية والعقيدية بحيث اصبحت مجالاً لتلمذة هذا الجيل كله في الكليات اللاهوتية، وبعد ان كان عندنا كلية واحدة، اصبح لدينا سبع كليات، ومعاهد اخرى في بعض الابرشيات، وكليتان في اميركا: واحدة في جيرسي سيتي والثانية في لوس انجليس وكلية ثالثة في سيدني في استراليا، الى جانب النهضة الكبيرة جداً في المهجر، فبعد ان كانت لنا سبع كنائس في اميركا وكندا واستراليا وأوروبا، اصبح لنا اكثر من 127 كنيسة. * هناك تفسير لاتساع نطاق هذا الجدل وازدياد حدته احياناً يقول انه يرجع الى عدم وجود حوار داخل الكنيسة، فما مدى صحة ذلك؟ هل ابواب الحوار مغلقة بالفعل؟ - الحوار مفتوح، ولكن ليس من المصلحة ان يكون على صفحات الجرائد، الكنيسة المسيحية اسرة كأي أسرة في الدنيا، لها خصوصيتها التي لا يجوز ان تنشر على الملأ، والحوار ينبغي ان يكون في جو من الحب والاخلاص، اما الذي حدث فلم يكن حواراً، وإنما كان محاولة للتشهير. في كل اجتماع لي، سواء الاجتماع العام الاسبوعي في القاهرة، او الاجتماعات العامة التي اقيمها ايام الآحاد كل اسبوعين في الاسكندرية، ادخلت تقليداً جديداً لم يكن معروفاً في كنيستنا من قبل، يقضي بأن أتلقى اسئلة في نواح دينية، أو حتى في الاحوال الشخصية والامور العائلية. ويسود الجو نفسه في اجتماعاتي مع الآباء الكهنة، وكذا في اجتماعاتي مع شعب اي كنيسة لاختيار كاهن جديد، أوزع عليهم أوراقاً وكل شخص يذكر ما يريد من الملاحظات او الافكار، وأجيب عليه امام الناس داخل الكنيسة، او داخل المقر البابوي، من دون ان نناقش هذه الامور على صفحات الجرائد او ندخل فيها غير المتخصصين، فليس كل انسان يستطيع ان يناقش القوانين الكنسية، او الانظمة الكنسية، او العلاقة بين الكهنوت والعلمانيين. أريد ان ارجع الى قولك "لا يوجد احد معصوم"، وأنا أؤمن بهذا فعلاً، وبناء على هذه القاعدة، وقع بعض الآباء الكهنة في اخطاء لأنهم غير معصومين، وقدمتهم الى المجلس الاكليركي فحكم المجلس بإيقاف البعض. والمجلس الاكليركي مكون من أربعة اعضاء من كبار الآباء الكهنة المعروفين يعتبرون جزءاً منبثقاً من المجلس الملي العام. يرشحهم البابا ويصدر بهم قرار من المجلس الملي، ويرأسهم البطريرك او من ينيبه عنه، وهذه محكمة رسمية لها طابع كنسي، وفي الوقت نفسه لها الطابع القانوني لأن المجلس الملي صادر بقانون من قوانين الدولة، ومن بين بنود هذه القوانين تكوين المجلس الاكليركي، اذن فالمجلس الاكليركي - بهذه الصورة - له طابع كنسي وطابع قانوني، وهو يحقق في القضايا ويحكم فيها بكل رحابة صدر، ويعطي فرصة لمن يوجه اليه الاتهام لأن يقول كل ما عنده، وأحياناً كثيرة كان الشخص يعترف بالتهمة الموجهة اليه ويطلب السماح ويسامح، ويتعهد بأنه لو رجع يصبح من الكهنوت فيوقف بدلاً من ان يشطب يعني حكماً مخففاً. ملفقات مقفلة ولكن لأن هذه مسائل كنسية بحتة، وحفاظاً على سمعة الناس، لا نذيع ما يتهمون به، ولا حتى اسباب الحكم وحيثياته حرصاً على كرامتهم. وإذا بالنتيجة تكون ان يتحمس البعض ويتهمون المجلس بالقسوة او الظلم، ويطلبون اعادة التحقيق، كل هذا وهم لا يعرفون شيئاً على الاطلاق من حيثيات الحكم، فكيف يمكن لإنسان ان يحكم بأن هناك ظلماً، وهو لم يطلع على التهمة ولا على التحقيق، ولا على حيثيات الحكم، وقلت ذات مرة اننا نحتفظ بسرية التحقيق، فهل يسمح لنا احد المعترضين بأن نفتح الملفات؟ مع العلم ان احداً منهم لم يجرؤ ان يطلب هذا الطلب، لأنه يعرف تماماً ما تتضمنه هذه الملفات. وأتذكر ان شاباً طالب في الصحف بأن يعيد البابا التحقيق مع الآباء الكهنة الذين اوقفوا او شلحوا، على ان يكون التحقيق امام لجنة اخرى من ثلاثة من المطارنة القدامى. كيف هذا؟ لقد قلت ان المجلس الاكليركي له تشكيل خاص بحكم القانون، فلو شكلنا لجنة من هذا النوع لا تكون هي المجلس الاكليركي الذي يحكم. وكأن هذا الشاب يطلب من البطريرك ان يخالف القانون، اما اذا كان المقصود هو لجنة مجمعية، فمن حق المجمع المقدس ان يشكل هذه اللجنة، وفي هذا الحالة يختار المجمع من يشاء من المطارنة، وتعتبر كأنها لجنة كنسية بحتة. * كم عدد الذين شلحوا، وكم عدد الذين أوقفوا؟ - من وسط آلاف الكهنة، فإن من تعرضوا للعقوبة كانوا في حدود 9 أو 10، قضى بعضهم فترة العقوبة وانتهت فترة عقوبته ورجع الى الخدمة الكنسية، والبعض الباقي يعد على اصابع اليد الواحدة. * وماذا عن اعلانات الوقف والشلح التي كانت "وطني" جريدة الاقباط في مصر تنشرها قبل اكثر من عام والتي ذكرت ان 21 من رجال الكنيسة، بينهم الأب دانيال البراموسي، تعرضوا للعقوبات، ثم عرفنا من خلال الحملات الصحافية بعد ذلك ان عدد الذين تعرضوا لعقوبات بلغ 68 من رجال الكنسية؟ - هذا غير صحيح، اما وقد ذكرت مسألة دانيال البراموسي، فهذا راهب وليس كاهناً من الخدام الذين يخدمون، وللرهبان محكمة اخرى غير المجلس الاكليركي، الرهبان لهم لجنة مجمعية مكونة من جميع رؤساء الأديرة القبطية لتنظر في أمرهم، فهذه قضايا اخرى غير موضوع الكهنة الموقوفين. دانيال البراموسي كان راهباً وانحرف عن العقيدة الارثوذكسية، وحالياً هو بروتستانتي وليس ارثوذكسياً، بل انه متزوج، وكأنه بهذا اخرج نفسه من النطاق الرهباني، وكسر نذره في البتولية. وما كان لنا ان نعلن هذا الأمر، الا انه اصبح معروفاً عند الجميع. * يلاحظ بعض المراقبين ان هذه الحملة على الكنيسة، المنادية بالاصلاح والمتحدثة عن ظواهر سلبية في الادارة الكنسية تتجدد بالتلازم مع اعلانكم لمواقف سياسية معينة تتعلق بالتطبيع وبرفضكم ان يحج المسيحيون الى القدس الا عندما يدخلها اخوانهم المسلمون. فما تقويمكم لمثل هذه المقولات؟ - لا أستطيع ان ادخل في اعماق السياسة الخارجية، أو أبحث أموراً ليست من اختصاصي، ولكن قال لي البعض ان عدم سماحي بالرحلات الى القدس بالنسبة الى الاقباط، احدث ضرراً عند المشرفين على شركات السياحة الاسرائيلية - بالذات - وأن اليهود يتضايقون من هذا الوضع، ولذلك بدأت المحاولات للهجوم على البابا، ولكنني لا استطيع ان أؤكد أمراً معيناً وإلا سأدخل في دائرة غير اختصاصي. موقف الكنيسة واضح في موضوع ذهاب الاقباط الى القدس، وفي هذا السياق سأحكي حكايتين. الأولى: عندما زرت الرئيس جيمي كارتر في اميركا في نيسان ابريل 1977، فأجابني الرئيس في بداية اللقاء بسؤال: "هل كتبت، حقاً، كتاباً ضد اليهود؟" والواقع انني لم أكتب كتاباً ضد اليهود، وإنما ألقيت محاضرة عام 1965 في نقابة الصحافيين بدعوة من الاستاذ حافظ محمود، نقيب الصحافيين وقتها، وحضرها آلاف الناس وطُبعت في كتاب، فقلت للرئيس كارتر، "لقد نشرت كتاباً قلت فيه ان اليهود ليسوا - حالياً - شعب الله المختار، لقد كانوا يحملون هذا اللقب قديماً حينما كانوا الشعب الوحيد المؤمن بالله وسط عالم وثني يعبد الاصنام، ولكن حالياً بعد زوال الوثنية وانتشار الايمان بالله فمن غير المعقول ان يخص الله ثلاثة ملايين من اليهود ويترك آلاف الملايين من المؤمنين"، وختمت النقاش في هذا النقطة بتعليق قلت فيه: "لو كان اليهود لا يزالون شعب الله المختار لما كنت انت او انا من شعب الله". وابتسم الرجل وانتهى النقاش في هذه النقطة. اما الحكاية الثانية: فقد جاءني رجل من فلسطين وقال لي ان لديه مشروعاً جميلاً يتهافت عليه البعض، وهو ان تدخل الكنيسة شريكاً في مصنع لتعبئة زجاجات من مياه نهر الأردن تعمد السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان في نهر الاردن ويتهافت المسيحيون على هذا الماء المقدس فقلت للرجل ان عندي مشروعاً آخر، فالسيد المسيح عاش سنوات في مصر هو والعائلة المقدسة، وطبعاً شرب من مياه النيل، وتقدس بشربه منه، كما تقدس بغطسه منذ ألفي عام، فلماذا لا نقيم المشروع على ضفاف النيل ونعبئ زجاجات من مياهه، وابتسم الرجل وانصرف بعد ان عرف ان رجل الدين ليس على نياته! * يرى البعض ان أمر الكنيسة يهم كل المصريين باعتبارها مؤسسة وطنية، ولكم قول له دلالة كبيرة في هذا المجال وهو: "مصر ليست وطناً نعيش فيه بل وطن يعيش فينا" فهل توافق ان يكون الحوار على بعض قضايا الكنيسة حواراً وطنياً لا يقتصر على الأقباط؟ - لو اعتمدنا هذا المبدأ، فلندخل كل الهيئات الدينية فيه، لا الكنيسة فقط، وحينئذ تفقد الهيئات الدينية خصوصياتها وتتحول الى مسألة عامة. ثم اريد ان اقول ان الهجوم على رجال الدين، أياً كانوا، وجعلهم مادة صحافية يؤثر على القيم في نفس الوطن، وعلى القيادة الروحية وليس فقط على القادة الروحانيين، ومن هنا كان الموضوع حساساً، خصوصاً ان الذين ينشرون لا يحققون أولاً. انما المنهج السائد هو اتهام ينشر من دون تحقيق، ثم يترك لمن يوضع موضع الاتهام ان يرد او لا يرد، فإذا قدم رداً، فربما يكون هناك رد على الرد، بحيث يتسع الموضوع ويصبح مادة صحافية. هل من الصالح - عموماً - ان يكون رجال الدين مادة صحافية، ثم اذا لم يرد رجل الدين المتهم تزداد الحملة مرة اخرى ويسودها الظلم لأنها من جانب واحد، وكأن الذي يسبق الى الصحافة هو الذي يفوز بنشر مفاهيمه حتى ولو كانت خاطئة. ذمة مالية * تضمنت الحملة على قيادة الكنيسة مسألة حساسة تناولها بعض المنشورات التي يصدرها اقباط مصريون، عندما شككت في الذمة المالية لبعض القائمين بالحسابات، ومنهم مقربون منكم، كما أثير بعض قضايا المقاولات في منشآت الكنيسة، فهل اتخذتم اجراء للتحقيق في مثل هذا الاتهام؟ - في الواقع لا يوجد اتهام محدد، كما قلت، من حيث الذمة المالية. هم يطلقون تهماً على عواهنها، وهذا أمر مقصود به التشهير، ولا يحدد تهمة معينة. * ضمن الاتهامات ان أوكلتم لأحد أقربائكم مسائل محاسبية مهمة شابتها مخالفات؟ - لم يقل احد شيئاً محدداً ايام البابا كيرلس السادس الذي سبقني. كانت حالة البطريركية المالية منهارة لدرجة ان الرئيس جمال عبدالناصر تبرع عام 1967 بمبلغ 30 ألف جنيه للبطريركية لسداد العجز في مرتبات الموظفين، وزاد انهيار الحالة المالية حين صدر قانون برفع الاجور، بينما لم يكن لدينا ما نسدد به هذه الزيادة. لقد بذلنا جهوداً جبارة لاصلاح الوضع المالي، وتجاوز هذا الوضع، حالياً، سداد الديون الى ايراد موجود في البنوك، ويقوم بادارة الوضع المالي في البطريركية جهاز اداري من الموظفين بإشراف لجنة مالية من اعضاء المجلس الملي، واذا كان احد اقربائي يشارك في الاعمال المحاسبية للبطريركية فهو محاسب مشهور جداً، يقوم، متطوعاً، بكل ما يلزم للبطريركية من دون ان يتقاضى اجراً، وكل الحسابات جاهزة، وليس فيها اي خلل، وقد اصدر المجلس الملي العام بياناً بأن كل الحسابات منضبطة ولا يوجد ما يعيبها، ولا احد يستغل منصبه في البطريركية. * ما هو تقويمكم لبعض المنشورات التي أصدرها، أيضاً، بعض الجماعات القبطية المصرية في الخارج؟ - ما حدث لم يكن مصدره جماعات قبطية في الخارج، وعلى العكس من ذلك فالجمعية المصرية - الاميركية دانت من خلال مجلتها الحملة الصحافية على الكنيسة والمنشورات التي صدرت ضدها في الداخل او الخارج. ما جرى بالضبط ان احدى الكنائس المصرية في اميركا كان يصلي فيها راهب نقلته لظروف معينة، فأقام اصدقاؤه الدنيا ولم يقعدوها على هذا الامر، ورفعوا قضايا ضدنا في المحاكم الاميركية، تضمنت اثارة لمسألة حساسة جداً وهي: هل الكنيسة مجتمع تديره مجموعة المؤمنين والمصلين فيه ام انه مجتمع يديره الهيراركي او الرئاسة الدينية وهو الامر السائد في الكنائس التقليدية مثل الكنيسة الارثوذكسية المصرية؟ الهيراركي الدينية هي التي تعين القسس في الكنيسة المصرية، وهي التي تعين مجلس الكنيسة. حكم ضدهم في المحكمة الاولى، وحكم ضدهم في الاستئناف، ولم يكن امامهم سوى SUPREME COURT التي توازي النقض والابرام في مصر فلم يلجأوا اليها لأن تكاليفها مرتفعة ولها شروط معينة منها المدة التي ترفع فيها القضية، وأصبح الحكم نهائياً، فلما فشلوا في القضية نقلوا الموضوع الى الصحافة والمنشورات، وكان من الممكن ان نأخذ اجراء في شأنهم، لولا اننا حافظنا عليهم كأولاد لنا. * نعود الى نقطة موازنة الكنيسة، لماذا لا تخضع ايرادات الكنيسة ونفقات البطريركية لاشراف الجهاز المركزي للمحاسبات درءاً للقيل والقال؟ - غالبية أموال الكنيسة من أوقاف تشرف عليها هيئة الاوقاف القبطية وتحاسب الكنيسة، هناك جهاز اداري - مالي في شكل لجنة مالية من المجلس الملي، ورقابة من هيئة الاوقاف القبطية، ولم يثبت وجود اي خلل، وصدر بيانان من المجلس الملي في القاهرة، والمجلس الملي في الاسكندرية منذ شهور، نشرا في مجلة "الكرازة" وتضمنا شهادة بانضباط الامور المالية والمحاسبية، وقد شعر الاقباط ان الذين قاموا بالتشهير ليسوا مخلصين للكنيسة وحاولوا الاساءة لسمعتها للمرة الاولى. * لماذا دخلت مجلة "مدارس الأحد"، وهي جزء من اصدارات الكنيسة، طرفاً في الهجوم على الكنيسة وقيادتها؟ - كنت رئيس تحرير هذه المجلة في وقت من الاوقات، وكنا نكتب فيها عن المبادئ الكنسية السليمة بغض النظر عن الاشخاص، اما في ايامها الاخيرة فقد بدأت تتناول الاشخاص، وسعت صحيفة "الشعب" التي تمثل حزب "العمل الاشتراكي" المعبر عن الاتجاه الاسلامي الى نشر بعض مقتطفات ما ورد في مجلة "مدارس الاحد"، وبالذات موضوع شلح الكهنة، وبدأت مجموعة "مدارس الاحد" في توزيع اعدادها التي تتضمن هذه المقالات في الأديرة وعلى المصلين الذين يأتون طلباً للبركة او للصلاة، او للرهبان الذين زهدوا العالم وابتعدوا عنه، وهنا اجتمع رؤساء الأديرة وأدانوا المجلة، فأصدرت حكماً عليها. * وماذا كان الحكم؟ - الحكم بمنعهم من التعليم والخدمة الكنسية لأنهم يشككون الناس، ويشهرون بالكنيسة. علمانيون وشفافية * يطرح بعض المثقفين الاقباط مسألة أوسع هي تحديث الجهاز الاداري للمؤسسة الكنسية لينسجم مع العصر، من وجهة نظرهم، ومن دون اي مساس بالجوانب العقيدية التي تظل ملكاً لرجال الدين، فعلى سبيل المثال يقال ان المجلس الملي هو من تراث قديم عندما كان هناك نظام الملل، وكان لكل ملة مجلس يدير شؤونها وان هذا الوضع لم يعد مناسباً للعصر، فما رأيكم في هذه الدعوة. - عبارة "تحديث" من العموميات مثل عبارة "الاصلاح"، فأي نوع من التحديث يقصدون، نحن نستخدم كل الوسائل الحديثة مثل الكومبيوتر والاجهزة، وكل الذين يعملون في الحسابات لهم شهادات كبرى في التجارة والاقتصاد. انا احب لمن يقدم اقتراحاً ان يكون اقتراحه واضحاً محدد المعالم، ولكن كلمة "تحديث" ربما قرأوها في الكتب من دون ان يفهموا ما هو المقصود بالتحديث عملياً. * ربما كان المقصود هو ما كنا نتحدث عنه قبل قليل عن دور مجتمع المؤمنين في ادارة امور كنيستهم الى حوار الهيراركي الكنسي؟ - نحن لا نهمل خدمة العلمانيين داخل الكنيسة، والمجلس الملي يتكون من 24 عضواً برئاسة البابا، وكلهم من العلمانيين حالياً ما عدا اثنين، وفي كل كنيسة - في الوطن او المهجر - توجد لجنة من العلمانيين للأمور العلمانية والادارية برئاسة الكنيسة، تأخذ قراراتها بغالبية الآراء. لكن ليس معنى استخدام العلمانيين الغاء الكهنوت لأن هذا ليس نظاماً كنسياً وإلا كنا نغير الكنيسة من الارثوذكسية الى شيء آخر. فهل يريدون ان يسيطر العلماني على رجل الدين بحيث يصبح رجل الدين موظفاً عنده؟ * من الآراء المطروحة ايضاً في الاصلاح، ايجاد هياكل تنظيمية ديموقراطية فيها نوع من الشفافية التي تعكس الآراء المختلفة داخل الكنيسة، هل تعتقدون بأن هناك اي خطر على الكنيسة اذا تحقق ذلك؟ - الشفافية ايضاً لفظ من الكتب، ومن يطالبوننا به لم يدخلوا الكنيسة ولم يعرفوا ان لدينا هياكل تنظيمية دقيقة تتوافر لها الشفافية بالفعل، يحدث هذا في جهاز للأملاك والاراضي، وجهاز للأحوال الشخصية، وجهاز للمدارس والمعاهد. هم يريدون الايحاء بأنه لا يوجد نظام في الكنيسة على الاطلاق. لماذا لم يطالبوا بهذه المطالب في عصر سابق على وجودي؟! السبب انني عندما جئت اسست جواً معيناً من الديموقراطية سمح بهذا. أرسيت مبدأ ان الشعب يختار راعيه، ونفذت هذا المبدأ تماماً في رسامة الاساقفة والقسس، أول ترسيم قمت به كان في محافظتي البحيرة والغربية، زرت المنطقة وجمعت امامي كل طوائف الشعب وأخذت رأيهم. هم يحاربون مطالبين بأشياء يعلمون حق العلم انها من خصائص هذا الجيل الذي يتولى أمر الكنيسة الآن. وتسأل أيهم ما هو عملك البنّاء في الكنيسة فلا تجد شيئاً على الاطلاق، ويبدو ان هناك تخصصات حتى في الموقف من الكنيسة، فهناك من يبنون ولا يهدمون، وهناك من يهدمون ولا يبنون. كل هذه الضجة ليست بنياناً وهي خالية من روح المحبة، وهؤلاء المهاجمون ليست لهم شركة في البناء وليس لهم إرث. لو كان البابا لا يملك اصدار أوامر او احكام كيف سيدير الكنيسة اذن؟ وهل مطلوب منه ان يدير امور الكنيسة من خلال ضغط الصحافة او من خلال ضميره الداخلي. * * * وسرح البابا شنوده الثالث بعيداً وهو يشير امامه الى منضدة يعلوها ميزان من "حجر الألباستر" المصري، ثم قال: "انظر ماذا أضع امامي دائماً. ميزان هو رمز العدالة... هو رمز هذا الضمير الداخلي الذي يتجاهلونه ويستمرون في اثارة الحملات".