تحوّلت الأزمة بين الكنيسة والقضاء في مصر على خلفية إصدار المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة الأسبوع الماضي حكماً نهائياً بإلزام بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا شنودة الثالث بمنح المطلقين تصريحاً بالزواج الثاني، إلى بوادر أزمة بين الدولة من جهة والكنيسة من جهة أخرى، بعدما تعالت أصوات رافضة لتدخل القضاء في شؤون الكنيسة قابلتها أصوات أخرى مستنكرة تعامل الكنيسة مع الأمر على أنها «دولة داخل الدولة». وبمجرد صدور الحكم، أعلن البابا شنودة رفضه له وعدم إلزامه للكنيسة وأكد أن أحداً لا يستطيع أن يجبر الكنيسة على مخالفة تعاليم الأنجيل الذي ينص على أن لا طلاق إلا لعلة الزنا. وطلب البابا شنودة من القضاء عدم التدخل في الأمور الدينية، مهدداً ب «شلح» أي كاهن يقدم على تزويج قبطي مطلق. ويجتمع اليوم المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الذي يضم 120 أسقفاً للكنيسة القبطية في الداخل والمهجر استدعاهم البابا شنودة على نحو عاجل لبحث الموقف من حكم المحكمة الإدارية العليا بالسماح بالزواج الثاني للمطلقين دون أي شروط. ويعقد البابا شنودة الثالث مؤتمراً صحافياً لإعلان بيان المجمع في شأن الحكم. وقال أسقف شبرا الخيمة وعضو المجمع الأنبا مرقص ل «الحياة» إن المجمع سيدعم موقف البابا الرافض لحكم المحكمة الإدارية العليا، مشيراً إلى أن هذا الموقف لا يعني عدم احترام أحكام القضاء لأن القضاء يستطيع تطليق الأقباط الذين يلجأون إليه لكن المحكمة لا تستطيع أن تجبر كاهناً على إجراء طقوس الزواج بالمخالفة للتعاليم الدينية. وأضاف: «كنا نتمنى أن تلجأ المحكمة إلى الكنيسة لأخذ رأيها قبل الحكم، فشريعة الإسلام تقول إذا جاءك أهل الذمة فاحكم بينهم بما يدينون». وشدد على أن أي حكم لا يستطيع أن يجبر الكنيسة على مخالفة الأنجيل وبالتالي لن يجد هذا الحكم سبيله إلى التنفيذ. وأوضح أن المحكمة استندت إلى لائحة العام 1938 التي وضعها العلمانيون ورفضتها الكنيسة مراراً. وقال: «الحل في أن يخرج قانون الأحوال الشخصية الذي قدمناه للدولة ووافقت عليه كل الكنائس كي يكون هناك توافق بين القوانين الوضعية وتعاليم الإنجيل، أما وأن هناك اختلافاً فالكنيسة لا تلزمها إلا تعاليم المسيح ومن يرفض ذلك فلا زواج كنسياً له عندنا، وليتزوج مدنياً». وأضاف أن «خطورة هذا الحكم أنه يمثل تدخلاً في سر من أسرار الكنيسة لأن الزواج عندنا سر إلهي ومن ثم يمكن للقضاء أن يتدخل في ما بعد في بقية أسرار الكنيسة، وهذا أمر مرفوض». وقال المستشار القانوني لبابا الأقباط المحامي نجيب جبرائيل ل «الحياة»: «بلا شك هناك شبه صدام أوجده هذا الحكم بين الكنيسة متمثلة في البابا والدولة متمثلة في القضاء، ونبحث عن مخرج لهذا الحكم الذي تغلغل في سلطة الكنيسة واخترق خصوصياتها بالمخالفة لنصوص المادة 46 من الدستور التي تنص على حرية العقيدة». واعتبر أن «الحكم خلط بين ما هو مدني وما هو ديني، إذ أقر زواج من يحظر الكتاب المقدس تزويجهم، وبالتالي هناك إشكالية قائمة بالفعل لأن الحكم نهائي غير قابل للطعن والكنيسة لا يمكنها تنفيذه ومن هنا نجد من يتهم البابا بأنه ينتقص من سيادة الدولة، غير أن الحقيقة أن لا أحد يستطيع أن يلزم البابا بمخالفة الكتاب المقدس». وأضاف: «المجمع المقدس سيجتمع (اليوم) وسيؤكد رفض الكنيسة التدخل في شؤونها الدينية وسيدعم موقف البابا الرافض لتنفيذ هذا الحكم وسيطالب الدولة بسرعة إدارج قانون الأحوال الشخصية الموحد الذي وافقت عليه كل الطوائف القبطية محل لائحة العام 38 التي وضعها العلمانيون وترفضها الكنيسة، وأعتقد أن المجمع سيناشد الرئيس حسني مبارك التدخل لحل الإشكالية القائمة». وحذر جبرائيل من اندلاع تظاهرات قبطية إذا أصر القضاء على التدخل في شؤون الكنيسة لأن هذا الحكم النهائي يستحيل تنفيذه و«سأتقدم (اليوم) بإشكال لوقف تنفيذ الحكم». وأضاف: «أرى أن الدستور المصري يحل هذه الإشكالية، إذ أعطى الرئيس صلاحيات عند الشعور بافتئات فئة على الأخرى بالتدخل باعتباره حكماً بين مؤسسات الدولة». غير أن القيادي في الحزب الوطني الحاكم الأمين العام لجمعية محبي «مصر السلام» رجل الأعمال المقرب من الكنيسة هاني عزيز قال ل «الحياة» إن «الخلاف قانوني وبالتالي لا يحل بتدخل سياسي». وأضاف: «الكنيسة ستلجأ للمحكمة الدستورية العليا للفصل في صحة أحكام المحكمة الإدارية العليا (...) سنحل الخلاف مع القضاء من طريق القضاء، فما زلنا لم نستنفد سبل التقاضي»، مشيراً إلى أن محكمة النقض العتيقة سبق أن أصدرت أحكاماً في هذا الصدد تتعارض مع حكم الإدارية العليا الأخير ويمكن الاستناد إليها أمام الدستورية العليا.