يوسف القعيد في بلاد اليابان ليست المسافة المادية ولا المعنوية بين مصر واليابان بقصيرة، الا أن الروائي المصري يوسف القعيد قام باجتيازها. مشى ابن الريف مزهواً في قلب مدن التكنولوجيا اليابانية، بينما أقصى ما يتمناه مواطن من بلدته الضهرية، هو امتلاك جهاز متطور من الاجهزة التي انتجت هناك، في واحدة من تلك المدن التي يرن اسمها في أذن الناس بوقع سحري فاتن. عاد القعيد أخيراً من بلاد اليابان محملاً بالدهشة، ورأسه يضج بالدروس والملاحظات والعبر والتساؤلات. فقد فتنه التنظيم والدقة وذكاء الجماعة والطاقة المذهلة على العمل والانتاج، الا انه عاد ايضا بشيء من الخيبة: "كنت أظن اليابان جمهورية فاضلة، فاذا بي أجد هناك مجتمعاً مأزوماً يعاني من الركود الاقتصادي، وحضارته تخلو من البعد الانساني...". ولفت القعيد نظر مراسلنا الثقافي في القاهرة محمد الشاذلي الى أنه "على الرغم من الكثافة السكانية العالية في المدن اليابانية، فإن "الوحدة" هي الطاغية، و"العزلة" ضاربة. كما ان الكتابة ليست لها المكانة نفسها التي نعرف في العالم العربي، والادب لا يجد اقبالاً بصورة مرضية". وكان يوسف القعيد أمضى أسبوعين في اليابان بدعوة من وزارة الخارجية اليابانية، فزار جامعة ايزاكا للدراسات الاجنبية التي يرأسها أكيدا وهو مستشرق ومهتم بالادب العربي، وبين مدرسيها الدكتور عبد المنعم تليمة الناقد الادبي المصري. من انجازات جامعة ايزاكا ترجمة القرآن الكريم. كما أشرفت على ترجمة مؤلفات تراثية عديدة منها "الف ليلة وليلة"، وترجمات أخرى من الادب العربي المعاصر. ويقوم بعض الباحثين هناك حالياً باعداد دراسة عن اللغة العربية تتوصل الى استنتاجات خطيرة قابلة للجدل: فالفصحى - حسب هؤلاء - لا مفر من أن تستحيل "لاتينية العرب"، على أن تصبح اللهجات العامية لغات متكاملة وقائمة بذاتها! وأشرف القعيد على صدور روايته "أخبار عزبة المنيسي" نقلها الى اليابانية نوتاهار، المشرف على كلية اللغة العربية في جامعة طوكيو للدراسات الاجنبية". والكلية المذكورة أصدرت ترجمات عدة من الادب العربي المعاصر: "السراب" لنجيب محفوظ، "الارض" لعبد الرحمن الشرقاوي، "الحرام" ليوسف ادريس، "تلك الرائحة" لصنع الله ابراهيم... وهناك اهتمام حالياً بتجارب البادية، وابحاث حول اعمال عبد الرحمن منيف وابراهيم الكوني. شبيب الأمين يوقع كتابه الاول في بيروت حيث تعيش الحياة الثقافية نقاهتها، ويستعيد جيل ما بعد الحرب أمجاد عصر ذهبي غابر، تبرز هنا أو هناك تظاهرة أو مبادرة فيها من الابتكار والطرافة ما يجعل التفاؤل ممكناً بالمستقبل، وما يشير الى أن كل شيء ما زال ممكناً في المدينة التي أحترقت ألف مرة، وأنبعثت ألف مرّة من رمادها. بين هذه المحطات المغايرة، يمكن تصنيف حفلة التوقيع التي أقيمت أخيراً في العاصمة اللبنانية، وجاء مناسبة للتعريف بشاعر شاب يقوم بخطواته الاولى في عالم النشر والادب. الشاعر هو شبيب الأمين. ومجموعته الشعرية الاولى "أعتقد أنني سكران"، صادرة عن "دار الجديد" التي تتفرد منذ ظهورها قبل عامين، بخوض مغامرة نشر الشعر، ونشر نصوص الشباب. كان من الطبيعي اذاً أن يقوم لقمان سليم، مدير الدار، بمبادرة من هذا النوع، اذ دعى بالاشتراك مع بارون سركيس شيرفنيان الى حفل توقيع للكتاب في مقهى "شي أندريه" الشهير الذي يملكه هذا الاخير. والمقهى الصغير الذي اشتهر في سنوات الحرب بكونه ملتقى بعض الفنانين والكتاب بينهم زياد الرحباني وممثليه، غص في مناسبة اللقاء مع شبيب الأمين بالمثقفين، حتى فاض الحشد الى الباحة الخارجية. على الجدران علقت قصاصات تتضمن ومضات من قصائد الشاعر، تعكس المناخ العبثي الذي يميز أسلوب الأمين، ويطغى على أغلب نتاج الاصوات الجديدة في بيروت. يمكن بهذا المعنى للنقد أن يتكلم عن "موجة شعر شبابي" تعكس مأزق العيش وأوجاع المدينة، وتقوم على استخدام مفردات اللغة اليومية. هكذا يبدو نص صاحب "أعتقد أنني سكران" ورفاقه، أشبه بمزحة سريالية تخالطها لغة شعرية رقيقة وفجة في آن. مجموعة شبيب الأمين رسم غلافها الفنان محمد شمس الدين، وهي لم تحمل ترقيماً للصفحات ولا فهرس. والديوان مهدى الى سيارة الشاعر التي زينت الغلاف، في حين حملت القصائد العناوين التالية: أصحاب، مغنطيسات الحال، أعتقد انني سكران، خلفه هضاب، عربة تحترق، قاطع طرق، أرض غجر، تلك الحياة، يتكىء على برّاد. ومن "تلك الحياة" نقتطف: "لم يبق وقت او جلد/ عليك أن تفهم، أن تقتنع، يجب أن نغادر الى فنزويلا، هناك قد نعمل في دكان لبيع الدجاج، منظرنا سوف يبدو رائعاً، رائعاً يا أبي./ ريش ودم ونساء غريبات مثلنا..." "النجمة الزهراء" : تحية الى علي السريتي في تونس، احتفل قبل أيام "مركز الموسيقى العربية والمتوسطية" بالذكرى الاولى على انطلاقته، تحت اشراف الكاتب والناقد علي اللواتي ومجموعة من الموسيقيين والمبدعين. وفي قصر "النجمة الزهراء" الذي سكنه في الماضي عاشق لتونس وللموسيقى العربية، هو البارون ديرلانجيه، قبل أن يتحول بمبادرة رئيس الجمهورية التونسية الى واحد من أهم المراكز العربية للموسيقى مشرقاً ومغرباً، في هذا القصر ترجع الجدران هذه الايام وحتّى الثامن من كانون الثاني يناير، أصداء نغمات "الطرب الاصيل". ف "حفلة عودة الطرب" تظاهرة على شكل تحية الى عازف العود التونسي الشهير علي سريتي، استاذ أجيال من الفنانين، وأحد شيوخ الموسيقى في تونس والعالم العربي. فكما هو معروف، تتلمذت على يد السريتي نخبة من الفنانين المعروفين اليوم، في مجالات العزف والغناء والتأليف، مثل أنور ابراهم ومحمد الماجري ومحمد زين العابدين ونور الدين الباجي ولطفي بوشناق. هؤلاء وغيرهم أخذوا عنه أصول التعبير والطرب حسب تقاليد الموسيقى العربية الاصيلة. وها هم يلتفون في أغلبهم حول المعلم، في هذه الحفلة التي تستضيفها "النجمة الزهراد" في سيدي أبي سعيد، ضمن برنامج غني بالامسيات واللقاءات. وفي الربيع المقبل، يفتتح "مركز الموسيقى العربية والمتوسطية" قسمه الجديد الذي يحمل اسم "الخزانة الوطنية للتسجيلات الصوتية".