لو عاشت نبيلة عبيد العصر الذهبي لزمن النجوم، على الطريقة الهوليوودية، لكان لها بالتأكيد عدد اكبر من المعجبين وتاريخ مسار سينمائي حافل. لكن هذا النوع من العلاقة بين الفنان وجمهوره لم يعد قائماً اليوم. اذ صار المعيار الأساسي حسن الاداء لا النجومية، وإن كانت النجومية لا تزال حاضرة بشكل او بآخر. واذا اشرنا الى الاداء من المؤكد ان الاشارة الى تفوق نبيلة عبيد في الاداء ستكون صائبة. فهذه الفنانة المثابرة التي بدأت حياتها السينمائية عند بداية الستينات وكانت بعد طالبة في الثانوية العامة، مثلت حتى الآن في عشرات الافلام، ولعبت ادواراً لا تنسى جعلت لها مكانة اساسية في خارطة السينما المصرية. فهي اليوم، بشكل او بآخر، تشغل مكانة متقدمة في الصف الأول، والجمهور العريض يتذكر دائماً بعض اجمل ادوارها، من دورها في "رابعة العدوية" الى دورها في "ارجوك اعطني هذا الدواء" ومن دورها في "صاحب الجلالة الحب" الى فيلم "التخشيبة" و"شادر السمك" و"الغرقانة" و"لا يزال التحقيق مستمراً" و"رحلة داخل امرأة" و"أيام في الحلال" و"قهوة المواردي"... "الوسط" تروي من خلال لقاء مطول مع نبيلة عبيد قصتها وذكرياتها منذ بدأت وحتى الآن على حلقات أربع في ما يأتي الأولى منها: مثلت نبيلة عبيد حتى اليوم تحت ادارة بعض افضل المخرجين الذين عرفتهم السينما المصرية من عاطف سالم ونيازي مصطفى الى محمد خان وعاطف الطيب، ومن اشرف فهمي الى علي عبدالخالق، الى احمد يحيى وغيره. وهذا كله جعل لها تاريخاً فنياً كبيراً وحافلاً بالافلام الجيدة، ورفعها الى مصاف النجمات الكبيرات، هي التي كانت في مراهقتها تتأمل الممثلات الكبيرات ولا تجرؤ حتى على ان تحلم بأن تكون واحدة منهن يوماً. صحيح ان نبيلة عبيد التي ولدت في حارة الدرمللي بحي شبرا القاهرة العريق كانت منذ طفولتها مهووسة بالسينما، لكن هوسها كان يتوقف بها عند حدود مشاهدة الافلام. اما ما حدث بعد ذلك فأشبه بحكاية جن جميلة "جميلة ولكن متعبة" تقول نبيلة عبيد كالحالمة التي لا تصدق ما يحدث لها. كل شيء كان مصادفة. لكن المصادفة كشفت عن طاقة كبيرة وعن فنانة حقيقية. صحيح اننا اذا تأملنا مسيرة نبيلة عبيد اليوم ستطالعنا لائحة طويلة من افلام قد لا نستسيغ معظمها. ولكن، في بعض الاحيان، كان حضور نبيلة عبيد نفسه كافياً لجعل الفيلم مقبولاً. على هذا النحو يمكن القول ان السينما اعطت نبيلة عبيد بقدر ما اعطتها هذه الاخيرة. ونبيلة عبيد لا تزال تعتبر نفسها، على اي حال، في حالة عطاء دائم وتقول انها ما تزال تحن الى التمثيل في افلام كبيرة تشعر امامها بالرهبة نفسها التي شعرت بها حين مثلت دورها الكبير الأول في "رابعة العدوية". متواضعة جداً نبيلة عبيد. وشديدة الذكاء في الوقت نفسه. تتبسط في الحديث وتبتسم وتنهمر دموعها على مجرى الذكريات، لكنها قادرة على ان تذكرك في كل لحظة انك امام فنانة حقيقية من جيل لم يعد كثير الحضور في أيامنا هذه. قبل فترة التقيناها في القاهرة وسألناها ان تروي لنا اطرافاً من ذكرياتها فقبلت عن طيب خاطر، وجلست في رحلة الذكريات، بسيطة طيبة ودودة، لكنها تعرف في اللحظة التي تشاء كيف تتهرب من اي سؤال لا يروق لها. وهنا حصيلة اللقاء. صبية وحيدة امام الشاشة الكبيرة ما رأيك ان نبدأ بمشهد نتصور فيه انك انت التي كنت في العاشرة من عمرك وكانوا يطلقون عليك لقب "مجنونة السينما"... - صحيح... هكذا كانوا يلقبونني، لقد كنت حقاً مجنونة سينما، مجنونة قوي قوي... اذاً، لنتصور انك انت الآن في العاشرة من عمرك، وقد شاهدت معظم افلام نبيلة عبيد، بعين الطفولة الخبيرة، فكيف يمكنك ان تقوّمي مراحلك السينمائية المختلفة؟ - يعني انت تريد ان تسألني عن رؤيتي السينمائية وأنا في العاشرة من عمري؟ بالاحرى اريد ان اعرف كيف تقوم الطفلة التي تعيش في داخل عملك السينمائي اليوم... - سأقول لك امراً هاماً. انا في حياتي لم أكن اتصور ابداً انني سوف اصبح ممثلة. تصور حتى ان حبي لزملائي وزميلاتي في العمل يدفعني مثلاً الى تذكر انني حين كنت اشاهد على الشاشة كبارها من فاتن حمامة الى هند رستم ومن مديحة يسري الى شادية، كنت اعشقهن جميعاً. وحتى اليوم حين اعمل مع الزملاء من ابناء جيلي لا انظر اليهم على انني زميلة لهم، ولكني انظر اليهم على انهم فنانون اعاملهم بوصفي معجبة بهم، وبأدائهم. وأعتقد ان هذا امر انفرد به، لأنني منذ صغري كان يتملكني حبي للممثلين والممثلات. حب طغى علي بشكل جنوني. ما اذكره من تلك المرحلة انني كنت اغادر البيت عند العشية مع البنت التي كانت تعمل لدينا، حين كانت تريد ان تشتري حاجيات للبيت. وكنا في ذلك الحين نقطن بالقرب من سينما "شبرا بالاس" في شبرا. كانت البنت تذهب للشراء اما انا فكنت ادخل الى الصالة حيث كان المستخدمون يعرفونني ويتركونني ادخل كما اريد. فأدخل وأتفرج على المشهد المعروض امامي ثم اخرج مسرعة. اما يوم الجمعة، فكنت ادخل مثل اية زبونة اخرى: ادفع ثمن البطاقة وأتوجه الى مقعد كان هو مقعدي الدائم في البلكونة. مدمنة... سينما. - مدمنة بالتأكيد. هناك فوق مقعدي المفضل كنت لا افكر بأي شيء آخر. وحتى خلال دراستي طوال ايام الاسبوع كنت احلم كيف سأصبح ممثلة، كيف سأدخل عالم السينما، كيف سأدخل عالم الفن ولماذا. ولهذا، حين حدث لي بعد ذلك ان اصبحت ممثلة، احسست، والحمد لله، ان ربنا قد اعطاني اكثر مما كنت احلم به. احسست ان احلامي قد تحققت. احلامي التي كنت اتمناها طوال عمري ولا اجرؤ على التفكير بامكانية تحقيقها. حسناً، لنأخذ هذه الطفلة نبيلة الصغيرة الجالسة على مقعدها... - كان اسمها كليوباترا، وليس نبيلة تضحك. كليوباترا؟ - نعم والله. نبيلة هو اسم الدلع. اما كليوباترا فهو الاسم الذي كانت امي تناديني به منذ صغري. جميل. اذاً، نأخذ كليوباترا الصغيرة وهي جالسة بين الشاشة والمتفرجين ونفترض انها تشاهد مثلاً فيلم "ارجوك اعطني هذا الدواء" من تمثيل نبيلة عبيد، أو "التخشيبة" من تمثيلها ايضاً. ترى، في رأيك، بأي اسلوب ستنظر كليوباترا الى نبيلة الكبيرة وقد صارت جزءاً من الشاشة اسوة بفاتن حمامة ومديحة يسري؟ - كيف تعتقد ان بوسع نبيلة الصغيرة ان تتخيل هذا، وهي ما كان يخطر في بالها ابداً انها ستصبح ممثلة ذات يوم. من المستحيل عليّ ان اتخيل هذه الصورة تضحك... قل لي، بالضبط، ما الذي تريد سؤالي عنه: لماذا تريد من نبيلة الصغيرة ان تقوم ما حققته نبيلة الكبيرة؟ لقد ختمت كلامي السابق بأنني احمد الله على انني حققت احلامي. فلماذا نريد ان نوقظ نبيلة الصغيرة ونسألها؟ ان كل ما تمنيته وأنا صغيرة قد تحقق. اليوم اشعر ان كل ما تمنيته حتى وأنا كبيرة قد تحقق. حسناً. نظل عند الماضي. ما هي اول صورة سينمائية تعيش لديك حتى الآن؟ - أول صورة؟ اذكر انها تعود الى ذلك اليوم الذي توجهت فيه لاجراء الاختبار الأول من اجل التمثيل في فيلم "مافيش تفاهم" مع عاطف سالم. كنت قبل ذلك اعرف عاطف سالم معرفة عائلية، وحدث ان شاهدني ذات مرة وأنا اشتري بعض الحوائج فناداني وسلم عليّ وطلب مني ان اكلمه هاتفياً. بعد ذلك اتصلت به وأخبرني ان هناك دورا صغيرا في فيلمه المقبل ويود ان يعرف ما اذا كنت ارغب في تجربة حظي في السينما بلعب ذلك الدور. وطمأنني الى ان الدور صامت لن انطق فيه بكلمة. ما اذكره في هذا الشأن انني ابتدأت "أزوغ" من المدرسة لكي اتفرغ للعب الدور، دور بنت تلعب رياضة. وما اذكره انني كنت اتوجه الى الاستديو وأنا صبية صغيرة فأمضي وقتي بالقرب من خياطة الاستديو التي حنت عليّ ثم اغفو. اما عاطف سالم فكان يرسل من يبحث عني ليطمئن ما اذا كنت آكل وأشرب. فأنا كنت تحت رعايته. هذا الامر كله اخفيناه عن امي ولم نخبرها به خوفاً من غضبها. ولكن ذات يوم كان الدور يحتاج لأن اسافر الى بور سعيد فكيف اسافر دون ان اخبرها؟ كانت تلك هي المشكلة. فكيف يمكن حسمها؟ عند المساء وكنا عائدين من بيت اصدقاء لنا يقع في جوار بيت شادية، وجدت احد العاملين في الفيلم يعطيني امر العمل قرب بيتي. خطفت الورقة بسرعة وركضت لأقرأها في غرفتي فاذا بأمي تدخل وتسألني ماذا أقرأ؟ قلت لها، لا شيء ولكني في الوقت نفسه وجدت نفسي انفجر وأصارحها بالأمر كله، وأقول لها انني مضطرة للسفر الى بورسعيد لاكمال التصوير والا اضطررت لدفع غرامة. نامت أمي. وفي اليوم التالي وكنا عند اقربائها وجدتها تشكوني لهم بألم فقلت لها بكل لطف انني مضطرة للذهاب. وكانت المفاجأة أن شقيق الفنانة شادية طاهر شاكر الذي كان حاضراً النقاش، كان يعمل في مكتب المنتج حلمي رفلة، وفهم انني بت راضية بالعمل في السينما. فأرسلني الى بورسعيد حيث صورت وعدت. كانت النتيجة ان الجمهور لاحظ حين عرض الفيلم انني لا أتكلم فراح يتساءل عما إذا كنت أجنبية، طليانية مثلاً، ولعل الجمهور اعجب بي رغم صغر دوري، فكانت النتيجة انني بعد "مافيش تفاهم" وجدتني أوقع عقوداً تتعلق بثلاثة أفلام: "رابعة العدوية"، "كنوز" و"المماليك" مع عمر الشريف. من هنا اعتبر عملي في "مافيش تفاهم" مجرد اختبار. الاختبار الثاني كان من أجل فيلم "رابعة العدوية". الحقيقة ان اختيار نبيلة عبيد لتمثيل دور رابعة كان مفاجأة كبيرة لها. وهي أحست بالرعب من فورها، لكنها لم تهتم بالمخاطر كثيراً، بل راحت تستعد للقبول عبر زيارة المكتبات وجمع كل ما يمكن أن يقع تحت يديها من كتابات تتعلق برابعة، تلك المغنية التي رمت عرض الحائط بكل من حوّم حولها من رجال واستبدلت بهم جميعاً حبها لله وتوقها اليه. ومن الطبيعي ان تحب نبيلة من فورها تلك الشخصية الاسلامية الفذة ولكنها لم تكتف بهذا بل أحست ان شخصية رابعة قد دخلت مسام جسدها. وهي تقول، حتى اليوم ان ما من دور لعبته في حياتها، قد سيطر عليها بقدر ما سيطر دور رابعة. اضافة الى هذا، من الواضح ان لدور رابعة مكانة أساسية في حياة نبيلة عبيد، لأنه كان الدور الحقيقي الأول الذي ادخلها عالم السينما من الباب العريض. لكنه كان الدور الذي كشف لها عن نبل في عالم الحياة السينمائية تتفقده اليوم فلا تجده. من هنا كلما جيء على ذكر رابعة العدوية أمامها، تترقرق عينا نبيلة عبيد بالدموع وتتذكر: تتذكر الدور والفيلم، ولكن أيضاً الحملة الصحافية الأولى التي وجدت نفسها تخوضها، حيث كانت الفنانة عايدة هلال عازمة أيضاً على تمثيل الدور نفسه، ولم يفرحها كثيراً ان تأتي ممثلة ناشئة للعبه. ومن الواضح ان الحملة ساهمت في ايصال اسم نبيلة عبيد الى أوسع قطاع من الجماهير. من أم كلثوم الى نبيلة عبيد - عندما كنا على وشك العمل لتصوير الاختبار المتعلق بفيلم "رابعة العدوية" قال لي حلمي رفلة، على ما أذكر، ان الاختبار سيكون صغيراً، فإن نجحنا فيه العب الدور، وان فشلنا فاتابع طريقي والعب دور البنت الشقية. ولك ان تتخيل حيرتي بين دور يصل بي الى أداء دور المتصوفة المؤمنة فيرفعني الى قمة مجد معين، وبين وضعية تفرض علي مواصلة أدوار البنت الشقية. ناهيك عن انني في طبعي لا أحب الفشل أبداً. حتى حين أخوض أي امتحان أجدني مصرة على النجاح وإلا أصاب باحباط شديد. ما حصل يومها، أنهم خلال الاختبار أعطوني الورق الذي يضم النص الذي كنت سأمتحن فيه. وكانوا، على أي حال، أتوا لي بابراهيم عمارة وفاخر فاخر لكي يعلماني الالقاء والتمثيل. أخذت الورقة لاذاكرها في البيت. فكنت أجلس في مواجهة مرآة وأقرأ النص. والحقيقة أن النص كان شديد الحساسية يمس شغاف القلب. المهم، في اليوم المعين توجهت الى الاستديو لاجراء الامتحان. فصادف انني فيما كنت أواجه الكاميرا لأقول الكلام المطلوب راحت الدموع تنهمر من عينيّ بالفعل. على الفور قال وحيد فريد: خلاص.. الدور لنبيلة! دور رابعة طبعاً... - أجل، دور رابعة. وكان نيازي مصطفى موجوداً. فرحت بالأمر كثيراً كما فرح المسؤولون الذين بدأوا من توهم يحضرونني للدور. كانت الأمور في تلك الأيام تجري على هذا النحو. وكان نوعاً من السحر، وسط الاستديو والأساتذة الكبار، وفي حمى رابعة العدوية التي كانت تشغل عليّ حياتي ولياليّ بعشقها الصوفي وأشعارها الخلابة. وكان مما زادني فخراً أن أم كلثوم التي لعبت الدور اذاعياً كانت هي التي تغني فيما أنا أمثل. فأي مجد كنت أريد أكثر من هذا المجد؟ تتوقف نبيلة عبيد هنا عن الكلام لحظة ثم تقول وكأنها تخاطب نفسها: آه لو أن ثمة في أيامنا هذه منتجين يأخذون بيد الفنان في بداية دربه، ويأتون له بكبار الأساتذة للعناية به. لو كان هذا ممكناً، تتساءل نبيلة، أفما كان يمكن لحال السينما أن يكون أفضل كثيراً؟. المدهش في الأمر، نبيلة، ان دورك الأول كان دوراً في غاية الصعوبة: دوراً تاريخياً وناطقاً بالفصحى ويتطلب نضجاً فنياً كبيراً... اضافة الى حضور أغنيات أم كلثوم. ترى ألم يخفك الأمر. أم انك رميت نفسك هكذا في بحر الفيلم دون أن تتنبهي الى ضخامة الموضوع؟ - كيف أتنبه أو لا أتنبه وأنا كنت لا أزال صبية، وفي الصف الأول ثانوي؟ لم أكن قادرة على التفكير يومها. كانت الفرصة كبيرة. وكنت عاجزة عن التفكير، وغير مصدقة ان هذا يحصل لي. لم أكن أدرك خطورة الأمر بالطبع. اليوم لو أتاني دور من هذا النوع سوف أفكر طويلاً، وأشعر بخطورة الأمر، أما في ذلك الحين فلم أكن قادرة على أي تفكير من هذا النوع. هنا يتدخل في الحديث الزميل سمير فريد، الناقد المعروف الذي كان حاضراً اللقاء، فيقول أنه ربما خفف من صعوبة الأمر وجود ممثلين كبار في الفيلم مستعدين لحماية الممثلة الناشئة وأحاطتها برعايتهم.. ففي ذلك الحين، يقول سمير، كان لا يزال ثمة وجود لجيل أصيل من كبار الفنانين الذين عرفتهم الحياة الفنية في مصر. لقد شاهدت "رابعة العدوية" في ذلك الحين كما شاهده الملايين غيري، ولم يخطر في بالي أبداً ان أمامي ممثلة جديدة تخوض هنا تجربتها الكبيرة الأولى... - ما أذكره أيضاً عن الفيلم أن المسؤولين فيه أطلعوا السيدة أم كلثوم على جزء من الاختبار أغني فيه بصوتها، فكان رد فعلها أن أبدت رضاها التام وقالت: هذه الصبية تنفع للدور. وكانت هذه من الشهادات التي اعتز بها كثيراً في تاريخي الفني. ما يحزنني اليوم أنني لم أقابل أم كلثوم أبداً. نقلوا لي رأيها فاثلج صدري. لكن أم كلثوم لم تكن العملاق الوحيد في هذا الفيلم. فكما قال سمير فريد، كان هناك الكثير من الفنانين الكبار تصور: شادي عبدالسلام لتصميم الملابس ايفون ماضي لتنفيذ الملابس. ابراهيم عمارة وفاخر فاخر لتلقيني الأداء والحوار. وكان هناك من الممثلين حسين رياض، فريد شوقي، عماد حمدي، اضافة الى أن المخرج كان نيازي مصطفى. كنت محاطة بعمالقة السينما وكلهم مهتمون بي. كنت أحس انني على الطريق الصحيح وانني أعيش وسط السينما الحقيقية. آه لو يتكرر هذا في أيامنا هذه. بصراحة، لا أعتقد أنه سيتكرر. فالأمور من سيء الى أسوأ. عزائي الوحيد أنني تمكنت من أن أعيش جزءاً ولو يسيراً من ذلك العصر الذهبي. لقد أتيح لي أن أعرف مديحة يسري ومريم فخر الدين وغيرهما من كبار الفنانين الذين أحبوا السينما كثيراً. في ذلك العصر كان هناك تنافس فني شريف، يختلف عما يعرفه الوسط الفني في أيامنا هذه. في هذه الأيام لا نعيش سوى التجريح والصراعات البائسة. فأين نحن من تلك الأيام الطيبة؟!. إن ما يحزن نبيلة عبيد كثيراً في هذه الأيام، هو المناخ المهيمن على السينما المصرية، اذ بينما كان التنافس في سنوات الخمسينات والستينات قائماً حول تقديم عمل أفضل والحكم في النهاية للنقاد والجمهور، بات التنافس اليوم على من ينال أجراً أفضل، ومن يحقق مكاسب أكثر. تتنهد نبيلة عبيد، وهي التي تنتمي على أي حال الى جيل أيامنا هذه، وتتساءل ترى لماذا فعل جيلنا بنفسه كل هذا؟ لماذا صار الربح سيد اللعبة؟ وكيف حدث لنا أن نسينا الدروس الثمينة التي تعلمناها من اولئك الكبار الذين كانوا فنانين بحق وحقيق!. كنت كمن ينحت في صخر بعد "رابعة العدوية"، كان الفيلم الكبير التالي هو "المماليك"... - الكبير أجل، لكنه لم يكن الفيلم الوحيد، كان هناك "كنوز" وكان هناك "خطيب ماما" من اخراج فطين عبدالوهاب ثم عاطف سالم، وكان هناك "زوجة من باريس" ليس باريس الفرنسية بل باريس البلدة في الواحات. لقد مثلت في تلك الآونة في خمسة أفلام من اخراج عاطف سالم، ثم دخلت في حياة عائلية/ اجتماعية، حيث تزوجت من عاطف سالم مما استتبع بقائي في البيت وابتعادي عن الحياة السينمائية وكان هذا ضد رغبتي الشخصية، بالطبع كنت أحب التمثيل ولا أزال حتى الآن عاجزة عن حب شيء آخر غير السينما. حتى اليوم، لو جلست أياماً دون عمل أجن. فأنا كنت وما أزال اعتبر السينما جزءاً أساسياً من حياتي، لا يمكنني الابتعاد عنها ولو لحظة واحدة. مشكلتي ان أمي كانت ولا تزال لا تريد لي سوى الزواج. انها مثل كل أم تريد لبنتها ان تتزوج وان تنجب أطفالاً اما أنا فانني على الدوام في واد آخر... لكنه لم يكن حباً من طرف واحد. فالسينما احبتك أيضاً وأعطتك أدواراً في منتهى الجمال، أليس كذلك؟ - صحيح، لكنها أتعبتني كثيراً صاحبتنا السينما هذه. كنت فيها كمن ينحت في الصخر. اليوم حين أواجه نفسي وأنظر الى سلسلة الجوائز التي نلتها وشهادات التقدير وأفكر، أقول انني لم أنلها لأنني ممثلة جيدة فقط، بل لأنني تحملت كثيراً أيضاً، تحملت في جلد وصبر ولم تكن رحلتي رحلة سهلة. لقد تحملت في سبيل السينما ما لا يمكن لأحد أن يتحمله أبداً".