ليلى بركات : حب في بلاد الدروز دعت "غاليري أجيال" في بيروت الى حفل توقيع رواية "تحت كروم بلاد الدروز"، وهي باكورة أعمال الكاتبة الشابة ليلى بركات. الرواية صدرت بالفرنسية عن دار "لارماتان" في باريس، ضمن سلسلة "كتابات عربية". وليلى بركات التي تخوض هنا تجربتها الادبية الاولى، مولودة عام 1968 في بلدة كفر قطرة اللبنانية، تابعت علومها في الجامعتين الاميركية واللبنانية، وحازت شهادات في مجالات متنوعة كعلم الاجتماع والادب والتربية. في جامعة السوربون الباريسيّة، تنكب بركات حالياً على تحضير شهادة دكتوراه في الادب المقارن . في روايتها تتناول الكاتبة منطقة الشوف عبر ترصد المكان والسفر في ملامحه المختلفة. فمن خلال المكان، تطل بركات على العادات والتقاليد الدرزية، وذلك بأسلوب بسيط يسعى الى الشاعرية، ويتردد بين الانتروبولوجيا والادب. لكنها تختار عدم الخوض في الاسرار والطقوس، مكتفية باعطاء الجانب الروائي المتخيل مكانته ومداه. ما يهم الكاتبة هو خلق مناخ جذاب وعالم نصف معلن، يستهوي القارئ، فاما أن يتسلل الاخير اليه مداورة، أو أن يتعثر عند أعتابه. واذا كانت صاحبة "تحت كروم بلاد الدروز" تستند، بما لا يدع مجالاً للشك، الى مادة "أوتوبيوغرافية"، أو لنقل الى ذاكرة ما، فهي تحاول استخدام عادات وتقاليد البيئة التي نشأت في ربوعها لتشييد المسرح الذي تدور أحداث روايتها في اطاره: قصة الحب العاصفة بين أريج الدرزية ونبيل المسيحي... وهذه الحبكة الشكسبيرية لا مفر من أن تنتهي بطريقة مأساوية، إذ تموت البطلة في ظروف غامضة ويهاجر البطل الى الخارج. يطوي القارئ الصفحة الاخيرة من الرواية، واذا بالسؤال ما زال مطروحاً بشكل أكثر حدّة والحاحاً. هل يعود ذلك الى كون بركات - التي لجأت الى قالب روائي كثر استعماله - تضع اصبعها في صميم الجرح؟ أم أن الرواية تمتد بأشكال أكثر تمويهاً الى أرض الواقع، كأن الكاتبة تتماهى مع بطليها. وإلا فما الذي يدفع بأديبة لبنانية من جيل ليلى بركات الى توقيع رواية فرانكوفونية؟ أحلام مستغانمي : الحنين والرغبة والحداد أحلام مستغانمي كاتبة قبل كل شيء. وهكذا، من هذه الزاوية، ينبغي أن تُقرأ روايتها "ذاكرة الجسد"، الصادرة أخيراً عن "دار الآداب" في بيروت. لكن أحلام مستغانمي امرأة أيضاً. ومهما حاول القارئ أن يهرب من هذه الفكرة المسبقة - على أساس أن النص هو المرجع الاول والاخير! - فإنه سيصطدم بها عند منعطف الجمل، وبين منعرجات فصول كتبت تحت وطأة نزف سري تضيق به العبارات الجاهزة. فالانوثة، وقود النص ونسغه، تخيم على الاماكن والاشياء. الانوثة، لا كحالة استعراضية، بل كوجع يرشح من الكلمات... والمرأة هنا، تفضحها النظرة الى العالم، العلاقة بالمدن بين باريس وقسنطينة وبالزمن، تفضحها مشاعر الحب، الغضب، الغربة، الحنين، يفضحها جنون هنا، و"قبلة مسروقة من المستحيل" هناك... أحلام مستغانمي كاتبة وامرأة، لكنها جزائرية قبل كل شيء: على ضفتي جرحها نبتت مشاهد "ذاكرة الجسد"، أول رواية تكتبها امرأة بالعربية في الجزائر. ثلاثة انتماءات اذاً، بل ثلاثة وجوه لانتماء واحد. وثلاثة محاور لقراءة رواية تقول الرغبة، بكل أبعادها، والحنين الهارب من صورة باهتة لمستقبل مستحيل. على لسان ضمير المتكلم، وفي قالب من التداعيات، والمونولوغات والحوارات الداخلية، تعيد الكاتبة رسم مسار عمر كامل بين غربتين. عمرنا؟ عمرها؟ عمر جيل شاهدَ الاحلام تنهار والمشاريع تذوي والزمن يفلت منه الى غير رجعة. فالعلاقة بالزمن هي السمة الاساسية للشخصية المحورية: شخصية الراوي الذي يستعير بلا شك بعض سماته من التجربة الذاتية للكاتبة، في حواره المتواصل مع المرأة الحاضرة - الغائبة، مع المدينة التي ستعريه من أوهامه وتلبسه نهائياً حداد أحلامه، ومع الذاكرة التي تفلت منه باستمرار، فكيف يصرّح بها لرجل الجمرك في المطار؟ ولأنها كاتبة وامرأة وجزائرية، فهي تعرف كم أن الجسد هو الملاذ الاخير، خزان الذاكرة وآداة الكتابة والاحتجاج: "إنه لشيء مدهش أن يصل الانسان بخيبته وفجائعه الى حدّ الرقص. إنه تميّز في الهزائم أيضاً، فليست كل الهزائم في متناول الجميع ...". من هنا أن رواية "ذاكرة الجسد" تُقرأ دفعة واحدة، كطقس جنائزي، ليتساءل القارئ بعد ذلك كيف أنه لم يسمع بأحلام مستغانمي قبل اليوم! محمود بن محمود: فيلم تونسي جديد من هو محمود بن محمود؟ يتذكر المشاهد العادي أنه سمع بهذا الاسم من قبل، لكن أين؟ متى؟ الازدهار الذي تعرفه السينما التونسية منذ الثمانينات، دفع بمجموعة من المخرجين الى دائرة الضوء، بينهم نوري بوزيد وفريد بوغدير والناصر خمير... إلا أن بن محمود الفنان التونسي الطويل القامة، الرشيق الحركة، القليل الكلام، يكاد يعيش في الظل، فلا يخرج الا بين حين وآخر ليقدم عملاً لافتاً ويعود من حيث أتى. الذين شاهدوا شريطه التسجيلي "من الضفة الاخرى" عن الجالية الايطالية الصقلية في تونس، يذكرون رهافة النظرة التي يتحلّى بها مخرج فيلم "عبور" 1982، بين اللمسة الشاعرية والنبرة التي لا تخلو من الطرافة والابتكار. لكن قلة تذكر أنّه أحد مخرجَيْ فيلم "شيشخان" 1991 الذي تقاسم جميل راتب بطولته مع جليلة بكار. فالى جانب المسرحي الفاضل الجعايبي، وقّع بن محمود فيلماً نادراً يحكي رحلة بحث عن الجذور، في ضوء التجربة التونسية الراهنة، بأسئلتها وتمزقاتها، فنَسَجَ مَشاهده في اطار بصري كثيف الدلالات، مدروس بعناية. واليوم يضع محمود بن محمود اللمسات الاخيرة على مشروع سينمائي جديد، من المتوقع أن يدخل قريباً مرحلة التنفيذ. بطلته هذه المرّة مراهقة تونسية متحدرة من زواج تونسي - فرنسي مختلط. بعد طلاق أهلها، تنشأ هذه الاخيرة في كنف والدها، وهو ديبلوماسي يتنقل بين الدول الافريقية، التي ستترك أثراً واضحاً على تكوين ذوقها وشخصيتها. وتكبر الفتاة لتجد نفسها ممزقة بين ثقافتين، من جهة صورة الام التي تطالب بها من فرنسا، ومن الاخرى شخصية الاب الذي عاد بها أخيراً الى تونس. هكذا تختار بطلتنا "جذورها السوداء"، وتحاول أن تنقل الى أقرانها، ما عادت به من تأثيرات، عن طريق الموسيقى. فالفيلم الذي كتبه وسيخرجه بن محمود يدور حول الموسيقى. أليست أقصر الطرق الى اكتشاف الجذور: "أريد فقط أن أقول للجيل الجديد أن خلاصنا لا يمكن أن يأتي من الشمال. قد نستمد منه رخاءنا وتطورنا التقني، أما خلاصنا الروحي فلا بد أن نبحث عنه في اتجاه الجنوب"...