بعد عشرة شهور من المفاوضات الشاقة، وخمسة عشر شهراً من المعارك الشرسة، وبعد استبدال ثلاثة "طواقم" من الوسطاء الدوليين، وافق الرئيس البوسني علي عزت بيكوفيتش، مبدئياً ولأول مرة، على مشروع الوسيطين الدوليين لورد أوين المجموعة الأوروبية وتولفالد شتولتنبرغ الأممالمتحدة لتقسيم جمهورية البوسنة - الهرسك الى ثلاث دويلات عرقية. وهو مشروع لا يتضمن سوى تعديلات طفيفة على مشروع التقسيم الذي اقترحه الكروات والصرب. وفور ابلاغ بيكوفيتش موافقته الى الوسيطين الدوليين في جنيف سجّل حديثاً بثته اذاعة ساراييفو قال فيه انه اجبر على التخلي عن فكرة "الدولة الواحدة" لحساب العمل على تأمين اكبر مساحة ممكنة من الأراضي لپ"أمته". وفي الصباح التالي خرجت صحيفة "اوسلوبوديينا" وهي اليومية الوحيدة التي تصدر في ساراييفو بعنوان رئيسي مفاده ان البوسنة والهرسك لم تكن مهيأة لهذه الحرب، ولا يمكنها ان تواجه الآلة الحربية الموضوعة في تصرف زعيم صرب البوسنة رادوفان كارادجيتش. ويقول ديبلوماسيون في جنيف ان بيكوفيتش وافق على التقسيم نتيجة ضغوط مارستها المجموعة الأوروبية وممثلها لورد اوين، والأممالمتحدة وممثلها تولفاد شتولتنبرغ، وضغوط عسكرية على الأرض حيث يشدد الخناق على ساراييفو والمدن الاخرى. بل ان وزير خارجية البوسنة حارس سيلادجيتش ذهب الى ابعد من ذلك حين قال ان بيكوفيتش وافق على التقسيم، الذي سيضع حدوداً دولية في غرف نوم المواطنين 40 في المئة من الزيجات في البوسنة والهرسك مختلطة، لأنه وجد نفسه وحيداً في قاعة تضم الاعداء من جهة، والراضخين للأمر الواقع من جهة اخرى. وعن موقف المسلمين من التقسيم يقول مراد افنديتش نائب رئيس وزراء البوسنة، الذي يعتبر ان هذا المشروع سيفضي الى حرب بلقانية شاملة، وأنه يحدد لكل طرف بوسني الاتجاه الذي سيتعين عليه توجيه بندقيته اليه، ان بيكوفيتش لن يسهل عليه التوفيق بين تيارين رئيسيين بين المسلمين، الأول يمثل اولئك الذين يريدون ثمناً حقيقياً لتضحياتهم خلال الخمسة عشر شهراً الماضية، وبالتالي لن يوافقوا على التخلي عن اراضيهم، والثاني يمثل اولئك الذين ما زالوا مقتنعين بأن مواصلة القتال ستؤدي في النهاية الى اعادة توحيد البلاد. وفي هذا المجال يقول ديبلوماسيون غربيون في بلغراد وزغرب، ان بيكوفيتش سيجد نفسه مضطراً الى التعاون مع تيار ثالث، طالما رفض التعامل معه، وهو تيار المسلمين الذين يعتقدون ان التضحية بالبوسنة والهرسك الموحدة امر مرغوب به اذا كان الثمن بناء دويلة اسلامية. لكن المستشار القانوني لحكومة البوسنة، الاميركي فرانسيس بوبل يقول ان مشروع الدستور للدولة الجديدة، التي ستضم جمهوريات ثلاث للصرب والمسلمين والكروات، لن يمكنها، لا وراثة مقعد البوسنة - الهرسك في الأممالمتحدة ولا ادارة الحد الادنى من الوحدة بين الجمهوريات الثلاث. ويضيف بوبل ان كياناً، لا يتمتع بجيش وطني، وشرطة وطنية، وبنك مركزي، وعملة موحدة، وهي العناصر الرئيسية للسيادة والاستقلال، لا يمكن قبوله في الهيئات الدولية. خصوصاً ان الدستور الجديد يقول ان الدولة الجديدة ستصبح عضواً في الأممالمتحدة اي انها ليست عضواً راهناً. اضافة الى السماح لكل مواطن بحيازة جوازي سفر. ولا شيء يمنع الكرواتي او الصربي من الحصول على جواز سفر تابع لكرواتيا او الاتحاد اليوغوسلافي الجديد، او على الاقل الاكتفاء بجواز سفر تصدره الجمهورية التي ينتمي اليها. وبالتالي فان مفهوم المواطنية، استناداً الى الدستور الجديد، هو مفهوم مطاط يحمل في طياته وثيقة وفاة الدولة الوليدة. يبقى ان مشروع الدستور الجديد يقضي بتبادل منصب الرئاسة في الدولة الجديدة بين الصرب والكروات والمسلمين كل أربعة اشهر. فهل سيحتمل سكان ساراييفو رؤية رادوفان كارادجيتش في قصر الرئاسة في ساراييفو. القصر الذي طالما صوب اليه قذائف مدفعيته؟ انه السؤال الصعب، الذي سيتعين على الوسيطين الدوليين الاجابة عنه، بعدما رفضا مشروع اعادة توحيد الجمهورية، ووافقا على تقسيمها الى دويلات عرقية تجمعها وحدة هشة لن تترجم على أرض الواقع سوى بحمل كارادجيتش الى قصر الرئاسة في ساراىىفو.