ساراييفو: هذه مدينة تحترق، حياتها اليومية رعب وآلام ودموع. أهلها يعيشون - إذا جاز التعبير - تحت الحصار الغذائي والقصف المستمر، لأن ساراييفو هي عاصمة جمهورية البوسنة والهرسك التي كانت جزءا من يوغوسلافيا السابقة، ولأن الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش يشن منذ أشهر حربا على البوسنة والهرسك في إطار مشروعه لاقامة "صربيا الكبرى" وضم هذه الجمهورية ذات الأغلبية الإسلامية إليها. "هذا أخطر مكان على الأرض اليوم" قال عن ساراييفو موفد مجلة "تايم" الأميركية إلى البوسنة والهرسك. وكانت بيروت، ذات يوم، "أخطر مكان على الأرض". وكانت مدن أخرى، قبل ساراييفو، "أخطر مكان على الأرض". والآن جاء دور عاصمة البوسنة والهرسك. فهي اليوم أحد رموز العالم الجديد، والنظام الدولي الجديد قيد التكوين: عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وإمبراطوريته، حيث الكبار لا يرغبون، دائما، في القيام بمجازفات حقيقية لوقف نزاعات الصغار، طالما أن هذه النزاعات لا تؤثر على العلاقات بين الدول والقوى الكبرى، ولا تهدد مصالحها الأساسية. وقد لخص رئيس البوسنة والهرسك علي عزت بيكوفيتش الموقف حين قال ل"الوسط" إن التحرك الدولي غير كاف لوقف الحرب ضد دولته "لأننا لا نملك أسلحة نووية أو مواد اقتصادية مهمة يحتاج إليها الأميركيون والأوروبيون". وهكذا، تعيش ساراييفو ومدن وقرى البوسنة والهرسك الأخرى جحيما يوميا، منذ أشهر، يتمثل بقصف القوات الصربية وحلفائها لها، وبالحصار الذي تفرضه هذه القوات عليها، وبالأعمال الوحشية التي تمارسها هذه القوات ضد أهالي هذه الجمهورية، خصوصا ضد المسلمين منهم وضد مساجدهم ومنازلهم... وعلى رغم صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي ونهاية الشهر الماضي بفرض عقوبات شاملة على صربيا وحليفتها الصغيرة الجبل الأسود، وعلى رغم التظاهرات التي تشهدها بلغراد احتجاجا على حروب الرئيس الصربي "الدموية والمجانية" في كرواتيا والبوسنة والهرسك. وفي رأي الرئيس البوسني بيكوفيتش: لا شيء غير التدخل العسكري الأجنبي المباشر يستطيع وقف الحرب. وفي انتظار حدوث ذلك، إن حدوث تطورات دراماتيكية تقلب الموقف وتوقف الحرب، تصل إلينا من ساراييفو ومدن وقرى البوسنة والهرسك الأخرى شهادات مخيفة: "رأيت أطفالا صغارا تتطاير رؤوسهم أو أيديهم أو أجزاء من أجسادهم نتيجة القصف المدفعي"، كما قال مراسل أجنبي في تقرير له من هناك. وتصل إلينا، أيضا، صور الجحيم. وهذه بعضها التقطها مصورون عالميون استطاعوا الوصول إلى قلب المعركة.