صادف صدور قرار المحكمة العليا الاسرائيلية بتبرئة المواطن الاميركي، الاوكراني الاصل، جون ديميانيوك من التهمة الموجهة اليه بأنه "ايفان الرهيب" الذي ساعد النازيين في عمليات اعدام اليهود في معسكر "تريمبلينكا" البولوني مع ذكرى شنق ادولف ايخمان الذي خطفته الاستخبارات الاسرائيلية موساد من الارجنتين الى اسرائيل، حيث حوكم بتهمة الاشراف على تطبيق خطة ابادة اليهود التي أعدّها النظام النازي في المانيا. واللافت للاهتمام انه على رغم طول الفترة الزمنية الفاصلة بين قضيتي ايخمان وديميانيوك، والفترة الزمنية الاطول الفاصلة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وقضية ديميانيوك، الا ان الحكومة الاسرائيلية والمنظمات اليهودية العالمية لا تزال تبذل جهوداً كبيرة من اجل جمع معلومات حول اشخاص تتهمهم بالتعاون سابقاً مع الحكم النازي، بغية اقناع الدول التي يقيمون فيها حالياً بتقديمهم للمحاكمة او تسليمهم الى القضاء الاسرائيلي، على غرار نجاحها في اقناع الولاياتالمتحدة بتسلميها ديميانيوك لمحاكمته في اسرائيل. وغني عن القول ان الهدف الرئيسي للحكومة الاسرائيلية والمنظمات اليهودية العالمية لا يرتبط بالجوانب القضائية والانسانية، وانما بالجوانب الاعلامية والسياسية. اذ ان ملاحقة النازيين القدامى ليست سوى واجهة لسياسة رسمية اسرائيلية تقضي بضرورة الابقاء على مسألة "الهولوكوست" او ما يردد اليهود عما حلّ بهم على ايدي المانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، راسخة في اذهان الاوساط الرسمية والشعبية الاميركية والاوروبية بهدف استخدامها لابتزاز المزيد من مواقف التأييد السياسية والاقتصادية، وبالذات من المانيا، خصوصاً ان اتفاقي "التعويضات لضحايا النازية" اللذين توصلت اليهما اسرائيل مع المانيا الغربية خلال الخمسينات أوشكا على فقدان اهميتهما. فضلاً عن بروز علامات تذمّر رسمية في المانيا ازاء استمرار اسرائيل في مطالبتها الحصول على تعويضات اخرى لعائلات اليهود الذين نجوا من معسكرات الاعتقال النازية. وفي هذا السياق تعمد افرايم زوروف مدير الفرع الاسرائيلي "لمركز شمعون فيزنتال" الذي يترأس ويدير الحملة الاسرائيلية واليهودية العالمية لملاحقة النازيين، انتهاز فرصة صدور قرار المحكمة العليا بتبرئة ديميانيوك ليكشف مركزه اعداد قائمة باسماء 15 شخصاً متهمين بالتعاون مع الحكم النازي، ويستعد خلال السنوات المقبلة لتقديم مطالب رسمية الى الدول التي يقيمون فيها لتقديمهم الى المحاكمة هناك او تسليمهم الى اسرائيل. وفي ما يأتي ابرزهم: - الويس برونر المساعد السابق لادولف ايخمان ويعيش حالياً في سورية. لكن السلطات السورية تنكر ذلك. - انتاتاس غاكاس الذي خدم كضابط في شرطة ليتوانيا عقب احتلالها من قبل المانيا النازية ويقيم حالياً في اسكوتلندا. - ادفالد هيزيكسون المقيم في ايسلندا. وكان 85 عضواً في الكنيست الاسرائيلية وقعوا اخيراً على عريضة ارسلت الى رئيس حكومة ايسلندا ديفيد اودسون لمطالبته باتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة بحق هيزيكسون. - موريس بابون القائد السابق لشرطة مدينة بوردو الفرنسية ويعيش في فرنسا. - كارليس اوزوليس وهنريغ يوركيس اللذان خدما كضابطين في وحدة كوماندو كانت تابعة لقوات لاتفيا التي تعاونت مع النازيين. ويسكن الاول في استراليا بينما يسكن الثاني في السويد. ويذكر ان السلطات السويدية رفضت طلبات اسرائيلية عدة بمحاكمة يوركيس وفسرت رفضها بأن التهم الموجهة اليه قديمة، الامر الذي دفع الحكومة الاسرائيلية والمنظمات اليهودية العالمية الى ممارسة نفوذها لدى دول أخرى يقيم فيها اشخاص متهمون بالتعاون مع النازية وبالذات الولاياتالمتحدة وبريطانيا واستراليا، ونجحت في اقناعها باستصدار قرار تجيز محاكمة النازيين القدامى مهما كانت التهم الموجهة اليهم قديمة. وتتركز الجهود الاسرائيلية واليهودية حالياً على محاولة استصدار قرار مماثل في المانيا، خصوصاً عقب اقدام وزارة العدل الالمانية اخيراً على اطلاق سراح كورت هوبرت فرانز نائب القائد السابق لمعسكر تريمبلينكا الذي صدر عام 1965 قرار بسجنه مدى الحياة. وكانت جهات يهودية من بينها "مركز فيزنتال" في القدس وحركة "كاخ" اليمينية المتطرفة، تقدمت بمذكرات اتهام اخرى ضد ديميانيوك، عقب صدور قرار براءته، ما دفع المحكمة العليا الى اصدار قرارات اخرى بمواصلة احتجاز ه. الا ان المدعي العام الاسرائيلي يوسف حاريش اوصى بعدم تقديم ديميانيوك الى المحاكمة ثانية بتهم ثانوية، الامر الذي يعتبر بمثابة مؤشر على رغبة السلطات الاسرائيلية في السماح له بمغادرة اسرائيل خصوصاً بعدما تمكنت من تحقيق هدفها الرئيسي من وراء استقدامه ومحاكمته وهو "تنشيط تجارة" الهولوكوست. وعلى رغم معارضة الخارجية الاميركية السماح لديميانيوك بالعودة الى الولاياتالمتحدة، بحجة انه لم يفصح عن ماضيه النازي لدى تقديم مستنداته للحصول على الجنسية الاميركية، الا ان عضو الكونغرس الاميركي جيمس ترانيسانت، وهو من اصل ايطالي ويمثل ولاية اوهايو التي كان ديميانيوك يقيم فيها، اكد انه سيتوجه الى اسرائيل لمرافقة ديميانيوك الى منزله في كليفلاند. ومن الملاحظ ان التعاطف مع ديميانيوك ازداد كثيراً في الولاياتالمتحدة، بعد ان ادت الاجراءات القانونية الاسرائيلية الى اطالة بقائه في اسرائيل على رغم تبرئته عقب سبع سنوات قضاها في السجن. ويتضح من دراسة لافتتاحيات الصحف الاميركية ورسائل القراء ان ديميانيوك البالغ من العمر ثلاثة وسبعين عاماً يحظى بأكبر قدر من التأييد بين ابناء جيله الذين حاربوا في الحرب العالمية الثانية.