سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة "الوسط" في القاهرة عن السياسة الاميركية في الشرق الأوسط . خلافات الدول الصناعية تعرقل سياسة احتواء ايران وتركيا تحاول فرض "ا لعثمانية الجديدة" 3 من 4
نشر في الحياة يوم 16 - 08 - 1993

الحلقة الثانية من ندوة "الوسط" عن السياسة الاميركية في الشرق الاوسط والتغييرات المحتملة في عهد ادارة الرئيس بيل كلينتون، ناقشت امكانات استمرار عملية السلام ونجاحها، وتبني الادارة سياسة "الاحتواء المزدوج" للعراق وايران بعدما كانت واشنطن تتمسك بتوازن القوى من خلال مفهومها لأمن الخليج. وطرحت تساؤلات عن دور الشريك الكامل في المفاوضات العربية - الاسرائيلية وحدود هذا الدور، واحتمالات اندلاع مواجهة جديدة بين العراق وايران.
محور هذه الحلقة امن الخليج وعلاقته بمشروع السوق المشتركة للشرق الاوسط، ما بعد تحقيق السلام، وهل تربط واشنطن بؤر الازمات في المنطقة باستراتيجيتها "الجديدة"؟
شارك في الندوة السادة: صلاح بسيوني رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط في القاهرة، مؤسس المعهد الديبلوماسي التابع لوزارة الخارجية المصرية، واللواء احمد فخر مدير المركز عضو الوفد المصري الى لجنة ضبط التسلح المنبثقة من المفاوضات المتعددة الاطراف، والسفير اشرف غربال مستشار الرئيس السابق انور السادات سفير مصر سابقاً لدى واشنطن، وجميل مطر مدير المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل، وتحسين بشير مندوب مصر لدى الجامعة العربية، سفيرها الى كندا سابقاً والكاتب الصحافي محمد سيد احمد.
ما هي توقعاتكم لاكثر السيناريوهات ترجيحاً في العلاقة بين الولايات المتحدة وايران؟ تصاعد المواجهة او انحسارها او تحسن تدريجي في العلاقات؟
- محمد سيد احمد: سأقارن اولاً بين البؤرتين الرئيسيتين في المنطقة والتحولات والتجددات فيها. بؤرة اسمها ازمة الخليج واخرى اسمها النزاع العربي - الاسرائيلي والعلاقة بينهما. رأينا ان نشوب حرب الخليج ادى الى نقلة في ما يتعلق بضرورة ايجاد تسوية للنزاع العربي - الاسرائيلي، فللمرة الاولى تبين ان البترول واستقراره مهددان تهديداً لم يكن في الحسبان، وتبين ان الموضوع متفجر. ونحن الآن نكتشف ان هناك آلية تضبط النزاع العربي - الاسرائيلي وفي احسن الافتراضات ستقود الى حل، او هي مستمرة على الاقل بينما ليست هناك آلية خاصة بأزمة الخليج. تفجرت ازمة ونشبت حرب لكن الطرف الذي حورب ما زال موجوداً، وعلاقة ايران بالعراق مشكلة. بعبارة اخرى بدا في السابق ان التناقض العربي - الاسرائيلي هو الذي يرمز الى مشاكل المنطقة، ولكن منذ فترة بدأ التشكيك في هذا الافتراض، والجدل على التناقضات العربية - العربية وهل تكون لها الاولوية على التناقض مع اسرائيل.
رأينا مظاهر لذلك في مرحلة كامب ديفيد، ثم مرة ثانية في ازمة الخليج، والآن فان قضيتي العلاقات العربية - العربية والعلاقات مع اطراف اخرى كايران هما اللتان تفتقدان آليات بخلاف قضية اسرائيل التي اصبحت ذات آلية. هذه في اعتقادي المشكلة الاستراتيجية الاساسية في المرحلة المقبلة، فالاوضاع انقلبت وما كان يؤخذ بوصفه النزاع المركزي اصبح نزاعاً محكوماً بآلية مضبوطة الى حد او آخر، وما كان يؤخذ بوصفه مضبوطاً اصبح هو المعرض للانفجار والتجدد.
الية لضبط قنبلتين
الولايات المتحدة تفتقد آلية للضبط. دخلت بالحرب ودخلت بالردع، وردعت صدام لفترة لكن المشكلة لم تحل جوهرياً، وهذه مسألة قنابلها موقوتة: هناك القنبلة العراقية والقنبلة الايرانية، وقد تأخذان اولوية في تشكيل صراعات المنطقة في المرحلة المقبلة اكثر من النزاع العربي - الاسرائيلي. وحين نتكلم على توسيع دائرة التعاون في المنطقة، معنى هذا ان هناك اطرافاً عربية انضمت او دخلت في آلية الضبط والربط من خلال ما يسمى عملية السلام مع اميركا ومع الغرب، بينما اطراف اخرى خارج هذه العملية، وهذه المشاكل هي التي ستأتي في الصدارة. وهكذا قد يصبح المحور المتعلق بالخليج اكثر اهمية من المحور العربي - الاسرائيلي.
- تحسين بشير: هل يعني ذلك ان مصالح اميركا في الخليج مهددة الآن او على المدى القريب؟
- محمد سيد احمد: اميركا يهمها اولاً استمرار تدفق النفط، وهذا ما جعلها تشعر بأن النزاع العربي - الاسرائيلي لا بد من ان يُحل.
- اشرف غربال: ما مصدر التهديد هنا؟
- محمد سيد احمد: الانفجارات في المنطقة العربية.
- تحسين بشير: هذا لا يهدد تدفق النفط الذي يعاني بخلاف ذلك من مشكلة سوق لأن سعره يتدنى.
- محمد سيد احمد: النفط ليس مجرد سوق واقتصاد، النفط علاقات قوى بين كتل المستقبل.
- اشرف غربال: وجود النفط كعصب الحياة في العالم الغربي في يد لا تطمئن اليها اميركا او يمكن ان تهددها يسبب لها مشكلة.
- تحسين بشير: اميركا امنت سوق البترول لسنوات كثيرة مقبلة وانتاج الدول العربية من البترول يفوق حاجة السوق العالمية.
- اشرف غربال: وفرة البترول في الاتحاد السوفياتي السابق ودخول الولايات المتحدة في علاقات قوية مع روسيا يمكن ان يؤمنا عناصر واسواقاً جديدة لم تكن لاميركا في الماضي، ويمكن ان يخففا شيئاً من اعتمادها على نفط الخليج.
... وانفتاح مزدوج ايضاً
- محمد سيد احمد: الموضوع اساساً غير متعلق بالجانب الاقتصادي، بل بالجانب السياسي الاستراتيجي في ما يتصل بكتل المستقبل، والدور الاميركي في هذه المنطقة عنصر اساسي في استراتيجية اميركا كي تحتفظ بمركز القطب الاول ازاء أقطاب اخرى محتملة. هذه المنطقة تظل استراتيجية، والجدل الاقتصادي لا يأتي في المقام الأول. اذاً موضوع استهلاك البترول او مدى الاعتماد عليه موضوع ثانوي في ما يتعلق بتقرير ذلك، والولايات المتحدة لا تدخل في عملية كبيرة مثل حرب الخليج لو كانت المسألة ثانوية، وكذلك الحال بالنسبة الى النزاع العربي - الاسرائيلي والسعي الى حله وقيام وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر بجولاته المكوكية على مدى سنة في سبيل حل هذا النزاع لصلته بالاستقرار في منطقة الخليج.
باتت للنزاع آلية تقبل بها كل الاطراف، طبعا يوجد اختلاف في الشارع لكن هناك آلية ممسوكة في هذا المجال، مفتقدة في ما يتعلق بمنطقة الخليج. وانا اعتقد ان اميركا لا تستطيع ان تستمر في معاداة العراق كما كانت الحال في عهد بوش، فاذا كان هناك احتواء مزدوج للعراق وايران هناك ايضاً انفتاح مزدوج، ودائماً كان لدى اميركا انفتاح على البلدين ولم يكن في اي وقت عداء مطلق كما يتصور بعضهم. لأميركا مصلحة في نوع من التوازن بين الطرفين، والاحتفاظ بقدر من العلاقة معهما، ولو لم تكن هناك آليات تحكم هذه العلاقة. توجد اتصالات ومحاولات متجددة، رأينا "ايران غيت" و"عراق غيت" واشياء من هذا القبيل. اما المخطط الايراني المتمثل في ادعاء الاعتدال الذي يحاول رفسنجاني ان يبرزه، فهو تكتيك استفاد من ان اطرافاً قد تجد في ايران حليفاً داخل المنطقة العربية، يلزمها تكتيكياً بابراز وجه اكثر اعتدالاً. لكن هذا لا يغير في الضرورة الاستراتيجية الاساسية الايرانية في المنطقة.
استاذ جميل تكلمنا عن سقف احتمالات المواجهة مع ايران، ماذا عن السقف الاميركي لامكانات تحسين العلاقة مع ايران؟
- جميل مطر: عندي اولاً تحفظ عما يسمى "الاحتواء المزدوج" لأن نجاحه يفترض ان يعتمد على وضع مثالي غير موجود في العلاقات الدولية. اميركا تحاول بالضغط لكن فاعلية الاحتواء تقتضي تنسيقا كاملا بين الدول المصدرة للسلاح والدول المصدرة للتكنولوجيا، وهذا غير موجود. المانيا مثلاً ما زالت رغم الضغوط عليها تعطي ايران معونات ضخمة، فالاحتواء المزدوج قد يكون سياسة وهدفاً او مبدأ من مبادئ اميركا، لكنه ليس قابلاً للتنفيذ بالضرورة، وموضوع النفط في الخليج مهم جداً لاميركا، وجميعنا متفقون على ان مسألة النفط حيوية ولكن حين نربط النفط او الخليج بالمشروع الآخر الذي نتحدث عنه في مجال الصراع العربي - الاسرائيلي، فهذا جزء من شيء اكبر هو نظام الشرق الأوسط او الترتيبات الشرق الأوسطية او المشروع الموضوع للمنطقة كلها. وحين ننظر في نظام الشرق الاوسط او الترتيبات الموضوعة له نجد خمس بؤر لا اثنتين فقط كما قال محمد سيد احمد.
اولا الخليج، وذكرنا اهميته بالنسبة الى نظام الشرق الاوسط، لذلك ربط الخليج بالشرق الاوسط مهم جدا.
البؤرة الثانية ايران، فحين نفكر في مشروع شرق اوسطي لا يمكن ان نهمل ايران كعدو بصفة دائمة، ولا بد ان نفكر يوماً هل تستطيع ايران ان تخرب هذا المشروع وتوجد هوامش اخرى معادية مع وسط آسيا مثلا او باكستان. لا بد ان تؤَمَّن ايران في شكل او آخر.
البؤرة الثالثة الصراع العربي - الاسرائيلي، وتتعامل معها مسيرة السلام.
البؤرة الرابعة اشار اليها محمد سيد احمد، وهي المفاجآت المنتظرة في المنطقة والمرتبطة بعدم الاستقرار، فهناك مشكلة في بعض الدول العربية مهددة بالانفجار مهما انجز من ترتيبات.
البؤرة الخامسة واظن انها مهمة جداً، هي "العثمانية الجديدة". تركيا الآن تفكر جدياً - وليس مجرد كلام اعلام - في دورها ليس فقط في الشرق الاوسط بل في وسط آسيا والبلقان.
هذه البؤر الخمس هي التي ستحدد ليس مسار السلام فقط لأنها تلعب دوراً في الضغط عليه، بل مسألة الترتيبات في الشرق الاوسط ايضاً.
هل هناك امكانية للتعاون مع العراق او القبول بوجود النظام العراقي الحالي؟
- جميل مطر: لا اتصور ان اميركا جدية في عملية الاحتواء المزدوج. على الاقل ستحاول ان تنفذ هذا الاحتواء، واذا لم تستطع فرض هذا المبدأ على كل الدول الصناعية ستحدث خلافات بينها.
تحرك في كل الاتجاهات
في ما يتعلق بالقوة العسكرية الايرانية وتناميها، الى اي مدى يرى اللواء فخر انها ستكون احد عناصر صدام محتمل بين ايران والولايات المتحدة؟
- اللواء احمد فخر: نحن نتحدث عن الولايات المتحدة والمنطقة، ولا نعبر عن التصورات العربية اساساً. وكما قيل اليوم فالدرس الذي خرجت به الولايات المتحدة من انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج، هو ان عليها ان تنظر الى المنطقة باعتبارها منطقة متكاملة. ليس هناك تعامل مع الخليج منفصل عن الصراع العربي - الاسرائيلي، ومن هنا تحاول الولايات المتحدة ان تتحرك في كل الاتجاهات: شرقاً هناك فلسفة او سياسة الاحتواء المزدوج لايران والعراق، وغرباً الصراع العربي - الاسرائيلي، وشمالاً ادخال تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى ضمن المنطقة في دور جديد لتركيا باعتبارها دولة في حلف الاطلسي ودولة علمانية ذات سوق، ومنع انتشار اسلحة الدمار الشامل في المنطقة كلها، ثم التقليل من احتمالات انفجار القنابل الموقوتة بتنمية ما تتصوره اميركا من نظم ديموقراطية في المنطقة وعدالة اجتماعية عن طريق اقتصاد السوق.
والدرس الثاني هو التخلي عن فكرة توازن القوى بمفهومها السابق، اي دعم ايران ايام الشاه لتواجه العراق ثم دعم العراق ليواجه ايران ثم العودة الى تدعيم ايران لتواجه العراق.
هذه الفكرة لم تعد واردة لدى ادارة الرئيس بيل كلينتون، والمقصود بالاحتواء المزدوج احتواء كل من العراق وايران، فكلا النظامين من وجهة نظر ادارة كلينتون معاد للمصالح الاميركية، والوزير وارن كريستوفر قال في الكونغرس اخيراً ان ما تطلقه الصحافة الاميركية عن تليين السياسة الاميركية حيال العراق غير حقيقي، وأن في بغداد نظام حكم مجرماً وليس الهدف فقط التخلص من صدام حسين، وعلى الذين سيخلفونه التزام قرارات الامم المتحدة وتحجيم العراق بالطريقة التي حددتها هذه القرارات.
وبالنسبة الى الاحتواء الاميركي لايران، توجد نقطتان في فكر الادارة: اولاً نيات ايران، فواشنطن لا تصدق النيات المعلنة التي تكلم عنها الاخ محمد سيد احمد والمتعلقة بالاعتدال، وتقول ان نيات ايران اليوم اكبر من قدراتها، فقدراتها التجارية ضعيفة جداً، هناك تضخم 30 في المئة وبطالة 30 في المئة واكثر من خمسة آلاف مليون دولار فوائد ديون متأخرة. والنيات الحقيقية التي تراها الولايات المتحدة ان ايران دولة تدعم الارهاب وتسعى الى اغتيالات على مستوى العالم، وتحاول تقويض نظم الحكم الصديقة للولايات المتحدة في المنطقة، وتسعى الى هيمنة على الخليج بالطرق العسكرية، وتقاوم فكرة اميركا لمنع انتشار اسلحة الدمار الشامل، وتسعى الى امتلاك قدرة نووية.
وتقول اميركا انه في حال لم تنجح سياسة الاحتواء المزدوج ستشكل ايران في غضون 5 سنوات ليس فقط تحدياً للمصالح الاميركية بل ستشكل تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة في منطقة الخليج وتهديداً لامدادات النفط.
وكما قال جميل مطر هناك خلاف اميركي - ياباني - اوروبي مع المانيا خصوصاً في شأن العلاقة مع ايران، وأميركا تؤكد ان حلفاءها يهتمون بالمكاسب الاقتصادية وعرضوا قروضاً على ايران تصل الى بلايين الدولارات. وكما قال الزملاء من دون تماسك جبهة الولايات المتحدة مع حلفائها في احتواء ايران لن تنجح سياسة الاحتواء المزدوج مع هذا البلد، وقد تتحول ايران من تحد الى تهديد حقيقي.
مرحلياً لا اعتقد ان ادارة كلينتون ستتجه الى عمل عسكري ولو محدود ضد ايران، المطروح هو محاولة تحجيمها بالاحتواء وليست هناك محاولة لتطبيع العلاقات معها الا اذا تراجعت عما تعتبره الادارة الاميركية تحدياً لمصالحها. واذا نجحت عملية الاحتواء يمكن ان نتحدث عن تحسين علاقات اميركية - ايرانية، اذا فشلت قد يتصاعد الموقف الى حد مواجهة لا استطيع التكهن بحدودها.
انا متفق تماماً مع السفير اشرف غربال وتحسين بشير في ان القوة البرية الاميركية لن تستخدم، ولكن علينا ايضاً ان نرى الدرس الثالث الذي خرجت به اميركا. فوجودها العسكري في المنطقة سيستمر ولا مجال لسحب قوتها البرية الرمزية، والقوة البحرية الضخمة التي تشمل حاملات طائرات وغواصات. لكن الولايات المتحدة تواجه مشكلة تسرب التكنولوجيا والعلماء والمعدات النووية والكيماوية والتقليدية من دول الكومنولث الى ايران، وظروف دول الكومنولث الآن جعلت كل شيء قابلاً للبيع. هذا الوضع تحاول اميركا ان تحسمه في علاقاتها الجديدة مع روسيا الاتحادية ودول الكومنولث، علمياً ان القدرة النووية لا تتمثل فقط في مجموعة صواريخ ذات رؤوس نووية او في قنابل تقذف من الطائرات أو قذائف مدفعية ودبابات. القدرة النووية موجودة في معامل بات ممكنا شراؤها او استئجارها، والخامات ليست موجودة في روسيا واوكرانيا فقط بل في اكثر من سبع جمهوريات من دول الكومنولث من بينها اربع جمهوريات اسلامية.
هناك مخاوف اميركية واسعة لأن ايران تنوي امتلاك قدرة نووية للهيمنة على الخليج عسكرياً، واسرائيل يهمها ان تطرح ايران كدولة نووية في المنطقة حتى وان لم تحصل على هذه القدرات، وذلك لئلا يقال ان اسرائيل تحتكر السلاح النووي في منطقة الشرق الاوسط الجديد التي تُعاد صياغتها.
الموقف العربي
يبدو من خلال ما طرح من آراء ان نقطة الالتقاء بين آلية التسوية في الشرق الاوسط وآلية خاصة بالخليج هي مشروع شرق اوسطي للمنطقة. فهل المشروع تعبير عن تصور اميركي محض، ام أن حاجة عربية تفرضه؟
- صلاح بسيوني: هناك تكامل في النظرة الاميركية الى الخليج والشرق العربي، لكنه في الاستراتيجية الاميركية للشرق الاوسط بمفهومه الشامل الجديد، لا يعني على الاطلاق القبول بدور عربي متكامل بالنسبة الى أمن الخليج. وبالتالي لا اعتقد ان هناك تطوراً في المفهوم الاميركي لأمن الخليج لأن القضية الامنية بالنسبة الى الولايات المتحدة استقرت في الاطار الثنائي. مع ذلك لا تستطيع ان تغفل عناصر معينة تلعب الآن دوراً في تحريك الموقف بأكمله من جانب الشرق العربي في اتجاه الخليج، فهناك القضية الكردية. وواضح من الاجتماع الاخير بين تركيا وسورية وايران ان هناك قلقاً متزايداً من تطورات المشكلة الكردية وتأثيرها في الدول الثلاث. كما لو ان العراق كان ممثلاً في الاجتماع لأن ما صدر عنه يفيد ان موقف الدول الثلاث مساند تماماً للعراق في هذه القضية. وهذا عنصر جديد يرتبط بالوضع العام في المنطقة وتأثيره في الخليج وأمن الخليج، خصوصاً اذا نظرنا الى وضع العراق في ظل الحصار المفروض عليه.
ومن جهة ثانية هناك قضية جديدة تلعب دوراً في النظرة الى الوضع الحالي في الخليج والعلاقة مع العراق، وهي قضية المصالحة العربية المطروحة سواء من جانب الامين العام للجامعة العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد او الرئيس حسني مبارك. وما كتب في هذا الموضوع يفيد ان بعضهم لا يمانع في تحقيق المصالحة بالشروط المعروضة، وأن آخرين ما زالوا يتحفظون، لكن مجرد طرح المصالحة يشير الى متغيرات محتملة في الموقف العربي من قضية الخليج أو الوضع في الخليج عموماً. ومع استمرار السياسة الاميركية المعلنة في تطبيق الحصار على العراق واستمرار السياسة العربية المعلنة التي تشدد على ضرورة تطبيق كل قرارات الشرعية الدولية على العراق، نتساءل ما تأثير الاوضاع الجديدة في مستقبل العلاقة مع العراق، علماً أن الولايات المتحدة تعلن تمسكها بالحصار في اطار الاحتواء المزدوج؟ هل يكون هناك توافق بين المواقف العربية والمواقف التركية في الخليج، وبالتحديد في مواجهة العراق وايران؟
اعتقد ان لا شيء مطلقاً في عملية الاحتواء المزدوج، ولا شيء مطلقاً في العداء والقطيعة مع العراق. والامر ذاته ينطبق على ايران خصوصاً ان السياسة الايرانية مع دول الخليج تتضمن تأكيدات لعلاقات حسن الجوار والتعاون. وهناك عوامل اخرى عربية - ايرانية - تركية تتضارب مع الاهداف المحددة للسياسة الاميركية، وبالتالي لا يمكن الجزم في توقع التصعيد او تحسن العلاقات. ستحدث متغيرات وهذه طبيعة العلاقات الدولية، ولا يمكن ان اتصور ان الولايات المتحدة لن تتعامل مع ايران غداً اذا وجدت ان لها مصلحة في ذلك. وهذا ينطبق على الاوضاع في العراق. ما يحدث الآن على الساحة العربية وعلى ساحة دول الجوار يسمح بالقول ان الوضع في الخليج سيشهد متغيرات.
سوق شرق اوسطية مشتركة
والى اي مدى يمكن اعتبار المشروع المطروح على المنطقة مشروعاً شرق اوسطياً بالفعل وليس اميركياً؟
- صلاح بسيوني: هناك أفكار تتعلق بنظام شرق اوسطي جديد، معالمه مرتبطة بعملية السلام وضرورة قيام تعاون اقتصادي مالي ومؤسسات للبيئة، بما يساهم في قيام سوق شرق اوسطية مشتركة. وفي المؤتمر الاخير الذي نظمه المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط في القاهرة جاء مندوب عن المجموعة الاوروبية ليعرض مشروعاً متكاملاً لاقامة منطقة تجارة حرة. وكان الرد انه لا يمكن النظر في هذه الامور قبل تحقق السلام. ولكن لا بد للجانب العربي ان يبحث في هذه الامور ويدرسها الآن دراسة مستفيضة فلا ينتظر الى ان يتم السلام، اي الى اللحظة الاخيرة كالعادة.
واذكر ان معاهدة اسرائيلية طرحت منذ الخمسينات الافكار المتداولة الآن عن سوق شرق اوسطية.
- تحسين بشير: من يسمعنا يظن ان صانع القرار في اميركا ليس له عمل الا مشكلة الشرق الاوسط، وهذا يتناقض مع حديثنا في بداية الندوة، اذ اتفقنا على ان كلينتون غارق في المشاكل الداخلية والاجندة التي حددها داخلية بنسبة 99 في المئة. السياسة الاميركية لا توضع بهذه الطريقة، هي كأي سياسة خارجية تتضمن قوة دفع ذاتي في ما هو قائم، وما هو قائم يستمر ما دام ان مردوده مفيد، واذا ووجهوا بمشاكل جديدة يعالجونها. فكرة الاحتواء المزدوج ظهرت للرد على مشكلة الموقف من ايران والعراق، وفي غير هذا لدى الاميركيين منطلقات كثيرة جداً.
مشروع الشرق الاوسط اذا حصل سلام يعني ان اسرائيل ستتاجر مع جيرانها وتركيا لن تقف متفرجة. وبالتالي ستنفتح المنطقة، على رغم ان اسرائيل لن تسمح بحرية الهجرة وبحرية تنقل الافراد، والدول العربية او بعضها لن يسمح بذلك. قد لا نصل الى حال سلام بل الى وضع يمنع حال الحرب، وسيكون انفتاح وبالتالي حال استقرار. وتهدئة الاوضاع في الشرق العربي تتطلب تنمية، ويقتضي ذلك ان نفكر في تحديد شروط الشرق الاوسط الجديد وطبيعته وقيوده. والى الآن لم يقدم اي طرف عربي اي فكرة متماسكة عن سبل تنظيم العلاقات مع جيراننا في حال السلام.
- صلاح بسيوني: عندما تفرض هذه الاوضاع نفسها في غياب نظام عربي، هل تكون لدى العرب حرية القرار في القبول او الرفض؟ هذه قضية خطيرة جداً.
- احمد فخر: ذكر اسم المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط الذي اتولى رئاسته، وانا لم اسمع أو اقرأ وثيقة رسمية واحدة تتحدث عن سوق شرق اوسطية. انا اتحدث بوصفي عضواً في وفد مصر الى المفاوضات المتعددة الاطراف التي تشارك فيها 26 دولة من بينها 14 من دول المنطقة، وفكرة المفاوضات المتعددة ان تسعى الى درس ما سينتج من نجاح المفاوضات الثنائية بعد الوصول الى اتفاقات سلام. مستقبل المنطقة في مجالات البيئة والمياه والاقتصاد وضبط التسلح، وشكل المنطقة في هذا الاطار قد يتضمن علاقات تجارية، وقد تكون هناك مؤسسات مالية عربية لها دور او مؤسسات مالية اوروبية. كلها أفكار تطرح وقد تتحول كما قال جميل مطر الى نوع من الترتيبات لا تنفذ الا في حال السلام. انا لم ار شيئاً اسمه سوق شرق اوسطية وما طرح في ندوة المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط هو احتمالات التعاون الاقتصادي في المنطقة بعد السلام، او المصاعب والتحديات، وكان هناك تركيز على دور المؤسسات المالية والاقتصادية العربية القائمة وما الذي ستفعله، فنحن نفكر سلفاً ولكن اين الموقف العربي؟ ندوة المركز انتهت الى نتيجة مفادها ان لا تعاون اقتصادياً مع وجود احتلال، واحب ان اوضح هذا اذ حدث خلط في بعض وسائل الاعلام بين تعبير السوق الشرق الاوسطية وما طرح في الندوة. واشير الى ان اخوة من الارض المحتلة، القطاع والضفة، جاؤوا وتحدثوا عن مشاكلهم الاقتصادية والمالية في حضور ممثل البنك الدولي الذي شارك في الندوة. نتج من هذا ان البنك الدولي والمجموعة الاوروبية قدما في اجتماع لجنة التنمية الاقتصادية المنبثقة من المفاوضات المتعددة الاطراف، والذي عقد في روما، دعماً مالياً الى الفلسطينيين لتحسين اوضاعهم الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.