يبدو ان ادارة الرئيس بيل كلينتون تعطي أولوية عليا في الشرق الاوسط لعملية السلام العربية - الاسرائيلية. لكن اكبر التحديات السياسية التي ستواجهها الادارة سيأتي من ايران. دعوني أشرح. بالنسبة الى الصراع العربي - الاسرائيلي هناك الآن اتفاق عام في دوائر السياسة الاميركية على كيفية التعامل مع القضايا الاساسية. اذ ان هناك قبولاً عاماً لصيغة مدريد للمفاوضات، كما ان قراري مجلس الامن الرقم 242 و338 واتفاقات كامب ديفيد توفر الاطار اللازم لأية اتفاقات سلام. يضاف الى ذلك ان هناك فهماً وإدراكاً لضرورة وجود دور اميركي فعّال في الوساطة. ومع ان كل هذا لا يضمن تحقيق النجاح، الا انه يعني ان ادارة كلينتون لن تجد من الصعب عليها الاتفاق على استراتيجيتها الأساسية تجاه عملية السلام. وبالمثل فان سياستها تجاه العراق تكاد تكون راسخة. اذ ان كلينتون سيبقي على فرض العقوبات، وسيتمسك بضرورة تنفيذ النظام العراقي كل قرارات مجلس الامن وسيحمي المناطق الكردية، كما انه سيرد بقوة على أية تحديات سافرة من صدام حسين. وقد ظهر ذلك واضحاً في الشهادة التي ادلى بها نهاية الشهر الماضي وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر امام لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ الاميركي حيث اكد ان ادارة كلينتون لا تزال ترغب في رحيل صدام حسين وقال: "اننا نريد ان نتأكد من انه سيترك السلطة". اما بالنسبة الى ايران فالأمور ليست بتلك البساطة. اذ ان المحللين الاميركيين يختلفون بصورة جذرية في ما بينهم على ما يجري في ايران والدور الذي يحتمل ان تقوم به ايران في المنطقة. ففي اجتماع عقد في الآونة الاخيرة في واشنطن استمعت الى وجهتي نظر مختلفتين كلياً. الأولى هي تلك التي يؤمن بها الذين يشعرون بالقلق من تعاظم قوة "التطرف الاسلامي" في الشرق الاوسط ويرون ان اعظم خطر في الشرق الاوسط هذه الأيام مصدره ايران. ويشير هؤلاء الى جوانب عدة من السياسة الخارجية الايرانية: تحاول ايران اعادة بناء قوتها العسكرية مثلما ظهر من مشتريات الاسلحة الروسية في الآونة الاخيرة. ايران تستعرض عضلاتها في الخليج مثلما فعلت في قضية جزيرة ابو موسى. ايران لديها طموحات لتطوير الاسلحة النووية مثلما ظهر من البيانات الاخيرة التي ذكرت انها ستستأنف برنامجها النووي. ايران تنشط في تأييد عدد من الحركات الاسلامية بما في ذلك حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الاسلامية حماس بين الفلسطينيين والجماعة الاسلامية في مصر، وحسن الترابي في السودان، والجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر وغيرها من الحركات. وأخيراً تعارض ايران بقوة عملية السلام العربية - الاسرائيلية وتصف اسرائيل بأنها دولة لقيطة غير مشروعة يجب تدميرها. كل هذه النقاط تقود الى الاستنتاج بأنه يجب على الولاياتالمتحدة ان تنتهج سياسة قوية لاحتواء ايران، بما تنطوي عليه هذه السياسة من فرض حظر على تصدير الاسلحة اليها، وفرض قيود تجارية عليها، واستمرار الوجود العسكري الاميركي في الخليج. اتصالات سرية ايرانية - اسرائيلية لكن عدداً من الاخصائيين الاميركيين في الشؤون الايرانية والمنفيين الايرانيين في الولاياتالمتحدة يختلفون مع التحليل السابق، اذ يقولون ان ايران تعود الى جدول اعمالها الوطني العادي بعيداً عن التطرف الثوري. وهم يرون ان الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني "واقعي" يتوق الى تجديد العلاقات مع الدول الغربية على اسس عادلة. ويرى هؤلاء ان البناء العسكري الايراني "مسألة ثانوية". كما يرى هؤلاء الخبراء ان جزءاً كبيراً من عداء ايران لأميركا ليس سوى رد فعل ايراني على العداء الاميركي لها، مثلما حدث خلال حرب الخليج الأولى عندما أيدت واشنطنالعراق، ونظراً لرفض الولاياتالمتحدة الافراج عن الارصدة الايرانية المجمدة. ويقول اصحاب هذا الرأي ان افضل طريقة للتعامل مع ايران هي انتهاج سياسة لتحسين العلاقات معها بصورة تدريجية. فهي كيان سياسي وجغرافي لا يمكن تجاهله، كما ان تصرفها اثناء حرب الخليج الاخيرة يثبت انها تستطيع انتهاج سياسة تخدم مصالحها الوطنية من دون ان تصطدم مع الولاياتالمتحدة. ويلاحظ البعض ايضاً ان ايران لم تقطع كلياً اتصالاتها السرية مع اسرائيل على رغم الخطابة الرنانة الصادرة عن النظام. ولهذا يجب عدم اخذ معارضتها عملية السلام العربية - الاسرائيلية مأخذ الجد. اما بالنسبة الى تأييد ايران الحركات الاسلامية فيشير هؤلاء المحللون الى ان معظم هذه الحركات لا يخضع لسيطرة ايران. ما موقف ادارة كلينتون؟ اذن اين تقف ادارة كلينتون من هذا النقاش؟ ليس لدي شك في ان سياستها الأولية تجاه منطقة الخليج ستقوم على أساس "الاحتواء المزدوج"، اي على ردع أية تحركات عدوانية من ايرانوالعراق معاً. ولكن الادارة الاميركية سترى، مع مرور الزمن، ان ايران تشكل خطراً أعظم. وان نجاح عملية السلام وتأمين حل للنزاع العربي - الاسرائيلي والقضية الفلسطينية من شأنهما مواجهة واحتواء او تطويق ايران وتعزيز القوى المناوئة لها في المنطقة. هذا التوجه عبّر عنه، ايضاً، وارن كريستوفر اذ اكد في شهادته امام لجنة الاعتمادات ان ايران "دولة خطرة وخارجة على القانون الدولي" وأضاف: "ان ايران تشكل المصدر الرئيسي لدعم المجموعات الارهابية حول العالم". وأشار كريستوفر الى ان ايران لم تنبذ الارهاب بل لا تزال تدعم الارهاب كما انها مصممة على الحصول على اسلحة الدمار الشامل "وهذا يعني انها دولة خارجة على القانون الدولي". هل يمكن لهذه الاستراتيجية في التصدي لايران ان تنجح؟ الاشهر المقبلة ستظهر ذلك. لكن الواقع هو ان النجاح في مفاوضات السلام سيعزز موقف القوى المعتدلة في المنطقة. وإيران تمثل فعلاً خطراً محتملاً في السنوات المقبلة مهما كانت القيادة في طهران، وذلك لمجرد حجمها وموقعها ومواردها. وما دامت الولاياتالمتحدة ترى ان مصلحتها الاساسية في الشرق الاوسط هي ضمان الاستقرار والمحافظة على موازين القوى الراهنة وتشجيع احلال السلام بين العرب واسرائيل، فانها ستنظر الى ايران وحلفائها على انهم اعداء. * مستشار الرئيس السابق كارتر وخبير اميركي بارز في شؤون الشرق الاوسط.