بدأت قصة طاجيكستان في تشرين الثاني نوفمبر 1991 بفوز الرئيس رحمان نبييف الذي كان رئيساً للبلاد في الثمانينات، ويعد من اعمدة الشيوعية في الجمهورية، اذ فاز في الانتخابات بنسبة 58 في المئة، وحصل حزب النهضة على نسبة 33 في المئة. وتوزعت النسبة الباقية على الاحزاب الاخرى الصغيرة. واتهمت المعارضة الرئيس بتزوير الانتخابات لكن لجنة الانتخابات رفضت الاتهام وثبتت شرعيتها. فنظمت المعارضة في آذار مارس 1992 تظاهرات، وازدادت شهيتها وتقدمت الى ساحة آزادي الحرية مطالبة بسقوط الرئيس. وتوسعت التظاهرات في أيار مايو العام الماضي وحققت اغراضها، فانصاع الرئيس لمطلب المعارضة تأليف حكومة مصالحة وطنية تضم 8 وزراء من صفوفها، اضافة الى نائب لرئيس الوزراء هو دولت عثمان نائب رئيس حزب النهضة الاسلامي. لكن هذا القرار رفضه الشيوعيون والدول المجاورة، خصوصاً اوزبكستان التي ترى في اضفاء الشرعية على حزب اسلامي سيهددها بانتقال العدوى اليها. وبدأ معارضو الحكومة الجديدة من الشيوعيين، انصار الرئيس بتجميع انفسهم في الجنوب في منطقة قولاب، وكذلك في الشمال. وتدهور الوضع في ايلول سبتمبر 1992 برفضهم التعاون مع الحكومة التي اقتصر حكمها على العاصمة فقط. وهاجمت ميليشيات الجبهة الشعبية الموالية للرئيس السابق الهارب والذي عين محله رئيس البرلمان اسكندروف البرلمان واستولت عليه في 24 تشرين الأول اكتوبر، وفي السادس من تشرين الثاني وقّع رحمان نبييف اتفاقاً مع يلتسن للابقاء على قوات موسكو لحماية طاجيكستان، وأرسلت الفرقة الروسية 201 التي كانت تقاتل المجاهدين الافغان ابان الاحتلال السوفياتي لأفغانستان بين 1979 و1989. وقال شريف همت زاده رئيس حزب النهضة الاسلامي في لقاء مع "الوسط" عن هذه التجربة: "ما يشاع عن ان حزب النهضة وصل الى السلطة غير منطقي فوجود شخص او شخصين في السلطة لا يغير في الامر شيئاً. فتحت ضغط المعارضة لتمثيلها بما حازت في الانتخابات، قبل الرئيس نبييف بتمثيلها. ولكن منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة الاتحاد الوطني والرئيس والمافيا الشيوعية، التي تملك يداً سرطانية في ادارات الدولة حاولا اظهار المعارضة مظهر الفاشل في خدمة الشعب. ومنذ اليوم الأول بدأ الشيوعيون بشن الحرب المسلحة ضدنا". وسألت "الوسط" همت زاده عن قبول المعارضة دخول حكومة ليست لها صلاحيات، فأجاب: "نحن نعترف بأن هذا كان خطأ من المعارضة. فقد صوّر اعداء الاسلام ان طاجيكستان سقطت في ايدي الاصولية. وبهذا كان ثمة استعجال في دخول الحكومة". مئة ألف قتيل ونصف مليون مهجر بعد هذا الصراع وصل الشيوعيون ثانية الى السلطة في دوشانبه وبدأوا بتطهير خصومهم من المناطق المحيطة بالعاصمة والتي تهددها خصوصاً مناطق اراميت. فلجأ المجاهدون الى الجبال القريبة من الحدود مع افغانستان، وهاجر مواطنون طاجيك الى افغانستان، خصوصاً، ولايتي قندوز ومزار شريف. ورسم همت زاده صورة مأسوية لملاحقة رجال الجبهة الشعبية المهاجرين الذين فروا الى الدولة المجاورة. ويقول بعض التقديرات ان عدد القتلى في طاجيكستان تجاوز المئة الف قتيل. وتقدر مصادر اللجنة الدولية للصليب الاحمر، ان عدد المهجرين في الداخل والخارج "افغانستان" يصل الى نصف مليون مهجر. وخرج همت زاده الى قرغيزيا ومنها الى بريطانيا، ثم عاد الى بيشاورالباكستانية ونظم صفوفه بالتعاون مع جماعات المجاهدين الافغان. وفي اوائل العام الجاري التقى للمرة الأولى، برفقة قاضي حسين احمد زعيم الجماعة الاسلامية الباكستانية، قلب الدين حكمتيار رئيس الوزراء الافغاني وزعيم الحزب الاسلامي، في مدينة جلال آباد شرق افغانستان. وقالت مصادر "الوسط" ان حكمتيار وأحمد حضّا الزعيم الطاجيكي، اثناء اللقاء، على العمل العسكري لاجبار الشيوعيين على التنازل عن السلطة، فخرج من اللقاء معلناً ان الجهاد هو الحل الوحيد لحل الازمة الطاجيكية. والتقى لاحقاً الحكومة الافغانية في كابول، ورئيس الدولة برهان الدين رباني ووزير دفاعه السابق احمد شاه مسعود وكلاهم من العرق الطاجيكي. وقدم الافغان مساعدة عسكرية وتدريبية وتسهيلات بالطائرات والسيارات الى حزب النهضة الذي اتخذ من قندوز في شمال افغانستان مقراً له. وبدأ المجاهدون من حزبي حكمتيار ومسعود بمساعدته حتى ان بعض المجاهدين الافغان خاض المعارك الى جانب قواته. واتهم مسؤولون روس المجاهدين الافغان بتزويد الطاجيك عشرة صواريخ "ستينغر" المحمولة على الكتف والمضادة للطائرات، والتي كانت الولاياتالمتحدة قدمتها الى المجاهدين اواخر 1986. وواصل الطاجيك العمل بنصيحة الافغان، وشنوا "حرب استنزاف" ودمروا مخافر وقتلوا حرس الحدود الروس لاضعاف خصومهم، ذلك ان الاقتصاد الروسي والطاجيكي لا يقويان على الصمود طويلاً امام هذه الهجمات. وقال همت زاده لپ"الوسط": "ان التدخل الروسي في طاجيكستان والتهديدات الاخيرة لموسكو بالقصف الجوي والمدفعي شمال افغانستان ستحول طاجيكستان الى افغانستان ثانية، وستغرق منطقة آسيا الوسطى برمتها في بحر من القتلى والدماء". تحركات سلمية ومع استمرار الوضع المتفاقم في دوشانبه وارتفاع عدد المهاجرين الطاجيك الى شمال افغانستان شعرت الاممالمتحدة بالثقل فقررت تعيين ممثل لها التركي عصمت كتاني للقاء الاطراف المتنازعة والتوصل الى حل توفيقي. لكن همت زاده اتهم المنظمة بأنها "حاولت اجبار المهاجرين على العودة الى بلادهم بالقوة وهذا يخالف مبادئ المنظمة ويظهر انها منحازة الى الطرف الآخر". وبدأت التحركات السلمية بزيارة قام بها وزير الخارجية الروسي اندريه كوزيريف لباكستانوايران في ايارمايو العام الماضي، وشدد على الحل السلمي للقضية الطاجيكية. وقام بعده كتاني بزيارة لعاصمتي البلدين لتأكيد التوجه نفسه. ودعا حزب النهضة في البداية الى وقف التدخل الاجنبي في مسألة طاجيكستان خصوصاً من جانب روسيا وأوزبكستان، اذ يرى ان حكومة الشيوعيين الحالية جاءت على ظهر الدبابات الروسية والاوزبكية، خصوصاً ان وزير الدفاع الحالي من اوزبكستان. وفي اوائل حزيران يونيو الماضي عقد اول اجتماع للبرلمان، وأقر اجراء انتخابات تكميلية، يعتبرها همت زاده "عبارة عن تعيينات لرؤوس الشيوعية في المناصب الخالية" ما قطع الطريق على الحل السلمي. وصرح الرئيس نبييف على الاثر بأنه لا ينوي اجراء حوار مع المعارضة لأن حكومته تسيطر على الاوضاع وتسير نحو الاستقرار يوماً بعد يوم". وباعلان المحكمة العليا في دوشانبه قرار حظر اربعة احزاب سياسية على رأسها حزب النهضة في 23 حزيران الماضي بعد اتهامها بپ"التورط في اعمال قتل وشغب وخرق للدستور" وهي الاحزاب التي شكلت حكومة الائتلاف الديموقراطي الاسلامي واستمرت في الحكم ستة اشهر... انفجرت الاوضاع مجدداً، واعتبرت المعارضة ان لا بديل من العمل المسلح لاجبار الحكومة على التعامل معها. ودعا همت شريف في لقائه مع "الوسط" الى "اتباع سياسة الحل السلمي عوضاً عن سياسة الحرب التي لن تجدي سوى اغراق المنطقة بالدمار والقتل". ... وفي 14 - 15 من الشهر الجاري شن المجاهدون الطاجيك مع الافغان هجوماً شاملاً على مخافر الحدود التي ينتشر فيها جنود روس وطاجيك. وتقول رواية حزب النهضة ان مقاتليه دمروا معظم هذه المخافر وتوغلوا في عمق 30 كلم، وقتلوا 35 جندياً وضابطاً روسياً طاجيكياً، فردت روسيا بالاغارة على قرى من ارتفاعات شاهقة، فسقط مئة مدني وعدد كبير من الجرحى وتراجع المجاهدون الى الجبال وتحصنوا بها ثانية. نواب سليم الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء الافغاني حكمتيار أبلغ "الوسط" ان بلاده لا تتدخل في شؤون طاجيكستان الداخلية. وأضاف: "الشيوعيون كعادتهم، عندما يفشلون في ترتيب بيتهم الداخلي يتهمون الآخرين بالتدخل". وحذر من مغبة الهجوم على افغانستان وقال: "على روسيا الاعتبار من الخطأ الذي ارتكبته في البداية عندما غزت افغانستان في كانون الأول ديسمبر 1979، ثم أُجبرت على الانسحاب". العامل الدولي بالطبع لا يمكن اغفال العوامل الدولية في الصراع، اذ بعد استقلال الجمهوريات الاسلامية، ومنها طاجيكستان عن موسكو، برز فراغ في هذه الجمهوريات، ما أثار طمع دول عدة وطموحها الى ملء هذا الفراغ متجاهلة الدور الثاني للروس ونفوذهم. وكانت ايران أول دولة اجنبية تفتتح لها سفارة في دوشانبه. واتخذ المسؤولون في طهران قراراً بتأسيس منظمة للتعاون الثقافي للشعوب الناطقة الفارسية، بعد الدعوة التي وجهتها منافستها تركيا الى تركمنستان وأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزيا وأذربيجان الى عقد مؤتمر للدول الناطقة التركية. اما باكستان فأرادت لعب الدور عن طريق فئات المجاهدين الافغان، صاحبة النفوذ لدى المجاهدين الطاجيك. ثم تعاملت في صورة مكشوفة مع الطاجيك وافتتح حزب النهضة اخيراً مكتباً في بيشاور باسم مكتب اغاثي للمهاجرين. ولذلك لم يتجاهل وزير الخارجية الروسي باكستان في جولته فزارها لحملها على استعمال نفوذها في حل الازمة سياسياً. ودخلت اليابان على الخط دخولاً خفياً لأنها لا تريد الظهور مظهر من له دور في آسيا الوسطى. والتقى ديبلوماسي ياباني رفيع زعيم حزب النهضة في بيشاور اوائل هذا العام، وأعرب عن استعداد بلاده لتقديم مساعدات الى الحزب، في محاولة فسرت انها استباق للتحرك الاميركي الذي يظهر انه ترك دوره للروس لمنع تصدير النموذج الافغاني الى الجنوب. وفي اواخر شباط فبراير صرح مصدر رفيع في الخارجية الروسية بأن "أهم اهدافنا الرئيسية من وجود قواتنا في طاجيكستان هو الدفاع عن مصالح الناطقين بالروسية وحقوقهم، ويصل عدد هؤلاء في طاجيكستان الى 300 الف نسمة". وأعقب ذلك تصريح لقائد جيش الكومنولث: "يجب ان نفكر في مساعدة بناء طاجيكستان من ناحية بناء الحكومة والقوات العسكرية ايضاً". الأحزاب الرئيسية للمعارضة الطاجيكية الاحزاب الطاجيكية المعارضة أبرزها ثلاثة هي: 1 - حزب النهضة الاسلامي، ومرشده العام سيد عبدالله نوري، ورئيسه شريف همت زاده. تأسس عام 1978. وظهر بقوة في الحياة السياسية عام 1990. وله ميليشيا مسلحة يقودها تورجان زاده يقدر عدد مقاتليها بثمانية آلاف. ويصل عدد اعضاء الحزب الى 30 الفاً. شارك في الحكومة الوطنية. وكان نائب رئيس الحزب دولت عثمان نائب رئيس الوزراء. والحزب الآن يعد القوة الرئيسية التي تقاتل الحكومة. وروى شريف همت زاده لپ"الوسط" ظروف نشأة الحزب، قال: "كانت البداية في وادي فرغانة الذي يقع في كل من اوزبكستان وطاجيكستان، عام 1978. وتنامت الحركة وسط الطلاب نظراً الى الاحتكاك بينهم وبين الطلاب العرب الوافدين من مصر والاردن والجزائر وليبيا، اذ كان هؤلاء يجلبون معهم الكتب الاسلامية. وبهذا انتقل الاسلام في منطقتنا من إسلام الفقه والتفسير الى الاسلام الحركي ممثلاً خصوصاً في كتب حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي...". ويشرح تورجان زاده قوة الحزب الاسلامي في طاجيكستان وفرض اعترافه على الدولة بقوله: "ان ظروف طاجيكستان تختلف عن غيرها في الجمهوريات الاخرى، فپ93 في المئة من اراضيها جبلية، ومن هنا بعدت عن التأثيرات الالحادية الشيوعية. والروس سكنوا المدن فقط، وهذا ما جعل طاجيكستان ملجأ للعلماء الهاربين. ثم ان قربنا من افغانستانوايران، وتشاطرنا اللغوي ادى الى تأثرنا بالاحداث الجارية". وعقد الحزب مؤتمره الأول في 1991 وانتخب الدكتور قاضي احمد أول رئيس له وهمت زادة نائباً ثم اختير لاحقاً رئيساً للحزب. 2 - الحزب الديموقراطي تأسس في آب اغسطس 1990 على يد الاكاديمي شودمان يوسف، وشارك في حكومة الائتلاف الوطني. 3 - حزب راستوخيز اليقظة تأسس في ايلول سبتمبر 1989 على يد الاقتصادي المعروف طاهر عبدالجبار. والحزبان الاخيران يؤمنان بالعلمانية ويشددان في معاداة روسيا. وتقاتل ميليشيات الحزب الديموقراطي الى جانب حزب النهضة، ويبلغ عدد مقاتليها اربعة آلاف. ويطالب الحزبان بانسحاب القوات الروسية من طاجيكستان. ويُعتقد ان زعيميهما يقيمان في جمهورية قرغيزيا المجاورة.