مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيناريو وضع وينتظر مؤتمر الشعب العام لتطبيقه . القذافي : الاعتزال آخر الاوراق ؟ تسليم مقاليد السلطة الى مجلس انتقالي من خمس اشخاص
نشر في الحياة يوم 26 - 07 - 1993

العقيد معمر القذافي، منذ تسلمه الحكم في ليبيا عام 1969، يحير العالم ويشغل الناس ويثير مشاعر متناقضة. بعضهم يقول عنه انه "رجل شديد الاحراج" لا يتقيد بالاصول. وبعضهم الآخر يقول عنه انه "نسيج وحده" له نظرته الخاصة الى العالم والانظمة والحكام والشعوب، وله اسلوبه الخاص في التعامل مع الآخرين، وهذا ما ادى به اخيراً الى الوقوع في مأزق خطير يتمثل في "الحظر الدولي" الذي فرضته الأمم المتحدة على بلاده. وهو يعرف سببه لكنه لا يعرف كيف يخرج منه. حاول تطبيق اكثر من سيناريو ولم يفلح حتى بتصريح ايجابي اميركي، وهذا ما دفعه الى ارسال بعثة من "الحجاج" الليبيين، للمرة الاولى منذ قيام "ثورة الفاتح"، الى القدس والمسجد الاقصى واستقبلهم وزير السياحة الاسرائيلي... وكل ذلك ليؤكد للغرب انه تغير حتى في نظرته الى اسرائيل. ولكن، يبدو ان الغرب لا يأخذ تغييره على محمل الجد، كما لا يريد ذلك، وانما يبغي رأس العقيد. وقد فهم القذافي الرسالة وهو يستعد، حسب مصادره، للخطوة الكبرى... الاعتزال من السلطة التي ربما كانت اخر الاوراق اذا لم تطرأ مفاجأة من مفاجآت العقيد الكثيرة.
بعد زيارة الحجاج الليبيين القدس والمسجد الاقصى، وضعت تحركات العقيد معمر القذافي وتحولاته تحت مجهر المسؤولين الرسميين وبعض المراقبين في الغرب، اذ انهم اعتبروا تلك الخطوة بمثابة تغيير كبير وجذري في سياسة العقيد التي اعتمدها حيال اسرائيل منذ وصوله الى الحكم في ايلول سبتمبر 1969، وآخر رصاصة في بندقية استراتيجيته لفتح حوار جديد مع الولايات المتحدة لرفع الحظر الدولي المفروض على بلاده، والذي بدأ يفعل فعله على كل المستويات الرسمية والشعبية، وأدى بالتالي الى اعتكاف - وبعضهم يقول استقالة - الرجل الثاني في ليبيا الرائد عبدالسلام جلود الذي فضل البقاء في المنزل على الانتحار السياسي الذي يتبعه الزعيم الليبي، وتحقيق حلمه بالسفر الى جزر الكناري حيث يملك داراً فيها، اذا سُمح له، ليعيش هناك مع عائلته بعدما "فقدت الثورة معناها ومبناها وأسسها" على حد تعبيره لاحد مصادر "الوسط".
سيناريو الاعتزال
ويبدو ان رياح التغيير في سياسة القذافي لم تكن مما تشتهيه سفنه، فالرياح الغربية، وبخاصة الاميركية، تهب اكثر من اي وقت مضى عاصفة لعزله واقتلاعه وتغييره قبل الشروع في اي خطوة لرفع الحظر الدولي عن الجماهيرية والتعامل معها، خصوصاً ان كلاماً كثيراً بدأ يتردد في الشارع الليبي اخيراً عن حدث غير عادي ينتظره الشعب الآن، حتى ان بعض المسؤولين رجح بثقة لپ"الوسط" يوم 15 آب اغسطس المقبل موعداً لهذا الحدث. وأكد ان هذا اليوم، الذي ينعقد فيه المؤتمر الشعبي العام في الجماهيرية، "سيكون منعطفاً في تاريخ البلاد منذ "ثورة الفاتح"، اذ ان القذافي سيعلن فيه مع رفاقه في مجلس قيادة الثورة تخليه عن كل سلطاته، في خطاب عاطفي يبقي على صورة العقيد الثائر مغيّر أحوال البشرية وأمين القومية العربية في اذهان الليبيين ممن عاشوا عهد الجماهيرية والنظرية العالمية الثالثة". ويعتقد المقربون من الزعيم الليبي بأن قائدهم سيحفظ بذلك لنفسه "مكاناً بارزاً في التاريخ حتى وهو يسقط او وهو يرحل".
قد تبدو هذه الخطوة شبه مستحيلة، لكن الذين يعرفون القذافي بشخصيته المتقلبة ومواقفه الغامضة وغير الواضحة والمتناقضة والمفاجئة يؤكدون انه ما زال قادراً على تحقيق "انتصارات شخصية".
لماذا منتصف آب؟
والسؤال الأول الذي يتردد على ألسنة جميع الذين عرفوا ليبيا عن قرب، وتابعوا الاسلوب الدراماتيكي الذي انتهجه القذافي في معالجة أزمته الاخيرة مع الحظر الدولي هو: لماذا 15 آب المقبل؟
منتصف آب هو موعد مراجعة العقوبات الدولية المفروضة على الجماهيرية، والتي يرجح ان تشمل تجميد الارصدة الليبية وفرض حظر نفطي أيضاً
تؤكد مصادر "الوسط" العارفة بالشأن الداخلي في الجماهيرية ان منتصف آب هو موعد "تصفية الحسابات" في المؤتمر الشعبي العام، بعدما استفحلت الخلافات على سبل معالجة ازمة لوكربي وما تفرع منها، وسيكون تالياً "ساعة الصفر لانفجار كل التراكمات السابقة وموعد الاستحقاق الجاد للنظام" على حد قول احد المسؤولين الليبيين المعارضين في توجه العقيد في معالجة الحظر الدولي.
وقال هذا المسؤول لپ"الوسط"، بعدما اشترط عدم ذكر اسمه، ان الزعيم الليبي صبّ جل اهتمامه في العام الماضي، "عام الحظر"، على تبرئة نفسه شخصياً من تهمة الارهاب، لأن منفذي تفجير طائرة "بان اميركان" فوق لوكربي سيجران حتماً، اذا دينا، على القول انهما تلقيا الاوامر بتنفيذ العملية منه شخصياً.
وتفيد مصادر مطلعة من داخل ليبيا ان القذافي، بعد فشله في فتح اي حوار مع الولايات المتحدة قبل "انفتاحه على اسرائيل بواسطة الحجاج وبعده، امضى اياماً بلياليها يناقش سيناريوهات الخروج من العزيزية - مقر اقامته في طرابلس الغرب - مع المقربين منه ممن شكلوا اعمدة الحكم والسيطرة على البلاد خلال السنوات الاخيرة. وتصر هذه المصادر على الكلمة الاخيرة هي للعقيد... وفي كل مرة كان الاجتماع ينفض عن سيناريو معين ينفذ لاحقاً لكنه لا يحقق اي تقدم. ولم يكن القذافي يهتم بردود فعل الشارع الليبي على كل ما يحصل، فالمهم بالنسبة اليه التخلص من الاشكال الدولي ومأزقي لوكربي والطائرة الفرنسية التي فجرت فوق النيجر.
العامل الاقتصادي
واذا كان الحظر الدولي الذي فرضته الامم المتحدة بدعم خاص من الدول الغربية، تمكن من بلبلة وضع القيادة الليبية، فان آثاره افلحت من جهة اخرى في ضرب الاقتصاد، اذ تضاعف معدل التضخم عشرات الاضعاف وتدنت قيمة الدينار الليبي، فكانت النتيجة غلاء فاحشاً في اسعار المواد الغذائية والملبوسات والضرورات الحياتية والتي صار بعضها قليل الوجود، اضافة الى البطالة التي ارتفعت ارقامها ارتفاعاً حاداً، بعدما اقفل معظم المصانع والمتاجر لعدم وجود المواد الضرورية، الامر الذي زاد الطين بلّة على العقيد وولّد نوعاً من الاستياء والغضب الشعبيين اللذين بدآ يشتعلان كالجمر تحت الرماد في انتظار ساعة الصفر.
عصفوران بحجر
مصادر القذافي لم تعد بعيدة في الأيام الاخيرة عما يجول في احياء طرابلس الغرب والمدن الليبية الاخرى، لذا وضع السيناريو لاعلان اعتزاله في المؤتمر المقبل استباقاً لكل النتائج السلبية التي قد تترتب عن كل تأخير، لأن الوضع بات متفجراً على مستوى المسؤولين، كما على مستوى الشعب، وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد:
اولاً: يعتزل الحكم ليفسح المجال امام بلاده لفتح صفحة جديدة مع الغرب وبالتالي العالم كله.
ثانياً: يسمي خليفته لادارة البلاد في المرحلة المقبلة منعاً لأي انتقام مستقبلاً. وترجح مصادر "الوسط" ان يقترح القذافي مجلساً انتقالياً من شخصيات محسوبة عليه ولا تثير حساسيات خارجية في عملية رفع الحظر الدولي وانفتاح ليبيا على العالم، والمرشحون لذلك خمسة اشخاص هم:
1 - عمر المنتصر: وزير الخارجية. شخصية براغماتية قريبة من الشارع الليبي. قدّم الكثير الى بلاده على المستويين الاقتصادي والعلاقات الخارجية.
2 - الدكتور المدني ابو الطويرات: امين التعليم الأساسي وزير التربية، الذي ترك بصماته على برنامج اعادة تنظيم الجسم التعليمي في السنوات الاخيرة.
3 - علي ماريا: المسؤول عن الاعلام الخارجي سابقا شخصية معروفة على صعيد الاعلاميين العرب والاجانب، ناشط في علاقاته الخارجية وبخاصة مع وسائل الاعلام العالمية.
4 - علي الحضيري: ديبلوماسي ومندوب سابق في الأمم المتحدة وسفير في باريس وشخصية معروفة في المحافل الدولية.
5 - رجب بودبوس: خريج جامعة السوربون الفرنسية في الفلسفة، وأكاديمي محافظ. عمل سابقاً امينا ًوزيراً للثقافة.
والسؤال المهم الذي يطرح هنا: ماذا يمكن ان يحدث في ليبيا اذا رحل القذافي وتسلم المجلس الانتقالي السلطة؟
مصادر غربية متابعة لما يحصل في ليبيا عبرت لپ"الوسط" عن قلقها من السيناريو المطروح، اذ قد يؤدي، حسب اعتقادها، الى حرب اهلية بين القبائل، تتحول فيها الجماهيرية ساحة للصراعات والتصفيات... وربما مجموعة دويلات باعتبار ان الساحات الجرداء غير الآهلة تفصل بين مناطقها حيث تتخذ كل قبيلة او فئة مكاناً لها. الا ان مصدراً ليبياً رسمياً ابدى استغرابه لهذا الاحتمال، واعتبر "ان الادارة الليبية تستطيع السيطرة على الاوضاع في كل الظروف".
وأياً تكن الاحتمالات، فان المعلومات التي حصلت عليها "الوسط"، تؤكد ان الاستعدادات جارية حالياً، للسيطرة على الاوضاع ومنع تسرب المعلومات وتطورات ما يحصل الآن وما قد يحصل، خلال المؤتمر الشعبي العام الشهر المقبل، الى الخارج. وعلى هذا الأساس، لم توجه حتى كتابة هذه السطور اي دعوة، كما جرت العادة في كل عام، لحضور المؤتمر او للاحتفال بپ"يوم الفاتح" او العيد الوطني، اذ ان قادة عارفين بسيناريو العقيد، وهم قلة في ليبيا، يطرحون اسماء بديلة من المجلس الانتقالي الذي يقترحه القذافي. فالمرحلة، في رأيهم تحتاج الى وجوه جديدة لم يستهلكها النظام في "جولاته" الماضية. الا ان هؤلاء القادة، ومعظمهم من الاكاديميين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب، ولهم ارتباطات اقتصادية وثقافية معه، يخشون تسلم "التركة الصعبة" التي سيخلفها النظام الحالي الذي اعتمد سياسة حرق المراحل وقطع خطوط التواصل مع العالم. ما يعني ان المرحلة المقبلة تحتاج الى جهود ضخمة وامكانات هائلة لاعادة الاوضاع الى نصابها او بمعنى اصح ان ليبيا تحتاج الى اعادة بناء كاملة لأن النظام الحالي حطم كل المعايير المؤسسية والبديهية تحت شعار "سلطة الشعب"، وترك مشكلات معقدة تحتاج الى سنوات وربما عقود لحلها. ويتلخص اهمها في اربعة ملفات، وهي الملفات التي ستنفتح في المؤتمر الشعبي العام ويرجح أن تفجر الازمة وتعلن عن ساعة الصفر اذا لم ينفذ سيناريو العقيد:
1 - الجيش والعتاد العسكري.
2 - النهر الصناعي العظيم.
3 - المثابة الثورية العالمية.
4 - الاستثمارات الخارجية.
المؤسسة العسكرية
شهدت المؤسسة العسكرية الليبية تصفيات دموية منذ اوائل السبعينات، بعضها معلن والآخر حجبته الجدران الحديد التي اقامها النظام حول ليبيا وبقي في اطار القيادة وبعض الشارع الليبي.
فبعد التصفيات الخاصة في مرحلة ما سمي "التطهير الثوري" في 1980 وعمليات الدهم والتخلص من قيادات شاركت في الانقلاب الابيض عام 1969 مثل محمد المقريف وغيره، شرع القذافي في تشكيل ما يسمى "الجيش الشعبي" أو "الميليشيا الشعبية" اثر اعلان قيام سلطة الشعب، وفرض الخدمة العسكرية والتدريب على جيل ما بعد الثورة وبعض الاهالي من الفلاحين والقبائل من خلال المعسكرات العقائدية التي كانت تقام حتى العام الماضي في المناطق المختلفة.
وكان العقيد عمد قبل ذلك الى حشد جيوشه على الجبهة الشرقية مع مصر بعد توقيع اتفاقي كامب ديفيد، وتسبب ذلك في انقسام الجيش الليبي بعضه على بعض. وارسل جيشه الى تشاد، ليتكبد الكثير من الخسائر في الارواح والعتاد، بحجة الدفاع عن قطاع اوزو المتصارع عليه. ووجد الجيش نفسه يقاتل تارة من اجل اوزو وطوراً من اجل الوصول الى الساحل الغربي لأفريقيا، وأحياناً من اجل رد "هجمة استعمارية امبريالية من الجنوب". وعندما وقع افراده في الأسر، انكر القذافي في خطاب علني ان يكون هناك اسرى من قواته، الامر الذي اضاف سبباً مباشراً لتململ العسكريين الذين اعلنوا بقيادة العقيد خليفة حفتر الانضمام الى صفوف "الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا" المعارضة.
وفي المعلومات المتوافرة ان تململاً كبيراً حدث في تلك الاثناء بعد حملة تشاد والاسرى في صفوف المؤسسة العسكرية. وازداد عدد المستقيلين الامر الذي ادى الى حملة تصفية جديدة داخل الجيش غيبت كثيرين وبعضهم لا يزال مسجوناً حتى هذه اللحظة. وأفاد بعض المصادر ان الترسانة العسكرية الضخمة التي اشترتها ليبيا بعد حرب 1973 وحتى اواخر التسعينات تعرض معظمها للتلف بسبب قلة الصيانة، الى جانب اشغال القيادات العسكرية مهمات مدنية لا خبرة لها فيها بهدف تقليص نفوذها وابعادها. فسلمت ادارة جهاز الاذاعة والتلفزيون على سبيل المثال الى العقيد يوسف الدبري بعد حرب تشاد، ثم عاد ونقله الى الاستخبارات الخارجية، والدبري شخصية تحظى باحترام عناصر المؤسسة العسكرية، إلا أنه محكوم بالرؤى الخاصة بالقذافي التي انتهت به الى عقيد متقاعد.
والصراعات والتصفيات ليست الصفات الوحيدة التي طبعت المؤسسة العسكرية على مر السنوات العشرين الماضية، فقد شهدت أيضاً فضائح وصفقات مشبوهة كان صغار الضباط يكتشفونها فيدفعون ثمن ذلك نفياً الى مواقع نائية أو بعثة الى بلد افريقي.
والغريب في الأمر، ان بعض المصادر يؤكد انه منذ بدء الحظر المفروض على الجماهيرية، والقيادة الليبية ماضية في تقديم الهبات العسكرية من مخازنها الى دول افريقية مجاورة تجتاحها النزاعات، وتساهم في تسليح الطوارق في مالي والمعارضة النيجيرية وحركة "يونيتا" وجماعة تشارلز تايلور زعيم الجبهة الوطنية في ليبيريا. ووصل الكثير من سلاح المؤسسة العسكرية الليبية الى الصومال بتسهيلات من دول مجاورة لمواجهة "الامبريالية" الأميركية والأمم المتحدة التي تعتبرها طرابلس "عدواً أول".
اضافة الى ذلك، تقول المصادر، ان مخازن الأسلحة أصبحت شبه فارغة من الأسلحة الثقيلة التي لم يعرف أين ذهبت. وخرج كثيرون من ضباط الجيش الى... التقاعد من الخدمة، ولم يبق في بعض المناطق إلا وحدات رمزية.
ملف النهر الصناعي
من واقع الأرقام المعلنة في دراسة الجدوى الخاصة بمشروع النهر الصناعي العظيم التي تقدمت بها مجموعة الشركات المنفذة وعلى رأسها الشركة الكورية الضخمة "دونغ آه"، فإن الكلفة الاجمالية للمشروع لم تكن تتعدى 38 مليار دولار بمراحله الثلاث. وبدأ العمل بالمرحلة الأولى في اوائل الثمانينات على أثر اعلان وجود كميات ضخمة من المياه الجوفية في جيب السارة وواحة الكفرة الجنوبية. ومن المعروف ان شركة هولندية أجرت المسح الزلزالي الذي أدى بطريق المصادفة الى كشف وجود هذه المياه الجوفية. وقد انشئ مصنع ضخم في منطقة تجاور المشروع لانتاج الأنابيب الخرسانية بقطر يزيد على مترين ونصف متر.
من الناحية الشكلية سار كل شيء على ما يرام، وجاءت الشركات المنفذة بأكثر من ستين ألف عامل من الكوريين والفيليبيين ورعايا دول أوروبا الشرقية وغيرهم ممن يعملون بأجور قليلة. وأقيمت لهؤلاء مدن وتجمعات سكنية ضخمة في مناطق قاحلة وصعبة.
المهم في الأمر ان افتتاح المرحلة الأولى من "الانجاز العظيم"، كما سماه القذافي، الذي أدى الى وصول المياه الى أول خزان ساحلي على شاطئ بنغازي، فتح الباب على مصراعيه أمام معارك جانبية بين الأطراف الليبية المستفيدة من مناقصات المشروع عن طريق العمولات، والأطراف التي تضررت من هذا المشروع، ما أتاح الفرصة للتعرف الى حقيقة جديدة هي ان كمية المياه الجوفية التي سبق ان أعلن عنها انها ستكفي ليبيا لأكثر من خمسمائة عام ليست بالحجم المعلن، وهذا ما دفع بالقيادة الليبية الى العرض أكثر من مرة على النظام الاثيوبي التعاون لتحويل جزء من مياه منابع النيل فيها وثروتها المائية الى المشروع، لكن نظام منغيستو هايلي مريام رفض كل العروض، خصوصاً عندما دخلت اسرائيل على الخط وقدمت الى اثيوبيا مشروع اقامة تسعة سدود فيها للافادة من أكبر قدر ممكن من المياه في أراضيها.
ويذكر هنا ان الليبيين يدفعون ضريبة خاصة بالنهر الصناعي في كل عملياتهم الشرائية كما في تذاكر السفر ومواد البناء، ما عدا الرسوم المقتطعة من رواتبهم. ولم يبدُ منهم أي اعتراض، وذلك لحاجتهم الماسة الى المياه العذبة في الشريط الساحلي، اذ ان المياه التي تصلهم حالياً في منازلهم مالحة جداً وغير صحية. وكانت فضيحة "التوربينات" الثلاثة المحترقة التي دفع ثمنها ولم تصل الى محطة طرابلس لتحلية المياه سبباً في سقوط حكومة بأكملها عام 1989 وسجن كثير من المسؤولين على أثرها.
وينظر الليبيون من محدودي الدخل بلهفة الى تلك "العبوات" الآتية من واحة الكفرة حاملة الماء العذب بسعر دينار ونصف دينار للقنينة الواحدة، ما يعني ان العائلات الكبيرة العدد لا يمكنها ان تحصل عليها، في حين شرع المسؤولون الليبيون من أبناء الجنوب في الترويج لتسويق مياه الكفرة المعدنية خارج حدود الجماهيرية للحصول على العملة الصعبة.
وعلى أمل وصول مياه "النهر العظيم"، يصطف الليبيون في بعض المدن في طوابير عند مصادر الآبار الارتوازية المكتشفة في بعض الأحياء، وأصبحت هذه الظاهرة جزءاً لا يتجزأ من مظاهر الحياة داخل المدينة، فمن هناك يملأون غالوناتهم لشرب الشاي والقهوة وارواء عطش عائلاتهم. ويؤكد بعضهم ان مشكلة قلة المياه الصالحة للشرب أدت الى مشاكل صحية مثل حالات الفشل الكلوي وأمراض المعدة المختلفة بسبب تناولهم مياهاً غير معالجة وغير صحية.
وفي تطور مثير وجديد اعلن ان الحكومة الليبية مديونة حالياً بملايين الدولارات للشركات المنفذة لمشروع النهر الصناعي، الأمر الذي أدى الى توقف أكثر من ثلثي العمل والى مغادرة آلاف العمال الأجانب تباعاً. وتؤكد مصادر مطلعة ل "الوسط" ان اللجان الشعبية في المناطق التي يفترض ان تفيد من هذا المشروع تعد كشف حساب ستتقدم به الى المؤتمر الشعبي العام المقبل، وسينال ذلك من رؤوس كبيرة وكثيرة، وان فتح هذا الملف سيحدث دوياً في الجماهيرية لم تعهده من قبل.
ملف المثابة العالمية
قبل الدخول في تفاصيل ملف المثابة العالمية التي رأسها القذافي باعتباره "الثائر الأممي" و"القائد للثورة العالمية" لا بد من أن نذكر ان المباني المخصصة لهذا المشروع، والتي تنتشر في أفضل المواقع في المدن الليبية الرئيسية مثل طرابلس الغرب وبنغازي ومصراته وسبها وغيرها، اختارتها قيادة المثابة ان تكون على شكل خيمة للهنود الحمر، اذ ان القذافي تحمل مسؤولية قضية هؤلاء ايضاً، واغدق عليهم الكثير حتى انه رقص مع زعمائهم رقصة الحرب الشهيرة في طرابلس الغرب ولم ير مناطقهم في أميركا أبداً.
ومشروع المثابة العالمية كان أكثر المشاريع السياسية كلفة بالنسبة الى النظام الليبي اذ خصصت له موازنة ضخمة تعادل موازنة بعض الدول النفطية السنوية، وعين للمثابة آلافاً من الممثلين في كل أنحاء العالم. وخصصت لهم لقاءات سنوية في ليبيا، أرض المثابة الرئيسية، للبحث في شؤون "الثورة العالمية" والخطوات التالية التي ستتخذها. ويتحدث الليبيون باستهزاء مفعم بالكراهية عن قادة المثابة في العالم الذين يغادرون في كل مرة محملين بحقائب مليئة بالدولارات ويقيمون في فنادق الجماهيرية يتناولون أفضل ما يمكن تقديمه اليهم من طعام في وقت يعاني الليبيون من قلة المواد الغذائية ويبحثون عن الموز لأطفالهم.
والمعروف ان المثابة العالمية التي خصصت لها موازنة ضخمة بالعملة الصعبة، تنطلق في نشاطاتها العالمية من خلال مركز بحوث "الكتاب الأخضر" الذي يضم حوالي أربعة آلاف موظف داخل الجماهيرية فقط، وبلغ عدد المشاركين في مؤتمرها السنوي عام 1987، من ممثليها في كل أنحاء العالم حوالي ستة آلاف يمثلون قيادات، عدا الموظفين والعاملين معهم. وهكذا سيكون هناك أكثر من عشرة آلاف عاطل عن العمل من موظفي المثابة وحدها، وهؤلاء تخلوا عن أعمالهم، وبعضهم من الاكاديميين، في سبيل نشر دعوة "الكتاب الأخضر" في العالم، وأقاموا مراكز أبحاث خارجية وشركات استثمارية ومشاريع صناعية لاستقطاب المزيد من المؤيدين لأفكار العقيد.
ويؤكد بعض المصادر ان هناك غضبا على قيادات المثابة التي سجن بعضها واعدم بعض آخر منذ اعلان الحظر، لأنها فشلت في تحقيق تأييد عالمي، إذ أن جهودها لم تتعد تسيير تظاهرات تأييد بسيطة هنا وهناك، وكان القذافي يعول كثيراً على أعضاء المثابة الأجانب الذين عززتهم ليبيا وأغدقت عليهم في السابق، في مسألة الضغط على حكوماتهم لرفع الحظر الدولي عن بلاده، ومن بينهم قيادات حزبية ورجال سياسة واقتصاد وأعضاء في تجمعات دولية مهمة. وجرى تغيير كبير في كثير من السفارات مكاتب الاخوة الليبية في الخارج على مستوى التعيينات الديبلوماسية انطلاقاً من هذه النقطة، وارسل بدلاً منهم ثوريون مخلصون اختارهم مسؤولو اللجان الثورية في طرابلس الغرب وفق معايير قبلية حريصة على التوازن.
الاستثمارات الخارجية
وإذا كانت الملفات الثلاثة السابقة ستخلق الأجواء المناسبة لكشف الحساب أمام القيادة الليبية في المؤتمر الشعبي العام، فإن ملف الاستثمارات الخارجية سيكون له وقع سلبي آخر يزيد في قوة المطالبين بتغيير العقيد ورفاقه القدامى والنظام بأكمله.
والأصول المعلن عنها التي تتعامل بها الاستثمارات الخارجية في مشاريعها الموزعة على 24 دولة في العالم تتعدى عشرين مليار دولار، وتشمل مؤسسات صناعية وشركات أوفشور ومصافي للنفط ومعامل للتكرير ومصانع متوسطة لانتاج سلع استهلاكية مثل المصنوعات الجلدية في افريقيا، الى جانب المشاريع السياحية، ومعظمها في مالطا ودول افريقية نالت استقلالها حديثاً مثل بنين وبوركينافاسو وغيرهما. ويتركز الاستثمار الليبي الخارجي في أوروبا، خصوصاً في ايطاليا والمانيا وسويسرا.
وتدير هذه الاستثمارات لجنة شعبية يتم اختيار عناصرها عن طريق المؤتمرات بطريقة مدروسة وموجهة من قبل القيادة العليا، إذ أن التوازنات القبلية تفرض أخذها في الاعتبار لحساسية هذه المؤسسة التي تمثل المصدر الثاني للعملات الصعبة بالنسبة الى النظام الليبي بعد النفط.
وتعاني هذه المؤسسة الضخمة حالياً من خسائر فادحة نتيجة بعض المشاريع الخارجية وتناقص عائداتها إثر الحظر المفروض منذ 1986 على الرساميل الليبية في أميركا، والحظر الجديد الذي فرضته الأمم المتحدة على كل البلاد منذ عام ونصف عام. وتم تسييل الكثير من الأصول، وبيع بعضها بأسعار تقل عن سعرها الحقيقي بكثير خلال الفترة الماضية لتسيير أعمال البعثات الديبلوماسية الخارجية ومهمات رجال الأمن الخارجي والمثابة العالمية وغيرها من الحركات السرية التي تدعمها ليبيا حتى اليوم من دون تحقيق فوائد تذكر.. وهذا ما دفع بالمؤتمرات الشعبية الى "تصعيد" أو اختيار أكثر من لجنة خلال فترة وجيزة، وفي كل مرة تعود الأوضاع الى نقطة الصفر باستثناء اكتشاف التجاوزات وطريقة حدوثها والصراعات داخل هذه المؤسسة الضخمة بين مراكز القوى فيها.
وتجدر الاشارة هنا الى ان عمل الاستثمارات الليبية الخارجية مرتبط بالمشروع السياسي الليبي ارتباطاً وثيقاً، بمعنى ان اختيار موقع المشروع وطبيعته رهن بمستوى الصداقة والمصالح التي تربط النظام بهذا البلد أو ذاك.
ويبقى القول، ان القذافي يدرس الآن كل الاحتمالات للخروج من المأزق الكبير، لكنه للمرة الأولى منذ وصوله الى السلطة يفكر بالاعتزال على طريقته، وحسب السيناريو الذي وضعه مع المقربين منه، قبل ان يحمله قطار الغضب الشعبي الذي ولده الحظر الدولي على بلاده، وينفذ سيناريو من نوع آخر يخرجه بالقوة وبانقلاب قد لا يكون أبيض كما حدث في العام 1969.
وتؤكد مصادر "الوسط" ان العقيد لن يعيد هذا العام الذكرى ال 24 لثورته في ايلول سبتمبر المقبل... في حين تقول مصادر أخرى أن رجل المفاجآت قادر على القيام بمفاجأة جديدة.
صوفير : القذافي يريد رفع الحظر عن اسرائيل
تخلّى ابراهام صوفير، المحامي اليهودي البارز عن تمثيله الحكومة الليبية، بسبب تظاهرات معارضة انتظمت خارج مكتبه في واشنطن بعد بضعة أيام على قبوله القيام بمهمة حل قضية "لوكربي" ونتائجها المالية والقانونية مع ادارة كلينتون.
وصوفير، المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الاميركية الذي أحرجت آراؤه الموالية لاسرائيل السفارة الاسرائيلية، كان احد المحامين الرئيسيين عام 1986 الذين صاغوا القانون الذي قضى بفرض العقوبات على ليبيا، والذي يمثل جزءاً من السياسات التي كان من المقرر له أن يتلقى نصف مليون دولار في مقابل الغائها.
وكان صوفير، الذي يحمل الجنسيتين الاميركية والاسرائيلية معاً، صرح الى "الوسط" الاسبوع الماضي بانه يتوقع ان يكسب حوالى 500 الف دولار من الليبيين و"ان القذافي يأمل في التوصل الى رفع الحظر التجاري عن بلاده، لا بتسليم المتهمين، وإنما عن طريق استخدام نفوذه لجعل الجامعة العربية ترفع الحظر التجاري المفروض على اسرائيل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.