منذ بدء الثورة الليبية على العقيد معمر القذافي، شاب المواقف الدولية التردد والتناقض. فالولاياتالمتحدة لا ترغب في التدخل العسكري في ليبيا وترفض التورط في حرب عربية أخرى لتجنب نقمة العالمين العربي والإسلامي. ولذا، طالبت بغطاء دولي في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية. لكن مواقف الجامعة هذه متناقضة. فمن جهة، وافقت الجامعة على فرض حظر جوي على ليبيا ودعت الغرب إلى الإحجام عن التدخل العسكري فيها. ومن جهة أخرى، وإلى اليوم، لم تشكل قوات عربية مشتركة للتصدي لمدرعات القذافي. وفرنسا، وهي بادرت إلى إنشاء تحالف دولي للقيام بعمليات عسكرية حاسمة ضد نظام العقيد، لم تستطع إقناع روسيا وألمانيا بالانضمام إليه في اجتماع مجموعة الدول الثماني. فاضطرت وبريطانيا إلى تشكيل ركن القوة الضاربة لفرض الحظر. والبلدان الغربية حصلت على ضوء اخضر من مجلس الأمن لشن عمليات عسكرية تسقط حكم القذافي. فبعد أن سحبت أوروبا اعترافها بشرعية حكم العقيد، وجمدت أرصدته المالية، وفرضت عقوبات على طرابلس، يُبدد السماح للقذافي البقاء في السلطة ماء وجه الغرب. وحديث القذافي عن وثائق تدين قيادات الاتحاد الأوروبي بتقاضيهم الأموال منه هو من باب النميمة للرد على عزمهم على اجتياحه وإطاحته من السلطة. قرار المجلس حدد مصير الثورة الليبية، ويفترض أن يجيب على مسألة أساسية في النظام العالمي المعاصر. وهي هل يحق للرؤساء والملوك أن يوجهوا السلاح إلى شعوبهم من اجل استقرار المجتمع من غير عقاب. والقرار هذا يحدد مستوى القهر المسموح توسله في المستقبل القريب والبعيد، لقمع الاحتجاجات الشعبية في اليمن وغيره من الدول العربية التي قد تندلع فيها ثورات غير متوقعة. ويحمل انتصار القذافي طابعاً عسكرياً وديبلوماسياً. فهو يقدم نموذجاً يحتذي عليه الزعماء العرب الذين يميلون إلى قصف شعوبهم بالأسلحة على أنواعها، ويرون أن نظام الأمن الشامل هو حبر على ورق. وحمل تهور القذافي واستهتاره، روسيا وإيطاليا على المساعدة في إطفاء حريق مخازن النفط لأضراره البيئية، ونسب القذافي الحريق إلى الثوار، في وقت لم يخف على أحد أن طائراته قصفتها. وحاول قائد الجماهيرية تفريق المجتمع الدولي لمنعه من وقف حمام الدم في ليبيا، فاقترح على الصين والهند وروسيا، والدول هذه تحفظت على قرار مجلس الأمن، صداقة دائمة ومعاملة اقتصادية تفضيلية لقاء إنقاذ نظامه. ولكن أحداً لم يستجب اقتراحه. وواجه العقيد المناشدات الخارجية بلا مبالاة رافضاً التوقف عن إبادة السكان المدنيين، ومتهماً خصومه بالعمالة للخارج. وانتصار القذافي على الثوار يفضي إلى ظهور دولة عند حدود أوروبا تصدر إلى العالم القديم المهاجرين غير الشرعيين والإرهابيين. فتضطر أوروبا إلى سحب قرار مجلس الأمن الداعي إلى إنشاء محكمة دولية لمحاكمة القذافي وأفراد عائلته، وإلى إعادة أرصدة القذافي المالية الضخمة إليه. وقرار مجلس الأمن الدولي يلفظ القذافي من الأسرة الدولية. وصار احتمال إنقاذ نظامه ضعيفاً وعسيراً. وشعرت الدول العربية أن الغرب يستعجل إطاحة قائد الجماهيرية، على ما أطاحت الولاياتالمتحدة صدام حسين في أيام قليلة. ودواع أخلاقية تحول دون تعاون روسيا والصين اقتصادياً مع القذافي قاتل شعبه وسارق أمواله. ومن يخشون تقارب روسيا من الغرب يطعنون في إمكان ارتباط موسكو بشراكة ضرورة مع أوروبا وأميركا، عدوي روسيا اللدودين الأبديين. وفرض روسيا الفيتو على قرار مجلس الأمن هو افضل هدية لهم. فتتكبد روسيا خسائر اقتصادية كبيرة لا تعوضها عقود القذافي. وقرار مجلس الأمن يمنح التحالف الدولي الغربي الحق في التدخل العسكري وقصف أسلحة ومواقع القذافي لإنقاذ قوى المعارضة والسكان المدنيين ومساعدتهم. وطبيعة ليبيا الجغرافية الصحراوية تيسر المهمة. فهي تختلف عن طبيعة الأرض الجبلية ألأفغانية، مأوى قوات «طالبان». ومستقبل القذافي محسوم، وهو قد لا يبقى حياً إلى حين مثوله أمام المحكمة. * محلل سياسي، عن «روسيسكيا غازيتا» الروسية، 18/3/2011، اعداد علي ماجد