رغم دوامة العنف التي تلف الراهن الجزائري حتى باتت تطال أهل الثقافة والابداع، ما زالت عملية اعادة الاعتبار الى الكاتب المعروف محمد ديب مستمرة. ويجري العمل حالياً على ترجمة أعماله الكاملة الى لغته الأم تفادياً لتكرار تجربة كاتب ياسين الذي مات "مهاجراً ثقافياً" في بلاده... يخطئ من يعتقد ان شهر تشرين الأول اكتوبر من عام 1988، كان فقط نقطة تحول سياسي جذري في مسار تاريخ تجربة الاستقلال الوطني الجزائري. فالأصح ان التحول السياسي، من خلال القضاء على حكم الحزب الواحد، لم يكن إلا تمهيداً حتمياً لاعداد المجتمع الجزائري الجديد، اجتماعياً وثقافياً وحضارياً وفق ما تقتضيه الرغبة الشعبية والجماهيرية التي حكم باسمها طيلة ثلاثة عقود انتجت الوضعية الصعبة التي تعرفها الجزائر اليوم. وفي فترة حكم الحزب الواحد "قتلت" الرقابة والرقابة الذاتية مبدعين في مختلف المجالات الأدبية والفنية باسم الشك في "وطنيتهم" لغة الكتابة أو الموقف الفكري أو الايديولوجي، فكان ان ضحّت السياسة الثقافية الرسمية بعدد كبير من الكتاب الذين مثلوا الجزائر خارج بلادهم الأصلية، وبقوا مجهولين لدى أكبر نسبة سكانية تشكل أمل وتحدي الجزائر في آن، وسيحفظ التاريخ للراحل محمد بوضياف انه المسؤول الوحيد الذي ألح منذ وصوله الى سدة الرئاسة على ضرورة إفساح المجال للشباب الجزائري الذي فقد الحس التاريخي والثقافي والحضاري المطلوب، فأصبح من دون ذاكرة روحية، ومجرداً من مرجعيات ثقافية وطنية، وذلك ما برز كحقيقة ناطقة سماها البعض "ثقافة النسيان". الروائي والشاعر والقاص محمد ديب هو أحد المبدعين الجزائريين الذين وقعوا ضحية تلك السياسة خلال سنوات طويلة، فحقق شهرة واسعة واحتل مكانة مرموقة على الساحة الأدبية في فرنسا والعالم، بينما بقي حضوره في بلاده محصوراً وشبه سري، وبقي اسمه طويلاً على اللوائح السوداء وقوائم المحاربة والاستبعاد، مع ان ديب من أبرز اعلام الحركة الأدبية المغاربية والعربية رغم كتابته باللغة الفرنسية. وهو مهما اختلف أهل الثقافة والقراء على نتاجه، ومهما كان الموقف من تجربته وانعكاساتها الفكرية والايديولوجية، يبقى من المحطات الثقافية المشرقة في بلاده، ومن المبدعين الذين لا يمكن بأي حال من الأحوال، الغاء حضورهم الفعال في الحركة الأدبية الجزائرية الحديثة. في هذا السياق يأتي التكريم الواسع الذي أقيم لمحمد ديب في المركز الثقافي الجزائري في العاصمة الفرنسية، وتخللته ندوات، وعروض سينمائية، تكميلاً لمشروع طموح أطلقته وزارة الثقافة والاتصال ويقضي بترجمة أعماله الكاملة الى العربية. وهذه الظاهرة هي من الملامح الأكيدة التي تشهد في الجزائر، رغم دوامة العنف الأعمى المتفشية، على عودة الوعي وعلى مرحلة انفتاح تقطع نهائياً مع التأويل السياسي والأحكام المسبقة والأفق الضيق الذي ميّز السنوات السابقة لأحداث "اكتوبر 1988". فإلى جانب ترجمة أعمال الكاتب محمد ديب التي تشمل أهم مؤلفاته ابتداء من عام 1952 "دار السبيطار"، "الحريق"، "النول" وانتهاء ب "غفاءة حواء" 1990، ستتم مراجعة وتنقيح الترجمات التي قام بها المترجم السوري سامي الدروبي، ومنها الثلاثية المذكورة، كما ستوضع انطولوجيا أدبية لأعمال الكاتب. وبموازاة ذلك، سارع المخرج عمر لكلوم في انجاز فيلم وثائقي عن حياة وتجربة الكاتب محمد ديب على غرار ما فعله كمال دهان مع الكاتب والأديب الراحل كاتب ياسين، الذي مات "مهاجراً" ثقافياً وأدبياً في بلده!! أول مشروع جاد قبل تاريخ الاعلان عن مشروع "اعادة الاعتبار" الى محمد ديب، الكاتب الذي تنبأ بفجر الصراع على السلطة واحتمال وقوع البلد فريسة لحكم يخاف الكلمة ويرهب المثقف والفنان، لم تبرز في الجزائر محاولات ثقافية وفكرية وأدبية جادة - رسمية كانت أم خاصة وشخصية - للتعريف بأهمية أدب محمد ديب - بغض النظر عن الاختلاف في التقويم النقدي والايديولوجي الذي يميز عادة اعمال كبار المبدعين. والمحاولات التي ظهرت في شكل خجول ومحتشم، تؤكد القاعدة التي ميزت فترة العقم الفكري المبرمج. وليس غريباً ان ترتبط هذه المحاولات بمبدعين حاربا "ثقافة النسيان"، هما الروائيان جيلالي خلاص والطاهر وطار، وكلاهما اليوم على رأس مشروع ثقافي جريء وطموح. الأول مات في المهد ويتمثل في مجلة "الرواية" التي اصدرت عدداً أول ممتازاً حول محمد ديب قبل أن تتوقف عن الصدور، أما المشروع الثاني فما زال مستمراً تحت اشراف الروائي الطاهر وطار، رئيس جمعية "الجاحظية" التي تؤسس لتقاليد ثقافية جادة وجديدة في الجزائر. وقامت الجمعية بنشر مجلات ك "القصص" و"القصيدة" و"التبيين"، خصصت هذه الأخيرة عدداً ممتازاً لأدب محمد ديب "التبيين" عدد 4/1992. وحتى الآن يبقى عددا المجلتين المذكورتين من أهم المراجع بالعربية عن الأديب الجزائري الذي كتب مدة نصف قرن تحت وطأة الغياب القسري عن قراء لغة الضاد، مع ان "دار محمد ديب الكبيرة - بحسب تعبير الروائي الراحل غائب طعمه فرمان - هي الدار الأوسع انتشاراً في عالمنا العربي" اشارة الى رواية "الدار الكبيرة" أو "دار السبيطار". "كلمة في روائي عظيم" كان عنوان المقالة التي نشرها الروائي الراحل غائب طعمه فرمان في مجلة "التبيين" عن محمد ديب. كتب فرمان يقول: "إن محمد ديب لا ينتمي الى الجزائر فقط، بل ينتمي الى العالم العربي بأسره، وكانت كل شخصية من شخصيات رواياته، كل فكرة من أفكاره، كل مطمح من مطامحه، نتائج وطنه الأم الجزائر. يخيل إلي، ان الدار الكبيرة دار السبيطار، مثلا ينتمي قبل كل شيء الى الروح التي كتب بها والبيئة التي كتب عنها طه حسين كتابيه الرائعين "المعذبون في الأرض" و"الأيام"، مثلما كتب نجيب محفوظ "زقاق المدق" و"خان الخليلي"، وحنا مينة "المصابيح الزرق"، مثلما تنتمي الى حصيلة ما نعتز به من ثقافتنا العربية.. تنتمي الى الجزائر الحقيقية الاصلية المصورة بصدق واخلاص وحرارة. اضافة، أو بسبب ذلك بالذات، هي القاسم المشترك للتلاحم العجيب في المصائر، وقد تكون "الدار الكبيرة" هي الدار الأوسع انتشاراً في عالمنا العربي، حتى أكثر من المقاهي، وأنا أيضاً تورطت وكتب لي القدر أن أصف داراً مثل هذه الدار سميتها "الخان"، في أول رواية كتبتها منذ 21 سنة وأعني بها "النخلة والجيران"، وأمثال الخان كانت موجودة في بغداد وربما لا تزال". من مؤلفاته - "البيت الكبير"، رواية 1952. - "الحريق"، رواية 1954. - "في المقهى"، مجموعة قصصية 1955. - "صيف افريقي"، رواية 1959. - "الظل الحارس"، مجموعة شعرية 1961. - "الطلسم"، مجموعة قصصية 1966. - "رقصة الملك"، رواية 1968. - "الحرب في بلاد البرابرة"، رواية 1970. - "الصيغ"، مجموعة شعرية 1970. - "هابيل"، رواية 1977. - "سطوح أورصول"، رواية 1985. - "اغفاءة حواء"، رواية 1990.