كانت تفتح باب النهار، هي والديك، لكن من يفكر بهذا اليوم؟ تدور وتدور مثل طفل لاهٍ وتحط علينا في ثماني دقائق. والحكاية معها طويلة. اشعلت حرباً للذين قالوا انها هي، لا الارض، مركز النظام الشمسي فاستحقوا العقاب والموت احياناً. ويقال ان الايرلندي جون اريغينا سبق كوبرنيكوس بستمئة عام بهذه النظرية، فلم يغفر له طلابه استخفافه بالارض وطعنوه حتى الموت بأقلام الريش. أبناء بعض البلدان لا يبالون بالشمس. فهي حاضرة عند الطلب كالزوجة او الام. تضيء ايامهم ومزاجهم او تغضب وتلسع اجسادهم، وارواحهم، قليلاً او كثيراً لكنهم لا يفكرون باستبدالها بسماء رمادية بُلي آخرون بها. وقد يستخدم غضب الشمس ذريعة لفوران الدم والطبع المقاتل، ومارسو بطل ألبير كامو في "الغريب" لامها عندما قتل العربي في الجزائر. ارتفعت حرارتها فارتفعت حرارته وفقد اتزانه وقتل. تبرير لم يكن بتلك البساطة عند الآخرين بالطبع. الشمس عندنا، على حدتها وقسوتها، أبعد ما تكون عن الاجرام، ولم يتذرع احد بها حتى اليوم في تبرير غزو الجيران او اشعال البيت فيهم ربما لأن هؤلاء يملكون شمساً مشابهة. في ادبنا المرأة الجميلة شمس وعيناها شمس، وبعض فتياتنا شمس وان كان ما يربطه بها الاسم فقط. كانت صديقتنا تتمدد تحتها لتتبخر رطوبة الشتاء وعفونة عتمته واذا بها اليوم عدوة بغيضة خصوصاً في خصر النهار. لكنها تأخذ وتعطي. تصيبنا بسرطان الجلد الذي يدلله العلماء باسم ميلانوما وتخفف من معدل الكوليستيرول وتحمي القلب في آن. فلننتقِ ما يعجبنا. انها من رموز الحرية في اي حال. شهوة البلاد الرمادية. ما ان تفرط نورها حتى تحس ان النهار بدأ اخيراً وان اعمالاً كثيرة تنتظرك بعد نعاس طال وكرهته. لكنها تتآمر معك على قضبان رب العمل، ومعكما حق. حتى هذا قد لا يحب العمل وان كان يلهث خلف ما يجلبه. يطيقها بعضنا ما دامت ناعمة ضعيفة ويهرب منها عندما تستبدّ، ويطاردها بعضنا كأن الواحد منهم زهرة شمس. لوحة "أزهار الشمس" لفنسنت فان غوغ حققت رقماً قياسياً عندما بيعت في 1987 ب 500.22 الف جنيه استرليني بعد وفاة الفنان الذي باع لوحة واحدة في حياته بسبعة وتسعين عاماً. وبول غوغان سحرته الشمس في لوحات فان غوغ فلحقها الى تاهيتي، وفرشت هي شفافية على ألوانه اثارت الاعجاب والدهشة. ولئن اضاءت لوحات هذين الرسامين، الا انها عجزت عن رفع سوداويتهما، اذ قطع فان غوغ اذنه في نوبة جنون، وحاول غوغان الانتحار بعد رسم لوحته الشهيرة المحملة بأسئلة معذبة: "من نحن، من أين أتينا، والى اين نحن ذاهبون؟". بعض نقاد رامبرانت يكرهون العتمة والالوان القاتمة في لوحته. وعندما اقترحت صديقة العائلة "الشمس تشرق ايضاً" عنواناً لرواية ارنست همنغواي اختلفت نظرته اليها ثم صارت زوجته الثانية فالسابقة. المصوّرون يلعبون على الضوء والظل ويعطوننا صوراً رائعة. لويس الرابع عشر لقب نفسه "الملك الشمس"، وسوبرمان يستمد قوته من الشمس الصفراء ويصبح رجلاً عادياً يذوق طعم الوجع تحت الشمس الحمراء! كانت الشمس لنا، للشرق، لكنها تشرق من الغرب منذ زمن.