بعد موافقة البرلمان الروسي في أيار مايو عام 1992 على قانون يبيح تعاطي واستعمال المخدرات في روسيا، يبدو ان كومنولث الدول المستقلة الاتحاد السوفياتي سابقاً مرشح حالياً لأن يصبح الرائد عالمياً في انتاج المخدرات على انواعها. وعلى رغم ان القانون الجديد لا يزال يحظر انتاج المخدرات والاتجار بها، لكن الاوضاع الاقتصادية غير المستقرة وعدم وضوح مستقبل دول المجموعة دفع بالعديد من المواطنين الى انتاج المخدرات وتسويقها كسباً للربح الاكيد والسريع. مخدرات "ياكوتيا" ويساعد تنوع المناخات في الجمهوريات المختلفة على زراعة المخدرات في 70 في المئة من الاراضي التي تشكل كومنولث الدول المستقلة. وكانت وزارة الداخلية الروسية اعلنت في شباط فبراير الماضي ان تجار المخدرات ينتجون محاصيل حشيشة الافيون حتى في منطقة ياكوتيا، اكثر الاماكن برودة في صقيع سيبيريا! اذ يكفي فصل الصيف القصير الذي تشهده ياكوتيا لانتاج هذه النبتة التي تحتاج الى فترة نمو طولها عشرة اسابيع فقط. كذلك يساهم ضعف قوات الشرطة عدة وعديداً واختراق صفوفها من قبل مافيا المخدرات، الى تفشي هذه الآفة الاجتماعية في دول الاتحاد السوفياتي سابقاً لدرجة ان البعض يتحدث هناك عن نشوء كارتل للمخدرات يشابه "كارتل ميدلين" السيىء السمعة في كولومبيا. وبينما كان تجار المخدرات يحاولون في الماضي السيطرة على السوق المحلية، فهم يتطلعون الآن بثقة الى التوسع في الاسواق الخارجية. وصارت مشكلة المخدرات تعادل في اهميتها مشاكل الامن القومي الكبرى، خصوصاً في روسيا حيث يوجد 5،1 مليون مدمن على المخدرات حسب احصاءات علماء الاجتماع ووزارة التربية الروسية. ويشير نائب رئيس دائرة مكافحة تهريب المخدرات في وزارة الداخلية الروسية الكولونيل اركادي كوزنيتسوف ان 50 في المئة من المخدرات المستهلكة في الاسواق المحلية تنتج داخل روسيا بينما تأتي الكمية الباقية من جمهوريات الكومنولث الاخرى. كذلك يستورد تجار المخدرات الروس بضاعتهم المفسدة من افغانستان، وفيتنام، وهنغاريا، وبولندا، ورومانيا، وفنلندا. ويخشى كوزنيتسوف ان تكون "روسيا صارت مركزاً رئيسياً لمرور المخدرات، خصوصاً بعد العثور اخيراً على طن من الكوكايين في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية مرسل من كولومبيا الى اوروبا". أكثرية المدمنين وأكد رئيس دائرة مكافحة تهريب المخدرات الروسية الجنرال الكسندر نيقولايفيتش سيرغييف في مؤتمر صحافي عقده في 11 ايار مايو الماضي في موسكو ان "سبعين في المئة من المدمنين على المخدرات في روسيا تحت سن الثلاثين ونحو 9 في المئة منهم قاصرون. ويستهلك ثلث المدمنين مخدرات مشتقة من الافيون، ويستعمل الثلث الآخر مشتقات القنب، بينما يتعاطى الثلث الباقي عقاقير الهلوسة و"الامفيتامين" و"الباربيتوريت". وتنتشر آفة تعاطي المخدرات في جميع مدن الاتحاد الروسي الكبرى، وبينها موسكو، وسانت بطرسبرغ، وكيروف، وسامارا، وتومسك، وأومسك". ويقدر حجم تجارة المخدرات في روسيا خلال العام الماضي بنحو 60 بليون روبل، ويسبب الاتجار بها ارتفاعاً كبيراً في عدد الجرائم الاخرى مثل القتل والاختلاس والسرقة، ويشجع الشباب على الانحراف وممارسة البغاء. ومنذ العام 1980، ارتفعت كمية المخدرات التي ضبطتها الشرطة الروسية بنحو عشرين ضعفاً، ويتخوف المسؤولون في وزارة الداخلية الروسية ان بلادهم صارت مركزاً لغسل الاموال التي يجنيها المتاجرون بالمخدرات. ولكن ما يثير قلق الجنرال سيرغييف ومعاونيه في دائرة مكافحة تهريب المخدرات اكثر من اي شيء آخر هو اقامة مافيا المخدرات الروسية شبكة علاقات واسعة مع المافيا الدولية. وعلى رغم ان عقار الهلوسة المعروف بپ"ال.اس. دي" ومادة الپ"كراك" وغيرها من المخدرات الصناعية لم تغزو الاسواق الروسية بكثرة حتى الآن، لكن تجار المخدرات المحليين سبقوا غيرهم على ما يبدو في انتاج نوع من مخدر "ترايميثيل فينتونيل" أقوى بمئة ضعف من مادة الهيرويين. برنامج المكافحة وتطور روسيا حالياً برنامجاً لمكافحة انتاج وتجارة المخدرات بالتعاون مع 24 دولة اخرى. ووقعت اتفاقاً مع اثنتي عشرة جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً في مدينة كييف لمواجهة تهريب المخدرات بشكل افضل. اضافة الى ذلك، ضاعفت وزارة الداخلية الروسية عدد العاملين في دائرة مكافحة تهريب المخدرات من الفين الى اربعة آلاف موظف هذا العام لكبح تفاقم هذه المشكلة الخطيرة التي تهدد مستقبل الاقتصاد الروسي برمته. وعلى رغم ان روسيا تضم أكبر عدد من المدمنين على المخدرات بين جمهوريات اسرة الدول المستقلة، لكن المشكلة ليست حكراً عليها وحدها. اذ يرتفع عدد المدمنين على المخدرات والجرائم المرتبطة بانتاجها والاتجار بها بشكل مخيف في كافة الدول الاخرى الاعضاء. ولعل ما يحصل في جمهورية قرغيزستان اصدق مثال عما يحدثه الانهيار الاقتصادي والفراغ الايديولوجي الآن في دول الاتحاد السوفياتي سابقاً. تبلغ مساحة جمهورية قرغيزستان 200 الف كيلومتر مربع، وتتمتع بمناخ جيد يلائم زراعة الحشيشة والأفيون والقنب الهندي. وكان الاطباء المحليون يستعملون الاعشاب المخدرة في الأيام الغابرة لعلاج عدد من الامراض الشائعة بشكل طبيعي. ولكن الاحوال تغيرت اليوم في قرغيزستان، وتحولت قراها الوادعة في سفوح جبال تيانشان الى ممرات سرية ومراكز لانتاج وتهريب المخدرات. وينتج تجار المخدرات في قرغيزستان 40 في المئة من عقاقير الهلوسة المستهلكة في دول الاتحاد السوفياتي سابقاً. ويرسلون الحشيشة والقنب الهندي والكوكايين بواسطة البريد الى باقي جمهوريات اسرة الدول المستقلة، والمانيا، والنمسا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورغ. وتحاول الشرطة المحلية استعمال كلاب مدربة لاكتشاف الطرود البريدية "الملغومة"، ولكن تجار المخدرات يشنون حملة شعواء للقضاء على هذه الكلاب ويقتلونها بواسطة الخنق في معظم الحالات. ومن بين كل عشرة كلاب يدربها رجال الشرطة للعثور على المخدرات، يبقى اثنين احياء فقط بسبب عمليات مافيا المخدرات المنظمة ضدها. وكان آخر الضحايا وجد مخنوقاً في قاعة الحاويات في مطار العاصمة بيشكيك. وعلى رغم ان وكالة مكافحة المخدرات المحلية قوية بشكل كاف للسيطرة على المشكلة في العاصمة القرغيزية، لكن مافيا المخدرات تسيطر على الوضع بشكل كلي خارج مدينة بيشكيك. وعلى سبيل المثال، تعتبر بلدة توكتوغول في جبال تيانشان واحة لهذه التجارة غير المشروعة. وخلال فترة حصاد القنب، تغص هذه البلدة بنحو مئة الف شخص مسلحين بالبنادق الرشاشة استعداداً لأي حادث طارئ او خلاف على سعر النبتة المخدرة. وتنمو نباتات القنب من حول البلدة وحتى اعالي الجبال، ولا يستطيع رجلا الشرطة الموكلان حفظ الامن في المنطقة فعل اي شيء حيال الامر الواقع. وأدى تحول المزارعين المحليين الى انتاج الافيون والقنب الهندي الى اهمالهم لمزارعهم وحيواناتهم اضافة الى ارتفاع عدد المدمنين على المخدرات في المنطقة. تأثير الجيران ويزعم المسؤولون في شعبة مكافحة المخدرات في قرغيزستان ان مافيا المخدرات في اسرة الدول المستقلة استطاعت التأثير بواسطة اعضائها النافذين على البرلمان الروسي من اجل تمرير القرار الاخير الذي يسمح باستعمال المخدرات في روسيا. والجدير بالذكر ان تعاطي واستعمال المواد المخدرة ما زال محظوراً في قرغيزستان على رغم انها تتحكم ايضاً بمعابر المخدرات من والى افغانستان، جارتها ومنافستها في تجارة السموم.