تشمخ فوق شوارع مدينة ميلانو في ايطاليا الملصقات الاعلانية الضخمة مغطية جوانب كاملة من الابنية العالية، وتظهر فيها المبتكرات الحديثة لأكبر مصممي الازياء الايطاليين. وفي هذا العام، لا بد ان يلاحظ الزائر لاصقات ازياء المصمم "جيانفرانكو فيري" وخاصة تشكيلة "فيري جينز" التي نزلت الى الاسواق لأول مرة في العام 1989، ولا تزال من العناصر الاساسية في خزانة شبان وشابات ايطاليا. كما لا بد ان يلاحظ معاطف الفرو التي ترتديها النساء الايطاليات بكل اناقة وافتخار، العديد منها من تصميم "فيري" الذي يستعمل موهبته لتصميم ازياء الرفاهية في خطوط رفيعة انيقة. من هو؟ ولد "جيانفرانكو فيري" في 15 آب اغسطس 1944 في مدينة لينيانو في شمال ايطاليا، وسط عائلة تمنت له مستقبلاً في مجال الصناعة الميكانيكية كالعديد من افرادها. وبعد التحاقه بكلية العلوم، انتقل "فيري" إلى ميلانو في العام 1969 لدراسة الهندسة المعمارية لكن القدر كان اقوى من كل التمنيات والتخطيطات، فحالما نال شهادته الهندسية شعر بأنه لم يكن صادقاً مع نفسه واتجه إلى عالم الازياء الذي كان جذبه خلال ايامه الجامعية. وبدأ بتصميم الحلى والاحزمة التي دلت، منذ البداية وبكل وضوح، عن ذوقه الرفيع والخاص به، الامر الذي جذب العديد من الصحافيين والنقاد للكتابة عن هذا المصمم الشاب في صفحات مجلات الازياء الايطالية وفي وقت قصير بدأ بعض شركات الازياء بملاحظة هذا المصمم الجديد وتكليفه بتصميم المزيد من مبتكراته وكانت احدى هذه الشركات ارسلته في مهمة إلى الهند في اوائل السبعينات، وتركت هذه الرحلة في نفس "فيري" انطباعاً دائماً، كما يعبر عنه بنفسه قائلاً ان العلاقة بين الانسان والمناخ ومحيطه هناك كانت قوية فزادت من حدة حاسته الشخصية للألوان وطورت ما اطلق عليه اسم "قاموس فيري الخاص للثياب". وفور عودته من الهند، التقى رجل الاعمال "فرانكو ماتيوللي" الذي كلفه تصميم اول مجموعة كاملة للملابس النسائية، فكانت بداية مشوار طويل تكلل بالنجاح الساحق وادى إلى انشاء الشركة بينهما لتصميم ازياء "جيانفرانكو فيري" في ايطاليا. في أوروبا كلها واليوم تنتشر محلات "جيانفرانكو فيري" في اوروبا من ميلانو وروما ولندن إلى باريس وكان ومونتي كارلو وبرشلونة، وغيرها هذا بالاضافة إلى توافر تصاميمه في المحلات التجارية الضخمة حول العالم. و "فيري" مصمم لا يكل، وتشكيلاته في كل موسم تتضمن اكثر من الملابس الانيقة، فهو يقدم مجموعات كاملة من الحلى والاحزمة والقفازات الجلدية وحتى الاحذية وربطات العنق الرجالية، كما اصبح اسم "فيري" ايضاً اسم العطر الذي نال نجاحاً هائلاً ليس فقط لعبيره الساحر بل لأناقة الزجاجة التي تحمله واهتمام هذا المصمم بأدق التفاصيل. ولا يتوقف هنا، بل يقدم ايضاً تشكيلة كاملة من مستحضرات الحمام التجميلية للنساء وللرجال. ومنذ 1974، حين قدم "جيانفرانكو فيري" اول مجموعة له حتى الآن ما زالت الجوائز والمكافآت تنهال عليه لكفاءته ومهارته في هذا المجال، مثل "ديه دور" الذهبية التي نالها من نقاد الازياء العالميين إلى "افضل مصمم للموسم" في 1989، العام الذي عين فيه مديراً للتصميم في دار "كريستيان ديور" الشهيرة كما حاز في العام نفسه على شهادة استحقاق من "لينيانو"، تقديراً للمعانه في مهنته وارتباطه الدائم بمدينته الصغيرة هذه. ويصف "جيانفرانكو فيري" مجموعته لموسم خريف - شتاء 1993 - 1994 بأنها "تمنح المرأة الشعور بالمتعة لأنها مريحة، فيها التوازن والهدوء الذي تنشأ منه الحيوية. لهذه المرأة المختلفة التي تطلب الجمال في حياتها الهادئة الصافية ابتكرت تشكيلة جديدة، خطوطها طويلة ورشيقة، حيث الالوان ترتبط مع الاشكال تماشياً مع مبادئ الطبيعة. وهكذا، فالمعطف العملي لونه بيج، والاشكال بسيطة طبيعية بالتالي جوهرها قوي". ويضيف "فيري" عن طريقته في التصميم فيقول "اتخيل واصمم لمواقف واقعية من صلب الحياة اليومية، ولاحظت انني بالغريزة اتجه إلى اللونين الابيض والاحمر، وللمعاطف والبذلات الرجالية وللخيال. هذا هو قاموس "فيري" وهذه هي احرفي الابجدية التي اعبر بها عما في داخلي". وعلى الرغم من ظهور جاكيت ال "باركا" مع القلنسوة في العديد من عروض ازياء الموسم المقبل، الا ان "فيري" اضاف لمسة الرفاهية في استعماله ابدع الجلود المبطنة بالفروة السوداء، في طقم من احمر البطيخ المنعش. اما بذلات "فيري" النسائية فاستعمل لها الاقمشة الرجالية كالتويد الانكليزي التي تتخللها الخيوط اللماعة المشرقة والاقمشة المزخرفة، كالزجاج المنقوش في تشكيلة قوية الخطوط. وقص السراويل على شكل الجينز، مستعملاً اقمشة مجعدة، واستوحى الوانها الفستقية والزمردية من ازياء عهد الملك الفرنسي لويس السابع عشر. كما اعاد "فيري" اللون الاسود إلى فساتين السهرات الطويلة المنسابة والمشقوقة عند الجوانب. اما بلوزاته الجلدية، التي بطنتها الفروة الفاخرة، فصب عليه الذهب والنحاس لتليق بأفخر المناسبات. وكالمعتاد في كل موسم لمجموعة "جيانفرانكو فيري"، تعددت القمصان البيضاء التي وصفت بأنها ناعمة "كالغيوم"، وأكمامها منفوخة من التافتا والاورغنزا. ويرى "فيري" ان عالم الازياء في الماضي كان معقداً ومفرطاً بالزخرفة والحلى، ويقول انه ابتعد عن كل ذلك بتصاميمه الجديدة البسيطة التي يصفها بأزياء المستقبل، ويضيف "الاهتمام بالامور الشخصية في عالم الازياء زاد عن حده مثل الاهتمام بحياة عارضات ومصممي الازياء الخاصة، وأظن انه من المستحسن لو حافظنا على بعض الغموض في المستقبل".