لم تعد فرنسا وحدها تتباهى بازيائها الجميلة، فايطاليا صارت توازيها، ان لم تسبقها، في هذا المضمار. ويقول معظم المتابعين لاخبار الموضة ان بعض المصمّمين الطليان تفوقوا على الفرنسيين في اكثر من موقع في هذا العالم المليء بالخلق والابتكار، الامر الذي دفع بأكثر من ناقد الى القول بأن الشهرة لباريس والفعل لروما. ومهما تكن نسبة الصحة في هذا الكلام، فان مدينة اخرى هي "ميلانو" دخلت على خط المنافسة "الانيقة"، وصار لها دور بارز في تحديد معالم الموضة الجديدة، من هنا كان الاجتماع الضخم الذي عقد فيها منذ ايام لأهم مصممي ايطاليا، حيث عرضوا مجموعاتهم الجديدة لموسمي الخريف والشتاء المقبلين على اجساد اشهر العارضات المعروفات بالپ"سوبر موديل" كليندا ايفانجيليستا، وناومي كامبل، وكارين مولور، وكلوديا شيفر… نقطتان اساسيتان واذا كانت التصاميم التي عرضت جاءت جميلة وجديدة في معظمها فان نقطتين بارزتين توحدت حولهما ابتكارات "فيرساتشي" و"أرماني" وفالنتينو و"فيري" وغيرهم، وهما: التنانير الطويلة التي حلت مكان قصير الثمانينات، والبدلات التي احتلت مركزاً هاماً وناجحاً في مجموعات الثياب اليومية وازياء السهرات والحفلات معاً. وعلى الرغم من تحفظ الاسواق الايطالية بالنسبة لغيرها في اوروبا، اذ انها آخر من يتقبل صرعات الموضة المتغيرة باستمرار، فان مصمميها بدوا هذه المرة متفقين على ان التنانير الضيقة الطويلة، التي تصل الى الكاحل، هي الكلمة النهائية لأزياء الموسمين المقبلين. فظهرت تنانير "غوشتي" و"البرتا فيريني" نحيفة، يقطعها شق طولي من الخلف والحال نفسه في تنانير "جيل ساندر"، المصممة الالمانية الاصل، التي استعملت اجود انواع الجلود من لون "الشوكولاتا" الساحر. حتى دار "دولتشه ايه جابانا" الصقلي،التي تختلف عادة عن غيرها بصرعاتها الغريبة وابتكاراتها الجريئة، عرضت هذه التنانير الطويلة مشقوقة من الامام لتكشف عن بطانة حمراء فاقعة. وبالفعل كان اللون الاحمر شائعاً في الكثير من تصاميم 1992. التنانير الفضفاضة اما بالنسبة للنساء اللواتي لا يحبذن ارتداء هذه التنانير الضيقة، قام "موسكينو" و"إمبوريو أرماني" فرع المصمم جورجيو أرماني الارخص ثمناً للأصغر سناً، بتقديم التنانير الواسعة الفضفاضة والانيقة، التي وصلت الى ما تحت الكاحل. ولا شك ان هذه التصاميم الطويلة عرفت نجاحاً واضحاً لدى الجمهور، الذي صفق لها طويلاً في حين ان تنانير المصمم الكبير، "رفعت اوزبيك"، التركي الاصل، التي وصلت بعضها الى تحت الركبة فقط، لم تجد الاستقبال نفسه، على الرغم من ان تصاميمه جاءت خلابة ومستوحاة من فولكلور الهنود الحمر الذي كان ظهر سابقاً في تصاميمه، وعلق على ذلك بالقول "لقد اعجبتني الفكرة فقررت الاستمرار بها". البدلات بالنسبة للبدلات، فقد كانت توحي بالكثير من الانوثة والإغراء، ولكن في الوقت نفسه ظهرت مريحة وأنيقة من قصر طول "بناطيل" سراويل جورجيو ارماني التي وصلت الى منتصف الرجل، الا انها بدت انيقة مع جاكيتات رائعة مصنوعة من الصوف الناعم والمخمل الاسود. اما "جان فرانكو فيري" فكانت "بناطيله" اطول مستعملاً قماش الپ"فلانل" الرائج من اللون الرمادي. وعرفت "بناطيل" "غوتشي" نجاحاً هائلاً مع الجاكيتات المزدوجة الصدر، وفوقها المعاطف الجلدية التي وصل طولها الى الارض. وشاعت الاصواف الناعمة والجلود في هذه المجموعات. وجمع "دولتشه ايه جابانا" الاثنين معاً في مجموعة انيقة من البدلات المستوحاة من ثياب عصابات "الغانغستر" و"المافيا" في الثلاثينات. كما كونت المعاطف الطويلة جزءاً هاماً من ازياء هذا الموسم، فظهرت بألوان وأنسجة مختلفة، فيها شقوق عديدة تظهر من تحتها البدلات. واختار "فيرساتشي" - احد اهم مصممي الازياء في العالم - وغيره مثل "بيبلوس" و"جيني"، جاكيتات و"بناطيل" رعاة البقر الكاوبوي بألوان رائعة من المخمل القرمزي/القرميدي والزمردي. كما لقيت الاقمشة المرقطة كالنمور والحيوانات الوحشية التي كان قدمها لأول مرة المصمم المشهور "عز الدين عليه" في تصاميمه للموسم الماضي نجاحاً كبيراً في ازياء ايطاليا مرة اخرى. وعادت البدلات الانيقة لتأخذ مركزاً مرموقاً في ازياء السهرات والحفلات، من اروعها بدلة "جورجيو ارماني" السوداء التي استعمل في خطوطها الخيوط اللماعة لتبرق في الليل. وقال "لويجي ماراموتي" عن ازيائه التي صممها لدار "ماكس مارا" ان تصاميمهم موجهة الى المرأة النشيطة ذات الشخصية القوية التي تنتقي ما يعجبها ليس لأنه تصميم تحت اسم او علامة معينة بل لأنه يليق بها كامرأة واقعية تملك اسلوباً وذوقاً خاصين بالنسبة للازياء. آثار الأزمة الاقتصادية اما بالنسبة للحالة الاقتصادية العامة، فقد تناقضت الافكار، اذ انه في الوقت الذي قال فيه رئيس دار "كريزيا" للأزياء بان الازمة الحالية مبالغ فيها، وان الايطاليين قد اعتادوا على هذه الاوقات الصعبة اكثر من غيرهم، ظهر تقرير من "غرفة الموضة الايطالية الوطنية"، وهي هيئة تعنى بالازياء الايطالية، يبيّن تشاؤم وقلق الشركات المختلفة من ارتفاع الاسعار والركود الاقتصادي اللذين تعاني منهما ديار الازياء مجتمعة. وعلى الرغم من كل ذلك، اظهرت عروض "ميلانو" شجاعة هذه الشركات ودور الازياء وعزم المسؤولين عنها على الاستمرار في تقديم افضل ما لديهم من تصاميم مستعملين فيها اجود الاقمشة الموجودة. وقد يقول البعض ان تصاميم الموسم المقبل هذه لم تظهر فيها الابداعات والمبتكرات الجديدة، الا انها كانت انيقة وواقعية، ركز فيها المصممون اهتمامهم على الجودة في الصناعة والاقمشة المستعملة. تعددت الحفلات وعلى صعيد آخر، فقد تعددت الحفلات الرائعة بعد كل عرض كالعادة . فقام "جورجيو ارماني" بدعوة المغنية "تينا تيرنر" والممثلة - وعارضة الازياء السابقة - "كيم باسنجر" والمغني البريطاني الذي كسب شهرة عالمية "سيل" الى حفلته. وكانت حفلة "فيرساتشي" بالطبع كتصاميمه خيالية، اطلق عليها اسم "الثورة"، حيث دعا ضيوفه الشجعان الى مسرح اعتلاه فنان رسم الوشم على الاجسام، ومسرح آخر وقف عليه مصفف شعر جاهز لقص وتصفيف الشعر ووضع الماكياج. كما قامت "سوبر موديل" "ناومي كامبل" بالغناء للنجوم المدعوين قبل نهاية الحفل. وهكذا انتهى اسبوع ايطاليا لأزياء الخريف والشتاء لعام 1992، وكأن الحالة الاقتصادية التي يتكلم عنها السياسيون ما هي الاّ في مخيلتهم.