السعودية تستضيف المؤتمر العالمي رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات    آل سالم إلى «الثامنة»    احتفال سنان والصائغ بزواج ريان    مركز التنمية الاجتماعية بحائل ينفذ برنامج "الادخار العالمي" بالشراكة مع بنك التنمية الاجتماعية    الأخضر يدشن تحضيراته في أستراليا    ممثل رئيس جمهورية تونس يصل الرياض    تعادل أبها والعدالة إيجابياً في دوري يلو    ارتفاع منشآت القطاع الخاص إلى 1.35 مليون منشأة في 2024    «الصناعات العسكرية» تنظّم مشاركة السعودية في معرض الصين الدولي للطيران    161,189 مسافراً بيوم واحد.. رقم قياسي بمطار الملك عبدالعزيز    الدوسري مهدد بالإيقاف    الحق الأصيل    وزير الخارجية يترأس الاجتماع التحضيري للقمة العربية والإسلامية بالرياض    أحمد قاسم.. عرّاب الأغنية العدنية ومجددها    209 طلاب يتنافسون للالتحاق بالجامعات الأمريكية عبر «التميز»    القناوي: قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية تواكب النقلة في العلاج الجيني    السعودية واليمن.. المصير المشترك    5 أسباب لسقوط أسنان المسنين    تسلق الجبل الثاني.. رحلة نحو حياة ذات هدف    فلسفة صناعة كرة القدم    « ميامي الأمريكي» يفوز بجولة نيوم لكرة السلة «FIBA 3×3»    «جوجل» تلجأ إلى الطاقة النووية بسبب الذكاء الاصطناعي    المملكة تدين الهجوم الإرهابي في بلوشستان    مرحلة (التعليم العام) هي مرحلة التربية مع التعليم    وزارة الصحة تضبط ممارسين صحيين بعد نشرهم مقاطع غير لائقة    فلسطين تدعو لتدخل دولي عاجل لوقف الإبادة الجماعية    "روشن" تطلق هوية جديدة    عدم الإقبال على القروض    مهرجان الممالك القديمة    في مشهدٍ يجسد الحراك الفني السعودي.. «فن المملكة» ينطلق في«القصر الإمبراطوري» البرازيلي    الرياض.. تتفوق على نفسها    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    22.819 راكبا يستخدمون القطارات يوميا للتنقل بين المدن    النعاس النهاري بوابة لخرف الشيخوخة    عودة ترمب.. ذكاء الجمهوريين وخيبة الديمقراطيين !    Microsoft توقف عدة تطبيقات    لصوص الطائرات !    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    الزعيم صناعة اتحادية    تغير صادم لرائدة الفضاء العالقة    أمير القصيم يثمن جهود القضاء.. وينوه بجهود رجال الأمن    «وقار وصحة» ترعى كبار السن في القصيم    من الكتب إلى يوتيوب.. فيصل بن قزار نموذجا    القبض على شبكة إجرامية في الرياض    هيئة الأفلام وتجربة المحيسن.. «السينما 100 متر»    209 طلاب يتنافسون على الجامعات الأمريكية    جامعة أم القرى تبدأ استقبال طلبات التقديم على برنامج دبلوم الفندقة والضيافة    المملكة.. ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية والجمهورية اللبنانية    استخراج جسم صلب من رقبة شاب في مستشفى صبيا        أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    بلدية محافظة الشماسية تكثف جهودها الرقابية لتعزيز الامتثال    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    مراسل الأخبار    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمين الجميل لپ"الوسط" : هذه قصتي مع فضيحة طائرات هليكوبتر "بوما"
نشر في الحياة يوم 07 - 06 - 1993

منذ انكشاف امر فضيحة طائرات هليكوبتر "بوما" طوافات التي اشترتها الدولة اللبنانية على انها فرنسية، في حين تقول المعلومات اليوم انها رومانية ومستعملة، فان الاسئلة التي تطرح داخل لجنة التحقيق النيابية وفي الصحافة اللبنانية تتناول المسؤوليات: من كان يعلم ومن كان لا يعلم؟ من قبض ومن لم يقبض؟ من غشّ مَن؟ وما كان دور السلطات الفرنسية؟ هذه الاسئلة مطروحة جدياً اليوم في الساحة السياسية اللبنانية، خصوصاً ان معلومات تفيد ان هناك عمولات في هذه القضية تبلغ بضعة ملايين الدولارات والبعض يقول 18 مليون دولار.
ومنذ البداية ظهر انه يراد لهذه الاتهامات ان تطال اكثر من مرجع بل ان تطال اعلى المراجع في تلك الفترة، اي رئيس الجمهورية آنذاك امين الجميل. واذا كانت لجنة التحقيق النيابية لم تطلب منه الشهادة في هذه القضية حتى الآن فان التسريبات الصادرة من هنا وهناك تقول انه سيستدعى للادلاء بشهادته، بما يمكن ان يشكل سابقة في تاريخ الجمهورية اللبنانية.
والرئيس الجميل لم يسبق له ان عبّر بالتفصيل عن موقفه وعن رأيه بهذه القضية، لذا فتحنا معه هذا الملف. وقد روى الرئيس الجميل لپ"الوسط" بدايات هذه القضية التي تعود الى شهر تموز يوليو من العام الماضي، مؤكداً انه يشعر بأنه مستهدف وان النية هي الاساءة اليه بسبب مواقفه السياسية وموقعه داخل المعارضة. وتحدث الجميل عن الظروف التي احاطت بعقد صفقة طوافات "بوما" مع الحكومة الفرنسية مباشرة ومن غير اتصال مع الشركة الصانعة "ايروسباسيال"، وأكد ان الطريقة الفضلى للوصول الى الحقيقة تتمثل في التوجه الى القضاء الفرنسي. "الوسط" من جانبها علمت من مصادر مطلعة انه في بدايات العام 1983، طرح لبنان رغبته في شراء طوافات "بوما" فردّ المسؤولون الفرنسيون ان "ايروسباسيال" لم تعد تصنع في فرنسا هذه الطوافات وان البديل عنها هو "سوبر بوما". ورأت وزارة الدفاع اللبنانية وقيادة الجيش وقتها ان "سوبر بوما" متطورة جداً وتكنولوجيتها المتقدمة تستدعي اعادة تأهيل التقنيين والطيارين في دورات تدريب في فرنسا واعادة تجهيز المشاغل العسكرية، وان كلفتها مرتفعة والمبلغ المرصود لا يتيح شراء اكثر من طوافتي "سوبر بوما". فضلاً عن ذلك، فان سلاح الجو اللبناني لم يكن بحاجة لمثل هذا النوع. وعندما اعلن لبنان انه، ازاء هذا الواقع، سيعدل عن مشروع "بوما" ويشتري مكانها طوافات "اوغوستاربل" الايطالية، رد المسؤولون الفرنسيون بأن شركة "ايروسباسيال" التي أوقفت تصنيع هذه الطوافات في مصنعها الواقع في مارينيان، جنوب فرنسا، تتعهد بتجميعها خصيصاً للبنان. والمعلومات التي حصلت عليها "الوسط" تفيد ان شركة "ايروسباسيال" استعانت بما نسبته 15 في المئة من الاجزاء والقطع المصنوعة في الخارج وتحديداً في رومانيا لتجميع طوافات "بوما" اللبنانية. وعلمت "الوسط" ايضاً ان من بين هذه الاجزاء مقدّم الطائرة. وفي اي حال، فان عقد البيع المبرم بين فرنسا ولبنان لا ينص، بالحرف، على وجوب ان تكون الطوافات من صنع فرنسي وانما يقول ان تكون المعدات متجانسة مع المعدات المستعملة داخل الجيش الفرنسي. وان تتثبت منها هيئة SIAR المتخصصة في هذا المجال.
بداية القصة
يروي امين الجميل لپ"الوسط" قضية طوافات "بوما" على الشكل التالي: "بدأت قضية طوافات "بوما" في شهر تموز يوليو عام 1992. وكان رئيس الحكومة رشيد الصلح ووزير الدفاع ميشال المرّ في زيارة لفرنسا. وقتها، اوصل لي وزير الدفاع نوعين من الرسائل: النوع الأول من خلال اصدقاء في لبنان نقلوا اليّ أمنية ميشال المر الالتقاء بي في باريس ووفق ما نقله هؤلاء الاصدقاء، فان ميشال المر عنده قضايا يود ان يفاتحني بها. وجوابي على هذا الطلب كان ان عندي تحفظات كبيرة على ميشال المر وأنني افضل، قبل الاجتماع به، ان يحصل تمهيد يتناول المسائل التي يود طرحها عليّ لأنه من غير المناسب الاجتماع حتى نؤكد الاختلاف على قضايا عدة. النوع الثاني من الرسائل وصلني من خلال صحفيين، وفحواه ان هناك فضائح، ومنها فضيحة اسمها فضيحة طوافات "بوما"، وان من شأنها ان تهز لبنان وتحدث ضرراً كبيراً. وفي الرسالة ايضاً تأكيد بأن الوزير المر ما زال "يضبط" الفضيحة. وأعتقد ان الوزير المر تعمد ان يبلغني الرسالة بواسطة صحفيين ليتأكد انها ستصلني. هذا الامر حصل في 25 تموز يوليو الماضي. وفي 26 او 27 تموز يوليو اتصل بين جبران تويني وهو صهر ميشال المر وأخبرني انه يرغب الاجتماع بي مبعوثاً من قبل المر، فرحبت بذلك وبالفعل جاءني ليقول لي ان المر يود التداول معي بشؤون الانتخابات في المتن وهو راغب بالوصول الى التنسيق معي وأنه اذا حصل تعاون فان الوزير "يأخذ على عاتقه لملمة الامور ومساعدتك على تجاوز بعض المشكلات".
يضيف امين الجميل: "كان كلام جبران تويني عاماً. ولم يأتِ على سيرة طوافات "بوما". وعلى المرء ان يكون بالغ السذاجة حتى لا يفهم ان العملية تقوم على المساومة". واعتقادي ان جبران تويني جاءني بنية طيبة هي ان يوفق بيني وبين ميشال المر، ولم يكن عارفاً ان عمه كان ابلغني، قبل يومين، رسالة مفادها انه اطلع على فضائح كبيرة وانه ما زال يلجمها. اما بخصوص ما عرضه جبران تويني، مندوباً عن ميشال المر، فكان جوابي: "هذه امور يمكن ان نفكر بها. لكن الكلام الذي نقلته عمومي والافضل ان توافيني بتفاصيل محسوسة وملموسة حتى نفهم المطلوب. فأجابني جبران تويني انه سيتحدث مع الوزير وسيوافيني بما طلبت!! والحال انني بعد ثلاثة ايام ذهبت الى بيروت. ومن الأسباب التي زادت من رغبتي في العودة انني اشتممت نية لاختلاق فضائح من هذا النوع، ففضلت ان اواجهها وأنا في بيروت. ولكن، طيلة وجودي في لبنان، لم يجرؤ احد ان يسأل سؤالاً او ان يطرح هذا الموضوع. وقد بقيت في لبنان حتى العشرين من آب اغسطس، وموقفي من الانتخابات لم يكن المسالمة او المهادنة، انما لاتخاذ موقف وطني صريح. ومبادرتي في لبنان ساهمت في ظهور مقاطعة شبه شاملة للانتخابات النيابية التي لم يشارك فيها اكثر من 13 في المئة من الناخبين. ويبدو لي ان هناك نية ورغبة في تصفية الحسابات. وقضية طوافات "بوما" هي من ضمن القضايا التي ابتدعتها الحكومة اللبنانية وتبنتها لجنة التحقيق النيابية من اجل الاستمرار في نهج تطويق بعض القيادات وتعطيل دورها، وبصورة خاصة تلطيخ سمعتها وبالتالي مصداقيتها تجاه الشعب اللبناني والاطراف الدولية".
"لا علاقة لي بالصفقة"
ونسأل الجميل عن التحقيق الذي تقوم به اللجنة النيابية والخلاصات الأولى التي توصلت اليها وهي مبنية على استجوابات وشهادات مسؤولين مدنيين وعسكريين. ويرد الرئيس السابق على ذلك قائلاً: "ثمة خفة في التحقيق والطريقة التي تم بها حتى الآن تدل على انعدام الكفاءة. والواضح حتى الآن ان شركة فرنسية باعت لبنان طوافات عسكرية، والدولة اللبنانية تدّعي حصول عملية غشّ. وأبسط القواعد هي ان يقوم القضاء اللبناني، انطلاقاً من معاهدات قضائية ثنائية بين لبنان وفرنسا، بالطلب من القضاء الفرنسي التحقيق في هذه القضية. بامكان مدعي عام التمييز في لبنان ان يتصل من خلال وزارة الخارجية، ووفق الاصول المرعية، بالقضاء الفرنسي. واستناداً الى القوانين الفرنسية، فان القضاء مضطر لأن يحقق في هذه القضية وان يستدعي المسؤولين عنها، اي المسؤولين عن الشركة التي باعت هذه الطوافات الى لبنان. اذاً، ابسط القواعد وأضمن الطرق هي التحقيق مع الشركة المسؤولة عن هذه القضية باعتبار ان لبنان اشترى منها طوافات فرنسية، ودفع ثمنها على هذا الاساس وتبين لاحقاً انها ليست فرنسية. واعتقادي انه خلال شهر او شهرين يمكن كشف كل خفايا هذه المسألة بأن ينتدب المدعي العام الفرنسي محققاً يكشف على سجلات الشركة المعنية ويستجوب المسؤولين عنها ويوضّح هذه القضية سريعاً. اعجب كيف ان هذه الطريقة لم تستعمل. انها محض قضائية وبعيدة عن السياسة وليس للحكومة الفرنسية علاقة بها. وأنا اسأل: لماذا لا نذهب الى النبع مباشرة الذي هو في متناول اليد، ان قضائياً من خلال الاتفاقات القضائية الثنائية بين لبنان وفرنسا، او سياسياً طالما ان هناك علاقة مميزة اليوم بين رئيس الحكومة اللبنانية والحكومة الفرنسية، خصوصاً ان الحكومة الفرنسية التي ابرمت العقد مع لبنان اصبحت اليوم في المعارضة وان الحكم الحالي في فرنسا عنده مصلحة، في حال حصول مخالفات، ان يصفّي حساباته مع الحكومة الاشتراكية السابقة. ونعرف انه عندما اثيرت هذه القضية، فان رئيس الحكومة اللبنانية كان في باريس وقد استقبله كل المسؤولين الفرنسيين وكان بوسعه ان يطرح هذه القضية عليهم".
الخلاصة الثانية التي يصل اليها الرئيس الجميل تتناوله شخصياً باعتبار ان صفقة طوافات "بوما" تمت في عهده وان هناك من يوجه اصابع الاتهام اليه ويفكر باستدعائه للادلاء بشهادته امام اللجنة النيابية المولجة امر التحقيق في هذا الملف.
يقول الرئيس السابق: "لا علاقة لرئيس الجمهورية، من زاوية صلاحياته ومسؤولياته الدستورية، بهذه القضية، لا من قريب ولا من بعيد. الدستور يمنع رئيس الجمهورية من التعاطي بهذا الامر عقد الصفقات وشراء الاسلحة الذي هو من اختصاص وزارة الدفاع وقيادة الجيش حصراً. رئيس الجمهورية لا يتمتع بأية صلاحية، ومحروم من اية مبادرة او اي توقيع ومن السخافة اقحامه في هذه القضية الا اذا كانت هناك نية للاساءة والتجريح وتلطيخ السمعة". ويضيف الرئيس الجميل: "انا أتساءل كيف يمكن استدعاء رئيس الجمهورية للادلاء بشهادته وهو ما يعتبر خروجاً على الدستور اللبناني وخرقاً له. الدستور يمنع استدعاءه الا في حال حصول عمل جرمي ارتكبه رئيس الجمهورية خارج اطار صلاحياته الدستورية".
ونسأل الرئيس السابق: اذا طلبت لجنة التحقيق النيابية الادلاء بشهادتكم امامها، فهل ستلبون الطلب؟
- لم يطلب احد مني الشهادة. وجلّ ما هنالك تسربات في الصحف يقال انها صادرة عن لجنة التحقيق. ومعلوماتي ان الجزء الأكبر منها مختلق ولا علاقة له بالواقع. وحتى هذا التاريخ، لم تبلغني اللجنة اية اشارة، لا من قريب ولا من بعيد.
موقفكم المبدئي هو ان لا علاقة لكم بهذه القضية ولو طلبت منكم اللجنة الادلاء بشهادة فسيكون موقفكم الرفض.
- أنا لا اريد أن استبق الامور. وعندما يتم ابلاغي اية رسالة من اللجنة، فعندها سأتخذ الموقف المناسب.
أي لا موقف الآن، لا سلباً ولا ايجاباً؟
- لا سلباً ولا ايجاباً.
هل يجوز، بشكل عام ومن ناحية دستورية، للجنة برلمانية ان تطلب شهادة رئيس جمهورية سابق؟
- انني شخصياً سعيد جداً بفتح هذا الملف، لأنه منذ ان تركت الحكم يبدو ان شبح امين الجميل ما زال مخيماً على الساحة اللبنانية، حيث يتخوف البعض من عودتي المرتقبة الى لبنان. وأنا اتعرض منذ سنوات الى محاولات تمس كرامتي ومصالحي، حتى انها تناولت عائلتي وقضايا حميمة. وأنا مسرور كون هذا الملف فتح. وطيلة اربع سنوات، كنت اواجه اشباحاً واشاعات. وللمرة الأولى، اصبح للاشباح اسم هو اللجنة البرلمانية، وللاشاعات وجه هو "بوما". وهنا، اريد ان اقول انه لا بد للجنة النيابية ان تعترف بأنه للمرة الأولى في لبنان، وخلال عهدي، اخذت الدولة اللبنانية تعتمد مبدأ الاتفاقات الحكومية من دولة الى دولة في كل ما يتعلق بصفقات الاسلحة، سواء مع الولايات المتحدة الاميركية او مع فرنسا وذلك لالغاء دور السماسرة والعملاء والمستفيدين من العقود الدفاعية. وفي العقد الخاص بطوافات "بوما"، فان علاقة الحكومة اللبنانية كانت مع الحكومة الفرنسية مباشرة وقد دفع ثمن الطوافات من قروض منحتها الدولة الفرنسية للدولة اللبنانية لمدة ثماني سنوات. وقد حصل التعاقد حول طوافات "بوما" مع الحكومة الفرنسية بحيث لم يكن للحكومة علاقة مع الشركة الصانعة للطوافات واقتصرت علاقتنا على الحكومة الفرنسية.
زوبعة في فنجان
يفصل الرئيس الجميل الظروف التي احاطت بهذه الصفقة مع فرنسا فيؤكد انه عندما طرحت مسألة حاجة الجيش اللبناني الى اسلحة ومعدات فرنسية، ومنها طائرات "بوما"، فانه دخل في نقاش حول هذا الموضوع مع كلود شيسون، وزير الخارجية الفرنسية وقتها، الذي زار بيروت في شهر نيسان ابريل عام 1983. ويؤكد الجميل ان الحكومة الفرنسية كانت مترددة في البداية في قبول مبدأ الاتفاقات الحكومية من دولة الى دولة، الا انها انتهت الى القبول وكلفت مؤسسة تابعة لوزارة الدفاع اسمها "سوفرانتيم" بأن تكون ممثلة الحكومة الفرنسية لدى الحكومة اللبنانية، وان هذه الاخيرة تعاطت معها على انها مؤسسة رسمية تنوب عن الحكومة الفرنسية في الاتصال بالشركات صانعة السلاح في فرنسا. ويشدد الرئيس السابق على ان البروتوكول الموقع بين لبنان وفرنسا ينص على ان العقود تتم من غير وساطة ومن غير دفع اية عمولات. ويشدد ايضاً على ان دور رئيس الجمهورية كان في تحديد مبدأ التعامل من دولة الى دولة الذي يحصّن الادارة، وان دور مجلس الوزراء اقتصر على تحديد اصول التعامل التي تؤكد نزاهة العقود الدفاعية ومنع المداخلات الغربية حفاظاً على الخزينة اللبنانية وضماناً لمصلحة المواطن. ووفقاً لهذه الطريقة، فان الحكومة الفرنسية هي المسؤولة عن الاتصال مع الشركة التي تصنّع طوافات "بوما".
ونقول للرئيس الجميل ان شركة "اوروكوبتر" المتفرعة عن الشركة الأم "ايروسباسيال" لم تكن في العام 1983 تصنع طوافات "بوما" وبالتالي كيف يمكن لهذه الشركة ان تبيع طوافات لا تصنعها؟
يجيب الرئيس السابق على هذا التساؤل بقوله: "هذه التفاصيل ليست من صلاحياتي. وهي تعني قيادة الجيش. نحن وضعنا السياسة الدفاعية العامة ووضعنا الاسس التي يمكن لقيادة الجيش ان تتعاطى من خلالها مع الدول الاجنبية لشراء الاسلحة".
ثم نسأل: هل يمكن اعتبار ان الشركة الفرنسية الصانعة لهذه الطوافات خدعت السلطات اللبنانية وباعتها طوافات رومانية الصنع على انها طوافات فرنسية؟
يجيب: "هذا الموضوع بالذات من اختصاص القضاء الفرنسي المؤهل للبحث فيه. واذا كان للدولة اللبنانية من دليل على ذلك، فيمكنها ان تتعاون معه بما يسهّل كشف هذا الجرم والاقتصاص من المذنبين. هذه اسهل الطرق. نحن هنا تعوزنا الصلاحيات والمعطيات. وبرأيي ان الطرف الوحيد القادر على القيام بهذه المهمة والاتصال بالشركة الصانعة هو القضاء الفرنسي الذي يستطيع استدعاء مدير "ايروسباسيال" واستجوابه حول الدلائل التي تقدمها الحكومة اللبنانية. واذا ثبتت الاتهامات، فان القضاء الفرنسي سيقتص من شركة "ايروسباسيال" ويلزمها بدفع عطل وضرر بما يخدم الخزينة اللبنانية ويساعد الجيش اللبناني على ان يتجهز من اموال التعويضات. وفي اي حال، فان صلاحياتي الدستورية كانت داخل مجلس الوزراء في رسم السياسة الدفاعية وارساء مبدأ جعل الاتفاقات الدفاعية من دولة الى دولة وتحاشي اية شائبة. واذا حصلت مخالفات، فهناك طرق لكشفها. وتنفيذ السياسة الدفاعية كان مناطاً بوزارة الدفاع التي تعاطت مع الحكومة الفرنسية، في ما خص طوافات "بوما". نحن لسنا على علاقة بهذه القضية والدستور يمنعنا من التعاطي بمثل هذه الأمور.
أي تعتبرون أنكم مستهدفون شخصياً والغرض من هذه القضية الإساءة الى أمين الجميل؟
- الغرض من كل ذلك الاساءة اليّ. اذا كانت هناك مخالفات، فانها ثبتت عندما تسلّمنا هذه الطوافات. والواقع ان عملية الاستلام حصلت في عهد الرئيس كرامي والرئيس عادل عسيران الذي كان وزيراً للدفاع ومسؤولاً عن تشكيل اللجان التي ذهبت الى فرنسا وتسلمت الطوافات بالتعاون مع المجلس العسكري الجديد في حينه، وحتى الآن، لم نسمع بأن وزير الدفاع أو أعضاء المجلس العسكري تم استدعاؤهم للتحقيق معهم. وكل ذلك يثبّت قناعتي بأن ثمة قراراً مسبقاً بإظهار المجرم شخصاً معيناً وكل التحقيق يصب لاثبات هذا الأمر. ومسار التحقيق يظهر ان الأطراف التي كانت تقع عليها المسؤولية الادارية لم يوجه اليها أي سؤال. هنا الطرافة، وهنا يظهر ان الاساءة متعمدة، ومن السخافة اعتبار ان رئيس الجمهورية كان عنده في تلك الفترة الوقت للاهتمام بمثل هذه الأمور.
معلومات الصحف تقول انه حصلت مخالفات في طرق صرف الأموال العائدة لتمويل هذه الطوافات.
- هذه الأمور يجب أن تكون من مسؤولية وزير المالية الذي كان يومها الرئيس كرامي وكذلك على عاتق وزير الدفاع عادل عسيران وقائد الجيش العماد ميشال عون والمجلس العسكري.
ما هي تتمة هذه القضية في نظركم؟
- سيتبين ان هذه الضجة زوبعة في فنجان، وكذلك سيظهر حرصنا على أن تكون هذه الأمور منزّهة وفوق كل الشبهات ولن تتمكن اللجنة النيابية من طمس الحقيقة لأنها لا تتعلق فقط بالدولة اللبنانية وانما تتناول علاقات لبنان بفرنسا. يمكن طمسها في لبنان ولكن لا يمكن طمس المستندات التي وقعها وزير الدفاع في فرنسا.
والكلام على السمسرة والعمولات...
- أنا لا أدخل في التفاصيل. فمسؤوليتنا كانت في تحصين الادارة وتجنيبها مداخلات الوسطاء والعملاء. واذا كانت هناك دلائل على وجود فضيحة وان شركة "ايروسباسيال" غشّت الدولة اللبنانية، فالقضاء هو المرجع وهذا هو دوره.
كيف تنظرون الى مسألة التعيينات التي حصلت في لبنان؟
- عندي ملاحظتان بشأنها: الأولى أنها طعنة لاتفاق الطائف الذي أناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء، والحال ان هذه التعيينات حصلت خارجه وبمشاركة غير الوزراء، مثل رئيس مجلس النواب الذي أصبح طرفاً أساسياً في قضية التعيينات. وهذه التعيينات تطعن في صلاحية الوزراء الذين تتوجب عليهم الاستقالة اذا كانوا يتمتعون ببعض العنفوان. اذاً، هذه التعيينات تطعن الدستور مما يجعلنا نتخوف من خرق الدستور في المستقبل.
الملاحظة الثانية ان التعيينات تمت وفق معيار الولاء، إما الحزبي أو المالي.
ولكن بعيداً عن التعيينات، أريد ان أتوقف عند أمر أساسي، هو ضرورة ان نتحضر للاستحقاق الكبير الذي تمثله التغييرات المنتظرة في الشرق الأوسط عام 1994. عام 1994 سيدخل المنطقة في مرحلة جديدة متغيرة كلياً عما نعرفه. اذا نجحت مفاوضات السلام أم لم تنجح، فستكون لها انعكاسات على المنطقة، وبالطبع، هذه الانعكاسات ستكون أكبر اذا نجحت المفاوضات. لذا أتمنى ان يحصل تغيير جذري في السياسة اللبنانية وفي كيفية التعاطي بالأمور الوطنية. ففي الماضي، كان التركيز على اتفاق الطائف ثم الانتخابات ثم الصلاحيات... واعتقادي ان كل ذلك أصبح ثانوياً. المتغيرات ستجرف كثيراً من القضايا في العالم العربي وليس في لبنان فقط، ولبنان الحلقة الأضعف وستحصل المتغيرات على حسابه، وهنا الخطورة. لذلك المطلوب من الحكم أن يكون عنده موقف قيادي، ومطلوب من المعارضة والفئات الأخرى وقفة وجدانية بحيث يتوقف الجدل البيزنطي حول قضايا تجاوزها الزمن. النظام يمكن تغييره وكذلك الاشخاص، انما إذا ذهب الوطن، فالكل سيكون خاسراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.