سؤال: من هي الشخصية الأكثر شعبية في ايطاليا؟ الرجل السياسي أم رجل الاعمال أم المغني أم لاعب الكرة؟ الجواب: الشخصية الأقرب الى الناس هي قاضي التحقيق. هذه النادرة ليست من ابداع الكوميديين الايطاليين وليس غرضها أن تحط من مقام هذا السياسي او ذاك. انها بكل بساطة، تعكس ظاهرة حميمة وعميقة تضرب حالياً كل ايطاليا وتتمثل في انهيار نظام سياسي وقيمي بكامله. فقاضي التحقيق في ايطاليا اصبح رمزاً للاستقامة ونظافة الكف ورفض النظام الفاسد بكل سياسييه المرتشين والغارقين في الفضائح حتى الاذنين، وهو ايضاً رمز الحرب على المافيا. في ايطاليا كلها، لم يبق رجل سياسي مرموق، شغل منصباً مرموقاً في السنوات العشرين الاخيرة، الا وظهر اسمه في هذا التحقيق او ذاك، في هذه الفضيحة او تلك. وفي هذه المعمعة تتساوى الرؤوس، فلا فرق بين شيوعي او اشتراكي، بين ليبيرالي او منتمٍ الى حزب الديموقراطية المسيحية الذي حكم ايطاليا، من غير انقطاع، منذ قيام الجمهورية عام 1948! بعض الارقام مفيد ويدل على قوة هذه الهزة السياسية التي تضرب الطاقم السياسي في ايطاليا. ففي شهر شباط فبراير 1992 اطلق قاضي التحقيق في مدينة ميلانو انطونيو دي بيترو عملية "الأيدي النظيفة" في هذه المدينة الواقعة في قلب "المثلث الصناعي" الايطالي، وهدف العملية ملاحقة الفاسدين والمرتشين والمغتنين على حساب الدولة والمدينة، وبدأت العملية عندما وقعت في يدي القاضي فاتورة بقيمة 6 آلاف دولار، تبين لاحقاً انها عمولة دفعتها شركة اشغال عامة لسياسي محلي. وشيئاً فشيئاً أخذ القاضي دي بيترو يتوسع في تحقيقه. وأخذت الرؤوس بالتدحرج واحداً بعد الآخر. ومن ميلانو، انتقلت عدوى عملية "الأيدي النظيفة" الى كل انحاء ايطاليا وتكاثر قضاة التحقيق الذين حذوا حذو القاضي دي بيترو. وهذه بعض النتائج: اندريوتي والمافيا خلال اربعة عشر شهراً فقط، أدت عملية "الأيدي النظيفة" الى توقيف 1356 شخصاً من السياسيين والمنتخبين المحليين والاداريين ورجال الاعمال. وأدت ايضاً الى فتح تحقيق عدلي بحق 1200 شخص. والى ذلك فان 1487 صناعياً ورجل اعمال و852 موظفاً عالياً و152 نائباً هم موضع تحقيق من قبل القضاة في كل انحاء ايطاليا. وحتى تكتمل الصورة، لا بد من الاشارة الى ان سبعة وزراء استقالوا في الاسابيع الاخيرة بسبب ضلوعهم في فضائح كبيرة وان سبعة اشخاص مشهورين، في الحقل العام، فضّلوا الانتحار! اما رمز الرموز التي سقطت في الوحل فهو جوليو اندريوتي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء سبع مرات وكان وزيراً للخارجية في حكومات متعاقبة وهو في الوقت الحاضر سناتور في مجلس الشيوخ لمدى الحياة. احدث اتهام اندريوتي، الرجل الشهير بقامته الهشة وانحناءته المعروفة، بالتواطؤ مع المافيا وتغطيتها ومنع العدالة من ملاحقة اعضائها والتعاطي معها والافادة من دعمها ومن اموالها، فعل القنبلة السياسية التي ضربت ايطاليا في الصميم. وجاء اتهام اندريوتي في تقرير من مئات الصفحات اعده القضاة في مدينة باليرمه في صقلية ويتضمن اعترافات بعض كبار اعضاء المافيا الذين وضعت العدالة الايطالية اليد عليهم وقبلوا التعاون معها مقابل تخفيف عقوباتهم. وأندريوتي المتهم بالتعاون مع المافيا ليس فقط رئيساً سابقاً للحكومة، انما هو خصوصاً تجسيد للعجيبة الايطالية والركن الاساسي في هذه الجمهورية الايطالية الأولى التي قامت عام 1948. وعندما يسدد قضاة التحقيق اصابع اتهامهم الى جوليو اندريوتي، رئيس الحكومة المولج الحفاظ على الدستور وضمان سيادة القانون، فان عالماً كاملاً في ايطاليا ينهار اذ انه يظهر، في وضح النهار ان دولة القانون والديموقراطية في ايطاليا ليست سوى قشرة خارجية تغلف نواة مهترئة. واذا كان معروفاً ان الدولة الايطالية، بواسطة اجهزتها السرية توكأت في بعض المراحل التاريخية على المافيات لمحاربة اليساريين والشيوعيين وكذلك لضرب منظمة الالوية الحمراء، فان انغماس رئيس الحكومة في التستر على جرائم بعض اعضائها ومساعدتهم على التنصّل من شباك العدالة، كل ذلك امر لا يطاق بالنسبة الى المواطن الايطالي العادي. وتأتي اعترافات "التائبين" من اعضاء المافيا لتؤكد ان اندريوتي كان على علاقة مباشرة بزعماء مافيا "كوزا نوسترا" المتجذرة في صقلية وانه التقى بهم شخصياً وساعدهم وأعتمد عليهم. وفداحة الصدمة مردها الى الصور الرهيبة للمافيات الايطالية ولعمليات الارهاب التي قامت بها ضد قضاة التحقيق الذين حاولوا الوقوف بوجهها وكسر شوكتها وشوكة الاجرام بشكل عام، وكذلك ضد السياسيين الذين رفضوا الخضوع لقانونها، او قادة قوى الامن الذين اصابهم رصاصها. وأبرز هؤلاء الجنرال ديلا شيازا الذي ارسلته حكومة روما الى صقلية لاقرار الامن فيها وضرب ارهاب المافيا المحلية. هذا الجنرال سقط مع سائقه وحرسه قتلى رصاص المافيا. وها هو ابنه ناندو ديلا شيازا يرفع في مدينة ميلانو لواء النظام السياسي الجديد المتخلص من فساد السياسيين ومن ارهاب المافيا. وقد طفح كيل الايطاليين عند اغتيال القاضي جيوفاني فالكوني في شهر ايار مايو من العام الماضي. فالكوني كان الرجل الذي يتمتع بأكبر حماية امنية في ايطاليا كلها. ومع ذلك، فان رجال المافيا عرفوا كيف يصلون اليه وكيف يغتالون امل الايطاليين وتوقهم الى الهواء النقي. وأثناء جنازته نزل الى الشوارع مئات الآلاف من الايطاليين ليهتفوا بشعارات تنادي بسقوط "السياسيين القتلة". وبعد وقت قصير على مصرع فالكوني اغتالت المافيا قاضي تحقيق آخر هو بورسالينو. هكذا يبدو النظام السياسي والاقتصادي والمالي في ايطاليا فاسداً في كليته. وهو كالسمكة، فسد اولاً من رأسه. وهذا الفساد كان يؤدي، دورياً، الى فواجع، منها مثلاً مقتل الدو مورو، الركن الآخر من اركان حزب الديموقراطية المسيحية والدولة الايطالية وعجيبتها الاقتصادية. ألدو مورو، خطفته الألوية الحمراء، عام 1978، طوال اشهر عدة، وعلى رغم الرسائل المؤثرة التي بعث بها من اسره الى رفاقه في الحزب وأصدقائه في الدولة، الا ان المسؤولين فضلوا عدم تلبية طلبات الخاطفين، مع تيقنهم بأن رفضهم سيؤول الى اعدام ألدو مورو، وهو الامر الذي تم فعلاً، فقد عثر على الدو مورو ميتاً في صندوق سيارة! وظهر اخيراً من اعترافات بعض اعضاء المافيا الموجودين حالياً في السجون الايطالية ان المسؤولين الايطاليين، في ذلك الوقت، ضحّوا بألدو مورو لأنهم ارادوا التخلص من رجل اطلع على الكثير من تفاصيل التداخل بين السلطة ورأس المال وعالم الاجرام، الامر الذي آل به الى حتفه. الفضائح تطال الوزراء اذا كان صحيحاً ان حالة جوليو اندريوتي، على رغم نفيه الشديد، كثير القلق والاشمئزاز، الا انها ليست حالة وحيدة او معزولة. مسلسل اندريوتي موضع تنافس مع مسلسل آخر صاحبه بتينو كراكسي. وهذا الاخير ليس رجلاً نكرة في ايطاليا او سياسياً من الصنف الثاني. كراكسي هو الزعيم التاريخي للحزب الاشتراكي الايطالي الذي كان طموحه الدائم ان يوجد "الطريق الثالثة" بين الرأسمالية القائمة على نظام السوق والتي يمثلها في ايطاليا الديموقراطية المسيحية وبين الماركسية الشيوعية التي يمثلها الحزب الشيوعي. وقد شارك الاشتراكيون الايطاليون في حكومات كثيرة. وفي العام 1983 اصبح بتينو كراكسي رئيساً للحكومة، واستمر في هذا المنصب حتى 1987. وأمل كراكسي الدائم كان ان تقوى شعبية الحزب الاشتراكي حتى يكون محوراً للحياة السياسية في ايطاليا. وحقق كراكسي عندما كان رئيساً للحكومة، نجاحات اقتصادية عديدة. وفي عهده فاق الدخل القومي الخام في ايطاليا، للمرة الاولى، الدخل القومي الخام في بريطانيا، وأكدت ايطاليا حضورها الاقتصادي على المسرح العالمي بحيث اصبحت القوة الاقتصادية السابعة اوالسادسة. غير ان كراكسي هذا اصبح اليوم من الماضي... البعيد، فهو موضع 14 تحقيقاً عدلياً كلها تتهمه بالفساد والارتشاء والاثراء ومخالفة القوانين والاستيلاء على اموال الغير والاحتيال على قانون تمويل الاحزاب. وقد اضطر كراكسي ازاء هذا السيل من التهم والفضائح الى الاستقالة من قيادة الحزب الاشتراكي، ويدرس البرلمان، في الوقت الحاضر، طلب رفع الحصانة النيابية عنه لتتم محاكمته. وبدوره اصيب الحزب الجمهوري برذاذ الفضائح، فأحد وزرائه البارزين الذي كان الايطاليون يتوقعون له مستقبلاً زاهراً، وهو جيورجيو لا فالفا، اضطر للاستقالة بسبب اتهامه بالفساد، وبتهم اخرى شبيهة بالتهم الموجهة الى كراكسي. وآخر الغيث ان النيابة العامة في صقلية طلبت، قبل ايام، رفع الحصانة النيابية عن وزير الدفاع الحالي سالغو أندو بتهمة انتهاك القانون الانتخابي وجنح اخرى. وكذلك فان وزير العدل السابق كلوديو مارتلي موضع تحقيق قضائي آخر حيث تتهمه العدالة بقبض عمولة بقيمة 3 ملايين دولار في عملية بناء محطة كهربائية، في حين استمع القضاء الى كراكسي كشاهد هذه المرة في قضية بيع بلجيكا 46 طائرة هليكوبتر من نوع أوغوستا والعمولات الكبيرة التي دفعت في هذه العملية. المال والسلطة والمافيا اذا كانت المعكرونة رمزاً للمأكولات الايطالية، فان شركة فيات التي مقرها مدينة تورينو، رمز الحداثة والقوة الصناعية في ايطاليا. ذلك ان فيات تضمن 5 في المئة من الناتج الداخلي الخام في ايطاليا. وفيات عنوان القوة والنجاح هي اليوم موضع تساؤلات كثيرة. فها هو رئيس شركة فيات انيلّلي، الذي يعتبر من اكثر الشخصيات نفوذاً في ايطاليا، يشدد على دوره في عملية الافساد الشاملة وتمويل الاحزاب السياسية بما يخالف القانون. وقد بلغت الصراحة بالمدير المالي الى حد القول انه كان من غير الممكن رفض دفع الاموال الطائلة الى الاحزاب السياسية كلها، ومن غير استثناء. فالامتناع عن الدفع يعني المشاكل والمضايقات والتحقيقات الادارية والتشدد في الرقابة. الدفع جزء من القاعدة، غير المكتوبة في ايطاليا، الأمر الذي يؤكده رجل اعمال ايطالي آخر هو كارلو دي بينيديتي الذي يدّعي ان الصعوبات التي واجهتها شركته اوليفيتي مردها العصي التي وضعتها الحكومة في دواليبه بسبب رفضه الخضوع للابتزاز المالي. ومن الامثلة الفاضحة ان هيئة المحروقات العامة التابعة للدولة كانت المضخة التي غذّت الحسابات المصرفية المرقمة للسياسيين الايطاليين ولأحزابهم في سويسرا وغيرها. هذا الفساد العمومي في ايطاليا يشد الانظار الى العلاقة الغامضة القائمة بين السلطة السياسية والمال والمافيا. وقد عاشت ايطاليا عليه طيلة 45 عاماً، وهو، وفق ما يقوله الاختصاصيون في الشؤون الايطالية، المصدر الرئيسي للهزات لا بل للانهيار الذي يصيبها اليوم. واذا كان صحيحاً ان الديموقراطية المسيحية احتكرت حكم ايطاليا منذ ولادة الجمهورية الاولى، فالصحيح ايضاً ان النظام السياسي كان دائم الاهتزاز ووتيرة الازمات الحكومية في ايطاليا هي الأعلى من بين كل الديموقراطيات الغربية. ايطاليا عرفت في مدة 45 عامآً ما لا يقل عن 52 حكومة اي ان معدل عمر الحكومة هو اقل من عام وبعض الحكومات كان يسقط قبل حصوله على الثقة في البرلمان. اما السبب في ذلك فمرده نظام تكاثر الاحزاب الذي يفرزه النظام الانتخابي القائم على قاعدة النسبية المطلقة. ولأن الحكومات كانت تقوم على تحالف الاحزاب وفي السنوات الاخيرة كانت بعض الاحزاب المهمة تتحالف بشكل دائم، الديموقراطية المسيحية، الحزب الاشتراكي، الحزب الليبرالي، الحزب الجمهوري... فان اسلوب الحكم نهض على توزيع المناصب والمغانم، مما يدفع الى الفساد واستشراء المحسوبية واستقواء الاجهزة الحزبية وسعي كل حزب لاستغلال نفوذه وتوسيعه وجمع الاموال والثروات. الامر نفسه يحصل على المستوى المحلي والبلدي حيث التحكم، ادارياً، بمنطقة او مدينة يعني فرض عمولة معينة على كل الاعمال العامة والخاصة وتحكماً بالقطاعات الاقتصادية الاكثر انتاجية. ولا بد، حتى تكتمل الصورة، من النظر الى التداخل القائم، في ميدان الاعمال، بين المافيات الرئيسية التي تبسط يدها على قطاع العقارات والبناء مثلاً وبين السلطات المحلية. الجمهورية الجديدة جيوفاني دي ميكليس، وزير الخارجية السابق، رجل يحب الحياة الصاخبة. وقد درج هواة الليل في العاصمة روما الذين يرتادون النوادي الفخمة على رؤيته بشعره الطويل المتدلي حتى كتفيه ومن غير ربطة عنق. غير ان جيوفاني دي ميكليس عدل عن هذه العادة ليس لأن النوادي اقفلت ابوابها في روما بل بسبب الفضائح التي لحقت به شخصياً وهو عمدة مدينة البندقية السابق وبسبب الروح الجديدة التي تهب على المجتمع الايطالي وعنوانها الرغبة في التغيير وفي بناء جمهورية جديدة تكون مختلفة ومنقطعة عن الجمهورية الأولى وعن فسادها وممارساتها الشائنة. هذه الرغبة هي التي تفسر موجة التفاؤل التي وصلت الى ايطاليا عقب الاستفتاءات الثمانية التي جرت فيها يوم 18 و19 نيسان ابريل. وايطاليا، اليوم، تعج بنقاش فكري، سياسي وسوسيولوجي حول النظام الجديد وضرورة وصول دم جديد الى السلطة، وكذلك حول فائدة الاستمرار في عملية "الأيدي النظيفة" التي سعى رئيس الحكومة جوليانو اماتو الى دفنها بأن حمل البرلمان، الشهر الماضي، على اقرار قانون عفو عام عن جنح التمويل الحزبي. غير ان رئيس الجمهورية سكالفارو رفض التوقيع على القانون واصداره، الامر الذي سمح لقضاة التحقيق الاستمرار في عملهم. وما يخشاه الاصلاحيون الايطاليون اليوم، امثال صاحب مبادرة الاصلاح الدستوري ماريو سايني او الروائي وعالم الاجتماع أمبرتو ايكو، هو ان تنجح الاحزاب القديمة في الالتفاف على الروح الجديدة وتجييرها لصالحها، وان تفعل مع الجمهورية الثانية ما فعلته مع الجمهورية الاولى. ما هي صورة وقوام الجمهورية الثانية؟ يبدو من السذاجة الاعتقاد بأن الاستفتاءات الثمانية الاخيرة ستغير النظام السياسي في ايطاليا في العمق بما يبرر الحديث عن جمهورية ثانية. وحماس كتبة الافتتاحيات في الصحف الايطالية مصدره الخلط بين الرغبة في التغيير والتغيير الفعلي. فمن الاستفتاءات الثمانية، وحده الاستفتاء الأول الخاص بطريقة انتخاب اعضاء مجلس الشيوخ يدخل تغييراً في النظام الانتخابي في ايطاليا. فهو يحل نظام الاغلبية مكان النسبية المطلقة، وذلك في ما يخص ثلاثة ارباع الاعضاء، في حين ان انتخاب الربع الباقي سيستمر وفق النظام القديم. وقد صوت لصالح هذا التغيير 7،82 في المئة من المقترعين، الامر الذي يعكس الرغبة في التخلص من نظام يرى فيه الكثيرون مصدر الارتباك السياسي في ايطاليا وتكاثر الازمات السياسية. غير ان هذا التغيير لن يكون له اي وقع ما لم يتناول مجلس النواب البرلمان. وحتى يتم ذلك يجب اجراء استفتاء آخر ربما يتم في الاشهر القليلة المقبلة. وفضيلة الانتقال من النسبية المطلقة الى الاغلبية انه يسهل ظهور اكثرية قوية بما يضمن الاستقرار ويعطي للحكومات المنبثقة عنها، كما في فرنسا مثلاً، الوقت الكافي والدعم اللازم حتى تنفذ برنامجها الانتخابي. اما الاستفتاء الآخر المهم فهو الذي يتناول تمويل الاحزاب السياسية التي كانت ترصد لها الدولة مبالغ كبيرة في الموازنة العامة. ونتيجة الاستفتاء تلغي التمويل الحكومي، وستكتفي الدولة بتمويل المصاريف الانتخابية. ولكن من الممكن سرد بعض التحفظات على الطريقة الجديدة التي صوت لصالحها ما يزيد على 90 في المئة من المقترعين الايطاليين وأولها ان الفساد لم يكن بسبب التمويل الحكومي بل بسبب التمويل الخاص غير الشرعي المتأتي من فرض العمولات او حتى الخوّات على المؤسسات والشركات، وبالتالي فما الذي يضمن ان هذه الممارسات، بعد ان اختفى مصدر شرعي من مصادر التمويل الحزبي، ستختفي؟ الواقع ان الاستفتاءات الثمانية الستة الاخرى تتناول الغاء وزارة السياحة والزراعة وتعيين مديري مؤسسات التوفير... ليست سوى بداية. والمهم فيها انها تعكس رغبة شديدة في التغيير. وبمعنى ما، يمكن القول ان حق الكلام والقرار عاد الى الشعب ولم يبق حكراً على الاحزاب والسياسيين الذين صادروه منذ عشرات السنوات. وما يهم الايطاليين الآن ان المسؤولين والسياسيين الفاسدين أبعدوا عن المسرح، وكثير منهم وجد طريقه الى السجن، وان القضاء استعاد حرية التحرك والملاحقة ومحاربة نفوذ المافيا وكسر قاعدة الصمت. وكذلك فان وجوهاً جديدة اخذت بالظهور وربما تكون قادرة على احداث العجيبة الايطالية الثانية.