سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ندوة "الوسط" في القاهرة حول السؤال الكبير : لماذا يتطرفون في مصر ؟ . هل يستطيع الاخوان المسلمون احتواء ظاهرة العنف اذا سمحت السلطات المصرية لهم بتشكيل حزب سياسي ؟ 3
هذه هي الحلقة الثالثة والاخيرة من الندوة الخاصة التي عقدتها "الوسط" في مكتبها في القاهرة حول لجوء الجماعات الاسلامية المتطرفة الى العنف. وجرى النقاش في هذه الندوة على أساس مجموعة اسئلة: لماذا يتطرفون في مصر؟ وكيف يمكن وقف مسلسل العنف الدامي بين الجماعات الاسلامية المتطرفة والنظام في مصر؟ وما هي العوامل الرئيسية، الداخلية والخارجية، التي تساهم في دفع جماعات اسلامية الى استخدام اساليب العنف وعمليات الاغتيال في مواجهتها مع النظام ومؤسسات الدولة ورموزها؟ هذه الاسئلة كانت محور الندوة التي أدارها عمرو عبدالسميع وشارك فيها خمسة خبراء ومفكرين بارزين مهتمين بظاهرة التطرف ومعنيين بها. والخمسة هم: الدكتور علي الدين هلال، رئيس قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة ومدير مركز البحوث والدراسات السياسية التابع للجامعة نفسها. الدكتور عصام العريان، ممثل الاخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري من 1987 الى 1990، وهو عضو في مجلس نقابة الاطباء المصرية وله كتابات في مجال الدعوة الاسلامية. الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد المصري السابق وعضو مجلس الشعب وعضو اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم. محمد عمارة، كاتب ومفكر اسلامي بارز، له مؤلفات وأبحاث عدة. هالة مصطفى، خبيرة في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في "الاهرام"، وصدر لها اخيراً كتاب بعنوان "الاسلام السياسي في مصر، من حركة الاصلاح الى حركة العنف". وفي ما يأتي الحلقة الاخيرة: احدى القضايا المهمة التي ابرزتها هذه الندوة حتى الآن هي اختلاف انواع العنف الذي تمارسه الجماعات المتطرفة باسم الاسلام. كيف يرى الدكتور مصطفى السعيد هذا التباين؟ - مصطفى السعيد: ربما نستطيع الآن ان نتفق على انه يجب التمييز بين اكثر من نوع للعنف، لقد برزت هذه الحقيقة في الندوة، ومن المفيد ان نؤكدها، فما هو سائد الآن - على خلاف الاربعينات - هو ذلك العنف الناجم عن فكر عقائدي، وبالتالي فعندما نتحدث عن كيفية وقف تيار العنف لا بد ان نواجه هذا العنف على حسب طبيعته الحقيقية، اي اننا ازاء عقيدة وليس امام تكتيك سياسي معين، كما كان الحال في مرحلة سابقة. مع اقتناعي التام بأننا ما زلنا في ديموقراطية وليدة التكوين، والمدخل الأساسي حتى نواجه هذه العقيدة الدافعة الى العنف والتطرف هو مواجهته بفكر آخر اكثر تطوراً وأكثر استنارة، وهنا يقع العبء على المفكرين الاسلاميين، سواء في المؤسسات الاسلامية التقليدية كالأزهر او في الجماعات الاسلامية، وأهمها جماعة الاخوان المسلمين التي تنبذ الآن العنف كعقيدة بل بالعكس ترى انه قد يكون منطوياً على تناقض مع الفكر الاسلامي الاصيل. لكن على الجانب الآخر هناك مسؤولية ضخمة جداً تقع على نظام الحكم في مصر وفي بلدان عربية اخرى، لأن اي نظام للحكم لا يمكنه ان يقتلع هذه الظاهرة وحده لأن هناك عوامل كثيرة يغذيها، من ركود اقتصادي وبطالة واستفزاز فكري واستفزاز اسلامي، وكل هذا تستغله احياناً تيارات دولية لها مصالح معينة في المنطقة. ولذلك فان مسؤولية نظم الحكم القائمة ان تبرز الموقف التنويري الذي تعبر عنه جماعات وقوى اخرى وان تستخدم الامكانات الموجودة في المجتمع حتى يمكن ان تحد من هذه الظاهرة. - علي الدين هلال: الدكتور مصطفى وضع يده على قضية اساسية او احدى القضايا الاساسية في مصر، وهي ان يكون هناك وجود سياسي للحزب الوطني، لان القضية ليست ان اذهب لالقاء محاضرة في القرية وينتهي الامر، فهي قضية وجود يومي وحل مشاكل، اي قضية العمل اليومي مع الناس. - مصطفى السعيد: انا استطيع الادعاء بأنني امثل في البرلمان دائرة انتخابية ولا اخشى الاتجاه الاسلامي اطلاقاً داخلها لأنني ملأت الفراغ. والجماعات المتطرفة حوالي 200 الى 300 شخص في الدائرة اعرفهم بالاسم، ومهما فعلوا لا يستطيعون مواجهتي لأنني مرتبط بالناس اكثر منهم وهم يختلفون معي وأرحب بالحوار معهم، وفي النهاية ينتخبونني، اذن عندمانملأ الفراغ السياسي وتوجد حركات نشطة فاننا نسحب قدراً كبيراً جداً من تيار العنف ونحول دون انفراده بالساحة. - هالة مصطفى: الملاحظ اننا تحدثنا طوال الندوة عن تفسير الحركة الاسلامية وظاهرة العنف من داخلها فقط، وانا ما زلت ضد هذا الاتجاه ومتأكدة من ان هناك عوامل اخرى خاصة بالدولة من ناحية وخاصة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية تلعب دوراً كبيراً. وهنا يبرز سؤال مهم وهو: اذا تم السماح لحركة الاخوان المسلمين، باعتبارها اكبر الحركات السياسية الموجودة الآن، بحق تشكيل الحزب السياسي المستقل فهل تستطيع احتواء ظاهرة العنف ام لا؟ فالاخوان يصرون حتى الآن على تمييز انفسهم عن الجماعات الاسلامية، وهذا يعني ضمناً انهم غير قادرين على احتواء هذه الجماعات التي يرون انها لن تخرج من تحت عباءتهم وانها جماعات مستقلة شكلت في السبعينات وتعتنق افكاراً مختلفة، حتى ان عنفها هو من النوع الهيكلي ويختلف عن النوع الذي مارسه الاخوان في الاربعينات، اذن هذا يعني ان الصلة مقطوعة، وان الاخوان لا يستطيعون التأثير على تيارات العنف. ظاهرة تحت السيطرة - عصام العريان: لقد اثيرت في هذه الندوة قضايا واسئلة كثيرة ومهمة تحتاج الى مناقشة واجابات واضحة، وأبدأ بالاسهام المتميز الذي قدمه الدكتور مصطفى السعيد عندما لفت الانتباه الى اننا نناقش دور جماعات العنف والاتجاهات الاسلامية الاخرى من دون ان نبحث في دور نظم الحكم على رغم انه هو الدور الفاعل. اعتقد انه اذا كنا نريد مناقشة كيفية ايقاف مسلسل العنف او كيفية معالجة ظاهرة العنف، فالمدخل هو انه دائماً في الظواهر الشاذة، الوقاية خير من العلاج. وما زلت اعتقد حتى الآن ان العنف في المجتمعات العربية ظاهرة ضيقة وقد يكون صوتها مرتفعاً ولكنها فعلاً تضخم تضخيماً مقصوداً لاهداف سياسية وليس لاهداف علاج هذه الظاهرة. وانا هنا اقول ان نظم الحكم في بعض البلاد العربية تساعد ان لم تكن تشجع على استشراء ظاهرة الغلو وظاهرة العنف، كيف؟ اسوق مثالاً محدداً، في الفيوم عوتب مدير الامن لأنه سمح لجماعة محدودة العدد، ليس لها اي انتشار الا في قريتين، بأن تحمل السلاح علناً وتسير علناً تحت سمع وبصر هذا المدير، ولما عوتب قال انه رفع التقرير وقيل له من الجهاز المختص ان لا يتدخل. وهناك نماذج اخرى، ففي ديروط مثلاً ألم يكن معلوماً ما يحدث؟ كان معلوماً لنا جميعاً ونوقش قبل ذلك وتحت سمع وبصر الدولة، ولم تتخذ ضده اجراءات في الوقت المناسب، ولذلك يجب ان ترصد المشاكل في اوقات مبكرة ولا نتركها لكي تستفحل، وهي في النهاية تحت السيطرة التي قد تكون صعبة، لأنه لا يمكن لأي انسان ببندقية آلية او حتى بالصاروخ ان يحارب دولة بجيش وعتاد وطائرات وغير ذلك، فهي ظاهرة تحت السيطرة. لكن لماذا نترك مثل هذه الظواهر تنمو وتشتد وتقوى؟ اذن الوقاية هي الاساس لانه عندما يحمل الانسان سلاحاً ضد قوانين الدولة التي تحظر حمل السلاح ويستخدمه مرة واثنتين وثلاثاً حتى تتسع الظاهرة يبدأ تركيز الضوء والتضخيم الاعلامي وتبدأ حملات تأديبية وتمشيطية واسعة النطاق. فاذا كنا نقول ان العنف في السبعينات والثمانينات كان يعبر عن فكرة رفض المجتمع او جاهليته ورفض الحاكم وغير ذلك، الا ان قتل السياح يمثل ظاهرة جديدة او لغزاً جديداً لانه لا يندرج تحت هذا المفهوم وانما يعيدنا الى ما يسمى بالتكتيك السياسي، اي العنف لتكتيك سياسي، فهو ليس عنفاً عقائدياً وإنما عنف لتخفيف الضغط. اما سؤال الاستاذة هالة عما اذا كان السماح بحزب للاخوان ينهي مشكلة العنف، فالواقع ان العملية ليست عملية مقايضة، لأن الاخوان المسلمين مسموح لهم في الاردن وهم اغلبية ومعهم رئاسة مجلس النواب ومع ذلك ضبطت حالات عنف ليست القضية اعطني الرخصة وأنا اقضي لك على العنف، فهذا كلام مرفوض تماماً. لكن بعض قادة الاخوان المسلمين قالوا هذا في حوارات مسجلة ومنشورة: اعطني رخصة ونحن نقضي على التطرف؟ - عصام العريان: هذا يقلل من الظاهرة، لكن لا يقضي عليها، وهذا يقودنا الى سؤال عن مظاهر اختلاف الاخوان عن الجماعات الاخرى في القضايا الكبرى، فهذه القضايا ليست ملكاً للاخوان، وليست ملكاً للجماعات، ولا لأي انسان يحتكرها. لماذا يسمح للاميركيين ان يكوّنوا ما يسمى بالولايات المتحدة الاميركية وعمرها 200 سنة وبقوة السلاح ويسمح لأوروبا اليوم ان تتحد بعد حروب طاحنة، ونتهم نحن كمسلمين بأننا نسعى الى وحدة الامة الاسلامية؟ ومع ذلك فهي تبقى قضية محل نظر ومحل خلاف. قضية الديموقراطية ليست خياراً نهائياً لا امام العالم ولا امام الغرب، وهناك ديموقراطيات متعددة: ديموقراطية في اميركا تختلف عن الديموقراطية في بريطانيا، وهناك ديموقراطية مختلفة عنهما في فرنسا، وهناك نظام للاتحاد السويسري يختلف تماماً، اذن هناك اجتهادات وأنا اعتقد ان الديموقراطية في النهاية لا تعبر عن خيار فكري ولكن تعبر عن وسائل لتداول السلطة في المجتمع بطريقة ما والمطلوب منا كعالم اسلامي ان نعطي وسيلتنا التي تحقق هذا في ظل فكرنا الاسلامي وان نصوغها صياغة حقيقية. اذن القضايا الكبرى ليست ملكاً لا لجماعات العنف وليست ملكاً لجماعات الاخوان المسلمين، وليست ملكاً للأزهر ولكنها ملك لكل المسلمين. لكن الواضح ان اتاحة الفرصة للاخوان المسلمين والتيارات المعتدلة وايجاد الحياة الحزبية الحقيقية ستؤدي الى التقليل من تيار العنف وتحجمه والعكس. حين حدث ما حدث في الجزائر، وقف صفوت عبدالغني، وهو من القيادات المتطرفة، وقال: "ألم نؤكد من البداية ان قضية اللعبة السياسية لا توصل الا الى باب مسدود؟" وقد نشر هذا الكلام الذي قاله في المحكمة. وأنا اظن كما قال الدكتور مصطفى ان هناك اطرافاً اخرى من صالحها عدم استقرار هذه المنطقة، فمن مصلحة الكتل الغربية الا يتحد العالم الاسلامي ولا يستقر. وأنا مصلحتي ان اتحد وان اكون مستقلاً وعنصر توازن في العالم ككتلة جديدة تحقق التوازن بين كتلة اميركا والمكسيك وكندا، وكتلة اوروبا وكتلة جنوب شرقي آسيا. وانتقل الآن الى قضية اغتيال فرج فودة. الاخوان المسلمون كانوا ضد اغتيال فرج فودة وضد العنف لكنهم عندما يدينون العنف لا يدينون طرفاً واحداً بل كل الاطراف التي تمارس العنف، وعندما يدينون التطرف والغلو ايضاً لا يدينون طرفاً واحداً ولكنهم يدينون كل الاطراف التي تمارس الغلو والتطرف، وهذا ما يجعل كلامنا غير مقبول. تبرير العنف؟ عند التعرض لحادث معين فان مسألة ادانة جميع الاطراف التي تقوم بالعنف تبدو وكأنها نوع من انواع التبرير ايضاً. - عصام العريان: انا اختلف معك وأريد ان استخدم كلمة التفسير لا التبرير. فأنا لا اعطي مبرراً لأحد ان يستخدم العنف اطلاقاً ولا ضد من مورس العنف عليه، وليس فقط ضد من مارس الغلو الفكري او الخروج عما يعتقد انه عقيدة اسلامية. والدليل على ذلك ان الاخوان كأفراد مورس عليهم اشد الوان العنف وهم عزل وتحت التعذيب، ومع ذلك لم يفكر واحد منهم ان يستخدم العنف ضد من مارسوا عليهم العنف داخل السجون، وهذه ظاهرة لافتة للنظر. وهم خرجوا من السجون في السبعينات ومر الآن عشرون عاماً والذين مارسوا ضدهم العنف داخل السجون من قيادات السجون الى العساكر كانوا احياء او معروفين ومع ذلك لم يستخدم واحد من الاخوان قضية الثأر الشخصي. فنحن لا نبرر اغتيال احد، والدليل على ذلك انه عندما اغتيل رفعت المحجوب صدرت ادانة واضحة من الاخوان لأن هذا اغتيال من دون سبب. لكن عندما اغتيل فرج فودة قيل اننا منذ زمن نناظر فرج فودة ونحاوره ومع هذا فالدولة تفسح له مجالات تستفز الشباب. وأنا اعتقد انه لو جرت محاكمة حقيقية جيدة لقاتلي فرج فودة فقد يستخدم بعض المحامين وسائل كثيرة جداً لتخفيف الحكم، وقد يأتي الحكم صدمة للكثيرين لأن هذه قضية اصلها المساس بالمقدسات، قضية ليست سهلة، خصوصاً في بلد يقدس هذه المقدسات. فهذه قضية خطيرة ونحن لا نريد ان يسقط كل يوم كاتب او مفكر ولا نريد لمسلسل العنف ان يستمر، نحن نريد ان نوقفه وكما قلت في البداية الوقاية خير علاج لوقف العنف، لكن العنف عندما يستشري يتحول الى ثأر شخصي فضلاً عن انه ثأر اجتماعي. وأنا مع الدكتور مصطفى في ان إحياء الحياة السياسية يقلل العنف، لكنني اقول حقيقة الامر انه اذا ترك المجال لحرية كاملة فالاغلبية التي تريد ان تحركها مجهولة، ولكن استقراء التصويت يقول ان اغلبيتها ايضاً ستصوت لصالح المشروع الاسلامي ولصالح السياسيين الذين يتبعون الفكرة الاسلامية، وهذا ما يزعج البعض. - مصطفى السعيد: اعتقادي ان المسألة احصائياً هي الآتي: اذا افترضنا ان الجماعات الاسلامية اكثر تنظيماً من المجموعات الاخرى والاحزاب السياسية الاخرى تصبح نظريتك احصائياً غير صحيحة، لانه في هذه الحالة عندما نأخذ العشرة في المئة التي تذهب الى الانتخاب فالمفروض ان الجماعات الاكثر تنظيماً يحضر 90 في المئة من اعضائها، اما الجماعات غير المنظمة فلا يمكن ان يصل الرقم الى 90 في المئة، فاذا اخذت بقية الاعداد ففي الغالب وبالضرورة لن تكون اغلبيتهم من انصار الجماعة المنظمة. - عصام العريان: انا اريد ان ادعي العكس تماماً، ان الذين يصوتون دائماً ليسوا المنتظمين في الاحزاب السياسية، حتى في اعرق الدول الديموقراطية الذين يصوتون غالباً هم الجمهور، وهذا الجمهور هو محل التأثير لكل الجماعات المنظمة، فمن الخطأ البين ان يقال ان العشرة في المئة الذين يأتون كلهم منتظمون في الحركة الاسلامية، هذا كلام غير منطقي وغير معقول، والآن فان المليون وثلث المليون مواطن الذين اعطوا للتحالف الاسلامي في انتخابات 1987 يصبحون عضوية منظمة، وهذا شيء مخالف للواقع والحقيقة تماماً، وسأعطي مثالاً واضحاً من نقابة الاطباء: لقد قفز عدد المقدمين من اول انتخابات دخلها التيار الاسلامي في النقابة عام 1984 من 6 آلاف الى 28 الفاً في عام 1992، اي خلال 8 سنوات تضاعف حوالي خمس مرات تقريباً، ايضاً اتجاهات التصويت ظلت كما هي، لم تقل ولم تزد، وظلت نسبة الثلثين تقريباً للقائمة الاسلامية والثلث لقوائم متفرقة، ولذلك اشعر كرجل يمارس السياسة من منظور اسلامي بأنني حجر عثرة امام التطور الديموقراطي. فهذا التطور مرفوض لان الاحصائيات الحقيقية تصل لنظم الحكم وتقول ان في ظل تطور ديموقراطي هذه الاتجاهات المعتدلة الاسلامية ستحظى بأغلبية تمكنها من الحكم، وعندي نقطة اخيرة متعلقة بما قيل من ان الاخوان المسلمين كرسوا اسلوب العنف في مسار الحركة الاسلامية؟ وهذا كلام عجيب اختلف تماماً معه لأن العنف في الاربعينات لم يكن اسلامياً، فكل الاتجاهات مارست العنف، كما قال الدكتور علي، والعنف الذي مورس من الجهاز السري للاخوان المسلمين لم يكن عنفاً مؤسساً على فكرة وعقيدة او شيء من هذا القبيل، فالجهاز اسس لمواجهة احتلال عسكري استيطاني صهيوني في فلسطين. وكل انشطته الرئيسية موجهة الى هذا، ولما مارس عنفاً ضد افراد مارسه في حادث او حادثين وأدين من قيادة الجماعة، ولما مورس بعد ذلك ضد الدولة جاء كرد فعل. "الشارع يقودك" - محمد عمارة: سأبدأ بعتاب للاستاذة هالة لانها استخدمت تعبير انني ابرر اعمال العنف، واعتقد انها لو كانت تتابع، لا اقول الكتابات وإنما حتى المواقف، لما استخدمت هذا المصطلح لان هناك فارقاً بين ان نفسر ظاهرة وبين ان نبرر هذه الظاهرة، واعتقد او المفروض انها تتابع كتابات الجماعات الاسلامية وما يكتبونه عنا من انني تلميذ المستشرقين، وفي "كاسيتات" السلفيين التي تتوزع يقولون عني انني علماني واحياناً انني كاتب قومي او حتى يساري. وأقول ان قدري هو انني محتفظ بمساحة بيني وبين النظم والحكومات ومساحة بيني وبين جميع الجماعات والاحزاب والتنظيمات، وهذا ما يتيح لي ان اقول وجهة نظر صريحة من موقع الود للاطراف المختلفة لأنني ضد العنف وأعلن حتى لهؤلاء الشباب ان العنف ليس فكراً، العنف اجرام، ولا بد ان يعامل كما يعامل الاجرام، وأنا ضد العنف ليس حرصاً على النظم والحكومات وإنما بالدرجة الاولى حرصاً على هؤلاء الشباب لانهم ينطحون الصخر ويقودون انفسهم الى طريق مسدود. وأنا مشفق على ان هذه الموجة من المد الاسلامي، بالنسبة الى هؤلاء الشباب، تصل الى احباط جديد وأكيد بسلوك هذا الطريق. بل وأقول ان الكثير من جماعات العنف مخترقة داخلياً وخارجياً وانها تدفع الى هذا الطريق لأنه يسيء لكل الظاهرة الاسلامية ويقود هؤلاء الى الاحباط ويبرر تضخم الاجهزة الامنية والاجهزة العسكرية. وهكذا فان موقفي من العنف ومن هذه الجماعات، وحتى موقفها مني، فيه وضوح لأنني صاحب موقف مستقل، ونحن في حاجة الى ناس يشتغلون بالفكر وتوجد مساحة بينهم وبين كل الحركات والتنظيمات وبين النظم والحكومات. وأقول ايضاً هناك فارق بين ان نختلف في الفروع وبين ان نجرح اصول الاعتقاد الدينية. كنت احاور فرج فودة وحاورته في معرض الكتاب في القاهرة وفي الاسكندرية وحاورت فؤاد زكريا في الاسكندرية، وأنا عائد لتوي من قطر من مناظرة مع فؤاد زكريا حول ازمة العقل العربي، وكنت اتمنى ان يعيش فرج فودة لنتحاور، بل لقد اتفقت معه بعد مناظرة معرض الكتاب ان نعمل مناظرة في القاعة الكبرى لجامعة القاهرة، نحن نريد الحوار. وأنا عندما ادين الغلو على الجانب الاسلامي ادين ايضاً الغلو على الجانب العلماني، لا ادين العلمانية لأنني اعرف ان هناك علمانيين وطنيين وعلمانيين قوميين، وهم جزء من بناة المشروع المستقل لهذه الامة، انما هناك فارق بين العلمانية وبين الغلو العلماني وهو مثل الفارق بين التصور الاسلامي وبين الغلو الاسلامي. اما موضوع قيام الازهر بمصادرة الكتب فهذا ليس صحيحاً، الازهر ليس سلطة مصادرة ولا يستطيع مصادرة كتاب في مصر الا القضاء، الازهر اقصى ما يستطيع عمله هو ان يكتب تقريراً ويقول ان هذا الكتاب فيه شيء مخالف، ولم يحدث ان الازهر صادر كتاباً من الكتب. كتاب لويس عوض صودر بقرار محكمة، الازهر يمكن ان يبلغ النيابة مثل اي مواطن في مصر يبلغ النيابة عن كتاب، وانا عدو لدود لمصادرة الكتب، وأرى ان نرد عليها، وقد رددت على لويس عوض بكتابين، كتاب في موضوع العلمانية وكتاب في موضوع جمال الدين الافغاني، لكنني اؤكد وجود فارق بين التعددية الفكرية التي نحرص عليها لانها بالفعل طوق النجاة لنا وبين التجريح لأصول الاعتقاد الديني. وبالنسبة الى الجزائر فقد حاورت عباسي مدني زعيم الجبهة الاسلامية للانقاذ ساعات عدة وقلت له "انك تقود الشارع، لكن الخشية هي ان يقودك الشارع. لأنه ليست لديك الكوادر الاسلامية القادرة على قيادة الشارع الجزائري، والشارع في جموح لأن التحديات التي تواجهه تحديات شديدة". فمع انتقادي لبعض التوجهات التي كانت موجودة في الجزائر اقول ان الاسلاميين هم الذين جاؤوا الى الجزائر بالديموقراطية. اما موضوع الانتخابات والنسب فالدكتور مصطفى السعيد قال ان الاسلاميين يأخذون نسباً اعلى لانهم اكثر تنظيماً، لكنني اقول ان الشيوعيين اكثر تنظيماً من الاسلاميين فلماذا لا يأخذون النسب الاعلى؟ لأن الاسلاميين هم الذين لديهم ايديولوجية تعبر عن هوية الامة وعن ذاتية الامة، يعني انا احياناً اندهش كيف تقبل الايديولوجيات التي هي امتداد سرطاني لأمراض الغرب وليست حتى للنظريات الطيبة في الغرب، بينما التعبير عن هوية الامة وذاتية الامة مرفوض، والواقع اننا اذا كنا نحن حريصين على بلدنا فلا بد ان نعمل على تأمينها. وأقول انه لا مستقبل لأي توجه سياسي عن طريق العنف، واذا لم يتم التغيير بالتربية وتكوين الانسان وتغييره من داخله فلا صمود لهذا النموذج التغييري. ولو اتيحت الفرصة لتيار الاعتدال في الحركة الاسلامية فاننا لا نطمح الى القضاء على ظاهرة الغلو بل الى تحجيمها. كيف نوقف هذا المسلسل؟ علينا ان نوقف مسلسل الثأر لأن كثيرين من العقلاء يقولون ان القضية وصلت الى لون من الثأر، ولذلك لا بد من وقفة حوار، والحوار لا يكون على النحو الذي يتم من بعض المؤسسات الرسمية، انا اصارحكم وقدري ان اكون صريحاً. لقد سمعت ممن يقودون ويمارسون هذا الحوار انهم يحضرون الجمهور ويكتبون الاسئلة التي تصعد الى المنصة، وهذا هو الذي جعلني على امتداد عشر سنوات ارفض ان اشارك في هذا الحوار لانه ليس حواراً، فأنا اقول نريد حواراً من علماء ليسوا محسوبين على الاجهزة الرسمية وهؤلاء موجودون. الحوار - عصام العريان: اريد ان اضيف كلمة صغيرة في موضوع الحوار، وهي ان المرشد العام السابق للاخوان المرحوم عمر التلمساني دعي مرة لأن يذهب الى السجن ويجري حواراً مع بعض المصلين، ولم تتكرر الدعوة له بعد ذلك على رغم انه كان مرحباً جداً، ودعي مرة اخرى كشخص ايضاً من المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية لحضور ندوة وبعدها ارادوا اعطاءه مكافأة مالية فرفض وقال انه لا يتقاضى اجراً عن عمل كهذا، وكانت المرة الاولى والاخيرة ايضاً. والمثال الثاني حصل في السبعينات، حوار مشهور في الحركة الاسلامية بين شاب اسمه حسن الهلاوي وبين شكري مصطفى زعيم جماعة التكفير والهجرة، كان حسن الهلاوي هو الذي ادخل فكرة تسمى الجهاد المطلق وقصد بها ان ممارسة العنف لا تشترط ان تقود الى نتيجة عملية، اي ان تعد شيئاً، وهذا الحوار هو الذي أدى الى انحسار فكرة التكفير لانه كان ضد تكفير المجتمع. فأدى هذا الحوار الى انسلاخ اعداد كبيرة من تنظيم التكفير والهجرة. ان انواع الحوارات مختلفة، وهذه نقطة مهمة، والحوار الجاد المخلص سينشأ تلقائياً داخل صفوف الحركة الاسلامية وسيؤدي الى نقاوة الفكرة الاسلامية، اما الحوار المفروض فهو للأسف يتم لاهداف اخرى ليس المراد منها التصحيح. استاذة هالة، هناك نقطتان لا بد ان يكون لك رأي فيهما، وهما: اولاً الحوار وثانياً كيف نوقف مسلسل العنف؟ - هالة مصطفى: الحوار دائماً هو خير، وهو مقبول مع اي طرف على رغم اختلاف وجهات النظر، لكن المهم هو ظروف هذا الحوار، ومن يقوم به، انا اعتقد ان جزءاً كبيراً جداً من فشل مسألة الحوار على مدى السنوات الطويلة الماضية سببه عدم مصداقية احد الاطراف تجاه الطرف الآخر في الحوار. من الجماعات التي تؤمن بالعنف لا تحمل مصداقية كبيرة للرموز الاسلامية التي لها علاقة مباشرة بالدولة، سواء كانت من مؤسسة دينية او أئمة من التابعين للدولة بشكل او بآخر، ايضاً هناك مشكلة اكبر وهي ان يتم الحوار بين طرفي نقيض تماماً، فلست متأكدة من ان الحوار سيكون له ثمرة كبيرة لو كان على سبيل المثال بين جماعات اسلامية تنطلق من الفكر الاسلامي ومن ارضية اسلامية مع جماعات او قوى اخرى تنطلق من فكر مغاير ليبرالي او اشتراكي. لكن الحوار الحقيقي الذي يؤدي الى اجتهاد هو بين اصحاب المدرسة نفسها اي الحوار بين الاسلاميين، لان هناك قضايا كثيرة اعتقد ان اصحاب المدرسة نفسها هم اقدر على التعبير عنها، وهم اقدر على تجاوزها ومناقشة تفاصيلها. اما كيف نوقف مسلسل العنف، فلا بد من البدء بالبحث لماذا ينتشر ولماذا تجد هذه الجماعات ارضية كل يوم لتجنيد عناصر جديدة، ولماذا ايضاً تتركز في جيل بعينه، اي الطلبة. اعتقد ان اسباب الاحباطات هي الوجه المقابل، فطالما هناك احباط سياسي فلا بد ان يوجد عنف، وأريد أن اضيف شيئاً الى موضوع فوز الحركة الاسلامية بالانتخابات، فالدكتور مصطفى قال: "انها حققت اعلى الاصوات لانها اكبر حركة منظمة" واعتقد ان هذا ليس السبب الوحيد وربما يكون فيه ظلم ايضاً للحركة الاسلامية، فلا بد ان نعترف بأن هناك سبباً موضوعياً جعل الحركة الاسلامية او القوى الاسلامية هي الاقدر على كسب اصوات الجماهير، وهو يتركز في عاملين: اولاً عامل سياسي، وهو ان مصر منذ الخمسينات تعرضت لتجربة التنظيم السياسي الواحد الذي هو احد مشاكلها الرئيسية لما سببه من السلبية الرهيبة والخوف من السلطة والخوف من المشاركة، فبعد هذه التجربة الناس لا تشارك بسهولة في العملية الانتخابية. وثانياً اننا نتحرك وسط جماهير مؤمنة. اما النجاح الذي تحققه الحركة الاسلامية في النقابات المهنية فهو طبيعي جداً لان حركة الاخوان المسلمين في النهاية تعبر اجتماعياً عن الطبقة المتوسطة الصغيرة، وأكثرهم كانوا من المهنيين وبالتالي هي جزء من هذا النسيج الذي يعبر عنه.