في حياة الشيخ الضرير عمر عبدالرحمن، الزعيم الفعلي "للجماعة الاسلامية" في مصر والمقيم حالياً في الولاياتالمتحدة، لغز كبير تلخصه هذه التساؤلات: هل تعاون الشيخ عمر عبدالرحمن، بشكل مباشر او غير مباشر، مع المخابرات المركزية الاميركية خلال سنوات الجهاد ضد السوفيات في افغانستان؟ وهل كانت "ثمرة" هذا التعاون تساهل السلطات الاميركية مع عبدالرحمن في قضية دخوله الى الولاياتالمتحدة ثم منحه اقامة دائمة؟ وترتبط بهذا اللغز قضية اخرى يطرح بشأنها الكثيرون، في واشنطن والقاهرة وعواصم اخرى، الاسئلة، وهي: - هل جرت فعلاً اتصالات سرية بين مسؤولين وديبلوماسيين اميركيين وشخصيات من الجماعات الاسلامية المتطرفة في مصر، وما هدف الولاياتالمتحدة من هذه الاتصالات، وهل توقفت الآن ام لا؟ وهل تتعامل الولاياتالمتحدة مع الجماعات الاسلامية في مصر على اساس انها "قوة سياسية" يجب اخذها في الاعتبار ام على اساس انها تشكل خطراً على المصالح والاهداف الاميركية في المنطقة؟ القضية حساسة بلا شك لكنها على قدر كبير من الاهمية، لذلك رأت "الوسط" ان تجري تحقيقاً دقيقاً بشأنها لمحاولة معرفة حقيقة "العلاقة" بين الشيخ عمر عبدالرحمن والاميركيين، وحقيقة الاتصالات بين واشنطن والجماعات الاسلامية المتطرفة. وشمل هذا التحقيق مقابلات مع مسؤولين في ادارة كلينتون معنيين بهذه القضية، ومع فينسنت كانيسترارو المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الاميركية عن مكافحة "الارهاب" في الشرق الاوسط. كما شمل التحقيق مقابلات مع بعض الشخصيات العربية، التي طلبت عدم ذكر اسمها، والمطلعة على شؤون الجماعات الاسلامية المتطرفة في مصر، ومقابلات مع مسؤولين وديبلوماسيين فرنسيين وبريطانيين مهتمين بهذه القضية وبأفغانستان. وقد توصلنا، نتيجة هذا التحقيق الواسع، الى النتائج الرئيسية الآتية: 1- ليست هناك ادلة ملموسة على وجود علاقات بين الشيخ عمر عبدالرحمن والمخابرات المركزية الاميركية، اذ لم يرفض احد تأكيد "الانباء" المنتشرة بهذا الشأن. لكن هناك شبهات كثيرة حول وجود "علاقة ما" بين عمر عبدالرحمن والاميركيين مختلفة عن الصورة الظاهرة والتي توحي بالعكس. 2- الامر الاكيد الذي توصل اليه تحقيق "الوسط" هو ان السلطات الاميركية "تساهلت" مع عمر عبدالرحمن بل "سهّلت له" سبل الاقامة في الولاياتالمتحدة. 3- الامر الاكيد الآخر الذي توصل اليه تحقيق "الوسط" هو ان اتصالات سرية جرت فعلاً بين مسؤولين وديبلوماسيين اميركيين وبين عناصر من الجماعات الاسلامية المتطرفة في مصر. ولندخل في التفاصيل. نبدأ، اولاً، بمسألة علاقة عمر عبدالرحمن مع الاميركيين. منذ الانفجار في مبنى "المركز التجاري الدولي" في نيويورك في شباط فبراير الماضي، انتشرت في واشنطن، سواء داخل الكونغرس الاميركي او في اوساط الخبراء الاميركيين المعنيين بشؤون الجماعات الاسلامية، "أنباء" تفيد ان الشيخ عمر عبدالرحمن ساعد وكالة المخابرات المركزية الاميركية خلال سنوات الجهاد ضد السوفيات في افغانستان. ووفقاً لهذه "الانباء" فان مساعدة عمر عبدالرحمن للأميركيين شملت نقل وتحويل اموال الى المجاهدين الافغان، كما شملت تسهيل ارسال متطوعين الى افغانستان. مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية نفى ل "الوسط" علمه بوجود مثل هذه العلاقة بين عبدالرحمن والمخابرات الاميركية وان كان اعترف بأن المخابرات الاميركية كان لها "دور رئيسي" في تأمين الدعم الذي كانت تقدمه الولاياتالمتحدة للمجاهدين الافغان منذ نهاية السبعينات وحتى انتصار هؤلاء المجاهدين ودخولهم كابول العام الماضي. وقد اعترف جورج شولتز وزير الخارجية الاميركي السابق في مذكراته التي صدرت الشهر الماضي بأن وكالة المخابرات المركزية الاميركية هي التي كانت تشرف على "العملية الافغانية"، اي على المساعدات الاميركية المرسلة الى المجاهدين الافغان. ولا تستبعد مصادر اميركية وعربية ان يكون حدث "تعاون سري"، في الثمانينات، بين الاميركيين وعمر عبدالرحمن في افغانستان، خصوصاً ان الشيخ الضرير لعب دوراً مباشراً في مساعدة المجاهدين الافغان وتشجيع المصريين على القتال الى جانبهم. الملف السري الكبير لكن احداً في واشنطن لا يريد ان يفتح "الملف السري الكبير" المتضمن معلومات وتقارير ووثائق عن مختلف انواع الدعم والمساعدات التي قدمتها الولاياتالمتحدة، وبعض الدول الاخرى، للمجاهدين الافغان طوال سنوات حربهم ضد السوفيات والشيوعية والنظام المؤيد لموسكو في كابول. ويواجه المسؤولون الاميركيون عقوبات صارمة اذا ما سربوا اية معلومات عن هذه القضية او تحدثوا الى احد في الامر، خصوصاً بعدما اتضح ان عناصر مصرية وعربية لها علاقة بأفغانستان وبسنوات الجهاد هناك "متورطة" في عملية تفجير مبنى "المركز التجاري الدولي" في نيويورك في 26 شباط فبراير الماضي. والسرية تفرض نفسها، ايضاً، لا سيما بعدما تبين ان "الافغان العرب" هم "القوة الدافعة" في الهجمات التي تشنها الجماعات الاسلامية المتطرفة ضد اهداف ومنشآت مختلفة في مصر والجزائر وتونس وبعض الدول الاخرى. ولا بد من التوقف، هنا، عند قضية الدعم الاميركي للمجاهدين الافغان لأنها تساعد على فهم جانب من الموضوع الذي يهمنا. اذا كانت المساعدات الاميركية للمجاهدين الافغان بدأت قبل الغزو السوفياتي لأفغانستان في كانون الاول ديسمبر 1979، وذلك في اطار تعاون بين دول عدة، بينها باكستان وفرنسا، فان عهد الرئيس ريغان شهد نمواً كبيراً للدعم الاميركي المقدم الى المجاهدين. والواقع انه بعد خطف وقتل السفير الاميركي في كابول ادولف دابس في شباط فبراير 1979، جرى نقاش داخل ادارة الرئيس كارتر حول مسألة تقديم مساعدات اميركية عسكرية وشبه عسكرية وما الى ذلك من المساعدات العلنية الاخرى للمجاهدين الافغان. وكان السبب المباشر الذي دفع الادارة الاميركية لوضع خطط جديدة لتقديم تلك المساعدة هو اغتيال السفير أدولف دابس. وقضت تلك الخطط بتزويد المجاهدين بكميات كبيرة من الاسلحة على ان تكون في البداية من مشتريات الاسلحة السوفياتية. ولم يكن الاميرال تيرنر مدير وكالة المخابرات الاميركية راضياً عن استخدام الاسلحة الاميركية في قتل الجنود النظاميين السوفيات. كذلك كان هناك ارتياب في سلامة اسلوب استخدام الافغان من اجل خدمة المصالح السياسية الاميركية. لكن النقاش انتهى في خاتمة المطاف بموافقة كارتر وتيرنر على المضي قدماً في تقديم المساعدات للأفغان. زيادة الدعم الاميركي وبعد تنصيب الرئيس ريغان في البيت الابيض في كانون الثاني يناير 1980، ابلغ تيرنر المسؤولين في الادارة الاميركية الجديدة ان "اهم جهد سري تقوم به الولاياتالمتحدة في العالم هو تقديم الدعم للمجاهدين في افغانستان". وبمجرد ان تسلم وليام كايسي مهامه كمدير جديد للمخابرات الاميركية في ادارة ريغان ابلغه نائبه جون ماكمان ان الرئيس انور السادات "متحمس اشد الحماس" لشحن الاسلحة الى المجاهدين في باكستان على متن الطائرات العسركية الاميركية الموجودة في مصر، لتقوم السلطات الباكستانية بعد ذلك بايصال تلك الاسلحة الى المجاهدين الافغان. واقترح كايسي زيادة المساهمة الاميركية في هذه العملية. لكن ماكمان كانت لديه شكوك في امكان نجاح قوة غير نظامية، مثل المجاهدين، في الحاق الهزيمة بالسوفيات. ولهذا بدأ يدرس امكان تصعيد جهود المقاومة وتدريبها على ايدي قوات اميركية خاصة تشرف عليها المخابرات الاميركية مع شن حملة ديبلوماسية علنية متواصلة لمساندتها. واستقر رأي كايسي على انه يمكن القيام بذلك، وهو ما ايده ريغان. ومع اوائل عام 1980 بدأت مجموعة المدربين الاميركيين الذين كانوا سيدربون الافغان على القتل والنسف والتدمير وغير ذلك من فنون القتال، بالتعاون مع ضباط المخابرات العسكرية الباكستانية، العمل في معسكرين في فرجينيا ومعسكر ثالث للاسلحة في كونيكتيكت. وقبل نهاية عام 1980، بدأت المخابرات الافغانية الشيوعية والمخابرات السوفياتية كي. جي. بي تجمع المعلومات عن هذا التدريب السري. وفي محاولة من السوفيات لتغطية الهزائم العسكرية التي كانت تلحق بهم، لا سيما على ايدي قوات احمد شاه مسعود في وادي بانشير، وللرد على تنديد الاممالمتحدة وحركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الاسلامي بالغزو، فقد لجأوا الى استخدام تلك المعلومات في حملتهم الدعائية. وسرعان ما بدأت موسكو تعلن انها ستسحب قواتها بمجرد توقف التدخل الخارجي الذي يعرض نظام كابول للخطر. وكانت القيادة السياسية السوفياتية ابلغت كبار الضباط السوفيات ان "المرتزقة الباكستانيين الذين يقودهم ضباط من السي. آي. ايه" هم الذين يثيرون القلاقل ويعكرون صفو السلام في افغانستان. ومع نهاية عام 1981 كان قادة المقاومة الافغانية بدأوا يشعرون بثقة كبيرة في المواجهة مع السوفيات. الا ان الآثار الايجابية لبرامج التدريب والاسلحة والمساعدات المالية لم تكن اتضحت كلياً. فالمساعدات الخارجية كانت حتى ذلك الوقت محدودة، كما ان الولاياتالمتحدة كانت منهمكة في عدد كير من العلميات السرية الاخرى مما حال دون التركيز على العملية الافغانية. وتبعاً لما ذكره احد المسؤولين الاميركيين السابقين، فان عدد العمليات الاميركية السرية تضاعف ثلاث مرات بحلول اواسط 1982، اذ ارتفع العدد من اقل من 15 عملية في عهد كارتر الى اكثر من اربعين عملية في عهد ريغان. وبحلول عام 1985 ارتفع تمويل المخابرات الاميركية للمجاهدين الافغان الى حوالي 285 مليون دولار في العام معظمها لشراء الاسلحة الخفيفة والملابس والخيام والذخيرة والمواد الغذائية. وكانت القضية الافغانية تحظى في عهد ريغان بشعبية لا مثيل لها، الى درجة ان جمعيات مختلفة تشكلت لمساندة الافغان ومنها "اصدقاء افغانستان" التي قدمت اموالاً للأغراض المدنية والاجتماعية مثل اقامة المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة المجاهدين داخل افغانستان. سر السادات وقبل اغتياله بثلاثة اسابيع تحدث السادات في مقابلة مع تلفزيون ان. بي. سي عن المساهمة المصرية فقال: "دعوني اكشف لكم سراً. منذ اللحظة الاولى التي بدأت فيها الاحداث الافغانية اتصلت بي الولاياتالمتحدة، وعلى الفور بدأت عملية شحن الاسلحة على متن الطائرات الاميركية من هنا... من القاهرة". كان ذلك في ايلول سبتمبر 1981. ولكي تضمن الولاياتالمتحدة استمرار الرئيس حسني مبارك في انتهاج خط السادات، توجه كايسي الى القاهرة في آب اغسطس 1983 لاجراء مشاورات مع المسؤولين المصريين ومع رئيس محطة السي. آي. ايه في القاهرة. وفي تلك الفترة زادت القوات المسلحة المصرية تعاونها مع البرنامج الافغاني من خلال تدريب كوادر خاصة. وبفضل كل هذه الجهود شنت قوات المقاومة الافغانية عدداً من الهجمات الناجحة في خريف عام 1983. واستطاعت قوات المجاهدين، بمساعدة من المتطوعين المصريين والجزائريين والفلسطينيين والاردنيين، الحاق الهزيمة بقوات كابول في عدد من المواقع بل وأبادت كتيبة حكومية في احدى المعارك. كما تمكنت قوات قلب الدين حكمتيار وأحمد شاه مسعود من تطهير منطقة واسعة من الميليشيا الحكومية التي اطلقا عليها اسم "موسكو الصغيرة"، مما اجبر نظام كابول على التراجع. وبحلول اوائل 1984 وعلى رغم هذه الانتصارات، كان اصدقاء المقاومة الافغانية في واشنطن لا يزالون يواجهون صعوبة في الحصول على الاموال التي يطلبونها، اسوة بالمبالغ الكبيرة التي كانت مخصصة للكونترا في اميركا الوسطى. ولهذا فعندما تقرر تخصيص مبلغ 24 مليون دولار اضافية للكونترا قرر كايسي ان يطلب 30 مليون دولار للافغان. لكنه كان يحتاج الى المساعدة في الكونغرس. ووجد هذه المساعدة في عضو الكونغرس شارلس ويلسون، الذي كان زار مخيمات اللاجئين الافغان ومعسكرات تدريبهم في باكستان، كما انه عبر الحدود مع المجاهدين الى داخل افغانستان مرة واحدة على الاقل. وكما يقول بوب وودويرد في كتابه عن كايسي فان ويلسون وصف الاموال التي كانت تخصص للمجاهدين الافغان بأنها "مبالغ تافهة". وكان ويلسون ينطلق من احساسه بأن على اميركا الانتقام من الروس في افغانستان لأنهم ساعدوا على "قتل 58 الف اميركي في فيتنام". ورأى ويلسون بنفسه ان طائرات الهليكوبتر الروسية كانت تمثل اكبر المشكلات. وهكذا بدأ لدى عودته حملة مكثفة لشراء مدافع اورليكون الاميركية المضادة لها. واستطاع ماكمان و "سي. آي. ايه" بدعم من ويلسون تأمين مبلغ اربعين مليون دولار اضافية عام 1984. وفي الفترة بين 1985 و1986 بدأت الولاياتالمتحدة تفتش عن قناة اخرى لارساء علاقات قوية مع المجاهدين الافغان. وكانت تلك القناة ايران. كانت الولاياتالمتحدة اخفقت في محاولاتها فرض عزلة ديبلوماسية على ايران التي نجحت في اقامة علاقات جيدة مع الدولتين الرئيسيتين اللتين تزودان العراق بالاسلحة وهما الاتحاد السوفياتي وفرنسا. اذ وافقت موسكو على شراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي الايراني على امل ان يقلل هذا من رغبة ايران في مساندة مجاهدي افغانستان، بينما بدأت الحكومة الفرنسية المحافظة الجديدة مفاوضات مع طهران لبحث مشكلة الارصدة الايرانية المجمدة، كما طردت مسعود رجوي زعيم حركة المعارضة الايرانية الرئيسية في الخارج. وفي الاتصالات السرية التي جرت بين ادارة ريغان وايران تضمن جدول الاعمال، اضافة الى بحث كيفية تسليم الاموال الى جماعات المختطفين التي تحتجز الرهائن الاميركيين في لبنان، امكان استخدام ايران كقناة لتسليح جماعات اخرى مختلفة من المقاومة الافغانية غير تلك التي سبق ان تعامل معها ستانسفيلد تيرنر ووليام كايسي. وهكذا بدأ استخدام الحسابات المصرفية التي كانت باسم "ليك ريسورسيز" وهي المشروع شبه الرسمي الذي كان بدأه اوليفر نورث وريتشارد سيكورد وآخرون للتعامل مع ايران والكونترا في نيكاراغوا، من اجل تمويل المجاهدين الافغان الذين تدعمهم ايران. وخلال الاجتماع المشهور الذي عقده الكولونيل اوليفر نورث ومستشار الامن القومي الاميركي روبرت ماكفرلين في ايار مايو 1986 في طهران مع المفاوضين الايرانيين، اوضحا ان الصحوة الدينية التي تشجع عليها اميركا في افغانستان وفي جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية في الاتحاد السوفياتي ستعجل على الارجح في انهيار الاتحاد السوفياتي. وأبلغ الايرانيون ماكفرلين ونورث ان معسكرات التدريب الايرانية والاسلحة التي تتدفق من ايران على المجاهدين الافغان دفعت السوفيات الى التذمر لدى الايرانيين بأن الجنود السوفيات يموتون بالاسلحة الايرانية وبأسلحة السي. آي. ايه. ايضاً. وحين وجه نورث سؤالاً الى الايرانيين عما اذا كانت صواريخ "تو" التي طالما طلبها المجاهدون ستحسن من قدرة المجاهدين على مواجهة الدبابات السوفياتية، قالوا له انهم على استعداد لتخصيص مئتي صاروخ من كل الف يحصلون عليها مقابل الرهائن الاميركيين، للأفغان. وأضاف الايرانيون القول ان المشكلة الحقيقية التي تواجه المجاهدين ليست الدبابات وانما القنابل الكيماوية وقنابل النابالم التي يستخدمها السوفيات ضدهم. ولهذا فهم بحاجة ماسة الى مساعدات طبية واجراءات وقاية اخرى. ومع ان هذه لم تكن المرة الاولى التي سمع فيها رجال ريغان هذا الكلام فانها كانت كافية لاقناع اميركا بتزويد الافغان بوسائل مكافحة الاسلحة الكيماوية ولكن عن طريق آخر غير ايران. صواريخ ستينغر ومن المشكلات الرئيسية التي واجهت الديبلوماسيين الاميركيين الذين كانوا في القاهرة وعمان وتونس والجزائر وغيرها من العواصم في محاولاتهم المحافظة على الاتصال مع المقاتلين المخضرمين في افغانستان، مشكلة صواريخ ستينغر المضادة للطائرات. ففي الوقت الذي كان فيه عضو الكونغرس شارلس ولسون يخوض حملة قوية من اجل تأمين مدافع "اورليكون" للمجاهدين، كانت اوساط المخابرات الاميركية تشهد نقاشاً حامي الوطيس حول مدى الحكمة في تزويد المجاهدين الافغان بصواريخ "ستينغر" ارض - جو التي تطلق من مدفع محمول على الكتف. وكانت المخابرات الاميركية تتخوف من وقوع هذه الصواريخ في ايدي عناصر "معادية للولايات المتحدة" ذات يوم. لكن النقاش حسم عام 1986 لصالح المنادين بتزويد المجاهدين الافغان بتلك الصواريخ، مع وضع قيود صارمة جداً على استخدامها. وهكذا وصلت الشحنة الاولى من ستينغر عام 1986 وتولت مجموعة منتقاة من الخبراء الاميركيين تدريب اناس معينين على استخدامها خارج حدود افغانستان. واثبتت هذه الصواريخ انها افضل كثيراً من صواريخ سام - 7 التي كان يستخدمها الجانب السوفياتي واستولى المجاهدون على اعداد كبيرة منها. كانت الشحنة الاولى من ستينغر تضم 600 صاروخ فقط، ثم تلا ذلك حوالي 400 صاروخ. ومع اتضاح نبأ استخدام المجاهدين هذه الصواريخ ارتفعت معنوياتهم الى درجة كبيرة. اذ انهم نجحوا في اسقاط عشرات الطائرات السوفياتية. وبلغ من نجاح ستينغر ان احد زعماء المقاومة قال ان عدد طلعات طائرات العدو انخفض بحلول عام 1987 الى نصف ما كان عليه في السابق. اما طائرات الهليكوبتر الحربية السوفياتية فقد اختفت تقريباً كلياً من ارض المعركة خلال النهار ولم تعد تظهر الا في الهجمات الليلية. وعلق السيناتور غوردون همفري، احد المخططين الرئيسيين لسياسة ريغان في الكونغرس خلال ولايته الثانية، على انهيار معنويات الجنود السوفيات بقوله: "ان الذي ادى الى قلب الموازين هو صاروخ ستينغر. ومن المؤسف، بل ومن العار، اننا لم نزود المجاهدين بها في بداية الحرب". ولكن على رغم كل الحذر والتدابير الاحتياطية فان الحرس الثوري الايراني نجح في الحصول على بعض تلك الصواريخ كما ان السوفيات استولوا على بعضها. الا ان احد المسؤولين الاميركيين قال على رغم ذلك: "ان المعجزة هي ان الارهابيين لم يستخدموها ضد اميركا مرة واحدة حتى الآن". مع ذلك، لا ينطبق هذا على الاسلحة الاخرى، لا سيما الروسية، التي استخدمتها المقاومة الافغانية. فطوال سنوات الحرب، وبشكل خاص منذ نهايتها عام 1989 تأكدت حالات كثيرة باع فيها بعض قادة المجاهدين الاسلحة لا سيما رشاشات الكلاشينكوف في بازار الاسلحة قرب الحدود الباكستانية والايرانية. كذلك كانت هذه الاسواق وسيلة لتحويل الاسلحة التي تقع في ايدي المجاهدين في ارض المعركة وتلك الفائضة عن الحاجة من المساعدات العسكرية الاميركية الى نقد. دور نجل عبدالرحمن وكانت نتيجة مبيعات الآلاف من قطع السلاح بصورة فردية هي ان الكثيرين من المتطوعين الاجانب وجدوا السبل لجلب رشاشاتهم او اسلحتهم الفردية الاخرى، بما فيها الاسلحة الثقيلة، معهم حين عادوا الى بلادهم، كالجزائر ومصر وغيرهما من الدول. ولا تزال الحكومة الباكستانية تشعر بقلق بالغ. وقد دفعتها مصر والولاياتالمتحدة والجزائر وتونس الى محاولة العثور على مخزونات الاسلحة السرية التي كانت خبئت استعداداً للقتال بين مختلف فئات المجاهدين في كابول وغيرها من المدن الافغانية عقب انهيار نظام نجيب الله. اذ ان حكمتيار بدأ على سبيل المثال بتخزين تلك الاسلحة منذ عام 1985 لاستخدامها فور الانسحاب السوفياتي داخل افغانستان. وتفيد معلومات ان احد ابناء الشيخ عمر عبدالرحمن الذي حارب مع حكمتيار نقل بعض تلك الاسلحة الى طاجكستان للقتال مع الطاجيك هناك ضد الحكومة الشيوعية. ومن المهارات التي اكتسبها رجال المقاومة كيفية نسف المباني الضخمة باستخدام المتفجرات المنزلية الصنع مثل مزيج زيت الوقود مع الاسمدة المؤلفة من النترات. وقد استخدم الاسلاميون هذا الاسلوب في مصر والجزائر. كما ان مكتب التحقيقات الفيديرالي والمحققين الاميركيين الآخرين في الانفجار الذي وقع في المركز التجاري الدولي في نيويورك لديهم على ما يبدو بعض الادلة على ان المواد الكيماوية التي خزنها المشتبه بهم في تدبير الانفجار في جيرزي سيتي كانت من نوع النترات الممزوجة مع زيت الوقود. الا ان هذا لم يتأكد حتى الآن بصورة قاطعة. ولا شك في ان محاولة الربط بين انفجار نيويورك والافغان ستتركز على الاعترافات التي ادلى بها محمد ابو حليمة الى المحققين المصريين الذين سجلوها على شريط فيديو. وقد وعد الرئيس حسني مبارك بأن تكون هذه الاعترافات "مثيرة جداً". واذا ما وافقت وزارة العدل الاميركية على الاستعانة بهذه الاعترافات فان من المحتمل ان تقدم ادلة عن عمليات تجنيد المجاهدين في مركز مساعدات اللاجئين الافغان في بروكلين او "مركز الجهاد" مثلما يسميه العرب المحليون. كذلك هناك صلات مهمة في المانيا. اذ ان ابو حليمة - احد المتهمين الرئيسيين في عملية تفجير مبنى المركز التجاري الدولي - اقام في المانيا عام 1980 وتزوج فتاة المانية من ميونيخ وحصل على جنسية المانية كان يتردد على مسجد بلال الموجود في جامعة آخن. فقد رفعت سلطات الجامعة دعوى على خالد دوران، وهو مواطن الماني، بعد ان نقلت صحيفة "فرانكفورتر المانيا زايتونغ" في السادس من نيسان ابريل 1993 عنه قوله ان مسجد بلال كان "احد معاقل التطرف الاسلامي في اوروبا" كما تحدث عن علاقة ابو حليمة بالمسجد. الا ان الشرطة الجنائية الالمانية لم تجد بعد التحقيق اية صلة بين الدفعات التي تمت من خلال بنك الماني الى محمد سلامة، اول مشتبه في انفجار نيويورك، وبين المؤامرة المزعومة لتفجير المركز التجاري العالمي. الا ان ما هو محتمل، مع ان هذا قد لا يتضح عندما تبدأ محاكمة المشتبه بهم، هو ان الشيخ عمر عبدالرحمن والآخرين الذين كانوا يترددون على مسجد السلام في مدينة جيرزي جندوا متطوعين من العرب والمسلمين في الولاياتالمتحدة لأفغانستان. واذا كان هذا صحيحاً فانه يوضح سبب الاتصالات التي اجراها الديبلوماسيون الاميركيون وآخرون من الوكالات الحكومية الاميركية الاخرى من خارج وزارة الخارجية مع اعضاء الجماعة الاسلامية في اواخر الثمانينات، وحتى في الاسابيع الاولى من العام الجاري قبل انفجار نيويورك في السادس والعشرين من شباط فبراير الماضي. ومثل هذه الاتصالات بين الولاياتالمتحدة والعناصر الاسلامية المحافظة، بما في ذلك حركة حماس في الاردن، ليست مستغربة او غير مألوفة لأن الديبلوماسيون ورجال المخابرات طالما اجروا اتصالات من هذا القبيل منذ ان بذلت السلطات البريطانية في مصر قصارى جهدها في العشرينات من هذا القرن لاخماد حركة الاخوان المسلمين التي اعتبرها البريطانيون خطراً على محميتهم. لكن الكثيرين من المصريين يصعب عليهم ان يصدقوا ان الذي منح الشيخ عمر عبدالرحمن تأشيرة دخول الى الولاياتالمتحدة كان موظفاً صغيراً في السفارة الاميركية في الخرطوم نتيجة خطأ في كتابة اسمه. كذلك لا يستطيعون ان يفهموا كيف ولماذا كان يسمح له حتى الآونة الاخيرة بمواصلة تسجيل المواعظ والخطابات المعادية للرئيس مبارك وحكومته على كاسيتات وإرسالها الى مصر حيث تباع بأسعار مرتفعة في السوق السوداء. التأشيرة والاقامة هناك شبهات كثيرة حول وجود "علاقة ما" بين عمر عبدالرحمن والاميركيين خلال سنوات الجهاد في افغانستان، لكن لا احد مستعد لتقديم اية ادلة ملموسة. غير ان قضية دخول عمر عبدالرحمن الى الولاياتالمتحدة واقامته فيها، تجعل هذه الشبهات... اكثر من شبهات. ونعالج هذه المسألة من خلال 3 أسئلة: * السؤال الاول: كيف حصل عمر عبدالرحمن على تأشيرة دخول الى الولاياتالمتحدة في ايار مايو 1990؟ نشرت روايات كثيرة حول هذه النقطة، لكن فينسنت كانيسترارو - الذي كان لا يزال يعمل في وكالة المخابرات الاميركية عام 1990 كمسؤول عن مكافحة "الارهاب والارهابيين" في الشرق الاوسط - كشف ل "الوسط" امراً مهماً اذ قال ان الذي سهل حصول عمر عبدالرحمن على تأشيرة الدخول الى الولاياتالمتحدة مواطن سوداني كان يعمل في السفارة الاميركية في الخرطوم آنذاك وهو من "المعجبين" بالشيخ الضرير. وقال كانيسترارو ل "الوسط" ان هذا المواطن السوداني ابلغ عمر عبدالرحمن في ايار مايو 1990 في الخرطوم ان جهاز الكمبيوتر في السفارة الاميركية في الخرطوم اصيب بعطل، ونصحه بالتقدم فوراً بطلب تأشيرة دخول الى الولاياتالمتحدة على اساس انه يريد القاء خطب في بعض مساجد نيويورك وضواحيها. واستجاب الشيخ لهذه النصيحة فحصل على تأشيرة الدخول على رغم ان اسمه - وهذا ما اكده ل "الوسط" مصدر اميركي مسؤول - مدرج في قائمة الاشخاص الذين تشتبه الولاياتالمتحدة بتورطهم في الارهاب او انهم غير مؤهلين للحصول على تأشيرة دخول الى اراضيها. لكن عطل جهاز الكمبيوتر ادى الى "اختفاء" هذه القائمة بضعة ايام حصل خلالها عبدالرحمن على التأشيرة. * السؤال الثاني: هل تلقى عمر عبدالرحمن مساعدة سودانية رسمية للحصول على تأشيرة الدخول الى الولاياتالمتحدة؟ مصادر عربية وفرنسية مطلعة ذكرت ل "الوسط" ان هناك احتمالاً كبيراً ان يكون الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية والرجل القوي في السودان هو الذي طلب من المواطن السوداني العامل في السفارة الاميركية في الخرطوم "مساعدة الشيخ" في الحصول على التأشيرة. * السؤال الثالث: كيف حصل عمر عبدالرحمن على الاقامة الدائمة في الولاياتالمتحدة؟ الواقع انه اذا كان الحصول على تأشيرة الدخول جاء نتيجة "عطل في الكمبيوتر" او نتيجة مساعدة مواطن سوداني، فان قرار منح اي شخص اقامة دائمة في الولاياتالمتحدة لا يمكن ان يكون نتيجة "عطل في الكمبيوتر" او "بالصدفة". فالاقامة الدائمة تمنحها ادارة الهجرة والجنسية، ومن يحصل عليها يحق له ان يتقدم بطلب الحصول على الجنسية الاميركية. ويبدو واضحاً مما سمعناه من مصادر اميركية عدة، رسمية وغير رسمية، انه لو لم تكن السلطات الاميركية ترغب، فعلاً، في بقاء عمر عبدالرحمن في الولاياتالمتحدة، لما كانت منحته الاقامة الدائمة. اذ ان تحقيقاً دقيقاً وواسعاً يجري قبل منح اي شخص الاقامة الدائمة. ويبدو واضحاً، ايضاً، ان السلطات الاميركية "تساهلت" مع الشيخ الضرير في هذه المسألة. فهل كان ذلك نتيجة "التعاون السابق" في افغانستان؟ محتمل جداً. لكن ينبغي، اضافة عنصر آخر الى هذه المسألة وهو ان السلطات المصرية كانت ترغب في بقاء عمر عبدالرحمن في الولاياتالمتحدة وان السلطات الاميركية لم تكن لديها شكاوى حقيقية ضده في الفترة التي حصل فيها على الاقامة الدائمة. هل تبدل الوضع بعد انفجار نيويورك؟ مصادر اميركية رسمية اكدت ل "الوسط" ان عمر عبدالرحمن يخضع، منذ الانفجار، لرقابة مشددة وعلى مدار الساعة. وقالت هذه المصادر ان السلطات المصرية "لا تريد اعادة عمر عبدالرحمن الى مصر، بل ما تتمناه هو ان يتمكن المحققون الاميركيون من اكتشاف دليل ما على تورط عمر عبدالرحمن في انفجار نيويورك او في اية اعمال ارهابية اخرى، فيؤدي ذلك الى اعتقاله ووضعه في احد السجون الاميركية". يبقى ان "الحقيقة الكاملة" ستبرز بوضوح اكثر اذا ما فتحت الملفات السرية لعمليات الدعم الاميركي للمجاهدين الافغان. الاتصالات السرية من قضية الشيخ عمر عبدالرحمن ننتقل الى قضية الاتصالات السرية بين الاميركيين والجماعات الاسلامية المتطرفة في مصر. لا بد من القول، قبل كل شيء، استناداً الى مصادر اميركية وبريطانية وثيقة الاطلاع، ان شخصيات من الجماعات الاسلامية في مصر هي التي سربت الى الصحف الغربية، وبشكل محدد الى صحيفة "الانديبندنت" البريطانية وصحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية، معلومات عن وجود اتصالات سرية بين هذه الجماعات ومسؤولين في السفارة الاميركية في القاهرة. والهدف الواضح من تسريب هذه المعلومات هو محاولة الايحاء بأن الولاياتالمتحدة تقيم "علاقة سرية" مع هذه الجماعات وانها تعترف "بوجودها ووزنها" في الساحة المصرية. ما الحقيقة؟ المعلومات الخاصة التي حصلت عليها "الوسط" من مصادر اميركية وثيقة الاطلاع في واشنطن تؤكد الامور الآتية: 1- عقد مسؤولون في السفارة الاميركية، بالفعل، ومنذ عام 1991، اي في عهد الرئيس السابق بوش، "سلسلة اجتماعات ولقاءات" مع شخصيات مصرية لها علاقات وثيقة مع الجماعات الاسلامية المتطرفة وايضاً مع الشيخ عمر عبدالرحمن. وكانت هذه اللقاءات تتم على اساس ان المسؤولين الاميركيين "لا يعلمون رسمياً" ان هؤلاء مرتبطون بالجماعات الاسلامية المتطرفة، كما ان هؤلاء الاشخاص لم يقدموا انفسهم، رسمياً، على هذا الاساس بل على اساس انهم ينتمون الى "التيار الاسلامي" في مصر. 2- وقائع هذه الاجتماعات واللقاءات مسجلة في تقارير خطية ارسلتها السفارة الاميركية الى وزارة الخارجية الاميركية وأيضاً الى اجهزة اخرى في واشنطن "للاطلاع والحفظ". 3- هذه الاجتماعات توقفت بناء على طلب اميركي بعد انفجار نيويورك في 26 شباط فبراير الماضي. 4- الهدف الاساسي من هذه الاجتماعات هو الاطلاع على "أفكار وأهداف" الجماعات الاسلامية في مصر، خصوصاً المتطرفة منها، وايضاً الاستماع الى وجهة نظرها في اعمال وسياسات وتصرفات الحكومة المصرية. وقد سألت "الوسط" روبرت غيتس المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الاميركية في عهد بوش عن هذه الاجتماعات بين مسؤولي السفارة الاميركية في القاهرة وشخصيات من الجماعات الاسلامية المتطرفة فأكد حدوثها وقال ل "الوسط": "انا شخصياً كنت اشجع العناصر التابعة لجهاز المخابرات على الاتصال بالجماعات المعارضة، سواء في مصر او في دول اخرى، والتحاور معها لمعرفة حقيقة تفكيرها وتوجهاتها". وأضاف غيتس: "اذا حصلنا من هذه الاجتماعات على معلومات مهمة، امنية او غير امنية، فاننا نرسلها الى الاجهزة في البلد الذي تعقد فيه هذه الاجتماعات اذا كان هذا البلد صديقاً للولايات المتحدة". وذهب غيتس ابعد من ذلك اذ قال ل "الوسط": "ان الادارة الاميركية ترتكب خطأ اذا لم تطلع على افكار وتوجهات القوى المعارضة في هذا البلد او ذاك. والكثيرون من المسؤولين الاميركيين يشعرون بالندم لأن ادارة كارتر حظرت على الديبلوماسيين والموظفين الاميركيين اجراء اية اتصالات مع القوى المعارضة في ايران خلال عهد الشاه. وحين سقط الشاه لم نكن نعلم شيئاً عن هذه القوى". وقدم فينسنت كانيسترارو المسؤول السابق في وكالة المخابرات الاميركية عن مكافحة الارهاب في الشرق الاوسط، معلومات اضافية ل "الوسط" عن هذه الاجتماعات اذ قال: "ان الذين اجتمعوا بممثلي الجماعات الاسلامية المتطرفة في مصر لم يكونوا من رجال المخابرات الاميركية بل من الديبلوماسيين النظاميين العاملين في السفارة الاميركية في القاهرة. وكانت السفارة الاميركية تطلع المسؤولين المصريين على هذه الاجتماعات وما يجري فيها". وأكد كانيسترارو: "ان المصريين الذين كانوا يجتمعون بديبلوماسيي السفارة الاميركية لم يكونوا من العناصر النشطة التي تستخدم العنف بل من المؤمنين بأفكار الجماعات الاسلامية وبضرورة وصول هذه الجماعات الى الحكم". وأضاف: "بالطبع لم يكن المصريون المشاركون في هذه الاجتماعات يطلعون السفارة الاميركية على خطط الجماعات الاسلامية المعادية للحكومة، او يكشفون اية اسرار امنية، بل كانت الحوارات معهم سياسية - فكرية عامة". وطلبت "الوسط" من مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية التعليق على قضية هذه الاجتماعات فقال: "ان ديبلوماسيي السفارة الاميركية لم يجتمعوا بشخصيات مصرية اسلامية تنتمي رسمياً الى الجماعات المتطرفة التي تستخدم العنف والارهاب لمحاولة تحقيق اهدافها، بل اجتمعوا الى شخصيات تنتمي الى التيار الاسلامي. ان ديبلوماسيي السفارة الاميركية في القاهرة لديهم تعليمات بالاجتماع الى شخصيات مصرية تنتمي الى تنظيمات او احزاب او تجمعات معارضة لنظام الرئيس حسني مبارك، كالاخوان المسلمين مثلاً، لكن شرط الا تكون هذه الشخصيات ارتكبت اعمال عنف، والا تكون منتمية رسمياً الى تنظيمات تستخدم العنف والارهاب لمحاولة تحقيق اهداف سياسية. وهذا الموقف نكرره باستمرار في لقاءاتنا مع الشخصيات المصرية الموالية للحكومة او المعارضة لها. ان الادارة الاميركية ليست مهتمة اطلاقاً بفتح حوار مع جماعات تؤمن بالعنف او تدعو الى استخدام القوة لاسقاط الحكومة الشرعية. ليست لدينا اية مصلحة لفتح حوار مع جماعات تستخدم العنف والارهاب في مصر او في اي بلد آخر". ويتفق عدد من الخبراء الاميركيين في شؤون الشرق الاوسط على القول ان عقد اجتماعات مع عناصر مقربة من الجماعات الاسلامية المتطرفة لا يعني اطلاقاً ان الولاياتالمتحدة تريد ان تتعامل مع هذه الجماعات على اساس انها "قوة سياسية مهمة لا مفر من اخذ آرائها في الاعتبار". ويعيد هؤلاء الخبراء الى الاذهان ان ديبلوماسيين ورجال مخابرات اميركيين كانوا، منذ مطلع السبعينات، يجرون اتصالات سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت واماكن اخرى، وظلت هذه الاتصالات مستمرة حتى قيام حوار رسمي بين المنظمة والولاياتالمتحدة في نهاية 1988. لكن هذه الاتصالات واللقاءات، بل وحتى الحوار الرسمي قبل ان يتوقف في ربيع 1990، لم تدفع الادارات الاميركية المتعاقبة الى تبني مواقف ووجهات نظر منظمة التحرير. والشيء نفسه يمكن ان ينطبق على الاتصالات والاجتماعات مع عناصر مقربة من الجماعات الاسلامية المتطرفة.