هل أرادت "الجماعة الاسلامية" التي تبنت محاولة اغتيال وزير الاعلام المصري صفوت الشريف يوم 20 نيسان ابريل الجاري وضع حد لجهود الوساطة بين الحكومة المصرية والمتطرفين التي تقوم بها لجنة مؤلفة من علماء ومفكرين اسلاميين، أم أنها أرادت إبلاغ وزير الداخلية الجديد اللواء حسن الألفي "رسالة" مفادها ان تعيينه خلفاً للواء عبدالحليم موسى لن يبدل من "تصميمها" على مواصلة استخدام العنف والقوة ضد النظام ورموزه، أم انها أرادت معاقبة صفوت الشريف لانه أحد أكثر وزراء الاعلام نجاحاً في مصر منذ توليه منصبه عام 1982؟ المراقبون المطلعون في القاهرة يقولون ان "الجماعة الاسلامية" المتطرفة التي يعتبر الشيخ عمر عبدالرحمن زعيمها الفعلي، أرادت تحقيق هذه "الاهداف" الثلاثة حين أطلق 4 متطرفين من أعضاء الجماعة الاسلامية قبل ظهر يوم 20 نيسان ابريل الجاري الرصاص على سيارة صفوت الشريف أمام محطة بنزين قريبة من منزله الواقع في شارع الخليفة المأمون في القاهرة، وهو شارع يقع على مسافة 200 متر من منزل رئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقي وعلى مسافة كيلومتر من مقر رئاسة الجمهورية. وأصيب الشريف إصابة طفيفة في يده اليمنى بينما أصيب سائقه وحارسه اصابات بالغة. وتمكنت الشرطة من اعتقال أحد المتورطين في الحادث مباشرة بعد وقوعه. وأعلنت "الجماعة الاسلامية" في بيان لها مسؤوليتها عن محاولة اغتيال الشريف بسبب هجومه على الجماعة خلال جلسة لمجلس الشورى عقدت اخيراً، اتهم خلالها وزير الاعلام الجماعات المتطرفة بأنها تسعى الى الحكم عن طريق العنف والارهاب. ونفى الشريف أن تكون أجهزة الاعلام المصرية مخترقة من الجماعات الاسلامية او غيرها من اصحاب الافكار المتطرفة وذلك رداً على تلميحات عدد من نواب المجلس. ويعتبر الحادث الذي تعرض له الشريف الاكبر بين عمليات المتطرفين منذ المحاولة التي تعرض لها اللواء زكي بدر وزير الداخلية الاسبق قبل تركه منصبه في بداية التسعينات. ويعد الشريف احد ابرز رموز الحزب الوطني الحاكم في مصر حيث يشغل، الى جانب حقيبة الاعلام، منصب الامين العام المساعد للحزب وعضو المكتب السياسي. كما انه من ابرز الشخصيات المستهدفة من جانب الجماعة المتطرفة باعتباره واحداً من اكثر وزراء الاعلام في مصر نجاحاً منذ توليه منصبه عام 1982. مصادر أمنية مصرية قالت لپ"الوسط" ان الحادث يدل على "ان أي حوار مع المتطرفين لن يؤدي الى نتيجة، وان المواجهة الشاملة معهم هي الحل الوحيد للقضاء على الارهاب". ورجحت ان التخطيط لتنفيذ الحادث جاء قبل وقوعه بأيام عدة بما يعني ان المتطرفين كانوا يستعدون لتنفيذه اثناء الحديث عن وجود وساطة بينهم وبين الحكومة. وأكد الشريف بعد الحادث "ان الرصاص الطائش والغادر من عناصر الارهاب لا يمكن ان يوقف مسيرة الاعلام والتنوير" وقال ان الاعلام المصري "سيظل على طريق المواجهة الحاسمة ضد الارهاب وانه لا تهاون مع الارهابيين". وقالت مصادر مصرية مطلعة لپ"الوسط" انه "يصعب جداً" في مثل هذه الاجواء بذل جهود فعلية لاقامة حوار بين الحكومة والجماعات المتطرفة، اذ ان "الرصاص اقوى من أية وساطة". لكن ذلك لا يمنع ان بعض الشخصيات الاسلامية الاعضاء في لجنة الوساطة يرى ان جهوده يجب ان تستمر، ولو بصورة غير علنية ومن دون دعم من الحكومة "لأن البديل عن الحوار هو تزايد اعمال العنف والعنف المضاد في الساحة المصرية". محاولة اغتيال الشريف جاءت بعد يومين من تعيين اللواء الالفي وزيراً للداخلية وبعد تأكيد رئيس الحكومة عاطف صدقي على مواجهة عناصر التطرف بالحزم والقانون. واللواء حسن الالفي 57 عاماً كان محافظاً لأسيوط، التي تُعد معقلاً رئيسياً للمتطرفين الاسلاميين، قبل تعيينه وزيراً للداخلية. وقد شدد الالفي في اول تصريح له بعد تعيينه على انه سيركز جهوده في المرحلة المقبلة "لتحقيق الامن والامان والاستقرار من اجل تحقيق التنمية الشاملة"، وأضاف: "ستكون هناك مواجهة حاسمة مع كل من يحاول الخروج على الشرعية والقانون". وقد استبعد الكاتب والمفكر الاسلامي فهمي هويدي، عضو لجنة الوساطة المشكلة من شخصيات اسلامية مصرية بارزة، توقف هذه الجهود بعد تعيين الالفي، وقال ان وزير الداخلية الجديد سيدعم جهود الوساطة "لأن البديل عن ذلك هو استمرار العنف". وأضاف: "ان المتطرفين لن يوقفوا اعمال العنف من جانبهم، من دون مقابل. انهم يريدون من الحكومة ان تطلق الاصوليين الذين لم يرتكبوا اعمالاً يعاقب عليها القانون، والحكومة لن توافق على اطلاق هؤلاء ما لم تضمن ان المتطرفين لن يواصلوا اعمالهم العنيفة". وقال مفتي مصر الدكتور محمد سيد طنطاوي ل "الوسط": "ان مسألة العنف من المسائل التي لا تخلو منها دولة وهي من المسائل التي تؤخذ بالنسب، ولكن كلما توافرت العدالة الاجتماعية في الامن كلما قل العنف، وكلما توافر الفهم السليم والعلم الصحيح بأمور الدين كلما قل العنف، ونحن نرحب بالخلاف للوصول إلى الحقيقة، اما الخلاف الذي يؤدي إلى القتل والتدمير والارهاب فسحقاً له. وخير علاج للعنف هو فتح باب الحوار فوراً ونشر العدل الاجتماعي واداء كل انسان لواجبه". وأضاف: "الشباب طحنه الفقر وأعوزته الحاجة ودمرته البطالة ولم تُجد آراء العلماء كثيراً ولن يقف العنف الا بأن تعمل الحكومة على حل جذري لمشكلة البطالة ونشر العدل الاجتماعي لكي نؤمن للشباب العيش الكريم والعمل المناسب والمسكن". ورأى المفتي "ان مناهج الدين لو احسن تدريسها لأخرجت العلماء، وانه على رغم بعض التجاوزات من قبل جهاز التلفزيون الا انه لا يُحجر على فكر، فالاسلاميون لهم الحرية كما لغيرهم من اصحاب المذاهب الاخرى. نحن نقول وغيرنا يقول والبقاء للأصلح". ووصف المستشار مأمون الهضيبي الناطق باسم جماعة الاخوان المسلمين مسألة الوساطة بأنها "خطوة تستحق التأييد والدعم". وسألته "الوسط" عن الدور الذي يمكن ان يلعبه الاخوان المسلمون في انجاح الوساطة فقال: "اذا طلب منا المساهمة فلن نتأخر، ونحن نثق في اعضاء لجنة الوساطة التي تضم رموزاً اسلامية لها مكانتها، ونتمنى لها التوفيق، ونذكر بأن جماعة الاخوان كانت او لمن حاور المتطرفين عندما اصدر الشيخ حسن الهضيبي المرشد العام الراحل للجماعة كتابه "دعاة لا قضاة" للرد على الدعاوى المتطرفة". ورداً على سؤال عن كيفية القضاء نهائياً على العنف قال الهضيبي: "نحن ندعو إلى توسيع رقعة الحريات السياسية والاقتصادية، واحترام الدستور، وعدم التدخل في ارادة الناخبين". وأعرب عن اعتقاده في ان السبيل لوقف العنف والعنف المضاد يرتكز إلى تحقيق الاصلاح السياسي الذي يكون ايذاناً باصلاح اجتماعي واقتصادي وثقافي وعقائدي يقود إلى حركة استقرار كاملة في المجتمع. وقال ان السبيل إلى ذلك يأتي بالغاء او تعديل التدابير المتعلقة بتشكيل الاحزاب واطلاق حرية تكوين الجماعات والاحزاب في حدود الدستور والحريات العامة على اساس ان الدعوة تكون بالحسنى ومن دون استخدام اي عنف او ارهاب بما في ذلك الارهاب الفكري، وينتج عن ذلك مجلس نيابي يمثل الارادة الشعبية لمختلف وجهات نظر المجتمع". وأشار إلى ان الامور متشابكة وصعبة ولا يمكن الوصول إلى التغيير بين يوم وليلة. وقال الدكتور عبدالصبور مرزوق الامين العام للمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية في مصر ل "الوسط": "اننا نؤيد كل جهد يسعى إلى وقف كارثة العنف المحدقة بمصر، لكنني اعتقد ان المشكلة ليست في الحوار من عدمه، او اخراج المعتقلين، انما مطلوب القضاء على مشكلة البطالة التي تجرف الشباب إلى التطرف والعنف". وقال الداعية الاسلامي الشيخ محمد متولي الشعراوي: "لا بد ان يجتهد العلماء المخلصون والمفكرون المسلمون وأصحاب المبادئ والقيم، بغض النظر عن المذاهب والانتماءات من اجل فتح حوار جريء بينهم وبين الحكومة وأعضاء الجماعات، واذا رأى العلماء اعضاء الجماعات على غير حق قالوا لهم انتم على غير حق، واذا رأوا في حديثهم جانباً من الحق اقروه، وفي الوقت نفسه اذا رأوا لدى الحكومة تقصيراً اشاروا اليه". وأضاف الشعراوي: "اعتقد ان الحوار الصادق الذي يتولاه علماء مخلصون سيوقف العنف في اقرب فرصة وأدعو الله ان يوفق الجميع". وقال الدكتور احمد هيكل عميد كلية دار العلوم الاسبق ووزير الثقافة المصري الاسبق ان اسباب العنف هي في جملتها "فكرية واقتصادية واجتماعية... ولا بد ان نقوم نحن العلماء بالتنوير وتوضيح مفهوم الثقافات بشكل صحيح لأن مخاطر العنف سببها الجهل بالفهم الصحيح للدين، كما لا بد للحكومة ان تعمل فوراً على تخفيف الضغط الاقتصادي على الطبقات المجهدة، وان تدعو إلى مؤتمر وطني تشترك فيه كل القوى السياسية لمناقشة اسباب التطرف والعنف ووضع حد لمثل هذه الظواهر". ورأى الدكتور هيكل ان مشكلتي البطالة وارتفاع الاسعار في مقدمة الاسباب التي تدعو إلى التطرف، وقال: "البطالة شردت شبابنا وأبناءنا وهم في سن العطاء والنضوج، ولهيب الاسعار يجلد كل يوم ظهور الفقراء والمحتاجين"، موضحاً "ان المتعبين اقتصادياً يكونون عادة هدفاً سهلاً للمخططين، ومن أعوزه الفقر سيمد يده ليقبض 50 جنيهاً ليلقي بقنبلة في اي مكان لأنه ساخط وكاره وحاقد على اغنياء المجتمع الذين حرموه". وأكد هيكل ان من يرون ان المواجهة الامنية فقط كفيلة بايقاف العنف يعانون "قصراً في النظر". وقال الكاتب الاسلامي انور الجندي: "علينا ان نواجه التطرف بكل اشكاله وأبعاده، التطرف الحكومي، والمجتمعي، الاحتيال والغش، والثراء غير المشروع، وكذلك التطرف في "العواطف المجانية" التي تصل إلى حد "المداهنة". وأكد ان الحوار جسر للتفاهم مطلوب تدعيمه بقواعد الثقة بين الحكومة والشباب بتوضيح الحقائق اولاً بأول. وقال الداعية الاسلامي الدكتور محمود مزروعة: "يجب ان لا نتعامل مع المتطرفين من هذه الجماعات كما نتعامل مع اعداء او غرباء عن الوطن، لأن هؤلاء الشباب لهم في مصر حقوق ينبغي ان يحصلوا عليها، ان هذه الجماعات تشعر بالعزلة عن المجتمع، وما لم يتم حوار معهم لاستيعابهم داخل بؤرة المجتمع مرة اخرى فان العنف سيتزايد". ودعا الدكتور مزروعة إلى اعادة فرز المتطرفين في السجون إلى نوعين: الذين ارتكبوا اعمال عنف وصدرت ضدهم احكام قضائية، والنوع الثاني يشمل المعتقلين من دون جريمة، بحيث يتم الافراج عن النوع الثاني، وانهاء محاكمات النوع الاول في اقصر وقت ممكن، بحيث لا يظل في السجون بريء واحد، "فالمعتقلات مفرخة للتطرف والارهاب". وطالب الداعية الدكتورعبدالصبور شاهين، عضو لجنة الوساطة بأن تبادر الحكومة من جانبها إلى تهدئة الاوضاع، وذلك بأن تطلق اجهزة الامن من تحفظت عليهم داخل السجون المصرية في الفترة الاخيرة ولا توجد ضدهم اتهامات تستوجب احالتهم إلى القضاء، وان تحيل من تملك ادلة تثبت تورطهم في ارتكاب اي جريمة إلى المحاكمة ليفصل القضاء في امرهم. ولكي يتوقف العنف ايضاً ينبغي اتاحة الفرصة للجماعات الاسلامية لتنخرط في حزب سياسي لأن في مصر قانون يبيح التعددية الحزبية، وفي النهاية الحكم سيكون للشعب، فاما ان يرفض مثل هذا الحزب او ان يقبله. وقال الداعية المتشدد الشيخ عبدالحميد كشك الذي سبق ان اعتقل غير مرة بسبب مهاجمته للنظام في خطبه: "ان للعنف والعنف المضاد عواقب وخيمة، لذلك علينا - حكاماً ومحكومين - ان نجلس إلى طاولة الحوار في وجود علماء لا يبتغون من ذلك الا وجه الله تعالى، ولا بد ان يكون هناك انسجام تام وتعاون في هذا الصدد بين مختلف مؤسسات المجتمع الاسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الاعلام لحل مشاكل الشباب والقضاء على العنف". وقال الدكتور عبدالحي الفرماوي عضو لجنة الوساطة انه حضر لقاء علماء المسلمين مع وزير الداخلية السابق اللواء محمد عبدالحليم موسى حيث تمت مناقشة قضية الارهاب بجميع جوانبها. وأضاف ان جميع من حضروا اللقاء كان هدفهم وقف نزيف الدم المسلم، سواء من رجال الامن او من الشباب الذين ينتمون للجماعات الاسلامية. وأوضح الفرماوي ان رؤيته لوقف "نزيف الدم" تتلخص في قيام وزارة الداخلية بالافراج عن جميع المعتقلين في السجون، خصوصاً ممن لم توجه اليهم اتهامات محددة، مقابل تعهد قيادات اعضاء الجماعة بوقف الاعتداء على رجال الامن. وأضاف انه من الممكن ان يمتد الحوار بعد هذه الخطوة مع السماح لأعضاء الجماعات بالظهور بطريقة شرعية في الحياة السياسية المصرية. من جهة اخرى، تباينت مواقف المتطرفين تجاه موضوع الوساطة، فبينما اعلن بيان حمل توقيع الجماعة الاسلامية ان المواجهة مع النظام "حتمية شرعية يفرضها الشارع ثم الواقع الذي رسم ملامحه النظام بالضرب في السويداء"، فان مصادر في لجنة الوساطة اكدت ل "الوسط" ان عدداً من قيادات المتطرفين داخل السجون أبدت مرونة واضحة، مشيرة إلى ان عبود الزمر، وهو احد قيادات الجهاد الذي يقضي فترة عقوبة بالسجن لمدة 40 عاماً في قضيتي اغتيال السادات وقلب نظام الحكم، اكد للجنة في رسالة بعث بها عبر وسطاء "ان تنظيم الجهاد غير مسؤول عن حادثي التفجير" اللذين وقعا في مقهى وادي النيل وموقف الباصات السياحية امام مقر المتحف المصري بميدان التحرير في شهر رمضان الماضي، وانه، اي الزمر، اصدر "توجيهات" إلى اعضاء التنظيم في الصعيد لوقف اعمال العنف لإظهار حسن النية وتمكين لجنة الوساطة من أداء مهمتها في مناخ جيد. ورأت مصادر امنية مصرية ان التباين في مواقف المتطرفين يعود إلى الصراع الدائر بين جناحين في الجهاد، الاول يقوده الدكتور عمر عبدالرحمن امير التنظيم الذي يعيش حالياً في الولاياتالمتحدة الاميركية، وعبود الزمر قائد التنظيم السابق الذي يحاول البحث عن دور من داخل السجن. في الوقت نفسه كشف مصدر امني في اسيوط ل "الوسط" ان معتقلين من اعضاء الجهاد عرضوا على اجهزة الامن وقف جميع عمليات العنف مقابل الافراج عنهم والسماح لهم بالتحدث عبر وسائل الاعلام، واعلان الحكومة اجراءات اولية لتطبيق الشريعة الاسلامية. في المقابل اعربت قيادات امنية مصرية عن شكوكها من جدوى فتح حوار مع قيادات المتطرفين، ولم تخف تلك القيادات "صدمتها" عقب علمها بأنباء الوساطة. وقال مصدر أمني عالي المستوى ل "الوسط" ان "التفاوض مع الارهابيين يعني الاعتراف بهم، وهو مسألة مرفوضة، والمواجهة مع عناصر ترفع السلاح وتصوبه إلى رجال الشرطة والابرياء من المواطنين هي الطريق الوحيد للقضاء عليهم". وأكد المصدر ان الشرطة قادرة على ردع المخربين مهما كانت التضحيات، ودلل على فشل الحوار مع "الارهابيين"، مذكراً بأن حواراً كان فُتح معهم في الثمانينات ولم يحقق اية فائدة بل زادت اعمال العنف بعدها.