من بين الأبطال العرب القلائل الذين حققوا انجازات اولمبية لبلادهم يبرز اسم البطل التونسي المعروف محمد القمودي الذي تمكن من رفع علم بلاده في ثلاث دورات اولمبية متتالية محققاً بذلك انجازاً فريداً لم يحققه اي رياضي عربي آخر حيث احرز 4 ميداليات في طوكيو 1964، ومكسيكو 1968، وميونيخ 1972. وتوج بطلاً لسباقي 5 و10 آلاف متر عدو في بطولة العالم العسكرية عشر مرات متتالية بدءاً من العام 1962 الذي شهد بدايته وحتى العام 1971. "الوسط" التقت القمودي في جدة التي زارها بدعوة من الخطوط العربية السعودية لحضور سباق السعودية المفتوح للعدو، ودار حوار حول بدايته وانجازاته ورؤيته لرياضة العاب القوى في الوطن العربي... وهنا نص الحوار: * متى كانت بدايتك مع ألعاب القوى؟ - انخرطت في الجيش التونسي عام 1960، وأنا في الثامنة عشرة من عمري. فمارست العاب القوى وشاركت في سباق الوحدات العسكرية في العام نفسه لمسابقة 7 آلاف متر واحرزت المركز الثاني، ثم احرزت المركز الاول في البطولة العسكرية في تونس لمسافة 10 كلم وقد جرى هذا السباق في مدينة قفصهمسقط رأسي، بعد هذا السباق اختار المشرفون على الرياضة في الجيش العدائين الخمسين الاوائل وكنت في مقدمتهم فانخرطنا في برنامج تدريبي لاعدادنا للمشاركة في المسابقات الدولية التي بدأت بالنسبة لي عام 1962 في امستردام حيث شاركنا في بطولة العالم العسكرية لأول مرة وحصلت فيها على ميداليتين ذهبيتين دوليتين دفعة واحدة في سباقي 5 و10 آلاف متر. السجل الذهبي * وكيف سار قطار مشاركاتك وماذا حققت من انجازات؟ - خلال رحلتي الطويلة مع العاب القوى التي بدأت سنة 1960 وانتهت سنة 1979، حققت العديد من الانجازات وحصدت نحو 156 ميدالية ما بين ذهب وفضة وبرونز، فبعد مشاركتي في البطولة العسكرية شاركت عام 63 في دورة البحر الابيض المتوسط في ايطاليا وأحرزت الميداليتين الذهبيتين لسباقي 5 و10 آلاف متر، وفي العام نفسه شاركت في البطولة الافريقية وحققت ذهبية 5 آلاف متر وفضية 1500 متر، وكانت مشاركتي الاولمبية الاولى عام 1964 في طوكيو حيث احرزت اول ميدالية اولمبية لتونس وهي فضية سباق 10 آلاف متر. وفي العام 1967 احرزت ذهبيتي سباقي 5 و10 آلاف متر في دورة البحر الابيض المتوسط التي اقيمت في تونس وكانت مشاركتي الثانية في دورات الالعاب الاولمبية عام 1968 في المكسيك واحرزت اول ذهبية لتونس ايضاً في سباق 5 آلاف متر واحرزت ايضاً الميدالية البرونزية لسباق 10 آلاف متر وفي عام 1971 احرزت ذهبية سباق 5 آلاف متر في دورة البحر الابيض المتوسط في ازمير تركيا. وللمرة الثالثة على التوالي شاركت في دورة اولمبية واحرزت الميدالية الفضية لسباق 5 آلاف متر في دورة ميونيخ 1972. وكانت امامي فرصة اخيرة لاحراز ميدالية اولمبية جديدة في دورة مونتريال 1976 الا ان تونس والدول الافريقية انسحبت من الدورة بسبب مشاركة جنوب افريقيا العنصرية وبقيت امارس الركض حتى العام 79 في الدورات الدولية والعسكرية حتى اعتزلت ولك ان تعلم انني بقيت بطلاً للعالم العسكري في سباقي 5 و10 آلاف متر طوال الفترة الممتدة من عام 1962 إلى عام 1971. * بعد الاعتزال... لماذا لم تسلك درب التدريب لتخرج لنا جيلاً جديداً؟ - كنت اتمنى ان اعمل في مجال التدريب لأنقل خبرتي إلى الجيل الصاعد الا ان ظروف عملي في القوات المسلحة التونسية ورغبتي في التفرغ التام لرعاية اسرتي حالا دون ذلك كما انني بحكم عملي كمحاضر ومستشار فني في ادارة التربية البدنية والرياضة العسكرية فضلت الاستمرار في هذا المجال. الاحتراف وحب الوطن * هل تلقيت عروضاً للاحتراف؟ - نعم تلقيت عروضاً كثيرة كان افضلها عام 1968 من منظمة اميركية مقابل 40 الف دولار مقدم عقد على ان تتم مكافأتي وفق المركز الذي احتله فإذا حققت المركز الاول احصل على 30 الف دولار وقد رفضت العرض رغم ضخامته لان وزير الدفاع التونسي في ذلك الوقت طلبني لمقابلته وقال لي "انت تعلم ان الرئيس بورقيبة يحبك لأنك سفير تونس في المحافل الدولية ولأنك ترفع علمها خفاقاً فهل ترضى ان تكون سفيراً لبلد غير بلدك؟ وان ترفع علماً غير العلم التونسي؟" فلم أتردد في رفض العرض والغاء فكرة الاحتراف نهائياً لأن رفع علم الوطن شرف لا يساويه شرف آخر. * هل كان في اسرتك عداؤون سبقوك إلى البطولات؟ - انتمي إلى اسرة تضم سبعة افراد وسبقني اخواي علي وحميدة إلى العاب القوى، انضما إلى صفوف المنتخب التونسي وشاركا في دورة البحر الابيض المتوسط وكنا جميعاً نحظى برعاية والدنا ووالدتنا اللذين كانا يهتمان بتغذيتنا ويسهران على راحتنا ويشجعاننا على المضي قدماً نحو القمة، الا ان اخوي لم يستمرا طويلاً وتحولا إلى التدريب وافسحا في المجال امامي للتألق وحالياً يسير ابناء اخي نبيل وهم اعضاء في المنتخب الوطني على درب العائلة... * وكيف كان برنامجك التدريبي؟ - كنت اتدرب يومياً على فترتين صباحاً ومساء وكان التدريب قاصراً على العدو مسافة 30 او 35 كلم، ثم ارسلني الجيش إلى فرنسا وقد أفادني ذلك كثيراً في تطوير مستواي وزيادة سرعتي. * من وجهة نظرك ما هي اسباب تأخر العرب في العاب القوى؟ - اسباب عدة اهمها عدم توفر المناخ السليم لمزاولة هذه الرياضة واهتمام المسؤولين بالالعاب الجماعية دون الالعاب الفردية الامر الذي يصرف الشباب عن ممارستها فضلاً عن قلة المردود المادي لألعاب القوى. كل هذه الاسباب تتضافر وتؤثر على مسيرة هذه الرياضة في الوطن العربي. * ولماذا لم يخرج بطل جديد من تونس يواصل مسيرتك المظفرة؟ - للأسف الشديد ضعف الامكانات حال دون ذلك ويكفي ان تعلم انه لا يوجد في تونس سوى مضمار واحد أنشئ سنة 1967 عندما نظمت تونس دورة العاب البحر الابيض المتوسط وبعد مشاركتنا العام الماضي في دورة برشلونة الاولمبية وعدم حصولنا على اي ميدالية قررت الدولة تشكيل مجلس وزاري مصغر برئاسة الرئيس علي زين العابدين وعضوية محمد سعد وزير الشباب والطفولة ووزير الدفاع ووزير الداخلية وتقرر اختيار نخبة الرياضيين الواعدين وعددهم 40 شخصاً يمارسون مختلف الالعاب الفردية كألعاب القوى، والملاكمة والجودو والمصارعة ورفع الاثقال. وذلك لاعدادهم في دار التربية البدنية والرياضة العسكرية استعداداً لدورة الالعاب الاولمبية القادمة على امل تحقيق نتائج مشرفة لتونس. * من بين الابطال العرب الحاليين من ترى فيه نفسك؟ - بالطبع كل الابطال يذكرونني بالماضي الجميل وأرى فيهم نفسي وأبرزهم المغربي سعيد عويطة، والجزائري نور الدين مرسلي والشاب القطري محمد سليمان الذي اتوقع له مستقبلاً باهراً. انتظروا صابرين * هل يمكن ان نرى مستقبلاً احدى بنتيك بطلة كأبيها؟ - في الحقيقة ابنتي الصغرى صابرين 13 عاماً تمارس العاب القوى حالياً وهي بطلة تونس في سنها ولا اخفيك انني لم اكن اتمنى ان تكون عداءة، الا انني وجدتها شغوفة باللعبة، فقمت بمساعدتها واتوقع لها مستقبلاً باهراً من خلال المؤشرات الاولية التي ظهرت حتى الآن. * هل لقيت التكريم الذي تستحق؟ - لقد كرمني والحمد لله الرئيس بورقيبة فمنحني وسام الجمهورية من الصنف الثالث، وكرمني الرئيس زين العابدين بن علي فمنحني وسام الجمهورية من الصنف الثالث ايضاً تقديراً لما قدمته من خدمات للرياضة التونسية وكرمني السيزم المجلس الاعلى للرياضة العسكرية واليونسكو في باريس والاتحاد العربي للالعاب الرياضية. * ما هو الفارق بين العاب القوى ايامك والآن؟ - العاب القوى في الماضي كانت اقوى في المسافات الطويلة رغم تحطيم الارقام العالمية حالياً ويكفي ان تعرف ان البطل الاوسترالي دون كلارك حقق سبعة ارقام قياسية ولم يفز الا بميدالية اولمبية واحدة. بطاقة هوية الاسم: محمد عبدالله القمودي. السن: 55 عاماً. المهنة: ضابط في الجيش التونسي. الحالة الاجتماعية: متزوج وله بنتان نادية 15 عاماً، وصابرين 13 عاماً. النشاط الرياضي: عداء في سباقي 5 و10 آلاف متر سابقاً، نائب رئيس الاتحاد التونسي لألعاب القوى حالياً.