انتهت يوم 30 آذار مارس الماضي فترة الترشيحات للانتخابات النيابية العامة التي ستجري في اليمن في السابع والعشرين من نيسان ابريل الجاري، وبدأ الاستعداد الفعلي لهذه المعركة التي سيتنافس فيها المرشحون على 301 مقعد في مجلس النواب موزعة حسب الكثافة السكانية بمعدل 44 - 47 ألف نسمة لكل دائرة. ووفقاً للتقديرات الرسمية فهناك مليون و600 ألف ناخب وناخبة مسجلون من مجموع عدد السكان البالغ 14 مليون نسمة، وفقاً لتعدادي 1986 و1988 مضافاً اليهما نسبة النمو السنوي للاعوام التالية لهما. ويتوقع المختصون ان يتراوح عدد المرشحين بين 3 و4 آلاف مرشح، وأن يشكل المستقلون النسبة الكبرى منهم، كما صرح مصدر مسؤول في اللجنة العليا للانتخابات لوسائل الاعلام الذي قال: "ان المتقدمين بطلبات الترشيح في الأيام الثلاثة الأولى، معظمهم من المستقلين". وبحسب احصاء العام 1992 فإن عدد الأحزاب يصل الى 43 حزباً وتنظيماً سياسياً تنتشر على الساحة اليمنية، ظهرت أو تأسست منذ اعلان الوحدة في أيار مايو 1990، إلا أن التي ستشارك منها في معركة الانتخابات، لا يتوقع أن يتجاوز عددها عشرين حزباً وتنظيماً سياسياً. وهذا يعود الى أسباب تتعلق بالأحزاب ذاتها. ومن هذه الأسباب: أن عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية، تجاوز الحجم الذي تتحمله الساحة السياسية في اليمن. إذ أن الإقبال الجارف على اعلان وتأسيس الأحزاب بعد الوحدة، جاء في معظمه بدافع التحدي للحاضر ورد فعل للحظر في الماضي، أكثر من كونه بدافع القناعات الذاتية والتعبير عن تعدد أيديولوجي قائم بالفعل. ولذا، فكما شهد العامان 1990 و1991، إقبالاً قياسياً على اعلان وتأسيس الأحزاب، فإن عام 1992، شهد توقفاً وركوداً ملحوظاً في نمو الظاهرة الحزبية الجديدة، تدرج في عدّه التنازلي الى حد الانحسار، سواء في زيادة عدد الأحزاب مجتمعة، أو على مستوى نمو كل حزب على حدة، اتساعاً وحركة سياسية وثقافية واستراتيجية. ان التعددية الحزبية خاصة، والسياسية عامة، تعتبر جديدة على الساحة اليمنية، وبالذات لدى عامة الناس التي تمثل الأغلبية الساحقة، على رغم وجود أحزاب وتنظيمات وخلايا حزبية سرية أو منكمشة تحت السطح أثناء تحريمها في الماضي. وهو انكماش فرض عليها أن تظل محصورة في عناصرها القيادية في الغالب، من دون أن تتمكن من النزول الى الساحة لتشكيل منظمات وكوادر قاعدية لها. وفترة السنوات الثلاث بالتالي، لا تكفي لتكوين قاعدة سياسية وتنظيمية قادرة على استيعاب مثل هذا العدد من الأحزاب، خصوصاً ان طفرة ظهرت في زمن قياسي. يجب الأخذ في الاعتبار، ان هذا العدد من الأحزاب، لم يظهر كل واحد منها مستقلاً في إطاره وكيانه وقواعده وكوادره وأيديولوجيته، بل تعددت الأحزاب وتكاثرت في جانب كبير منها، عن طريق الانقسام والانفصال والانشقاق. فنجد عدداً من الأحزاب انقسم كل منها، الى ثلاثة وخمسة وسبعة أحزاب وتنظيمات وجبهات وطلائع... الخ. ولأن هذه الانقسامات تأتي في كثير منها، نتيجة خلافات شخصية وغير موضوعية بين قادة الحزب أو التنظيم، فإنه يصعب تصنيف كل منها مستقلاً باتجاهه وآرائه السياسية أو متميزاً في بعضها على الأقل، عن بقية الأحزاب والفصائل المنقسمة. بل يظل وجودها في هذه الحال أقرب الى التكرر منه الى التعدد بمدلول المصطلح السياسي للكلمة. وضمن عملية الانحسار، انضمت بعض الأحزاب الصغيرة الى أحزاب كبيرة، في شبه ائتلاف غير محدد، كانضمام عدد منها الى كل من الحزبين الحاكمين. ويضاف الى ذلك أن أحزاباً حصرت نشاطها في الماضي، في إصدار مطبوعة صحافية استنفدت جهودها وإمكاناتها، وأصبحت أمام الانتخابات غير قادرة على استئناف نشاطها من جديد، كما شهدت الأشهر الستة الأخيرة بالذات حركة استقالات وانضمام من حزب الى آخر بين أعضاء بعض الأحزاب لصالح الأحزاب الكبيرة في أغلبها. ويأتي في مقدمة الأحزاب الكبيرة التي ستشارك في الانتخابات بفاعلية كما هو قائم ومتوقع، ثمانية أحزاب ، هي: المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني الحاكمان، والتجمع اليمني للاصلاح والتجمع الوحدوي اليمني وحزب الحق وحزب رابطة أبناء اليمن رأي وفصائل الحزب الناصري مجتمعة وفصائل حزب البعث مجتمعة. وتكاد تنحصر عملية الاستعداد للانتخابات بين الأحزاب، في ثلاثة عناصر: 1- الزيارات الميدانية التي تقوم بها قيادات بعض الأحزاب. 2- انجاز البرامج التي ستقدمها الأحزاب ضمن عملية الدعاية الانتخابية. 3- الدعاية الانتخابية في حدود الأساليب والوسائل والأماكن التي حددها قانون الانتخابات، وقرارات اللجنة العليا التي حددت مدداً ومساحات منتظمة ومتساوية لدعاية الأحزاب بما فيها الحزبان الحاكمان، في قنوات الاذاعة والتلفزيون، وفي الصحف اليومية الحكومية الثلاث، وفي صحف الأحزاب والتنظيمات التي تملكها، من ناحية أخرى. ويلاحظ ان برامج الأحزاب تركز جميعها بصفة عامة على ثلاثة مواضيع تمثل قواسم مشتركة بين برامج الأحزاب، بل أوجه شبه شديد بينها كلها من دون استثناء تقريباً: الأول - الالتزام بتطبيق الشريعة الاسلامية، وبمبادىء الحرية والعدالة والمساواة والتقيد بدستور الدولة وأنظمتها وقوانينها. الثاني - تصحيح وإصلاح الوضع الاداري والمالي والاقتصادي والمعيشي والأمني. الثالث - تحسين وتطوير مستوى الخدمات في الوزارات والمؤسسات الحكومية وفروعها. وفي الوقت الذي يظهر الاهتمام بهذه المواضيع، نتاجاً طبيعياً للواقع العام، وانعكاساً مباشراً لهموم ومشاكل وتطلعات المواطنين في كل المناطق والفئات من دون تفريق. إلا أن الذي قد يظهر غير طبيعي، هو أن هذا الطرح العام جعل برامج الأحزاب تظهر متعددة في مصادرها متشابهة في مضامينها الى حد التماثل أحيانا بصفة لا تعبر عن اختلاف نظري يذكر بين حزب وآخر، إذا استثنينا بعض الصيغ والمصطلحات والنصوص المقتبسة. وهذا يؤكد أن الواقع اختزل كل النظريات في ملامحه، وفرض هذا التقارب النظري على الجميع، على رغم انه لا يمثل أي تقارب عملي أو أيديولوجي غير ما هو موجود من قبل. أو ما يمكن أن يطرح من قواسم مشتركة وعامة في إطار التنسيق بين الأحزاب أو بعضها. وفي هذا الصدد، دعا الحزبان الحاكمان، المؤتمر والاشتراكي، الأحزاب الأخرى، الى التوقيع على مشروع "ميثاق العمل السياسي بين الأحزاب والتنظيمات في الجمهورية اليمنية"، الذي وقعه الحزبان وأعلناه يوم 30 آذار مارس الماضي ويلاحظ أن هذا المشروع هو المشروع نفسه الذي أعدته لجنة التنسيق بين الحزبين برئاسة السيد سالم صالح محمد الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي، وطرحه الحزبان على بقية الأحزاب في آذار مارس من العام الماضي 1992، لمناقشته وإقراره، ولكنه لم يجد استجابة حينه من قبل الأحزاب الأخرى. ويتكون المشروع من ثلاث فقرات عامة تضم كل منها عدداً من المبادىء والأسس، تتلخص في الآتي: "أولاً: الثوابت الوطنية". وتضمنت: التمسك بالاسلام والحفاظ على الانتماء العربي والوحدة والديموقراطية والدستور، و"الالتزام الصارم بحياد المؤسسات العسكرية والدفاعية والأمنية"، و"بعدم استخدام العنف أو الدعوة اليه أو التهديد به"، و"احترام دور العلم والعبادة ومرافق الدولة الرسمية، وتحريم استخدامها في الصراع السياسي"، و"الالتزام بحرية العمل النقابي وكفالة حقوق المرأة" "ثانياً: قواعد وأخلاقيات الممارسة السياسية"، وجاء فيها: "الالتزام بعدم استخدام التجريح أو التكفير للأشخاص أو الأحزاب والتنظيمات السياسية"، و"بالتنمية الشاملة القائمة على التخطيط والبرمجة"، و"التعهد بممارسة الديموقراطية داخل كل حزب أو تنظيم سياسي، من خلال علنية نشاطه بعقد مؤتمراته الدورية وانتخاب هيئاته القيادية" و"تحريم تبعية أي حزب أو تنظيم سياسي لأي حزب أو تنظيم سياسي أو دولة أجنبية"، وتتعهد الأحزاب التي تحوز ثقة مجلس الشعب بتشكيل الحكومة، "بقصر شغل ممثليها على المناصب الوزارية ذات الطابع السياسي، وعدم إحداث أي تغيير في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، سواء بتعيين أو تسريح أو فصل الكوادر والموظفين"، والالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين في التعيين أو الترقية أو التأهيل للوظائف العامة طبقاً للقانون، والالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها المحددة طبقاً للدستور والقانون. في النهاية، نص المشروع على إنشاء جهاز تحكيم يتم اختيار أعضائه من الأحزاب والتنظيمات السياسية الموقعة على الميثاق، ومهمته التنسيق بين الموقعين لتطبيق الميثاق والاحتكام اليه. وتجدر الاشارة هنا، الى أن الحزبين الحاكمين لم يوقعا أية صيغة خاصة بالتنسيق في ما بينهما بصفة معلنة حتى الآن. وقد حدد كل منهما مرشحيه في كل الدوائر الانتخابية، مما سيجعل التنافس شديداً، ولكن هذا لا يعني نفي شيء من الوئام والتقارب القائم بينهما حالياً، ولا نفي الاحتمال بأنهما وقعا على صيغة للتنسيق بينهما في الانتخابات لم تعلن بعد، ولا يقلل من تأكيد التوقعات بفوزهما معاً وأن الفارق سيكون نسبياً فقط، وكذا التوقعات بحصول أحزاب المعارضة الستة الأخرى بصفة خاصة، على مقاعد في مجلس النواب المقبل، وتظل القضية نسبية في أغلب الحالات. لكن السؤال القائم الآن هو: هل يحقق المستقلون أغلبية في مجلس النواب المقبل؟