لا يزال الحديث قليلاً ومكرراً حول توحيد الحزبين الحاكمين في اليمن، المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي، سواء ما يصدر عن كبار المسؤولين او ما تردده الصحف والاحزاب وعامة الناس في الساحة اليمنية. وعلى رغم قلة الحديث، فانه يعتبر كثيراً اذا ما قورن بالفعل والخطوات التي تمت حتى الآن، في طريق التوحيد. المفاجأة التي اعلنها الامينان العامان للحزبين عن اتفاقهما على التوحيد، في اوائل شباط فبراير الماضي. ظهرت قوية وواضحة، ولكنها ظلت خطوة وحيدة لم تتبعها خطوات اخرى تؤكد نجاحها وعمليتها من ناحية، وتدفع بالمشروع الى الامام من ناحية ثانية. بل دخل المشروع في حالة ركود ومراوحة بعد اسبوعين تقريباً من المفاجأة. وازداد الركود في الاسبوعين الماضيين، الامر الذي دفع الى اطلاق تفسيرات عدة ابرزها ثلاثة: الأول، يرى ان الجمود لا يتجاوز حالة انتظار لما ستسفر عنه اعمال اللجنتين السياسيتين. احداهما برئاسة سالم صالح محمد الامين العام المساعد للحزب الاشتراكي، والاخرى برئاسة عبدالعزيز عبدالغني، الامين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام. والاثنان عضوا مجلس الرئاسة. وأهم ما تعكف اللجنتان على انجازه هما: صيغة التوحيد من حيث شكله وأطره وتشكيلته واسمه، وتصفية القضايا العالقة بين الحزبين. الثاني، ينسف التفسير السالف، ويؤكد ان حالة الجمود شملت اعمال اللجنتين اللتين اصبحتا شبه متوقفتين. ويرى أن الجمود ناتج بالدرجة الاولى، عن انشغال قيادتي الحزبين بمواجهة الصعوبات التي ظهرت اكثر شدة مما كان متوقعاً، في طريق التوحيد. وقال مصدر مطلع لپ"الوسط" ان بين هذه الصعوبات ان الاحزاب والتنظيمات التي تدور في فلك الحزبين اوترتبط بهما بعلاقة شبه تحالف او تضامن، استطاعت ان توحد موقفها من توحيد الحزبين، قبل ان يتمكن الحزبان من احراز خطوة ثانية في اتجاه التوحيد. وأضاف المصدر المطلع لپ"الوسط": ان عدداً من قادة هذه الاحزاب، عقدوا اجتماعاً لم يعلن حتى الآن، ابلغوا في نهايته قادة الحزبين رأيهم صريحاً، تمثل في نقطتين. 1 - انهم يرون في توحيد الحزبين، اضراراً بالتعددية السياسية، كونه سيمثل مصادرة للساحة السياسية في اهم اهدافها، وهو فرص المشاركة في السلطة وتداولها عن طريق الانتخابات العامة، ثم ما قد تؤدي اليه هذه الحال من نتائج لن تكون لصالح ترسيخ وتعزيز الديموقراطية، لأن الحزبين سيصبحان بعد التوحيد، الاقوى والاكبر، وبالتالي، فقد يعيدان ديكتاتورية الحزب الواحد، بصفة مباشرة ومتعمدة، او غير مباشرة. اذ قد يتحول مع الزمن، الى اطار لاحتكار السلطة والاستبداد بالرأي والحكم المطلق. خصوصاً ان التعددية لا تزال في بدايتها، ولم تملك بعد، الضمانة والحصانة الكافيتين ضد مثل هذه الآفات والسلبيات. 2 - تأكيد قادة الاحزاب الدائرة في فلك المؤتمر والاشتراكي انهم سيضطرون لمواجهة توحيد الحزبين، عبر مشروع اطار عام لأحزابهم، يضمن تعزيز مواقعهم في المعارضة، بصورة تختلف عما هي عليه الآن. وذكر المصدر المطلع ان بين الصعوبات ايضاً التي تواجه توحيد الحزبين ما نشره بعض الصحف المحلية اخيراً، من ان مجموعات غير قليلة من كوادر ومنظمات الحزبين، تعد نفسها الآن، كل مجموعة في اطار حزبها، لتعلن في الوقت الذي يعلن فيه الحزبان توحيدهما، الانفصال عن الحزب الأم، لتصبح حزباً او تنظيماً مستقلاً، ربما بالتسمية نفسها التي كانت لحزبها. المؤتمر الشعبي العام او الحزب الاشتراكي اليمني. ويرى المصدر المطلع نفسه ان توقف الاخبار اليومية عن قيادتي الحزبين فجأة، منذ الاسبوع الثاني من آذار مارس الجاري بصفة خاصة، يؤكد ان محاورات واتصالات مهمة وواسعة، تدور وراء الكواليس حول الموضوع نفسه وانه لا يستبعد ان يكون قياديون من قمتي الحزبين، تشاوروا مباشرة مع زعماء ومسؤولين قياديين في اكثر من قيادة عربية، وترتب على هذه المشاورات، زيارات تبودلت اثناء الامسيات الرمضانية من دون ان يعلن عنها. وانها ربما تناولت موضوع التوحيد بشكل غير مباشر ليس بوصفه قضية داخلية، وانما في اطار دور القيادة اليمنية في معالجة ازمة العلاقات العربية العربية، ووحدة الدولة السياسية. التفسير الثالث، يرى ان مشروع التوحيد تعثر كثيراً، وظهرت المشاكل في طريقه أكثر مما كان متوقعاً وأقوى وأكبر من العناصر المؤهلة لنجاحه. ويذهب قيادي في احد ابرز الاحزاب المعارضة للتوحيد، الى القول لپ"الوسط": "ان المشروع باختصار، وصل الى طريق مسدود". وفي النهاية، يمكن أخذ هذه التفسيرات في مجملها من دون تفاصيل بعضها، بأنها كلها واردة ومقبولة من حيث الصعوبات التي ظهرت في طريق التوحيد، خصوصاً اذا ما قورنت بشرط واحد يمثل اساساً للتوحيد، وهو قرار المؤتمر العام لكل من الحزبين على حدة. خصوصاً الحزب الاشتراكي الذي لا يملك قادته ولا يريدون تحدي قواعد ومنظمات الحزب في مثل هذه الظروف وفي مثل هذا القرار بالذات. وبالتالي، فان المؤتمر العام للحزب الاشتراكي او المؤتمر الشعبي العام لا تتوفر الفرصة لانعقاده قبل موعد الانتخابات النيابية في 27 نيسان ابريل المقبل. ومن هنا، فان أقوى الاحتمالات التي تفرزها التفسيرات السابقة في مجملها، هو ان مشروع التوحيد سيتم تأجيله الى ما بعد الانتخابات. وان قيادتي الحزبين ستتفرغان في هذه الفترة لانجاز ثلاثة اهداف مرحلية: 1 - التنسيق بينهما لتحقيق هدف أقصاه توحيد قائمة مرشحيهما. 2 - اجراء الاتصالات والمشاورات مع مختلف الاطراف، كجزء من التمهيد للمشروع. 3 - اعداد ما يمكن من الوثائق اللازمة، على رغم ان اهمها يصعب اعداده الآن، وان المشروع لا يزال مشروعاً بعيد الأجل، كما ذكرت "الوسط" قبل اكثر من شهرين.