سجل معرض الدفاع الدولي "ايديكس 93" الشهر الماضي في أبو ظبي تحولات عسكرية واقتصادية وتجارية ستكون لها نتائج في مجالات عدة. لكن ما لفت الانتباه هو مشاركة ايران بجناح خاص بها في المعرض، على رغم النزاع بين البلدين على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وقد عرضت ايران في جناحها عدداً من الاسلحة التي يتم تصنيعها في ايران، اضافة الى نماذج مصغرة وصور من أسلحة اخرى يتم انتاجها في مصانع الأسلحة الايرانية، وصورة خاصة بالغواصة "كيلو" التي استوردتها ايران من روسيا. وبلغ الحضور الايراني في "ايديكس 93" أبعد من ذلك، بمشاركة أكبر تركان وزير الدفاع الايراني في افتتاح المعرض. وفي حوار مع "الوسط" قال وزير الدفاع الايراني ان المشاركة الايرانية في هذا المعرض "جاءت بناء على دعوة من دولة الامارات"، اما مشاركته في افتتاح المعرض فجاءت "تلبية لدعوة من وزير الدفاع في دولة الامارات". وذكر الوزير الايراني ان حجم مشاركة بلاده في هذا المعرض لا يعبّر بشكل واضح عن حجم صناعة السلاح في ايران لان الدعوة جاءت متأخرة، ولم تتمكن ايران من تجهيز الأسلحةپوالمعدات التي تصنعها للمشاركة فيها بهذا المعرض. وذكر انه من الطبيعي ان يجري محادثات اثناء زيارته لأبو ظبي مع كبار المسؤولين في دولة الامارات. وبالفعل التقى وزير الدفاع الايراني مع الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. كما التقى، خلال زيارته للامارات التي استغرقت أربعة أيام، اللواء الركن طيار الشيخ محمد بن زايد رئيس أركان القوات المسلحة. وتكمن أهمية مشاركة ايران في هذا المعرض ومشاركة وزير دفاعها في حفل الافتتاح واجرائه محادثات مع كبار المسؤولين في أنها أول اتصال على مستوى رفيع بين البلدين، منذ بدء النزاع بينهما في نيسان ابريل 1992 بسبب الاجراءات التي اتخذتها السلطات الايرانية في جزيرة أبو موسى لفرض سيادتها على كامل الجزيرة الامر الذي فتح ملف الجزر بين البلدين الذي يعود الى تشرين الثاني نوفمبر 1971، وأكدت مصادر سياسية أن هذا التطور الذي يأتي بعد تصاعد الأزمة بين البلدين وفشل المحادثات المباشرة بينهما في ايلول سبتمبر الماضي في أبو ظبي للتوصل الى حل سلمي للأزمة، يؤكد ان قنوات الاتصال بين أبو ظبي وطهران ما زالت مفتوحة بل ويمكن تطويرها للتوصل الى حل سلمي لأزمة الجزر. وقالت المصادر ان دعوة الامارات لوفد ايراني للمشاركة في المعرض وافتتاحه على مستوى وزير الدفاع الايراني يؤكد "التوجهات السلمية للامارات وحرصها على تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج واقامة العلاقات مع دول المنطقة على أساس الثقة والاحترام المتبادل". وأكدت المصادر أن التحرك الاماراتي نحو طهران "لا يشكل أي تنازل عن مطالبتها بالجزر والسعي الحثيث نحو استعادة سيادتها الكاملة على الجزر الثلاث". وقال الدكتور جمال السويدي مستشار رئيس الاركان ورئيس اللجنة الاعلامية العليا لمعرض "ايديكس 93" إن توجيه الامارات دعوة لايران للمشاركة في هذا المعرض "لا يعني أبداً التنازل عن حقوقها في الجزر الثلاث" مشيراً الى أن القضية مطروحة أمام المحافل الدولية للتوصل الى حل سلمي لها. واضاف أن الامارات تتمسك بسيادتها على هذه الجزر وتتحرك على أكثر من صعيد لايجاد تسوية سياسية لأزمة الجزر. وتؤكد مصادر ديبلوماسية أن هذه المعطيات الجديدة في العلاقات الاماراتية - الايرانية التي برزت مع معرض "ايديكس 93" يمكن البناء عليها لجهة استئناف المفاوضات المباشرة بين ايرانوالامارات لحل النزاع بينهما. وتشير في هذا الصدد الى أن السيد مصطفى فومني حائري رئيس الوفد الايراني في المباحثات المباشرة التي تمت بين البلدين في ايلول سبتمبر الماضي رافق وزير الدفاع الايراني في زيارته الأخيرة لأبو ظبي. وفي هذا الاطار يؤكد السيد حسن أمينيات السفير الايراني في أبو ظبي أن ايران وجهت دعوة للامارات لاستئناف المباحثات المباشرة بينهما في أي وقت في طهران. غير ان الامارات تشترط لاستئناف مثل هذه المحادثات قبول ايران المسبق ببحث مشكلة جزيرتي طنب الكبرى والصغرى اللتين احتلتهما ايران عام 1971، فيما تتمسك ايران بهاتين الجزيرتين وتعتبرهما جزيرتين ايرانيتين لا يمكن التنازل عنهما. وأمام هذا الموقف المبدئي المتشدد من جانب الاماراتوايران حول جزيرتي طنب الكبرى والصغرى ترى المصادر الديبلوماسية أن الاتصال الأخير بين المسؤولين في البلدين، على هامش المعرض، شكل فرصة لكل منهما لجس نبض الجانب الآخر بشكل مباشر، ووفر على الاقل مناخاً ايجابياً يمكن للوساطات الدائرة الآن بين البلدين الاستفادة منه. ويبدو في هذا الاطار أن أكثر من مبادرة قائمة الآن بين البلدين، من أبرزها الوساطة السورية التي ظهرت بوادرها الاولى مع زيارة نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام لطهران في بداية العام الحالي، والزيارة التي قام بها بعد ذلك السيد فاروق الشرع وزير الخارجية السوري لأبو ظبي. وقد أكد اللواء الشيخ محمد بن زايد رئيس أركان القوات المسلحة الاماراتية في تصريحات على هامش "ايديكس 93" وجود هذه الوساطات. وخلصت مصادر ديبلوماسية الى ان مشاركة ايران في المعرض ودعوة الامارات وزير الدفاع الايراني لحضور حفل الافتتاح تؤكدان، ان النزاع بين الاماراتوايران "تحت السيطرة"، على الأقل من جانب الامارات التي تستند الى القانون الدولي في تحركها السياسي لاستعادة سيادتها الكاملة على الجزر الثلاث. كما تؤكد ان هذا النزاع لن يشكل مانعاً أمام استمرار العلاقات الطبيعية بين البلدين الجارين وبما ينعكس ايجابياً على المناخ السياسي العام في المنطقة للمحافظة على الأمن والاستقرار فيها.