شهدت الجزائر في الفترة الاخيرة موجة من الاغتيالات السياسية لم تعرف البلاد مثيلاً لها من قبل، اي منذ اندلاع الحرب بين السلطة والاسلاميين المتشددين قبل 14 شهراً. وطالت هذه الاغتيالات شخصيات علمية تحتل مناصب سياسية، في حين نجا وزيران في الحكومة من محاولتي اغتيال. وقد اغتال المسلحون خلال اقل من اسبوع، في الفترة الواقعة بين 12 و18 آذار مارس الجاري كلا من الوزير السابق للجامعات الدكتور جيلالي اليابس 45 سنة وكان يترأس لجنة مؤلفة من 7 مجموعات عمل غايتها تقديم تقرير مستقبلي حول آفاق الجزائر في العام 2015، وقد كلفه رئيس المجلس الاعلى للدولة علي كافي بهذه المهمة في 15 شباط فبراير الماضي. واثناء مراسم دفن اليابس كان المسلحون يجهزون في حي القصبة في العاصمة القديمة، على الدكتور العادي فيليسي 56 سنة عضو المجلس الاستشاري، والمشرف على مشروع الحفاظ على القصبة، بوصفها جزءاً من التراث العالمي وفقاً لتصنيف اليونسكو. وكان المسلحون اغتالوا عضواً آخر في المجلس الاستشاري هو عبدالحفيظ سنهدري قبل 48 ساعة من اغتيال اليابس. ويذكر هنا ان مجهولين كانوا حاولوا اغتيال وزيرين في حكومة السيد بلعيد عبدالسلام هما طاهر حمدي وزير العمل والشؤون الاجتماعية وحبيب شوقي وزير الثقافة والاعلام، وقد نجا الوزير من المحاولتين في حين نفت السلطات الرسمية انباء وزعتها وكالة "رويتر" وأكدت فيها ان الاسلاميين قتلوا وزير الشباب والرياضة عبدالقادر خمري. ويتضح من حجم محاولات الاغتيال والاشخاص المستهدفين، وتسارع ايقاع المحاولات وتوقيتها، ان منفذي العمليات احدثوا تغييراً جوهرياً في استراتيجيتهم يقضي بالتخلي عن حصر الصراع مع الدولة الجزائرية في اطار القوات المسلحة والشرطة، كما فعلوا من قبل، وانهم يعتزمون شن حرب شاملة على رموز السلطة، لا فرق في ذلك بين العسكريين والمدنيين. ويطرح اسبوع الجزائر الدامي هذا مجموعة من الاسئلة حول الاسباب التي حملت المسلحين على تغيير خططهم، وحول المنفذين الحقيقيين لهذه العمليات، فضلاً عن اختيار الاهداف والتوقيت والرهانات التي يعقدها المسلحون على هذا النوع من المحاولات، ناهيك عن التأثير الذي يمكن ان تتركه على الرأي العام الجزائري... الخ. للاجابة عن هذه التساؤلات لا بد من الاشارة الى ان موجة الاغتيالات السياسية الاخيرة تأتي اثر سلسلة من التطورات التي يمكن حصرها في الامور الرئيسية الآتية: 1 - تأتي هذه الموجة بعد قرار سابق كانت الجماعات المسلحة اتخذته اوائل العام الجاري ويقضي باعطاء اوامر لقواتها بالتجمع في الجزائر العاصمة وضواحيها للحؤول دون تشتيت وحداتها في مختلف انحاء الاراضي الجزائرية الشاسعة. وبالتالي العمل على مواجهة السلطة في مركزها الأساسي، أي العاصمة. وهذا ما يفسر قرار حظر التجول الذي اتخذته السلطة في العاصمة والولايات المحيطة بها، وهو ما يفسر ايضاً تركيز العمليات العسكرية في هذه المناطق دون غيرها من الأراضي الجزائرية. وربما تمكنت المنظمات المسلحة من اعادة تنظيم قواتها بطريقة تتيح لها تصعيد الحرب مع السلطة وتنويع الاهداف واختيار التوقيت لخطتها، والاحتفاظ الدائم بزمام المبادرة، وفرض نوع المجابهة الذي تريده على الدولة، وحمل السلطة على الاكتفاء برد الفعل والهجمات المضادة. واخيراً في العاصمة تسبح الجماعات المسلحة في بحر من المؤيدين. ألم تعط العاصمة من قبل اصواتها للانقاذيين في الانتخابات البلدية والنيابية؟ 2 - تأتي هذه الموجة بعد سلسلة من الضربات التي وجهتها المنظمات المسلحة للقوات النظامية الجزائرية بهدف احداث خلل في ولائها للدولة وحمل افرادها على الانسحاب منها، وبالتالي حرمان النظام من وسائله العسكرية في الحرب تمهيداً لاسقاطه راجع العدد الماضي من "الوسط". وقد جربت المنظمات المسلحة هذا التكتيك طيلة سنة كاملة، الى ان اكتشفت ان تأثيره كان محدوداً على الشرطة والجيش، بدليل ان محاولات الهروب من القوات النظامية كانت ضئيلة ولا تتناسب مع النتائج المأمولة. وبدا لبعض الوقت ان هذه العمليات التي كان يراد منها حصر الصراع مع الجيش وتحييد المجتمع المدني والسياسي والظهور امام الرأي العام المحلي والدولي بمظهر القوة التي تقاتل قوة نظامية وبالتالي التأكيد على ان الاسلاميين ليسوا "ارهابيين" وإنما هم جنود يقاتلون جنوداً آخرين، بدا لبعض الوقت ان هذه العمليات دخلت في حالة من الروتين اليومي. وبدا ان السكان صاروا مستعدين للتعايش معها. وقد ساهمت الدولة بخلق هذا الانطباع من خلال تركيزها على ان القضاء على "الارهاب" يحتاج الى وقت طويل وان ما يحدث في الجزائر هو ظاهرة مشابهة لظواهر "الباسك" في اسبانيا و"الكورس" في فرنسا. ويبدو ان الاسلاميين فطنوا لهذا التكتيك الرسمي فعمدوا الى تغيير خطتهم وإحداث اهتزاز جديد في المجتمع الجزائري من خلال تركيز ضرباتهم في وقت واحد واستهداف شخصيات عامة يترك اغتيالها دوياً كبيراً في الداخل والخارج على حدٍ سواء. الدور الايراني 3 - وتأتي هذه العمليات في وقت يزداد فيه الحديث عن الدور الايراني في مسار الاحداث الجزائرية، وفي وقت تتزايد فيه الانباء الغربية عن علاقات ما تربط الانقاذيين بطهران. وإذا ما ثبت ذلك، فان التكتيك الجديد الذي يعتمده المسلحون الجزائريون ليس بعيداً عن التكتيك الذي استخدمه الايرانيون في اسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوي. ذلك ان الجيش الايراني كان قوياً ويعتبر من بين اهم عشرة جيوش في العالم وبالتالي لا يمكن قهره بواسطة القوة العسكرية. لذا ركز الاسلاميون الايرانيون نشاطاتهم ضد رجال الدولة وكادراتها، وتمكنوا من زعزعة السلطة من فوق. وعندما ضعفت السلطة المدنية وشُلّت النخبة السياسية الايرانية تعطّل دور الجيش وسقط النظام ثمرة ناضجة في ايدي المعارضة الاسلامية. ان اختيار المسلحين الجزائريين رموزاً سياسية مدنية في عملياتهم الجديدة، يرمي الى ضرب السلطة الجزائرية من فوق وترهيب المتعاونين معها. ويبدو ان اختيار شخصيات معروفة بنزاهتها وبابتعادها عن الفساد وعن كل تهمة بالتلوث المالي والرشوة، شأن جيلالي اليابس او العادي فيليسي، يرمي الى ابعاد هذه الفئة من الجزائريين عن السلطة التي يتهمها خصومها بالفساد والافتقار الى الشرعية الاخلاقية. ناهيك عن سبب تكتيكي اضافي آخر يكمن في سهولة الوصول الى هذه الشخصيات التي لا تتمتع بحماية الدولة والتي تعيش في الاحياء التي يسيطر عليها الاسلاميون، شأن "القبة" و"القصبة" و"باب الواد". 4 - تأتي هذه العمليات في مرحلة يبحث فيها الحكم الجزائري عن شرعية جديدة، من خلال الحوار مع المعارضة لترتيب الفترة الانتقالية بطريقة تؤدي الى مواجهة استحقاق نهاية الفترة الدستورية للمجلس الاعلى للدولة المقرر أن تنتهي في كانون الأول ديسمبر المقبل، وهو التاريخ الذي تنتهي معه ولاية الرئيس المستقيل الشاذلي بن جديد. لذا يسعى المجلس الاعلى للدولة الى اضفاء شرعية على المرحلة المقبلة من خلال اشراك التيارات السياسية وممثلي المجتمع المدني والاسلاميين المعتدلين في صياغة الفترة المقبلة واعطاء صلاحيات جديدة للمجلس الاستشاري ينوب عن البرلمان المعين وتعيين اعضاء جدد فيه. وليس من باب المصادفة ان يغتال المسلحون اثنين من اعضاء المجلس هما العادي فيليسي وعبدالحفيظ سنهدري. وطغت موجة الاغتيالات على الحوار الذي تجريه السلطة مع المعارضة. وأخيراً فان اغتيال شخصيات من المجلس الاستشاري هدفه تنفيذ تهديدات سابقة اطلقها الاسلاميون وحذروا فيها اعضاء المجلس الاستشاري من القبول بعضوية المجلس لأنه، بنظرهم غير شرعي ويحل محل برلمان كانت ستحكمه اغلبية اسلامية لو لم يتم الغاء انتخابات كانون الأول ديسمبر 1991. 5 - تأتي موجة الاغتيالات عشية تقديم 3500 اسلامي للمحاكمة امام محاكم خاصة نهاية الشهر الجاري وفقاً للقانون المضاد للارهاب المعمول به في ظل حالة الطوارئ. وللضغط على المحاكم والقضاء وبالتالي توجيه رسالة تهديد واضحة الى الجسم القضائي مفادها ان الحرب انتقلت الى المجتمع المدني وان القضاة والمحامين يمكن ان يشكلوا هدفاً للمسلحين. ومعروف هنا ان المحاكم الجزائرية كانت اصدرت 50 حكماً بالاعدام على "ارهابيين"، منذ بداية شهر شباط فبراير الماضي، وقد تم تنفيذ 7 أحكام حتى الآن، من بينها حكمان ضد عسكريين وحكم ضد الطيب الافغاني 12 - 3 - 93. ومعروف هنا ان محاكمة "نوح" وهو زعيم منظمة اسلامية متشددة تحمل اسمه، وتضم 40 شخصاً، تأجلت ثلاث مرات لأسباب متعلقة بعدم اكتمال النصاب القانوني للمحاكمة وانسحاب محامي الدفاع بعد خلاف مع القاضي. وتتهم السلطات الجزائرية "نوح" ومجموعته بالمشاركة في "العمليات الارهابية" التي يشنها الاسلاميون على السلطة. ووفقاً للسلطات الجزائرية فان نوح - واسمه علام نور الدين - يتزعم مجموعة تنتمي الى جماعة "التكفير والهجرة". ويوم 21 آذار مارس الجاري اصدرت المحكمة الخاصة بالجزائر حكماً باعدام "نوح" غيابياً وباعدام 8 آخرين من مجموعته، كما اصدرت حكمين بالسجن المؤبد وحكمين آخرين بالسجن 15 عاماً اضافة الى احكام اخرى بالسجن لفترات تتراوح بين 5 و10 سنوات، وبرأت سبعة من اعضاء المجموعة. ووجهت الى الذين صدرت احكام بحقهم تهم القتل والسلب وانشاء مجموعات مخربة وحيازة اسلحة ومتفجرات وارتداء البسة عسكرية وذلك في اطار هجومين على ثكنة البليدة العسكرية ومدرسة عسكرية اخرى قريبة. انتصار التيار المتشدد 6 - وتأتي هذه العمليات في وقت استطاعت فيه اجهزة السلطة تحقيق انتصارات ميدانية لا يستهان بها ضد المنظمات الاسلامية المسلحة. فقد اعتقلت عدداً كبيراً من قياداتها، آخرهم المنصوري الملياني ويخلف الشراطي وشقيق زوجة عباسي مدني الذي وضع خطة فرار رابح كبير الى الخارج. كما تمكنت السلطات الجزائرية من تفكيك واعتقال وضرب مجموعات مسلحة كثيرة خلال الاشهر الثلاثة الماضية. ويرجح بعض المراقبين ان تكون الجماعات المسلحة عازمة من خلال موجة الاغتيالات الاخيرة على الرد بقوة على الدولة، للحفاظ على تماسك التيار المسلح ورفع معنوياته والثأر لخسائرها المتصاعدة، والتظاهر بقوتها امام مؤيديها والمتعاطفين معها. 7 - وتأتي هذه العمليات لتؤكد انتصار التيار الاكثر تشدداً في الحركة الاسلامية المسلحة، وهو التيار الذي يدعو الى "الجهاد ضد السلطة" وضرب جميع رموزها. ويعتبر السيد عبدالقادر الشبوطي من دعاة هذا الخط، وهو كان من مساعدي مصطفى بويعلي قبل ان يلتحق بپ"الجبهة الاسلامية للانقاذ". وقد وجه الشيخ علي بلحاج رسالة من السجن في وقت سابق من هذا العام يدعو فيها الانقاذيين الى الالتحاق بالشبوطي من دون غيره من القادة الانقاذيين الفارين، ويلاحظ مراقبون جزائريون ان عباسي مدني لم يوقع الرسالة وان اختيار بلحاج للشبوطي مؤشر على وجود تباين في الرأي في التيار الاسلامي بين اتجاه يدعو الى تعميم العنف واتجاه آخر يرغب في حصر العنف او الابتعاد عنه. ويستفاد من مؤشرات لمحت اليها الصحف الجزائرية الصادرة بالفرنسية، حول هوية المسؤولين عن موجة الاغتيالات الاخيرة، ان المتهمين ينتمون الى "الجماعة الاسلامية المسلحة". وإذا ما تأكد ذلك فان المسؤول عن هذه الجماعة هو الشيخ عبدالقادر العيايدة الذي اصدر في وقت سابق فتوى صريحة بقتل رجال الدولة والحكم من دون تمييز. ومعروف ان هذه الجماعة كانت تنتقد بشدة الجبهة الاسلامية "للانقاذ" وتأخذ عليها مشاركتها في الانتخابات وابتعادها عن "العنف". وكان العيايدة طلب من الاسلاميين الموجودين في الخارج العودة الى الجزائر و"الجهاد" ضد السلطات الرسمية، تماماً كما فعل رئيس "نقابة العمل الاسلامية" التابعة "للانقاذ" والمحظورة مثلها. مما يعني ان التيار المتشدد في الحركة الاسلامية الجزائرية بات سيد الموقف وأصبح يقود العمل المسلح ضد الدولة. تبقى الاشارة الى ان محاولات الاغتيال الاخيرة اظهرت ان الاسلاميين يريدون التخفيف من خسائرهم في المواجهة مع السلطة. ففي عملياتهم العسكرية ضد الجيش وقوى الامن كان المسلحون يدفعون خسائر باهظة ويضطرون لتحريك مجموعات كبيرة العدد نسبياً، يتطلب تحريكها وسائل لوجستية مهمة، في حين ان عمليات الاغتيال تتطلب تحريك شخص او شخصين ووسائل عسكرية بسيطة ناهيك عن ضمان طرق الانسحاب والملاجئ بسهولة كبيرة. "جيش للدفاع الشعبي" 8 - تطرح موجة الاغتيال سؤالاً اساسياً يتصل بالوضع الداخلي الجزائري نفسه. فهل ينفذ الاسلاميون المسلحون عمليات من هذا النوع وحدهم او يتلقون دعماً من جهات وأطراف محلية غير اصولية ومتضررة من الحكم القائم؟ وما يدفع الى طرح هذا السؤال ما ورد في بيان اصدره المجلس الاعلى للدولة تعليقاً على العمليات - الاخيرة واكد فيه، بشكل ضمني، وجود فئات محلية "خائنة" تساند المسلحين. فمن هي هذه "الفئات الخائنة" ولماذا يجري الحديث عنها في كل مرة يتم فيها اغتيال شخصية سياسية نظيفة وغير متورطة بالفساد، شأن الرئيس الراحل بوضياف او اليابس او فيليسي؟ ان السلطة الجزائرية في سعيها لاكتساب شخصيات وكادرات سياسية نظيفة، ومن خلال الاختبار الذي اجرته عبر محاكمة اللواء بلوصيف، تمارس تهديداً واضحاً ضد فئات كانت حاكمة في العهود السابقة، وتتردد انباء كثيرة عن تورطها في صفقات فاسدة، ولا بد ان تشعر هذه الفئات وبعضها ما زال يملك مواقع مؤثرة، بتهديد ما وان تلعب لعبة المسلحين بطريقة او بأخرى. ويجدر التذكير ان رموزاً من العهود الجزائرية السابقة لم تخف تقربها من الاسلاميين في السنتين 1990 و1991 عند ما بدا ان هؤلاء يمكن ان يتولوا الحكم عن طريق الانتخابات، فهل تخوض قوى من العهود السابقة معركة الاسلاميين ضمناً ومن وراء الستار. هذا الامر لن يكشف النقاب عنه بسرعة لكنه مطروح بقوة في الجزائر هذه الأيام. 9 - تعبّر هذه العمليات عن فشل الاسلاميين حتى الآن في الحصول على مصدر تسليح خارجي مهم يتيح لهم تشكيل جيش اسلامي كبير يطيح بالدولة، ويتضح من خلال انواع الاسلحة التي تصادرها الدولة من الجماعات المسلحة، ان هذه الاسلحة تقتصر في غالبيتها على المسدسات واسلحة الصيد والرشاشات الخفيفة والقنابل والسكاكين، وبعض هذه الاسلحة سبق للجماعات المسلحة ان صادرته من جنود ورجال شرطة هاجمتهم من قبل، وهذا يعني ان المسلحين يفتقرون فعلاً الى مصدر تسليح وليس الى الكوادر. وبعجزهم عن الوصول الى مصدر تسليح خارجي، ربما عمد الاصوليون الى تغيير تكتيكهم بحيث ينفذون عمليات مؤذية للنظام بوسائلهم المحدودة والبسيطة، اي اغتيال رموز النظام من فوق واحداث ارتباك في مراكز القرار والادارة والقضاء. لكن هذا التكتيك سلاح ذو حدين. فاذا كان من جهة فعالاً وغير مكلف للمسلحين، فانه من جهة اخرى، يتيح للدولة الافادة من ردود الفعل السلبية الشاملة ازاء هذا النوع من العمليات، وتركيز هجومها على المسلحين بوصفهم "ارهابيين" حقيقيين لا يختلفون عن غيرهم من الارهابيين، وبالتالي ليسوا دعاة شرعية ما أو ضحايا الشرعية الانتخابية. وبهذا النوع من العمليات التي لم يصدر اي تبنٍ صريح لها من طرف جبهة الانقاذ الاسلامية، يغامر الاسلاميون بموقع الضحية الذي احتلوه حتى الآن، ويغامرون باحتلال موقع الجلاد، واذا ما واصلوا هذا النوع من العمليات فانهم يغامرون ايضاً بخسارة قطاعات واسعة من الرأي العام ما زالت تؤيدهم حتى الآن، وبالتالي يسهلون للسلطة مهمة عزلهم وتصفيتهم. من هنا يمكن فهم معنى حديث رئيس الحكومة بلعيد عبدالسلام عن عزم السلطة الجزائرية على اتخاذ اجراءات جديدة "لمكافحة الارهاب". فأية اجراءات يمكن للدولة ان تتخذها ولم تتخذها حتى الآن؟ على رغم ان عبدالسلام لم يفصح عن الاجراءات المزعومة الا ان معلقين محليين نسبوا اليه فكرة انشاء "جيش للدفاع الشعبي". وليس معروفاً بعد كيف سيتشكل هذا الجيش وكيف يمكن ضمان عدم اختراقه من طرف المسلحين والمهمة التي سيتولاها. في السياق نفسه اغتنمت الحكومة مناسبة موجة الاغتيالات ودعت الرأي العام الى التعبير عن غضبه ورفضه لها ولم يلب هذه الدعوة حتى الآن سوى قادة النقابات المهنية والجمعيات النسائية والاجتماعية والثقافية التي دعت الى تظاهرة تنطلق من ساحة الشهداء نحو ساحة اول أيار مايو في الجزائر العاصمة. ولم تعلن الاحزاب الجزائرية المعارضة التزامها بهذه الدعوة، على رغم اجماعها على ادانة موجة الاغتيال والاطراف المسؤولة عنها. 10 - اختار المسلحون الايام الاخيرة من رمضان كتوقيت لعملياتهم، في اشارة واضحة الى انهم لا يرغبون في توفير اجواء ملائمة للسلطة، لتستقبل بهدوء عيد الفطر المبارك بعد اندلاع الصراع، وللتذكير بوجودهم وبأن الدولة لم ولن تتمكن من عزلهم، وبأنهم قادرون على الثأر لقياداتهم المعتقلة او التي اعدمتها السلطة، وأن عائلات قياداتهم ومقاتليهم التي ستمضي العيد في ثياب الحداد لن تكون الوحيدة. ان منطقاً من هذا النوع هو تطبيق حرفي لمبدأ العين بالعين والسن بالسن، وهو يفتح الباب واسعاً امام احتمالات الحرب الاهلية الشاملة التي يتخوف منها الجميع.