«فار مكسور»    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    بالله نحسدك على ايش؟!    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مقابلة خاصة وصريحة . وزير الداخلية الجزائري محمد حرضي ل "الوسط": معركتنا مع "الارهابيين" ستستمر طويلاً وعمليات "الأفغان" الجزائريين تحدث "الاذى الاكبر"
نشر في الحياة يوم 15 - 03 - 1993

نحترم أنصار جبهة الانقاذ الذين لا يستخدمون السلاح للسيطرة على السلطة
نعم، هناك 009 شخص معتقل في الجزائر بلا محاكمة
اعترف وزير الداخلية الجزائري السيد محمد حرضي، في مقابلة خاصة مع "الوسط"، بان بلاده تحتاج الى "وقت طويل" للقضاء على "الارهابيين" وهي تسمية يقصد بها المسؤولون الجزائريون "الاسلاميين المتشددين" من انصار الجبهة الاسلامية للانقاذ، الذين دخلوا في مواجهة مع الدولة منذ مطلع 1991 بعد الغاء نتائج الانتخابات العامة. وأكد حرضي، في هذه المقابلة التي تمت في مكتبه في القصر الحكومي وسط العاصمة الجزائرية، ان "الافغان الجزائريين" هم الذين يحدثون "الاذى الاكبر" حين ينفذون عمليات ضد الدولة والنظام.
وقال حرضي الذي يعتبر من الوزراء الشبان في حكومة السيد بلعيد عبدالسلام، ان الموقوفين من الجماعات الاسلامية المسلحة "يظهرون قدراً كبيراً من التفكك والجبن" لدى اعتقالهم، كأن يتواجه اثنان منهم ويأخذان بالقاء التهمة على بعضهما البعض.
وعرض الوزير ل "الوسط" في مكتبه نماذج مصورة على اشرطة فيديو من التحقيقات التي تجري مع الموقوفين وقد ظهر في احدها شاب ثلاثيني وهو يروي كيف تم تهريب الشيخ رابح كبير الى الخارج. وقال الوزير، الذي قلما يدلي بأحاديث صحافية، انه لم يكن في الاصل مهيأ لتولي منصب وزير للداخلية وانه بدأ حياته المهنية كصحافي ومن ثم عمل في الادارة الى ان اصبح مديراً لديوان وزير الاعلام في حينه رضا مالك الذي صار عضواً في المجلس الاعلى للدولة ومن ثم وزيراً للخارجية. وتفيد اوساط جزائرية مطلعة ان مالك نفسه اقترح اسم حرضي ليكون وزيراً للداخلية. وعرض حرضي ل "الوسط" صورة شخصية تضمه مع وزيري الداخلية التونسي والمغربي، ليؤكد ان التعاون المغاربي في مجال مكافحة الاصوليين لا تشوبه شائبة. وقال حرضي في حديثه ل "الوسط" الذي استمر لاكثر من ساعتين ان الاصوليين لا يشكلون خطراً اساسياً على الدولة والمؤسسات في الجزائر. واوضح ان سبب قوة الاسلاميين في السابق كانت ناتجة عن ضعف الدولة وانه ما ان امسكت الحكومة الحالية بزمام الامور حتى عادت المؤسسات الرسمية للعمل بصورة طبيعية. ونفى حرضي التهم التي توجه الى بلاده بانتهاك حقوق الانسان وممارسة التعذيب، لكنه اعترف بوجود 900 موقوف جزائري بلا محاكمة. وعكس حرضي موقف رئيس الحكومة بلعيد عبدالسلام الذي لا يؤمن بجدوى الحوار مع الاحزاب المعارضة. وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع وزير الداخلية الجزائري:
يتحدث التقرير الاخير لمنظمة العفو الدولية عن تزايد انتهاكات حقوق الانسان في الجزائر ويؤكد ان التعذيب يمارس على نطاق واسع ضد الموقوفين. فماذا تقولون عن هذه الاتهامات؟
- فوجئت كثيراً بما ورد في التقرير الاخير لمنظمة العفو الدولية. فانا من الذين يعتقدون ان هذه المنظمة صاحبة فضل في الدفاع عن حقوق الانسان في كل مكان في العالم، وبالتالي فمن واجب الحكام في كل البلدان مساعدتها على اداء مهمتها بصورة جيدة. وكنت دائماً اعتبر انه من واجبي الرد على الطلبات الخطية التي وجهتها اليّ المنظمة في مناسبات عدة.
لقد فوجئت بما ورد في التقرير الذي تشير اليه، لأنه لا يتناسب مع الواقع الجزائري اليوم. وأنا أكذّب بشدة الكلام عن التعذيب، لأن التعذيب بالنسبة إلينا عمل بربري يعاقب عليه القانون بشدة. ونحن نرفض التعذيب لأسباب متعلقة بشخصيتنا الوطنية لأننا شعب عانى كثيراً من التعذيب اثناء فترة الاستعمار ولا يمكن للحكام في الجزائر، في أية حالة من الحالات، الموافقة على هذا النوع من الممارسات التي تتناقض مع شخصيتنا الوطنية. أما إذا وجدت تجاوزات فاننا نوليها عناية فائقة ونلاحق المسؤولين عنها من دون تردد. وفي كل مرة تبين لي ان هناك تجاوزات من هذا النوع كنت أعاقب عليها بشدة قصوى.
ما هو تقديركم لعدد الحالات التي مورس فيها التعذيب؟
- ان التقديرات الجدية لمثل هذه الحالات مبنية على الدعاوى التي يتقدم بها اشخاص يؤكدون انهم تعرضوا للتعذيب. وهؤلاء لديهم كامل الحرية في تقديم دعاوى امام القضاء مباشرة أو من خلال محاميهم. ويعرف اتحاد المحامين الجزائريين طبيعة الاجراءات الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالات. ويمكن التعرف على مثل هذه الحالات من خلال اللجنة الوطنية الجزائرية المناهضة للتعذيب ومن خلال اللجنة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان التي يمكنها ان تتخذ صفة الادعاء الشخصي ضد التعذيب. باختصار أقول انه إذا وجدت حالات تعذيب فانها لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة وقد فصلت فيها العدالة. وأنا منذ تسلمي لمنصبي كوزير للداخلية لم أعلم بمثل هذه الحالات، وعموماً ارى انه يجب معالجة هذه المشكلة، اي مسألة التعذيب في جميع الاتجاهات وينبغي ألا يكون هذا الموضوع من المحرمات.
بالفعل لقد تحدثت اللجنة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان عن تعرض مئة موقوف للتعذيب وقد نشرت بياناً بهذا الخصوص خلال اليومين الماضيين؟
- عن اية لجنة تتحدث، فنحن لدينا لجنتان للدفاع عن حقوق الانسان.
أتتحدث عن اللجنة التي يرئسها المحامي علي يحيى عبد النور؟ لجنة غير حكومية؟
- بالفعل. لقد أصدر السيد علي يحيى عبدالنور تصريحاً بهذا الشأن لكنه لا يتناسب مع الحقيقة. ان هذا التصريح يعبر عن التزام سياسي من طرفه ويتجاوز مهمته النبيلة كمحام وكمدافع عن حقوق الانسان. ان موقف السيد عبدالنور فئوي وينوب بطريقة محابية عن التكتيك الدفاعي الذي يعتمده "الارهابيون" الذين يسعون للتهرب من العدالة لدى مواجهتهم القاضي، فيقولون ان اعترافاتهم انتزعت منهم بواسطة التعذيب. لقد طلبت علناً من المحامي علي يحيى عبدالنور ان يعلم الحكومة بحالات التعذيب التي يتحدث عنها والتي بحوزته. فرد بالقول، ان لديه شهادات فقط. وإذا أردنا اعتماد هذه القاعدة فان ذلك يشمل كل الارهابيين الذين تم ايقافهم ويقدر عددهم بالآلاف. نحن نمثل دولة القانون ودولة لديها اعتبارات اخلاقية ولا تسمح لنفسها في أي حال على رغم الاوضاع الصعبة التي تواجهها من جراء الارهاب، باللجوء الى هذا النوع من الممارسات. ويشهد الله ان كل الحالات التي علمت بها حول استجوابات تمت مع "الارهابيين"، تبين لي من خلالها انه لا حاجة فعلاً لاعتماد الشراسة البوليسية الكلاسيكية لحملهم على الادلاء باعترافاتهم، ذلك ان اعمالهم الجبانة التي تقضي بقتل مسافرين ابرياء، كما هي الحال بالنسبة الى متفجرة المطار، او اغتيال شرطي سير يحصل رزق عائلته بصعوبة ولا علاقة له بالوسط السياسي، ان مثل هذه الاعمال الجبانة تقابلها حالات جبن مشابهة لدى التحقيق مع هؤلاء "الارهابيين". فهم عندما يعتقلون يباشرون فوراً بكشف ما لديهم من معلومات عما قاموا به وعن المتواطئين معهم، ويتم ذلك بلا ضغوط. ان جبن هؤلاء واحد في تنفيذ العمل الارهابي وفي مواجهة المحقق.
900 معتقل بلا محاكمة
ما صحة الحديث عن اعتقال الف شخص في جنوب البلاد بلا محاكمة حتى الآن؟
- نعم. هذا صحيح. لقد اتخذت اجراءات معينة ضد فئة من الاشخاص الهدامين منذ تطبيق حالة الطوارئ في شباط فبراير 1992. وأدت هذه الاجراءات الى احتجاز اداري شمل اشخاصاً من النوع المشار اليه. لم أكن في الحكم في ذلك الوقت. ومنذ بدء اعمال هذه الحكومة برئاسة بلعيد عبدالسلام اتخذ قرار باطلاق الاشخاص الذين لا يقعون تحت طائلة القضاء وتقديم الآخرين الى المحاكمة. وعليه اطلقت حكومتنا معظم الموقوفين باستثناء الحالات التي اعتبرت خطيرة للغاية. لقد اقفلنا كل المعتقلات باستثناء معتقلين احدهما نعمل على تفريغه تدريجياً ونسعى للاحتفاظ بمعتقل واحد بانتظار ان يتيح التحقيق الجاري توجيه تهم نهائية للموقوفين الذين يقدر عددهم بين 850 و900 شخص. الامر المهم هو ان حكومتنا اتخذت قراراً سياسياً اكيداً يقضي باقفال هذه المعتقلات.
ما صحة القول انكم تلجأون الى اعتقالات وقائية؟
- لا، اطلاقاً، لم يتم اللجوء الى التوقيف الوقائي الا خلال تلك العملية الواسعة التي تمت في ظروف خاصة للغاية حيث كان الامر يتعلق بسلامة مؤسساتنا وباستقرارها. ان القانون الجزائري صارم جداً في هذا المجال بما في ذلك القانون المضاد للارهاب الذي صدر في نهاية العام الماضي. فهو يحدد بدقة مدة التوقيف من طرف جهاز الامن قبل تسليم المتهم الى قاضي التحقيق في القضية.
لقد تحدثت الصحف الجزائرية عن اعتقال السيد يخلف الشراطي من القادة السريين لجبهة الانقاذ لكنكم لم تؤكدوا ذلك رسمياً؟
- اؤكد لك ذلك. لقد تم اعتقاله خلال الايام الماضية.
والسيد عبدالقادر الشبوطي؟ من انصار مصطفى بويعلي ويقود تنظيماً مسلحاً مستقلاً عن جبهة الانقاذ الاسلامية سرت شائعات عن اعتقاله.
- انه هارب من العدالة. لكن سيتم اعتقاله عاجلاً ام آجلاً. وهذا مصير اولئك الذين تورطوا في هذا النوع من الاعمال. هؤلاء لا يمكنهم ان يهربوا من العدالة الى الابد.
هل تعتبرون ان يخلف الشراطي ومنصوري الملياني وعبدالقادر الشبوطي هم ابرز القادة الاسلاميين المسلحين؟
- لا ابداً. فهذا التيار موزع على مجموعات صغيرة كثيرة. هناك زعماء ونواب زعماء كثيرون. كلهم يعتبرون انفسهم زعماء كباراً، واعتقد ان عدد الجنرالات في صفوفهم يفوق عدد الجنرالات الموجودين في جيشنا.
"نحترم الانقاذيين الذين لا يستخدمون السلاح"
الى أي وقت ستدوم حالة الطوارئ في الجزائر؟
- لا توجد حدود لذلك. عندما تتوفر الظروف الملائمة التي تتيح لمؤسساتنا العمل بشكل طبيعي وبممارسة الحريات الفردية بشكل عادي، عندئذ تنتفي الحاجة الى حالة الطوارئ.
تعرفون بلا شك ان الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة تمثل اكثر من ثلاثة ملايين ناخب. لقد وضعتم مشروعاً يقضي بفصل مسلحي الجبهة عن محيطها ومؤيديها، فما هي أبرز عناصر هذا المشروع؟
- لا ادري عن أي مشروع تتحدث، لكن تقديرنا للوضع هو التالي: ان الحالة العامة في بلدنا تلخص، بان الاحزاب عامة، وليس "الانقاذ" وحدها، لا تستولي على مواطنينا. وهناك قطيعة بين الطبقة السياسية بصفة عامة، بغض النظر عن الاحزاب التي تتشكل منها، وبين مجموع المواطنين. تماماً كما كانت توجد من قبل قطيعة بين الحكام والمحكومين وبين الادارة والمرؤوسين. نحن نعمل على معالجة أزمة الثقة هذه، وعلى جعل مواطنينا يستعيدون الأمل ويؤمنون بدولتهم. وهذه الدولة يجب ان تكون قوية لكي تقود المسيرة الديموقراطية، لكن القوة هنا لا تعني التسلط، وانما ترسيخ الخصائص الاخلاقية للدولة والسلوك العادل تجاه كل المواطنين. لهذا تعتبر حكومتنا ان الجسر الاساسي لسياستنا هو العدالة الاجتماعية وبالتالي معاقبة كل عمليات السلب والاستيلاء من طرف اقلية معينة على الثروة الوطنية التي حصلت في الماضي على حساب شعبنا. ان هذا التوجه الاخلاقي هو في نظرنا نقطة الانطلاق الحقيقية لقوة الدولة، وهذا ما سيجعل الدولة القوية قادرة على استئناف التوجه الديموقراطي والانتخابات باقصى سرعة ممكنة. اقول اذن انه بسبب القطيعة بين هذه الطبقة السياسية الحزبية وبين مواطنينا، يجب التوجه مباشرة الى المواطنين انفسهم ويجب ان تتم المصالحة بين الجزائريين انفسهم وليس مع الاحزاب. ان المصالحة بين الاحزاب يمكن ان تؤدي في احسن الحالات الى اعادة تشكيل القيادة الموحدة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية قبل انفجارها، اذ ليس لدينا قادة سياسيون غير اولئك الذين انجبتهم جبهة التحرير الوطني. وإذا ما عمدت الاحزاب الى الاتفاق في ما بينها فانها ستعيد تشكيل القيادة السياسية للجبهة، في حين ان هذه القيادة انفجرت لانها لم تكن قادرة على حل مشاكل الشعب الجزائري، اذن نحن لا نؤمن باتفاق مع القيادات الحزبية وانما بالاخاء والمصالحة من خلال التضامن الوطني للجزائر الموحدة في وقت ابتعدت فيه الاحزاب عن الواقع الحقيقي للمواطن. اما بالنسبة الى "الانقاذ" فاننا نميز بين اولئك الذين لجأوا الى السلاح من اجل السيطرة على السلطة، واولئك الذين لديهم معتقدات ويناضلون في إطار احترام القوانين دفاعاً عن وجهة نظرهم ومشاريعهم الاجتماعية. هؤلاء نحترمهم وليس لدينا اي شيء ضدهم.
هل توحي بذلك الى "حماس" و"النهضة" ام الى الانقاذيين؟
- لا، ابداً. انا اتحدث عن مناصري "جبهة الانقاذ" المنحلة. فبقدر ما يحترم هؤلاء قوانين الجمهورية ويرفضون اللجوء الى السلاح ضد مجتمعهم، بقدر ما احترمهم واعتبر ان لهم الحق الكامل بالتعبير عن آرائهم والنضال دفاعاً عن افكارهم، وعندما نستأنف العمل بالمسيرة الديموقراطية، وآمل ان يتم ذلك بأقصى سرعة ممكنة، فان لهؤلاء كامل الحق بالاقتراع للمشروع الذي يتناسب مع طموحاتهم. انه لمن المهم بالنسبة الينا التمييز بين الاطراف التي تلعب اللعبة السياسية في اطار القوانين والسلام واحترام آراء الآخرين، وبين الاشخاص الذين يريدون الاستيلاء على السلطة بواسطة الترهيب وبفرض نظرتهم ومشروعهم على الشعب. ان هذا الامر مرفوض اطلاقاً، سواء صدر عن الاصوليين الاسلاميين او عن غيرهم من التيارات السياسية في البلاد.
لا يوجد حتى الآن سوى الاسلاميين على حد علمنا؟
- نعم. ولكن اريد القول بذلك اننا لسنا طرفاً يجابه طرفاً آخر. نحن نمثل دولة تناضل من اجل فرض احترامها واحترام قواعد اللعبة السياسية كي يعمل المجتمع بطريقة طبيعية وملائمة. لذا فان كل مناضلي الاحزاب هم بالنسبة الينا اناس جديرون بالاحترام، ومواطنون من واجبنا حمايتهم في ممارسة حقوقهم السياسية ومساعدتهم على ممارسة حرية التعبير والعمل في اطار القوانين الجمهورية. ولكننا بالمقابل سنقاتل كل اولئك الذين يلجأون الى وسائل العنف من اجل تحقيق غايات سياسية.
محاولة اغتيال نزار
لقد اجريتم تحقيقاً في محاولة اغتيال اللواء خالد نزار وزير الدفاع وعضو المجلس الاعلى للدولة، فهل يمكننا معرفة نتائج هذا التحقيق؟
- التحقيق ما زال مستمراً وهذا كل ما يمكنني قوله الآن.
هل اتاحت لكم عناصر التحقيق الاولى التأكد من ان "الانقاذ" هي المسؤولة فعلاً عن هذه المحاولة؟
- انه عمل ارهابي. ونحن نعتمد قاعدة اساسية في مثل هذه الحالات، تقضي بعدم القاء التهمة على أي كان طالما ان التحقيق لم يستكمل. وفي اطار التحقيق يمكن الحصول على ادلة تقود الى اتجاه معين، في حين أن أدلة أخرى في التحقيق نفسه يمكن ان تدحض الادلة الاولى. إذن القاعدة العامة بالنسبة الينا تقضي بانتظار انتهاء التحقيق للتمكن من اعلان نتائجه.
هل لديكم خريطة معينة لتمركز القوات الاسلامية المسلحة على الاراضي الجزائرية، اي القوات التي تقاتلكم، اذ يقال ان هؤلاء يتمركزون اساساً في بعض احياء العاصمة كالجبل والحراش وغيرها؟
- لقد استخدمت تعبير القوات الاسلامية المسلحة وانا لا اوافق على هذه التسمية.
فلنقل الانقاذيين؟
- هذه التسمية لا تتناسب مع الواقع. هؤلاء يشكلون مجموعات صغيرة ومتناثرة وعددها كبير. ان العناصر الذين اوقفناهم، خصوصاً المنفذين منهم، يتألفون من محكومين ومن ذوي السوابق وملاحقين من العدالة والجانحين والعصابات الكبيرة المجرمة.
هل هم في غالبيتهم عاطلون عن العمل؟
- يوجد بينهم كثيرون من المجرمين الذين استخدموا في تنفيذ عمليات ارهابية. اما المناطق التي نعتقد انها تضم مثل هؤلاء الاشخاص والتي تمارس فيها اعمال الارهاب فهي نفسها المناطق التي يشملها حظر التجول، أي العاصمة والولايات الست المحيطة بها. إنه لمن الصعب حصر هذه المجموعات بدقة في مناطق بعينها فطبيعة الارهاب نفسه تجعل هؤلاء متحركين، تارة هنا وتارة هناك. لقد اوقفنا بعضهم في احياء سكنية بعيدة عن كل شبهة مما يعني انهم لا يتحركون فقط في الاحياء الشعبية او الكثيفة السكان. انهم اذن متحركون. وأقول انه باستثناء العاصمة والولايات المحيطة بها، فان ما تبقى من انحاء يعيش حالة هدوء تام باستثناء حوادث نادرة جداً.
مناطق الاوراس مثلاً؟
- الاوراس والمناطق القبيلية والقريبة من جنوب البلاد. لقد القينا القبض في هذه المناطق على عصابات ارهابية تتاجر بالسلاح او جاءت من خارج المنطقة لتأسيس بؤر توتر فيها. لقد كشفنا هذه المجموعات بسرعة وألقينا القبض عليها.
"الارهاب" يستمر
هل تأكدتم من خلال التحقيقات مع الموقوفين ان ايران متورطة بدعم الاسلاميين المسلحين؟
- لقد قلت لك قبل الحوار ان كل ما يتصل بعلاقاتنا مع الدول الاجنبية لا نتحدث عنه أمام العموم وهذا نابع من تقاليد الجزائر في العلاقات الدولية.
في كل الحالات، خفضتم التمثيل الديبلوماسي الايراني الى مستوى شخص واحد؟
- هذه علامة كاشفة. ولكننا نمتنع دائماً عن اطلاق التهم عندما يتعلق الامر بدولة اجنبية لاننا نريد دائماً ان تكون العلاقات جدية وحكيمة بغض النظر عن الظروف الصعبة التي تمر بها.
هل وقعت انسحابات من طرف عناصر الدرك لصالح الاسلاميين؟
- لا توجد ، على حد علمي، اية عمليات انسحاب من طرف الشرطة والجندرمة الوطنية الدرك. ان حالات الانسحاب والهرب النادرة التي وقعت طالت شباناً حديثي الانخراط في الجيش وقد تم الاعلان عنها وعددها لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة. ولكنني اؤكد بشدة انه لم يحدث هروب من الخدمة في صفوف عناصر اجهزة الامن والشرطة والدرك الوطني.
مصدر جزائري معارض اكد أنه تم تسجيل 120 حالة من هذا النوع خلال الشهرين الماضيين؟
- لا علم لي بذلك.
هل لاحظتم وجود متعاطفين مع الاسلاميين المسلحين في صفوف قوات الامن؟
- لا استطىع ان اتحدث عن الدرك الوطني وجهاز الامن. ما أعرفه أنه ابتداء من اللحظة التي اكتشف فيها الرأي العام، من خلال البراهين التي بثها التلفزيون الجزائري والتي تؤكد ان جبهة الانقاذ المنحلة هي المسؤولة عن قيادة وتنفيذ العمليات الارهابية، منذ تلك اللحظة نشأ رفض عام من طرف المواطنين الابرياء للمسؤولين عن استخدام العنف لترهيب شعبهم. ان عناصر الدرك الوطني والشرطة والجيش واجهزة الامن هم من ابناء هذا الشعب والثورة الجزائرية، ولا يمكن ان يوافقوا على اعمال الاجرام ولا يقبل اي منهم بقتل الابرياء من اجل تحقيق غايات سياسية معينة. لقد كشفنا امام الرأي العام، ببراهين لا تدحض، ان الذي نفذ عملية مطار الجزائر ليس سوى مدير مكتب عباسي مدني زعيم جبهة الانقاذ نفسه، وكان انتخب نائباً في الدورة الاولى للانتخابات التشريعية وهو لم يكن فقط مخطط الانفجار وإنما ايضاً منفذه، إذ كان ضمن المجموعة التي حضّرت المتفجرة، وهو الذي نظم عمل المجموعة. ان الدعاية التي ينشرها "الارهابيون" قوية للغاية، ففي كل مرة كنا نوقف احدهم كانوا يقولون هذا غير صحيح، وفي كل مرة كنا نتهمهم بارتكاب جرائم معينة كانوا ينفون ذلك. وكانوا عندما يواجهون القاضي يقولون له لقد انتزعت اعترافاتنا منا بواسطة التعذيب ونحن بريئون من التهم الموجهة الينا. لهذا اتخذنا قراراً يقضي بأن نأتي بالتلفزيون الوطني الجزائري لتسجيل اعترافات المتهمين وتصويرهم من طرف صحافيين كانوا يتغيرون باستمرار، وكان المتهمون يفصحون عن هوياتهم ويكشفون انتماءهم التنظيمي وبعد ذلك يبدأ التحقيق العدلي. واعطيك مثلاً على ذلك، لقد أكد رابح كبير مسؤول الانقاذ في الخارج في المانيا ان حسين عبدالرحيم منفذ عملية مطار الجزائر، مات منذ اشهر وقال ذلك أمام الصحافة العالمية. فبادرنا عندها الى استدعاء الصحافة المحلية والعالمية للحضور لدى قاضي التحقيق لتصوير اعترافات حسين عبدالرحيم. بعد ذلك قالوا صحيح انه حيّ لكنه أدلى باعترافاته تحت التعذيب.
سأعود الى سؤالك لاقول انه لم يعد هناك من يناصر هؤلاء الناس، حتى ان مناصريهم الذين كانوا يؤمنون بهم اصيبوا بالاضطراب وباتوا لا يفهمون لماذا كذب هؤلاء عليهم في ما يتعلق باستخدام الارهاب ضد الشعب الجزائري.
هل سجلتم في شهر رمضان تراجعاً في أعمال العنف؟
- ان موجات العمل الارهابي تختلف من حين لآخر. فالهدوء الذي يسجل خلال لحظة أو أخرى لا يمكننا ان ننسبه الى شهر رمضان أو الى اعتبارات اخرى من هذا النوع، لكننا لاحظنا ان موجة الارهاب كانت ضعيفة في بداية الشهر لكن الاعمال الارهابية مستمرة.
لا توجد إذن هدنة؟
- ابداً، ان هؤلاء الناس لا علاقة لهم بالرحمة والاسلام. ونحن واصلنا لهذا السبب اعتماد نظام منع التجول لاننا نعتبر ان هؤلاء الناس لا يحترمون شيئاً اذ لا هم لهم سوى الاستيلاء على السلطة. لقد عثرنا على اشخاص من بينهم، من الموقوفين، ممن يتعاطون المخدرات ومن الجانحين وذوي السوابق الاجرامية، ممن استخدموا في العمليات الارهابية العسكرية وعندما كنا نوقفهم كنا نلاحظ انهم مخدرون بطريقة جدية.
ان "جبهة الانقاذ" لم تكن يوماً قوية. لقد اوحت للناس انها قوية في احدى الفترات لكن السبب في ذلك ان الدولة كانت ضعيفة في مواجهتها. ولكن منذ اللحظة التي قررت فيها الدولة ان تكون قوية وان تمسك بزمام الامور، لم يعد بامكان الف منظمة كالانقاذ ان تؤثر عليها. ان العمليات الارهابية يمكن ان تستمر لوقت طويل لكن ذلك لن يؤثر على وظائف الدولة ومؤسساتها. وتعرفون ان الدول المتقدمة تنتشر فيها اعمال ارهابية منذ عقود من دون ان تنجح في ايقافها نهائياً. هناك عمليات ارهابية كورسيكية في فرنسا وايرلندية في بريطانيا.
هل يمكن ان نعرف حجم الضحايا من الطرفين حتى الآن؟
- لا احب الحديث عن ارقام وحسابات سوداوية في هذا المجال. يقدر العدد بالف ضحية من رجال الشرطة والمسلحين حتى الآن.
"الافغان" الجزائريون
لقد اتفقتم مع تونس على تخطيط الحدود بصورة نهائية. فهل تأملون ان يزداد التعاون مع السلطات التونسية لمحاربة الاسلاميين المتطرفين من الجانبين؟
- يجب الفصل بين الجانبين اللذين يتضمنهما السؤال. اذ لا توجد أية علاقة بين التعاون الاخوي والتقليدي مع تونس، ومحاربة الارهاب. لقد صرفنا عشر سنوات من العمل المتواصل لتخطيط الحدود بين البلدين، في حين ان التعاون ضد الارهاب أقر في مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي انعقد في تونس مطلع كانون الثاني يناير الماضي. فقد قررت كل الدول العربية ان تتعاون في هذا الميدان بعد ان تبين لها ان ظاهرة الارهاب ليست محصورة في تونس ومصر والجزائر . وإذا كان هناك وجه داخلي لهذه الظاهرة فهناك ايضاً وجه دولي لها. "فالارهابيون" يسعون الى خلق الاضطراب في الامة الاسلامية وبصورة خاصة في الوطن العربي الذي يشكل نواة الامة الاسلامية. وفي داخل العالم العربي هناك قطبا المشرق والمغرب وهما الجزائر ومصر. لقد توصل وزراء الداخلية العرب في تونس الى قناعة مفادها انه لا يوجد بلد عربي في مأمن من هذه الظاهرة.
ما هو حجم تورط "الافغان" الجزائريين اي الذين قاتلوا مع المجاهدين الافغان ضد السوفيات في العمليات المسلحة؟
- ان هؤلاء هم الذين يحدثون الاذى الاكبر. والطريقة التي ينفذون بها اعمالهم لا علاقة لها بتقاليد مجتمعنا الجزائري الاسلامية. اذ لم يلجأ الجزائريون، خلال ابشع اللحظات التي واجهناها في حرب التحرير ضد الاستعمار، الى استخدام مثل هذا العنف الذي يكشف عنه "الافغان" الجزائريون. ان الحقد المزروع في نفوسهم يترجم بأعمال بربرية تفوق الوصف. وهذا يتناقض مع تقاليدنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.