السفير ابن بيشان يقدم أوراق اعتماده لسلطان عُمان    الفيفا ينشر «البوستر» الرسمي لبطولة كأس العالم للأندية 2025    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    "الديار العربية" و"NHC" توقّعان اتفاقية تطوير مشروع "صهيل 2" بالرياض    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    جامعة أم القرى تحصد جائزة أفضل تجربة تعليمية على مستوى المملكة    المملكة تواصل توزيع الكفالات الشهرية على فئة الأيتام في الأردن    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية فرنسا    الذهب يواجه أسوأ أسبوع في 3 سنوات وسط رهانات على تباطؤ تخفيف "الفائدة"    النفط يتجه لتكبد خسارة أسبوعية مع استمرار ضعف الطلب الصيني    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    بيهيتش: تجربة النصر كانت رائعة    صحيفة إسبانية.. هذا ما يمنع ريال مدريد عن ضم لابورت    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    جرائم بلا دماء !    الحكم سلب فرحتنا    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    عاد هيرفي رينارد    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعادة التنوع الأحيائي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    مقياس سميث للحسد    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تنشر على حلقات كتاب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اللبناني السابق ايلي سالم يتذكر: عارض الأسد الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي فطرح الاسرائيليون فكرة تقسيم لبنان الى كانتونات 6 - قسم الثاني
نشر في الحياة يوم 01 - 03 - 1993

هدد الجميل في واشنطن بقصف الأراضي السورية قال له تويني
"ممتاز، لكن في أي مطار لبناني سنهبط الآن !"
لم تتم زيارة وزير الخارجية الالماني هانز ديتريش غينشر المخطط لها الى دمشق كممثل عن المجموعة الاوروبية. اذ يبدو ان الفرنسيين عملوا على احباط الزيارة لانهم لم يرغبوا في اعطاء المانيا دوراً بارزاً في لبنان. وبما ان رئاسة المجموعة الاوروبية انتقلت في تموز يوليو 1983 الى اليونان، شعرت ان زيارة لاثينا قد تكون مفيدة. كانت حكومتها الاشتراكية تميل الى منظمة التحرير الفلسطينية وتفضل الثوريين الذين يهددون الحكومة الشرعية.
وصلت الى اثينا يوم 12 تموز يوليو 1983 واستقبلني مسؤولون يونانيون وسفيرنا هناك صديقي القديم شوقي شويري، الذي حدثني عن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية الذين كنت سألتقيهم في الايام القليلة المقبلة. وكانت زيارتي تهدف الى تأكيد اهمية لبنان لهم وحث المجموعة الاوروبية على لعب دور داعم للدور الاميركي ومساعدتنا على اخراج القوات الاسرائيلية من لبنان.
التقيت اولاً رئيس الجمهورية كرامنليس، وهو شخص لطيف وجدي ومتعاطف جداً. قطع اجازته لرؤيتي ولاعطاء دعاية اعلامية للدور اليوناني في المجموعة الاوروبية. وكان مكتبه المليء بالكتب دافئاً ويشعر المرء بالترحاب، وعبرت له عن شعوري هذا. لكنه ضحك وقال انه لم يقرأ اياً من تلك الكتب، وهي موجودة في مكتبه لغرض الزينة فقط. احببت تواضعه، وكان حاد الذهن. وشعرت فعلاً ان وريث سقراط هذا يهتم بالحرية وبالديموقراطية التي كان لبنان يتمتع بهما قبل انهياره. لكنه اعترف بأن السلطة السياسية في اليونان في يد رئيس الوزراء، وقال: "هو بروفسور مثلك وستتمتع بلقائه. هل انت اشتراكي؟". وقلت: "لا، انا فردي. وفي لبنان الاحزاب افراد والافراد احزاب وامم وربما احياناً منظمات دولية". وظل كرامنليس يصف ازمتنا بأنها تراجيديا، وكانت هذه الكلمة تعني الكثير لانها اتت منه، اذ حملت ثقل الفكر الاغريقي الكامل على الوجود الانساني. وكرر مراراً قوله بأنه سيفعل كل ما في وسعه لمساعدتنا.
بعد ذلك التقيت وزير الخارجية اليوناني كارالمبو بولس ذا الشخصية المميزة والشاربين الكبيرين اللذين كان من الواضح انه يصقلهما بفخر، اضافة الى شعره الطويل المسترسل. كان شخصاً يحب الحياة ويتمتع بالسلطة. كذلك كان يحب الكلام وغالباً، كما تقتضي السلطة. تحدث مطولاً عن تجربته اثناء الحرب العالمية الثانية ودوره البطولي فيها، اذ سجن واضطهد خلال تلك الفترة مما جعله يتعاطف مع مأساة الفلسطينيين. كذلك كان متعاطفاً مع لبنان الذي زاره في ايام الخير. لم يكن متفائلاً حيال التطورات في لبنان والمنطقة التي وصفها بأنها "متفجرة". واشار الى ان اليونان ستسعى الى مساعدة لبنان بصفتها رئيسة لمجموعة الدول العشر. لكنه توقع صعوبات بسبب نزاعات الجبارين لان السوفيات لن يتنازلوا عن الشرق الاوسط للنفوذ الاميركي، وهذا التنافس الاميركي - السوفياتي يسبب مأزقاً للبنان.
التقيت رئيس الوزراء باباندريو يوم الخميس 14 تموز يوليو وبدا لي بمظهره المفكر وغليونه مثل البروفسور، اي كما كان في الولايات المتحدة. كان من الواضح انه مطلع على الوضع اللبناني ويعرفني، مما اعطى لقاءنا جواً من الودية قال لي: "انت آت من باريس الشرق الاوسط". وقلت له مصححاً بلطف: "لا، أنا آتٍ من اثينا الشرق". واضفت "مشكلتنا ملحة ومعقدة وخطرة. واذا لم يتم حلها بسرعة فقد يواجه الشرق الاوسط مشكلة مدمرة مثل مشكلة الفلسطينيين". ووعد باباندريو بأن يصوغ خطة عمل ملموسة وان ينسق مع الولايات المتحدة لتوفير جهد اقصى.
غادرت اليونان الى نيويورك حيث اطلعت الامين العام للامم المتحدة بيريز ديكويلار على آخر التطورات بعد التوقيع على الاتفاق. كان راغباً جداً في ان يتم اشراكه، ولكنه لم يشأ التدخل في ما تفعله الولايات المتحدة. ولمح الي بأن شولتز لم يطلعه على ما يجري وانه شعر بأنه خارج اللعبة نوعاً ما. كان يريد زيارة بيروت ودمشق في اطار مبادرة للامم المتحدة، لكني قلت له ان الوقت ليس ملائماً لفعل ذلك ووافق معي على ذلك. كذلك اراد البقاء على علم بما يجري لانه كان رسمياً رئيس قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان ويجب ان يطلع مجلس الامن دورياً على عمل تلك القوة.
ناقشت مع فيليب حبيب في واشنطن الخيارات المتاحة امامنا في حال عدم تطبيق الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي. وقلت له انه في حال لم يؤد الاتفاق الى انسحابات فسنعلنه باطلاً ولاغياً. وذكرني بأن ريغان لا ينوي العودة الى الوراء ولذلك يجب تحقيق الهدف في اطار زمني محدود.
وعبرت لشولتز عن "مخاوفنا الجدية" لعدم قدرتنا على ضمان الانسحابات. لكنه كرر التزام الولايات المتحدة بذلك، على رغم انه لم يبد امتلاكه لاستراتيجية تضمن نتائج محددة. كان يريد تشجيع اعادة الانتشار الاسرائيلي كجزء من برنامج انسحاب اسرائيلي كامل. وكان مستعداً لارسال سفن وطائرات لاجلاء مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية اذا اراد عرفات الانسحاب، وقال انه سيعمل على اقناع السوريين بالانسحاب من لبنان. كان شولتز يأمل بأن يتسلم الجيش اللبناني كل منطقة تجلو عنها القوات الاسرائيلية، وكان تطور القوات المسلحة اللبنانية اثر فيه وفي مساعديه. وقلت له الآتي: "نحن سندخل مرحلة صعبة في حال عدم حصول تقدم خلال فترة قصيرة. فالناس يفقدون الامل، واذا شعر اعضاء مجلس النواب ان الطريق مسدود فسينفضّون من حول الاتفاق وينفون انهم ايدوه في اي وقت من الاوقات. وكل ما اسمعه منك موقف مبدأي بأن الولايات المتحدة تدعم اهدافنا، لكني لم اسمع اي شيء عن كيفية تحقيق هذه الاهداف. وعلى العكس، نحن نشعر الآن بأننا مكشوفون ومهددون ونملك الحد الادنى من الحماية. ان الاتفاق جزء من المبادرة الاميركية واذا فشلت هذه المبادرة فلن يكون هناك اتفاق وسيعتبر باطلاً ولاغياً. وعندها سنضطر لاتخاذ مسلك آخر لتحقيق اهدافنا". وبدا على شولتز القلق بوضوح. اذ كان يعمل بجد ولكن من دون جدوى. وطلب بعض الوقت كي يدرس الوضع مع مساعديه ويتشاور مع ريغان على امل اعطائنا بعض الاجوبة المحددة.
التهديد بقصف سورية
يوم 19 تموز يوليو 1983 زرت واشنطن مجدداً مع الرئيس الجميل ورئيس الحكومة شفيق الوزان. بعد استقرارنا في الفندق توجهت الى جناح الوزان فوجدته حزيناً وسيىء المزاج، اذ شعر بأن كل هذا الجهد للتوصل الى اتفاق مع اسرائيل "لم يؤد الى نتيجة". وقال لي الوزان: "في السياسة يجب ان ينجح المرء، ولكنك لن تفهم ذلك لانك جئت الى السياسة بالمظلة، مباشرة من الجامعة. اما انا فقد اتيت سيراً على الاقدام وبذلت جهدي كي اصير رئيس حكومة. لقد اردت خدمة بلدي ولكني ارى الاحتلال مستمراً عوضاً عن ذلك، ولا يبدو ان اعظم قوة على الارض قادرة على مساعدتنا. على عكس ذلك، يبدو لي انه كلما كبرت القوة زاد عجزها. ان الوفاق الذي فعلنا كل ما في وسعنا للحفاظ عليه بدأ ينهار ولقد سمعت اليوم ان هناك قصفاً واسعاً وان العديد من الناس قتلوا من جراء ذلك". ولان الوزان مسلم، فقد كان حساساً جداً تجاه الموقف العربي وبالاخص موقف دمشق. وكان الرئيس الوزان ايد رئيس الجمهورية في الاوقات الصعبة، مما عرضه للحرج في اوساط المسلمين اللبنانيين وعندما الح امام شولتز على ضرورة تأمين الانسحابات الاسرائيلية، اجابه شولتز: "هناك طرق عدة لسلخ جلد القط". وعندما ترجمت ذلك للوزان ردّ بشك: "فلنأمل الا يتم ذلك شعرة شعرة".
عقد الرئيس الجميل مؤتمراً صحافياً في نادي الصحافة الوطني في واشنطن. كان الوضع متأزماً في لبنان والقصف يطال كل المناطق. وكان حلفاء سورية في لبنان معبئين ضد الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي. وسأل احد الحاضرين رئيس الجمهورية خلال المؤتمر: "سيدي الرئيس، الجميع يعرف ان دمشق تقصف بيروت. ماذا تقترح ان تفعل حيال ذلك؟". وأجاب الجميل الذي يميل الى الحماس خلال التجمعات الكبيرة ويرد على التحدي بتحد آخر: "اذا كان الامر كذلك فإن القذائف ستنهار على الاماكن التي ينطلق منها القصف". وفسر الصحافيون هذا الكلام على أساس ان الجميل هدد "بقصف" دمشق. ولم يكن الجميل يعني ما يقوله حرفياً بالطبع. وكان هذا الرد خطأ وهفوة ديبلوماسية، في الوقت الذي كنا نحاول فيه التفاوض مع سورية، لكنه لاقى تصفيقاً مدوياً من الحاضرين. وكتب غسان تويني، الذي كان جالساً قربي على المنصة، شيئاً ما واعطاه لرئيس الجمهورية الذي قرأه بدوره وأعطاني اياه. وعلى غير عادته، لم يكن مبتسماً كما يفعل عندما يقرأ ملاحظات تويني المتكررة. وكان ما كتبه تويني التالي: "ممتاز يا سيدي الرئيس، ولكن في اي مطار تتوقع ان نهبط عند عودتنا الى بيروت؟". كان تويني عبقرياً في ايجاد الملاحظة والكلمة المناسبة، وكان سياسياً بارعاً ايضاً. وعرف ان رد الرئيس سيصعد الازمة ويهدد عودتنا الى بيروت عن طريق المطار الدولي ويزيد الموقف السوري تصلباً. أما الوزان الذي كان سياسياً حكيماً وحذراً على الدوام فلم يصدق ما سمعته أذناه، وكان يتمنى ان يكون في مكان آخر بعيداً عما يجري من حوله. وقال لي انه مصمم على الاستقالة، وحثثته على اعادة النظر بهذا القرار والحفاظ على الجبهة الموحدة التي نحتاجها في واشنطن. ومما زاد الامر سوءاً ان الوزان كان سيعقد مؤتمراً صحافياً ايضاً، وتوقع ان يسأل عن تهديد رئيس الجمهورية لسورية. وكان بالفعل السؤال الاول في المؤتمر عن تصريح رئيس الجمهورية. وأجاب الوزان، من دون ان يرف له جفن، قائلاً: "اي تهديد؟ ان رئيس الجمهورية كان يقصد ان الدول العربية جدار واحد منيع، واذا ازيلت حجارة تتصدع الحجارة الاخرى ويهبط الحائط كله". وعندها نظر الي وقال: "ما رأيك في هذا الجواب؟".
التقينا يوم 22 تموز يوليو الرئيس ريغان الذي اكد التزامه بدعم لبنان بعبارات عامة، واعلمنا ان حبيب سيتخلى عن منصبه كمبعوث خاص. وشكر حبيب على قيامه بعمله جيداً واعلن تعيين روبرت مكفرلين مكانه، على ان يكون السفير ريتشارد فيربانكس مساعده. ولم نحصل على اية ضمانات جديدة في واشنطن، بل سمعنا تأكيدات عن الالتزام الاميركي واستمرار الجهود حتى تحقيق الاهداف. كنا غير واثقين من نتيجة هذه الجهود. ووضعنا مع الفريق الاميركي قائمة خيارات امامنا، وكان فريق ماكفرلين - فيربانكس الجديد سيتابع هذه الخيارات مع الاطراف المعنية. اما فريق العمل الاميركي - السوري المؤلف من فيليوتيس والشرع الذي طلب منه الرئيس الاسد ان ينسق مع فيليوتيس فسيعمل على تحسين العلاقات السورية - الاميركية بهدف تنفيذ وتطبيق أحد الخيارات التي توصلنا اليها. وقررنا تنشيط دور القادة الاوروبيين لدعم المجهود الديبلوماسي الاميركي الجديد.
ووضعنا أمامنا اربعة خيارات هي الآتية:
1 - الاقتراح الاميركي: تنسحب اسرائيل اولاً من جميع المناطق باستثناء البقاع ويلي ذلك انسحاب سورية. ولن يضطر الاسرائيليون الى الانسحاب من البقاع الا اذا انسحبت سورية انسحاباً كاملاً. ويتم تعليق الاتفاق خلال فترة الانسحابات هذه. ثم يعاد التفاوض عليه من دون تعديل جذري.
2 - الاقتراح العربي: تتم الانسحابات المتزامنة وتعلق الفقرة المتعلقة بالعلاقات المشتركة في الاتفاق، على ان تتم اعادة التفاوض عليها بعد ستة اشهر من الانسحابات. وتطبق الترتيبات الامنية فور حصول الانسحابات.
3 - اقتراح الأسد: وضع شولتز صيغة هذا الاقتراح على اساس مباحثاته مع الرئيس الاسد، ولم اكن متأكداً من دقة التعابير فيه وقلت ذلك لشولتز. وهو يدعو الى انسحاب مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية اولاً على ان يلي ذلك انسحاب اسرائيل ثم سورية. وعند اكتمال الانسحابات يجري استفتاء عام في شأن الاتفاق تحت اشراف الامم المتحدة.
4 - الاقتراح الاسرائيلي: كما قدمه الفريق الاميركي، تقوم اسرائيل بالانسحاب التدريجي على ان تخلي منطقة ما وتتأكد من قدرة الجيش اللبناني على فرض الامن والنظام فيها. واذا رضيت اسرائيل تنسحب بعد ذلك من منطقة اخرى، وهكذا دواليك. ويعتمد الانسحاب الاسرائيلي الكامل على انسحاب سورية ومنظمة التحرير والتطبيق الكامل للاتفاق.
واجهت هذه الخيارات صعوبات كبيرة. وشعرت نتيجة الموقف الاسرائيلي خلال المفاوضات والموقف السوري حيال العلاقات مع اسرائيل اننا نسلك طريقاً طويلاً وشاقاً ومجهول النهاية وان مجال التحرك ضيق جداً.
تقسيم لبنان
وصل الفريق الاميركي المؤلف من روبرت ماكفرلين، مساعد مستشار الامن القومي، وريتشارد فيربانكس، وكريس روس، وفيليب دور، وهوارد نيثر الى بيروت في أول آب اغسطس وبحث معنا الاقتراح الاميركي محاولاً معرفة كيفية ملئنا الفراغ الناتج عن الانسحابات الاسرائيلية من منطقة الشوف - عاليه. قلنا لهم ان لدينا ثلاثة ألوية قوامها اثني عشر الف جندي جاهزة للتحرك، واننا سننشر "القوة المتعددة الجنسيات" على طول الطريق الدولي كي تقوم بدعم الجيش اللبناني. وغادر الفريق الى اسرائيل لاقناع المسؤولين فيها بقبول الاقتراح الاميركي وللحصول على جدول زمني للانسحاب الاسرائيلي من كل انحاء لبنان في فترة تراوح بين 8 و12 اسبوعاً. ظن اعضاء الفريق ان الاسرائيليين مستعدون للتباحث ولكنهم ليسوا مستعدين لتقديم جدول انسحاب كامل. وكان الاسرائيليون مستعدين للانسحاب من منطقة الشوف - عاليه والسماح للجيش اللبناني بالسيطرة على هذه المنطقة. واذا برهن الجيش اللبناني على قدرته على ضبط الامن تنسحب اسرائيل عندئذ من منطقة اخرى، وهكذا دواليك. حذرنا الفريق الاميركي من ان اسرائيل تسلح الدروز والقوات اللبنانية وتعد لنزاع في منطقة الشوف - عاليه. وعندما ينشب هذا الصراع، تعلن اسرائيل انها لا تثق بالجيش اللبناني وستنسحب فقط عندما يحلو لها. وقلت لماكفرلين انه يجب على اسرائيل الانسحاب من دون ان تترك وراءها قنبلة موقوتة، ورددنا للفريق الاميركي هذه النقطة مراراً واعطينا ادلة تستند الى التطورات والتحركات على الارض.
وبينما كان ماكفرلين يقوم برحلات مكوكية لانجاح الاقتراح الاميركي في اوائل آب اغسطس، قام جان عبيد بزيارة قصيرة الى دمشق والتقى الرئيس الاسد. وطلب اليه ان يستقبلني لبحث مستقبل الاتفاق، فأجاب الاسد انه يريد الغاء الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي وانه لن يلتقي بي الا اذا اتيت الى دمشق لاعلان الالغاء. وكان هذا هو موقف الاسد المعلن والمستمر، اذ عجبت عندما علمت في واشنطن ان شولتز استنتج من محادثاته مع الاسد ان الرئيس السوري يقبل باستفتاء عام حول الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي تحت اشراف الامم المتحدة. وعندما التقى كل من ماكفرلين وفيربانكس الاسد فهما انه لن يحيد عن موقفه المعارض للاتفاق.
يوم 11 آب اغسطس 1983 كتبت التقرير الآتي المتضمن تقويماً للوضع: "يبدو الوضع اللبناني اليوم اكثر تعقيداً من اي وقت مضى. واظن اننا نحتاج الى سنوات وليس الى اشهر والى جهود جبارة تقودها الرؤية الحكيمة ويغذيها الصدق والامانة اذا اردنا بناء دولتنا كما نريدها ان تكون". واضافة الى الاصرار السوري علينا لالغاء الاتفاق كنا نواجه اصراراً اسرائيلياً على ان نتصرف وكأن لدينا معاهدة سلام، والا نندم. وابلغنا داني شمعون ان الاسرائيليين غاضبون، اذ ارادوا الاجتماع مع القادة اللبنانيين وان تعرض هذه اللقاءات على شاشات التلفزيون. لقد ارادوا ان يظهروا لشعبهم انهم حققوا شيئاً ما، ولمحوا الى انه في حال لم نتفهمهم ونتعاون معهم فسيجعلون حياتنا صعبة ابتداء ً من تحريك الوضع في الشوف. وقال لي داني ان اسرائيل تلعب لعبة تختلف تماماً عن تلك التي تلعبها الولايات المتحدة، وان الاميركيين يصدقون بسذاجة ما تقوله اسرائيل. واكدت لداني ضرورة معرفة حقيقة ما تنوي فعله اسرائيل في الشوف، خصوصاً توقيت انسحابها منه والشروط التي سيتم فيها ذلك. وكان ماكفرلين فشل في الحصول على جدول زمني في شأن ذلك الانسحاب. لكن ريغان بعث الى الجميل رسالة قال فيها ان اسرائيل ستنسحب بشكل كامل وان الانسحاب الى نهر الاولي هو المرحلة الاولى من خطة الانسحاب الشاملة. ولم يكن ذلك شيئاً جيداً، ولكنه كان أفضل ما يمكننا الحصول عليه. وكان كلما بدا ان الاميركيين غير قادرين على تحريك عملية الانسحاب الى الامام كلما ازدادت المعارضة للدور الاميركي. ومجلس النواب الذي كان قوياً في تأييده للدور الاميركي في ايار مايو، أصبح اليوم يشك بصدقية هذا الدور، وبدأ يميل نحو المعارضة ورافق هذه المعارضة قصف كثيف جعل حياتي في منزلي في بعبدا صعبة جداً ورحلتي اليومية من البيت الى مكتبي او القصر الجمهوري خطرة جداً. وفي احدى الرحلات الى القصر الجمهوري التي تستغرق عادة نحو ثماني دقائق، أحصيت 23 قذيفة سقطت الى يمين او يسار سيارتي التي كنت أقودها حسب مشيئة القدر الى مقر عملي يومياً. وغالباً ما كنت اقول لنفسي خلال هذه الرحلات انني وزير الخارجية الوحيد في العالم الذي يعمل في اجواء عنيفة كهذه الأجواء.
بينما كان ماكفرلين يتلقى ضمانات من بيغن وشامير بأن اسرائيل تريد لبنان موحداً ومستقلاً وذا حكومة مركزية قوية قادرة على السيطرة على الجنوب، كان بعض السياسيين اللبنانيين يحمل رسائل مختلفة من تل ابيب. وكانت احدى هذه الرسائل تفيد ان لبنان يجب ان يقسم الى كانتونات، على ان يحصل المسيحيون على كانتون قد يضم بالاضافة الى المتن وكسروان وجبيل ربما البترون والكورة وزغرتا وبشري. وسيحاول الاسرائيليون فعل كل ما في وسعهم لضمان وجود زحلة داخل الكانتون المسيحي، لكنهم لا يستطيعون ضمان ذلك. اما الشيعة فسيكون لهم كانتون يمتد ابتداء من جنوب بلدة الدامور، بينما سيحصل السنة على منطقة طرابلس - عكار. اما البقاع فهو للسوريين. وحسب المعلومات التي تلقيناها آنذاك من تل ابيب، فإن المسؤولين الاسرائيليين درسوا مطولاً مشروع تقسيم لبنان هذا الى كانتونات.
الاسبوع المقبل
الحلقة السابعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.