لا أظن أن اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي ينتظر نصيحة مني. ولكن اذا طلبها فانني اود ان اذكّره بقول مأثور لسياسي بريطاني مشهور هو دينس هيلي: "عندما تكون في حفرة توقّف عن الحفر!". فمن الامور الرهيبة ان يرى رابين الورطة التي وضع نفسه فيها بمحاولته ان يكون رجلاً صلباً. اذ ان طرده اربعمئة فلسطيني اعتقاداً منه بأن الظن بأنهم من انصار حركة حماس يبرر الطرد جعله الخاسر ثلاث مرات. اولاً، لأن كل ما فعله هو زيادة التعاطف مع حماس، وهو آخر شيء يريده هو أو أي شخص آخر، وثانياً، لفت الانتباه الى العناد الاسرائيلي وانتهاك حقوق الانسان، الى درجة جعلت احتمال فرض العقوبات على اسرائيل وارداً للمرة الأولى. وثالثاً، جاء رابين الى السلطة واعداً بتحقيق تقدم في عملية السلام، ولكنه برفضه السماح بعودة المبعدين الأربعمئة بموجب قرار مجلس الامن الرقم 799 جعل اجهاض هذه العملية امراً محتملاً. وهذا بالطبع مأساة ليس لرابين وحده، بل ولكل شخص آخر، بمن في ذلك الكثيرون من الشرفاء الذين يعملون من اجل السلام وكانوا يعتقدون ان شيئاً ايجابياً سيحدث في نهاية الامر. ومنذ مقالتي الاخيرة لم تكن معظم الاشياء التي حدثت طيّبة. فأفضل الاخبار هو ان الامين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي لديه استعداد واضح لمعاملة قرارات مجلس الامن الدولي الخاصة باسرائيل بالجدية نفسها التي يعامل بها القرارات الاخرى الخاصة بالقضايا الملحة المختلفة في انحاء العالم الاخرى. وقد أدى تصميم بطرس غالي الواضح على معالجة مشكلة المعايير المزدوجة بشأن اسرائيل الى اسراع ادارة كلينتون لاظهار لونها الحقيقي. وهو لون لا يبعث على الطمأنينة عند اي شخص منا ممن يهتمون بالسلام والعدالة في الشرق الاوسط. فبسبب الضغط الاميركي تم "ترقيع" صفقة سريعة. اذ وافقت اسرائيل على السماح بعودة مئة من المبعدين على الفور، على ان يعود الباقون خلال 12 شهراً بدلاً من سنتين. ولكنني لا اعتقد ان في هذا اي معنى اطلاقاً. وخير ما يمكن قوله عن هذه الصيغة هو انها تساعد رابين على انقاذ بعض ماء وجهه. لكن معظم الناس لا يرون في ذلك النقطة الاساسية. فالنقطة الاساسية هي انه تم وضع قواعد خاصة لتطبيقها على اسرائيل نتيجة الضغط الاميركي. فنحن نعرف انه ينبغي على الجميع احترام قرارات الأممالمتحدة وخصوصاً قرارات مجلس الامن بحذافيرها. اما اسرائيل فها هي تعطى الفرصة لاحترام جزء من القرار فقط. انني لا استطيع ان اجد سبباً لاستعداد الادارة الاميركية للموافقة على مثل هذه الوسيلة السافرة غير المقنعة. فهو اسلوب لن ينجح وقد رفضه المبعدون سلفاً. وهكذا تستمر الورطة، بينما تظل عملية السلام معطلة، ولن يستفيد من ذلك احد الا المتعصبون من الطرفين. ومرة اخرى نجد ان موقف المعتدلين يزداد صعوبة. بلا عقاب والأنباء الاخرى الواردة من واشنطن ليست جيدة ايضاً. اذ ان ادارة كلينتون بدأت بداية سيئة. فكما قالت احدى الصحف الاميركية الرائدة في انتقاد حاد لكلينتون: هناك ما تصفه الصحيفة بسحب من التقاعس وعدم الكفاءة فوق واشنطن. وكلينتون هو وحده الملوم. اذ ان الناخبين صوتوا له لكي يعالج الاوضاع الاقتصادية التي قال انها اولويته العليا. ولكن ما الذي فعله؟ صحيح انه يحاول ادراج الشؤون الخارجية في ادنى قائمة الاولويات، مثلما وعد في الحملة، ولكنه غاص في مبادرة خرقاء، حول الشاذين جنسياً في القوات المسلحة. يا لها من بداية عظيمة!! وفي ما عدا ذلك فان الدليل على ان الرئيس كلينتون اصبح في أيدي اللوبي الاسرائيلي الى درجة كبيرة، يبرز من خلال اعلان بسيط، ولكنه مهم جداً، في رأيي، وهو ان احد كبار مسؤولي اللجنة الاميركية - الاسرائيلية للشؤون العامة اللوبي سيتولى شؤون الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي. وفي وسع المرء ان يتخيل مدى موضوعية النصائح التي سيحصل عليها كلينتون. في هذه الاثناء يزداد تردي الاوضاع في الأراضي المحتلة. ويشير تقرير اعده الخبير البريطاني الميجور ديريك كوبر الى ان حوالي مئتي طفل فلسطيني قتلوا او جرحوا برصاص القوات الاسرائيلية خلال الشهرين الماضيين. كذلك يقدر النائب البريطاني جورج غالاوي، وهو زائر منتظم للأراضي المحتلة، ان الجنود الاسرائيليين قتلوا بالرصاص احد عشر طفلاً تحت سن العاشرة منذ الأول من كانون الأول ديسمبر الماضي، مما يجعل مجموع عدد القتلى منذ بدء الانتفاضة الفي قتيل، معظمهم في سن المراهقة. كذلك يقدر ان 300،12 شخص آخرين اصيبوا بجروح نتيجة تعرضهم للذخيرة الحية خلال الفترة نفسها. وفي تقرير لأطباء الأممالمتحدة "ان ارتفاعاً كبيراً حدث في الاصابة بجروح في الجزء الأعلى من الجسم وفي الرأس"، وفي هذا ما يدل بالطبع على ان الجنود الاسرائيليين يتعمدون اطلاق النار بهدف القتل. والواقع انهم بدلاً من ان يخففوا استخدام الذخيرة الحية فهم يزيدون استخدامها، ويصوبون النار للقتل اكثر فأكثر، مع مرور كل يوم. أين، في العالم، يمكن السماح لأية دولة ان تظل بمنأى عن العقاب حين تقتل المتظاهرين الذين يكون بينهم الكثيرون من الاطفال وليس لهم من سلاح سوى الحجارة؟ ان الطريقة التي تتصرف بها اسرائيل في الأراضي المحتلة طريقة قذرة. وعندما زرت قطاع غزة قبل خمس سنوات قلت ان سلوك اسرائيل يعتبر اهانة للقيم المتحضرة. وهذا صحيح، وهي اهانة تزداد مع مرور الأيام. ولكن يبدو ان الأممالمتحدة تميل على الأقل الى معاملة كل ذلك بجدية. فيا للعار ان يحاول الرئيس كلينتون منعها من ذلك. * نائب عن حزب المحافظين ووزير بريطاني سابق.