زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للخرطوم التي استمرت 10 ساعات اثارت ردود فعل مختلفة في الاوساط السودانية. فقد عبرت جهات سودانية عدة عن موقف رافض لهذه الزيارة منذ الاعلان عنها في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي. ومن هذه الجهات جماعة انصار السنة المحمدية، فعلى رغم ان زعيمها الشيخ محمد هاشم الهدية ظهر على التلفزيون السوداني مع بعض أئمة المساجد ورجال الدين في اجتماع مع السيد محمد الامين خليفة رئيس المجلس الوطني الانتقالي البرلمان، حيث تركز الخبر على الترحيب بالزيارة، الا ان الشيخ الهدية أوضح في بيان تسلمه مكتب "الوسط" في الخرطوم استنكاره للزج باسمه ضمن المرحبين بالزيارة. بالاضافة الى انصار السنة المحمدية، وهم جماعة دينية سنية معتدلة، فان جماعة "الاخوان المسلمين" كانت اكثر تطرفاً في رفض الزيارة، اذ اصدرت بيانات عدة احدها وقعه زعماء الجماعة، ومنهم الدكتور يوسف نور الدائم والدكتور ابراهيم محمد زين، والدكتور محمد ابو ضفيره، وآخر وقعه اعضاء الجماعة في الجامعات والمعاهد العليا. وأمعنت البيانات في رفض الزيارة الى درجة تكفير من يستقبل البابا. وكذلك صرح السيد الصادق المهدي بأن توقيت الزيارة غير مناسب لأن السودانيين غير متوحدين على حد تعبيره. على الصعيد الرسمي كانت اجهزة الامن في حالة استعداد كامل تحسباً لأي طارئ، لا سيما ان الزيارة تعني حشد مئات الآلاف من ابناء جنوب السودان، وتحمل الذاكرة ان تجمعاً مثل هذا حصل في آذار مارس 1965 أدى الى نتائج دموية حين كان الجنوبيون يستقبلون واحداً منهم تولى منصب وزير الداخلية هو السيد كلمنت امبورو، وسرت شائعات عن اغتياله عندما تأخرت طائرته ساعات عدة. من المظاهر التي لاحظها المستقبلون ان نائب الرئيس اللواء الزبير محمد صالح لم يكن ضمن المستقبلين، وكذلك والي الخرطوم اللواء محمد عثمان محمد سعيد ونائبه العقيد يوسف عبدالفتاح، والاخير قاد حملة شعبية لتشييد "الساحة الخضراء" التي اقيم عليها اللقاء الجماهيري مع البابا. وترك غياب الثلاثة اكثر من علامة استفهام. وترددت اشاعات في الخرطوم - بعد تصريحات أدلى بها البابا في بينين وأوغندا اتهم فيها الحكومة السودانية بممارسة نوع من الاضطهاد الديني - ان حكومة الرئيس عمر حسن البشير "تبحث عن مخرج" لالغاء هذه الزيارة في اللحظة الاخيرة. وروى احد كبار المسؤولين السودانيين قبل هبوط طائرة البابا في مطار الخرطوم صباح 10 شباط فبراير الجاري ان سفير الفاتيكان في الخرطوم أبلغ بعض الذين كانوا يقفون الى جانبه عن خشيته من ان البابا قد يهبط في المطار ويقبّل الأرض ثم يعود الى روما. وانتشرت هذه الاشاعات وسط المستقبلين ورجال الاعلام الذين كانوا يغطون الزيارة. وقد حرص البابا لدى وصوله على تقديم شكره للحكومة السودانية لأنها اتاحت له المجال لزيارة هذا البلد. ولا بد من التذكير بأن حكومات سودانية سابقة اعتذرت عن استقبال البابا في الماضي. وشهدت الزيارة لقاءً جماهيرياً وقداساً اقامه البابا في الساحة الخضراء في الخرطوم حضره حشد من المسيحيين أمنت وصولهم من اطراف العاصمة الكنيسة الكاثوليكية. وبلغت تكلفة اللقاء الجماهيري والقداس مليوناً ونصف المليون دولار. وقال السيد عبدالرحيم حمدي وزير المال السوداني لپ"الوسط" معلقاً على زيارة البابا ان الرئيس البشير "ظهر سعيداً للغاية وفي روح معنوية عالية لأن الزيارة تمت". وأبدى البابا استعداده للمساهمة في جهود السلام. وأضاف حمدي "ان البشير ابلغ البابا قراراً لم يكن متفقاً عليه باصدار العفو عن القس تومبي الذي كان معتقلاً في مدينة جوبا بتهمة المشاركة في حركة تخريبية، وان البابا اطلع على اعترافاته كاملة".